
تضخّم «سوليدير» مؤشّر على فقّاعة ستنفجر
تقترب القيمة السوقية لأسهم شركة «سوليدير» من 20 مليار دولار، أي إلى رقم قريب من الناتج المحلي الإجمالي للبنان، وهي اليوم أكبر بعشرين مرّة تقريباً مما كانت عليه عند انهيار النظام المصرفي وسعر الصرف الثابت في العام 2019.
تعبّر القيمة السوقية عن قيمة مجمل أسهم الشركة وفق آخر سعر لتداول السهم في بورصة بيروت. وقد قفز سعر سهم «سوليدير» بفئتيه ألف وباء قفزات متتالية في السنوات الخمس الماضية، ليرتفع من أقل من 7 دولارات في منتصف العام 2019 إلى نحو 120 دولاراً الآن.
هذا التضخّم المثير في سعر سهم الشركة العقارية الأكبر في لبنان في ظل الانهيار المتمادي والحرب المدمّرة والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يفسّره بعض خبراء البورصة على أنه وهمياً وليس حقيقياً، إذ أنه يعكس سعر «اللولار» وليس سعر الدولار النقدي، بذريعة أن الجزء المهم من عمليات التداول بسهم الشركة يتم عبر الودائع بالدولار المحتجزة في المصارف اللبنانية، ولا سيما الودائع الكبيرة والمتوسطة، التي يجري تسعيرها بين 10% و20% من قيمة الدولار في السوق.
هذا التفسير تبسيطي وينطوي على سذاجة كبيرة، وبمعزل عن الكيفية التي يتم فيها تسوية عمليات الدفع في البورصة فإن سهم سوليدير مسعّر بالدولار وليس بالليرة، وهذا ما جعله بمثابة الملاذ لأصحاب الودائع الكبيرة والمتوسطة لتصفية ودائعهم المحتجزة أو أجزاءً منها عبر استبدالها بأسهم مدولرة والاحتفاظ بها على المديين المتوسط والطويل لتفادي عمليات «قص الشعر» أو التخفيف منها، الجارية منذ خريف العام 2019. وعلى مدار هذه الفترة، ظهرت أشكال مختلفة للتحوّط والمضاربة، وشملت في البداية شراء عقارات من شركة «سوليدير» بالدولار المصرفي فضلاً عن شراء الأسهم، وهو ما أتاح للمودعين الكبار التخلّص من بعض خسائرهم في المصارف، كما أتاح للشركة تصفية محفظة قروضها كلّها لدى المصارف اللبنانية وتحقيق أرباح دفترية كبيرة.
مثّل إنشاء شركة «سوليدير» بعد الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990) الوجه الأكثر توحشاً لمشروع إعادة الإعمار بعد الحرب. وبحجّة الدمار الهائل الذي أصاب وسط بيروت التاريخي وتشابك الحقوق والملكيات وتعقّدها، جرت عملية «خصخصة» قلب بيروت بالمقلوب، أي عبر مصادرة ملكيات خاصّة ومنحها لشركة عقارية احتكارية تمتلك امتيازات ضخمة. وبعد 30 سنة من استحواذ الشركة الخاصة الاحتكارية على جميع العقارات في تلك المناطق والعقارات المستحدثة من ردم البحر لم تتحقق إعادة إعمار وسط بيروت ولم تعد الحياة إليه، وانكشف بالتالي طابعها المضاربي على أسعار الأراضي، وما يحصل منذ انهيار المصارف والعملة يؤكّد هذا الطابع، وتكمن خطورته الحالية في تضخّم القيمة السوقية والارتفاع الخيالي لسعر السهم، ما يهدّد بانفجار الفقاعة في أي لحظة تصحيحية للأسعار في السوق، فما يحصل في بورصة بيروت وميزانيات شركة «سوليدير» هو مؤشّر إلى أنماط فصول الأزمة المقبلة في ظل الآمال بالإصلاح والإعمار والانتعاش.