
الدور الإمبريالي الفرعي للإمارات العربية في أفريقيا
أقلعت أول رحلةٍ لطيران الإمارات في 25 تشرين الأول/أكتوبر 1985، من دبي إلى مدينة كراتشي الباكستانية، مستخدمة طائرة مستأجرة من الخطوط الجوية الباكستانية الدولية. تمتلك طيران الإمارات اليوم أسطولاً يضمّ أكثر من 260 طائرة، تخدم أكثر من 136 وجهة حول العالم. وفي العام 2023، تم تصنيف مطار دبي الدولي كأكثر المطارات ازدحاماً بالركاب الدوليين للعام العاشر على التوالي.
افتُتِح ميناء جبل علي، الواقع قبالة ساحل دبي، في العام 1979، وأُنشِئَت منطقة جبل علي الحرة بعد ذلك بنحو 6 سنوات. في العام 2023، كان الميناء عاشرَ أكثر الموانئ ازدحاماً بالحاويات في العالم.
على الرغم من موقع دبي على الساحل الجنوبي للبحر الداخلي الصغير نسبياً والمعروف باسم الخليج العربي – أو الخليج الفارسي، حسب المنظور الجغرافي أو التاريخي أو الثقافي – فقد حقّقت رؤيتها بأن تصبح مركزاً رئيساً في ما تصفه بـ«شبكة تجارية تصل إلى ثلث البشرية».
حقّقت دبي أكثر من ذلك منذ مطلع القرن الحالي. وأصبحت المدينة مرادفة للرفاهية والحياة الفاخرة والنمو الاقتصادي. وتحولت إلى مركز عالمي للأعمال والسياحة والترفيه، وأصبحت نموذجاً تنموياً يُحتذى به من السياسيين ورجال الأعمال والمواطنين في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
ومع ذلك، فإن أبوظبي، الشقيقة الأكثر ثراءً ونفوذاً، ولكن الأقل شهرة من دبي، هي القوة الدافعة وراء صعود دولة الإمارات العربية المتحدة كقوة رئيسة في سياسات المنطقة في السنوات الأخيرة.
تمثل الإمارات، كدولة طرفية تمارس الإمبريالية داخل منطقتها بينما تظل معتمدة على الولايات المتّحدة، القوة الإمبريالية الأساسية، نموذجاً للتحوّل إلى دولة إمبريالية فرعية
وقد استثمرت الإمارات مليارات الدولارات في دول أفريقية عدة في قطاعات مثل التعدين والنفط والبنية التحتية والخدمات اللوجستية والزراعة، ما مكّنها من السيطرة على أجزاء كبيرة من اقتصادات هذه الدول.
كما أدّت الإمارات أدواراً حاسمة في الدول المتأثرة بالانتفاضات والاحتجاجات التي عرفت باسم «الربيع العربي»، وخصوصاً مصر وليبيا وتونس واليمن. وكان دعمها للحكومة الإثيوبية ذا تأثير كبير على نتائج حرب التيغراي وتطورات القرن الأفريقي ومنطقة البحر الأحمر.
وتشارك الإمارات بشكل عميق في الحرب الدائرة في السودان، حيث تدعم ميليشيات قوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي والإبادة الجماعية.
كما تعاونت الإمارات بشكلٍ وثيق مع ميليشيات، واستخدمت مرتزقة في صراعات مختلفة، ما أثر بشكل كبير على من يحكم هذه الدول، وكيف تُحكَم، فنصبت نفسها صانع ملوك جديد في المنطقة.
وسّعت الإمارات نفوذها الاقتصادي عبر أفريقيا بالاستثمار في الموانئ والمطارات ومشاريع البنية التحتية. هذه المشاريع ليست مدفوعةً فقط بالمصالح التجارية، بل تُعتبر أيضاً خطوات استراتيجية لتعزيز نفوذها. وتمتلك الإمارات استثمارات كبيرة في الأراضي الزراعية والطاقة المتجددة والتعدين والاتصالات، بالإضافة إلى اتفاقيات تعاون عسكري واسعة النطاق، ما يجعلها لاعباً رئيساً في الجغرافيا السياسية الإقليمية.
يوفر استخدام إطار «الإمبريالية الفرعية»، وهو مفهومٌ ابتدعه العالم والناشط الماركسي البرازيلي روي ماورو ماريني، رؤى قيمة لتحليل استراتيجيات الإمارات وأثرها. ويوضح كيف يمكن أن تكون الإمارات دولة مستقبِلة لاستغلال الإمبريالية، وفي الوقت نفسه قائمة بممارسات إمبريالية ضمن نطاق نفوذها، بينما تتحدّى القوى الإمبريالية التقليدية. ويترجم المصطلح أيضاً بالإمبريالية الطرفية أو شبه الإمبريالية وباللغة الإنكليزية «sub-imperialism».
وتشير الإمبريالية الفرعية في هذا السياق إلى الظاهرة التي تعمل فيها دولةٌ، من دون أن تكون قوة إمبريالية عالمية كبرى، بطرق تتماشى مع، أو تدعم، مصالح القوى الإمبريالية، وتتصرّف بشكلٍ إمبريالي داخل منطقتها. وتتميّز هذه الظاهرة بتمدّد النفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري لدولة ما على دول أو مناطق أخرى، غالباً بالنيابة عن، أو بالتعاون مع، القوى العالمية المهيمنة.
وتمثل الإمارات، كدولة طرفية تمارس الإمبريالية داخل منطقتها بينما تظل معتمدة على الولايات المتّحدة، القوة الإمبريالية الأساسية، نموذجاً للتحوّل إلى دولة إمبريالية فرعية. ومن الأمثلة الأخرى على الإمبريالية الفرعية في الشرق الأوسط إسرائيل وقطر والمملكة العربية السعودية.
ففي خلال العقد الثاني من الألفية، كانت طموحات الإمارات وقطر الإمبريالية الفرعية تشبه إلى حدّ كبير النموذج الإسرائيلي. وعلى الرغم من صغر حجم الدول الثلاث، وعدد سكانها، ووجودها في بيئات إقليمية معادية، إلا أنها استفادت من ثرواتها، وعلاقاتها الاستراتيجية مع القوى الغربية، لفرض نفوذها في المنطقة. وقد دعمت جميعها فصائل مختلفة، بما في ذلك مرتزقة ومتمرّدين، لتعزيز مصالحها الوطنية، وإثبات هيمنتها الإقليمية.
ومن ناحية أخرى، أظهرت المملكة العربية السعودية، الأكبر حجماً وسكاناً، سمات الإمبريالية الفرعية منذ منتصف القرن العشرين من خلال التدخلات العسكرية المباشرة، والأنشطة السياسية والمالية والدينية، التي تؤثر على المنطقة، بينما تعتمد على الولايات المتحدة في الدفاع، وتتماشى بشكل وثيق مع اقتصادها.
وأصبح معروفاً على نطاق واسع أن استراتيجية الإمارات الإقليمية ترتكز على طموحات الهيمنة الاقتصادية، والتوسّع السياسي، ومواجهة التهديدات التي تسبّبها حركات الإسلام السياسي وإيران. وهناك عامل آخر وهو غريزة البقاء لدى النظام، وخوفه من الحركات الشعبية الديمقراطية أو الثورية. وغالباً ما يتم إغفال هذا الجانب بسبب الوعي المحدود بالنشاط السياسي والتيّارات السياسية داخل الإمارات ومنطقة الخليج بشكل عام.
لذلك، تُعد دراسة الدور شبه الإمبريالي للإمارات في أفريقيا أمراً بالغ الأهمية لفهم تأثيرها الكبير في إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية الإقليمية والرأسمالية العالمية. ويساعد هذا التحليل في إلقاء الضوء على سبل مقاومة هذه الهياكل السلطوية بشكل فعّال من حركات العدالة والمقاومة.
بدايات متواضعة
تأسّست دولة الإمارات العربية المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 1971 بعد انتهاء معاهدات الحماية البريطانية. وكانت تتألّف من 6 إماراتٍ قبل انضمام الإمارة السابعة في شباط/فبراير 1972. وعند تأسيسها، كانت الإمارات دولة صغيرة وضعيفة يبلغ عدد سكانها 340 ألف نسمة فقط، مع وجود محدود لمظاهر الدولة الحديثة. وكانت محاطة بجيرانٍ أقوياء مثل إيران التي احتلت ثلاث جزر تابعة لها عشية تأسيسها، والمملكة العربية السعودية التي لم تعترف بها حتى تم تسوية نزاع حدودي بينهما.
على مدى الثلاثين عاماً التالية، تبنّت الإمارات نهجاً دبلوماسياً بعيداً من الأضواء تحت قيادة مؤسسها، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بينما شرعت في تحديث سريع مدفوع باحتياطياتها الهائلة من النفط والغاز. وعلى الرغم من ثروتها الكبيرة، ونصيب الفرد المرتفع من الناتج المحلي الإجمالي، تظل الإمارات دولة استبدادية ذات مجتمع شديد الطبقية. ويبلغ عدد سكانها الآن حوالي 11 مليون نسمة، منهم مليون فقط من المواطنين الإماراتيين، بينما البقية خليط متنوّع من المقيمين الأجانب والمهاجرين من أكثر من 200 جنسية، يأتي معظمهم من الهند وباكستان وبنغلاديش. ومعظم هؤلاء الوافدين يفتقرون إلى حق الإقامة الدائمة أو التجنيس.
تميّز تحوّل الإمارات من دولة صغيرة وضعيفة إلى قوة إمبريالية فرعية باستخدامها لثروتها وتحالفاتها لتشكيل المشهد السياسي في الشرق الأوسط وأفريقيا. وتأثير الإمارات ظاهرٌ من خلال الاستثمارات الاقتصادية والتدخلات العسكرية والانتشار الدبلوماسي
تتركّز الثروة والسلطة في الإمارات عند العائلات الحاكمة في أبوظبي (آل نهيان) ودبي (آل مكتوم)، إلى جانب عدد قليل من النخب التجارية المرتبطة بها بشكل وثيق. وتمتلك أبوظبي، العاصمة وأغنى الإمارات السبع، معظم السلطة السياسية والاقتصادية، بينما تشتهر دبي بحيويتها الاقتصادية وجاذبيتها العالمية. أما الإمارات الخمس الأخرى فهي محدودة الموارد والنفوذ.
والنسيج الاجتماعي للإماراتيين به انقسامات دينية وعرقية. فهناك غالبية سنية مهيمنة، وأقلية شيعية غالباً ما تشعر بالتهميش، ويُنظر إليها بتوجس بسبب علاقاتها المفترضة مع إيران. وداخل المجتمع السني، تنتمي عائلات أبوظبي ودبي الحاكمة إلى المذهب المالكي، بينما يتبع غالبية السكان السنة المذهب الحنبلي. وتعقد الفروق العرقية التسلسل الهرمي الاجتماعي، حيث تحتل القبائل العربية البدوية تقليدياً أعلى المراتب، يليهم عرب الساحل، والعائلات ذات الأصول اليمنية الحديثة، ثم المجموعات غير العربية (العجم). و يأتي أحفاد الأفارقة المستعبدين في أدنى الرتب.
وينقسم مجتمع الأجانب أيضاً إلى 3 طبقات رئيسة: طبقة عليا صغيرة من النخب التجارية الثرية، طبقة وسطى واسعة من المهنيين والموظّفين ورجال الأعمال، وطبقة دنيا كبيرة من العمال والعمالة غير الماهرة، الذين يأتي معظمهم من جنوب شرق آسيا، وبشكل متزايد من أفريقيا.
وكانت الإمارات، مثل دول الخليج الأخرى، تعتمد قبل الاستقلال بشكل كبير على الدعم الأمني البريطاني ضد التهديدات الإقليمية، قبل أن تنتقل إلى الهيمنة الأميركية. وفي خلال السبعينيات والثمانينيات، واجهت الإمارات أحداث جيوسياسية كبيرة عدة، منها الصراع العربي الإسرائيلي والثورة الإيرانية والحرب السوفياتية الأفغانية وحربا الخليج، محافظة على وجود خافت ومتوافق مع المصالح الغربية. وقد تزامنت هذه الأحداث مع ظهور حركات صغيرة، ولكنها بارزة، في الإمارات وفي منطقة الخليج بشكل عام، اشتراكية وقومية عربية وشيوعية وإسلامية، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين. وعلى الرغم من أن هذه الحركات لم تحقق نفوذاً كبيراً بسبب القمع الشديد من قبل الحكومة التي تسيطر على الحياة السياسية سيطرة تامة إلا أنها كانت دائماً تعتبرها تهديداً لها.
وبشكل عام، تميّز تحوّل الإمارات من دولة صغيرة وضعيفة إلى قوة إمبريالية فرعية باستخدامها الاستراتيجي لثروتها وتحالفاتها لتشكيل المشهد السياسي في الشرق الأوسط وأفريقيا. وتأثير الإمارات ظاهرٌ في المنطقتين من خلال الاستثمارات الاقتصادية والتدخلات العسكرية والانتشار الدبلوماسي، ما يجعلها لاعباً قوياً في الشؤون الإقليمية والعالمية.
الاستثمارات الاستراتيجية للإمارات في أفريقيا: الموانئ والخدمات اللوجستية والطموحات الإمبريالية الفرعية
على مدى العقود الماضية، استثمرت الإمارات ما يقرب من 60 مليار دولار في الدول الأفريقية، ما يجعلها رابع أكبر مستثمر أجنبي في القارة بعد الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وفي العامين 2022 و2023 فقط، تعهّدت الإمارات باستثمار 97 مليار دولار جديدة في أفريقيا، وهو ما يعادل 3 أضعاف التزامات الصين.
ففي صميم استراتيجية الإمارات الجيوسياسية التركيز على الحصول على امتيازات موانئ تحيط بالقارة الأفريقية، لتضع الإمارات في موقع يسمح لها بالهيمنة على طرق التجارة العالمية حول أفريقيا. وإلى جانب تطوير هذه الموانئ، تقوم الإمارات ببناء مراكز لوجستية وبنى تحتية لسلاسل إمداد في عمق أفريقيا. واللاعبان الرئيسان في هذه الاستراتيجية هما مجموعة موانئ أبوظبي، التي تمتلك «القابضة» (ADQ) – وهي صندوق ثروة سيادية – حصة أغلبية فيها، ومجموعة موانئ دبي العالمية (DP World) التي تمتلكها حكومة دبي بالكامل من خلال الشركة الأم، شركة الموانئ والمنطقة الحرة العالمية (Port and Free Zone World FZE).
تتجاوز طموحات الإمارات إنتاج الغذاء لسكانها. فهي تسعى إلى ترسيخ نفسها كمركز عالمي لتجارة الغذاء. ففي العام 2022، بلغ إجمالي تجارتها الغذائية الإقليمية والدولية أكثر من 27 مليار دولار
وتدير هذه الشركات حالياً – أو وقعت اتفاقيات لبناء وإدارة – موانئ في جميع أنحاء أفريقيا؛ في شمال أفريقيا على البحر المتوسط ( مصر والجزائر)، وفي غرب وجنوب أفريقيا على المحيط الأطلسي (السنغال وغينيا والكونغو وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأنغولا)، وعلى المحيط الهندي في شرق أفريقيا (موزمبيق وتنزانيا وكينيا)، وفي منطقة البحر الأحمر – بما في ذلك القرن الأفريقي – بمشاريع في بونتلاند وصومالي لاند ومصر. كما أن لها ميناءً في جيبوتي، وهو محل نزاع قانوني مع الحكومة الجيبوتية، وكان لديها سابقاً ميناء في إريتريا تم استخدامه كقاعدة عسكرية. وقد تم توقيع اتفاقية ميناء في السودان ولكنها ألغيت مؤخراً من قبل حكومة الأمر الواقع في السودان في ضوء النزاع الجاري حالياً.
وبالإضافة إلى الموانئ الساحلية، فقد استثمرت الإمارات في الموانئ الجافة ومراكز الحاويات في الداخل الأفريقي، مع وجود مراكز رئيسة في تنزانيا وجنوب أفريقيا ورواندا والمغرب ونيجيريا.
وتؤدّي هذه الموانئ، إلى جانب أكثر من 70 مركزاً لوجستياً في جميع أنحاء القارة الأفريقية، أدواراً مختلفة في استراتيجية الإمارات الإمبريالية الفرعية الأوسع. وهي لا تهدف فقط لتسهيل الاستحواذ على الأراضي واستخراج الموارد عبر أفريقيا، ولكنها تخدم أيضاً الطموحات العسكرية للإمارات.
الاستيلاء على الأراضي: استحواذ الإمارات على الأراضي الأفريقية
برزت الإمارات العربية المتحدة كواحدة من أكبر المستثمرين العالميين في الأراضي، مع التركيز الكبير على الدول الأفريقية. ففي السنوات الأخيرة، قامت بشراء مساحات واسعة من الأراضي في دول أفريقية عدة لإنتاج الغذاء ومشاريع تعويض الكربون.
وتتجاوز طموحات الإمارات إنتاج الغذاء لسكانها. فهي تسعى إلى ترسيخ نفسها كمركز عالمي لتجارة الغذاء. ففي العام 2022، بلغ إجمالي تجارتها الغذائية الإقليمية والدولية أكثر من 27 مليار دولار. وهي تستورد حالياً حوالي 90% من غذائها، وبعد أزمات مثل ارتفاع أسعار الغذاء العالمي في 2007-2008 وجائحة كوفيد-19 والغزو الروسي لأوكرانيا، سعت الإمارات بشراسة لشراء الأراضي الزراعية لتأمين إمداداتها الغذائية.
وتعتبر هذه الاستثمارات جزءاً من استراتيجية منسّقة تقودها الحكومة الإماراتية، حيث يتم تغبيش الخط الفاصل بين المؤسسات العامة والخاصة. وتؤدّي الشركات الإماراتية الكبرى، المرتبطة غالباً بالعائلات الحاكمة – وخصوصاً عائلة آل نهيان في أبوظبي وعائلة آل مكتوم في دبي – أدواراً رئيسة في هذا الصدد. فالمستثمرون الرئيسيون هم الشركات المملوكة لصناديق الثروة السيادية، مثل ADQ ومبادلة والشركة القابضة الدولية (IHC) التي يرأس مجلس إدارتها الشيخ طحنون بن زايد، شقيق رئيس الدولة ومستشار الأمن القومي. وهذه الشركة هي أكبر شركة مدرجة في سوق الأوراق المالية بأبوظبي. كما يرأس الشيخ طحنون مجلس إدارة ADQ وهيئة أبوظبي للاستثمار (ADIA)، ويمتلك مجموعة رويال، وهي شركة استثمار خاصة بارزة.
وقد استحوذت الإمارات على أراضٍ زراعية في إثيوبيا وأوغندا وتنزانيا والسودان وسيراليون وكينيا ومدغشقر ومصر والمغرب وناميبيا. هذه الاستثمارات، التي غالباً ما تكون ذات طبيعة استخراجية، لها تأثيرات كبيرة على السكّان المحلّيين والنظم البيئية. ففي الكثير من الحالات، يتم زراعة محاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه مثل البرسيم لتغذية الماشية في الإمارات والسعودية، ما يوضح أن هذه الأنشطة لا تشكّل استيلاءً على الأراضي فحسب، (landgrabs) ولكن أيضاً على المياه (water grabs). ويؤدّي الإنتاج واسع النطاق للمحاصيل، كالفواكه والخضروات، والماشية غالباً إلى استنزاف الموارد المحلية، ما يتسبّب في انعدام الأمن الغذائي والتدهور البيئي للدول المضيفة. فضلاً عن ذلك، يتم في بعض الأحيان استيراد ذات المحاصيل والمنتجات الخام إلى الإمارات ومعالجتها ثم بيعها مرة أخرى إلى الدول الأفريقية بأسعار عالية جداً.
وفي بعض الحالات، كان لقيام الإمارات بتأمين الإمدادات الغذائية عواقب اجتماعيةٍ وبيئيةٍ أوسع. فعلى وجه الخصوص، ساهمت الإمارات ودول الخليج الأخرى في نشوب نزاعات بين المزارعين والرعاة في السودان والصومال، ما سهّل التصدير الواسع للماشية على حساب المجتمعات المحلية والنظم البيئية.
كذلك استحوذت الإمارات على مساحات شاسعة من الأراضي في أفريقيا لاستخدامها في اقتصاد الكربون الناشئ. حيث تشتري الإمارات أرصدة الكربون، التي يُزعم أنها ناتجة عن الحفاظ على الغابات، ثم تقوم ببيعها للشركات التي تسعى لتعويض انبعاثاتها الملوّثة. وقد أشارت تقارير إعلامية إلى أن شركة إماراتية واحدة، مملوكة لعضو من العائلة الحاكمة في دبي، اشترت مساحات كبيرة من الأراضي في تنزانيا وزامبيا وزيمبابوي وليبيريا. وقد تعرّضت برامج تعويض الكربون، مثل تلك التي تتبعها الإمارات، لانتقادات بسبب عدم فعاليتها في تقليل انبعاثات الكربون، بل وتمكينها الدول والشركات الكبرى من الاستمرار في التلويث، وهي ممارسةٌ يُشار إليها غالباً باسم «التضليل البيئي – greenwashing» أو «غسل الكربون – carbon laundering».
وقد نصّبت الإمارات نفسها لاعباً رئيساً في اقتصاد الكربون عن طريق إنشاء بورصات الكربون وتمويل المشاريع ذات الصلة. واستفادت من منصّات مثل مؤتمرات الأمم المتحدة لتغير المناخ، وخصوصاً COP28 في دبي في العام 2023، لتعزيز السياسات التي تدعم استمرار إنتاج الوقود الأحفوري بينما تسوق لمساهمتها في تعويض الكربون. وهي تشارك في جميع مراحل صناعة تعويض الكربون، من توليد أرصدته وحتى شرائها، ما يجعلها لاعباً مركزياً في نظام نهب الثروات العالمي الذي يستغل الموارد الأفريقية بينما يمارس التضليل البيئي.
دبي تستورد كميات أكبر من الذهب من دول تنتج نسبياً كميات قليلة من هذا المعدن، مثل أوغندا ورواندا، كما تعلن عن استيراد كميات من الذهب تفوق ما تعلنه هذه الدول كصادرات. وقد أدى هذا التناقض إلى اتهامات بأن دبي أصبحت مركزاً لتهريب الذهب وغسيل الأموال
وفي حين أن الإمارات وشركاتها غالباً ما تسلّط الضوء على فرص العمل والتدريب المحلية التي توفرها استثماراتها (على عكس الصين)، فإنها في الواقع تعتمد بشكل كبير على العمالة المحلية والأجنبية لافتقارها للعدد الكافي من المواطنين الإماراتيين المؤهلين للعمل في تلك المناطق. وفي الكثير من الحالات، مثل كينيا وليبيريا، ارتبطت حيازات الإمارات على الأراضي في أفريقيا بانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الإخلاء القسري للسكان المحليين، واتهامات بالفساد تشمل مسؤولين محليين.
التعدين واستغلال الذهب
في السنوات الأخيرة، أصبحت الإمارات العربية المتحدة أكثر نشاطاً في إبرام صفقات تعدينٍ في الكثير من الدول الأفريقية، وخصوصاً في أنغولا وزامبيا وزيمبابوي والكونغو الديمقراطية. وتركز هذه الاستثمارات على المعادن الحرجة مثل الغرافيت والكوبالت والليثيوم والنحاس والنيكل.
وقد أثارت مشاركة الإمارات في تجارة الذهب مخاوف كبيرة. وتُعتبَر دبي تحديداً ثاني أكبر مستورد للذهب في العالم. كما أنها تُعد الوجهة الرئيسة للذهب المستخرج من الدول الأفريقية. ومن اللافت أن دبي تستورد كميات أكبر من الذهب من دول تنتج نسبياً كميات قليلة من هذا المعدن، مثل أوغندا ورواندا، كما تعلن عن استيراد كميات من الذهب تفوق ما تعلنه هذه الدول كصادرات. وقد أدى هذا التناقض إلى اتهامات بأن دبي أصبحت مركزاً لتهريب الذهب وغسيل الأموال عبر أسواقها ومصافي الذهب فيها.
ففي العام 2022، ذكرت وزارة الخزانة الأميركية أن «أكثر من 90% من ذهب جمهورية الكونغو الديمقراطية يتم تهريبه إلى دول إقليمية، بما في ذلك أوغندا ورواندا، حيث يتم تنقيته غالباً ثم تصديره إلى الأسواق الدولية، وخصوصاً الإمارات العربية المتحدة». وهذا يشير إلى أن الإمارات تؤدّي دوراً كبيراً في التجارة العالمية للذهب غير المشروع.
والسودان مثال آخر بارز، حيث يتم تهريب جزء كبير من ذهب السودان إلى الإمارات، حتى أثناء الحرب المستمرة في البلاد. وقد ساهمت كل من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية في إنتاج وتهريب هذا الذهب إلى الإمارات، وهي ممارسة تعود إلى الفترة الانتقالية بين عامي 2019 و2021 عندما كانت القوتان متحالفتين ضد القوى المدنية.
وتوضح هذه الأمثلة كيف تتماشى استثمارات الإمارات في الموانئ والخدمات اللوجستية الأفريقية مع استراتيجيتها الأوسع لاستغلال الموارد الطبيعية في القارة، ما يمكنها من استنزاف قيمة اقتصادية كبيرة من الدول الأفريقية.
وقد لخّص الاجتماع الذي عقد في أيلول/سبتمبر 2023 بين الرئيسين الأميركي بايدن والإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان «ريادة دولة الإمارات العربية المتحدة في الاستثمارات الاستراتيجية على مستوى العالم لضمان الوصول الموثوق به إلى البنية التحتية الحيوية بما في ذلك الموانئ والمناجم والمراكز اللوجستية من خلال جهاز أبوظبي للاستثمار وشركة أبوظبي التنموية القابضة وموانئ أبوظبي وموانئ دبي العالمية».
الاستثمارات العسكرية
وقد وقعت الإمارات عدداً كبيراً من اتفاقيات التعاون العسكري مع الدول التي استثمرت فيها في قطاعات استراتيجية مثل الموانئ والمراكز اللوجستية والأراضي الزراعية والطاقة المتجدّدة والاتصالات والتعدين. وغالباً ما تبدأ هذه الاتفاقيات بمبادرات تدريب وتعليم عسكري، وقد تتوسّع لاحقاً لتشمل تصدير الأسلحة المصنعة في الإمارات. وفي بعض الحالات، نشرت الإمارات جنوداً وقدّمت معدّات عسكرية لعمليات قتالية نشطة، مثل تلك الموجهة ضد الجماعات الإسلامية المتشددة في منطقة السهل (الساحل) الأفريقي والصومال، بالإضافة إلى مشاركتها في التدخل الذي قاده حلف الناتو في ليبيا. كما زودت الإمارات الحكومة الإثيوبية بمسيرات أدّت دوراً حاسماً في تغيير ميزان القوة لصالح رئيس الوزراء آبي أحمد خلال الصراع مع قوات التيغراي.
في خلال معظم العقد الماضي، ظلت الإمارات والسعودية حليفتين تمثلان الثورة المضادة في مواجهة الحراك الشعبي للربيع العربي. وقد شكّلت استجابة الإمارات لهذه الانتفاضات استراتيجيتها الجيوسياسية طويلة المدى
وقد أنشأت الإمارات أيضاً قواعد عسكرية في دولٍ مثل إريتريا وتشاد والصومال (بما في ذلك منطقتا بونتلاند وصومالي لاند) وليبيا. واستخدمت القوات الإماراتية والميليشيات التابعة لها هذه القواعد في نزاعات ملتهبة لا سيما في السودان والصومال وليبيا واليمن. وفي ليبيا، كانت الإمارات داعماً رئيسياً لميليشيات حفتر منذ بداية الحرب الأهلية الثانية في العام 2014، حيث قدمت مساعدات سياسية ومالية وعسكرية ولوجستية. كما انتهكت الحظر المفروض على الأسلحة بتزويد الميليشيات بأسلحة صينية وروسية وتجنيد مرتزقة لتعزيز قواتها.
إمبرياليةٌ فرعيةٌ في طور التكوين
لم تكن دولة الإمارات قد أُسّست عندما قدّم روي ماورو ماريني مفهوم «الإمبريالية الفرعية» في الستينيات، مركزاً على البرازيل وأميركا اللاتينية بشكل أوسع. وفي العقود التالية، تطرق ماريني وباحثون آخرون إلى دول مثل إيران وإسرائيل وتركيا والسعودية ومصر كأمثلة محتملة. ولكن على مدى العشرين عاماً الماضية، شهدت الجغرافيا السياسية للمنطقة تحولات كبيرة، ما يجعل من الضروري تحليل الأدوار المتطورة لدول مثل الإمارات والسعودية وقطر من خلال عدسة مفهوم الإمبريالية الفرعية.
في هذا الإطار، تظهر الإمارات السمات المميزة للدولة الإمبريالية الفرعية: فهي دولة هامشية تعتمد على قوة إمبريالية مركزية – هي الولايات المتحدة – بينما تنخرط في ممارسات إمبريالية داخل منطقتها. وتحدّد نظرية ماريني كيف تركز هذه الدول رأس المال المحلي وتمركزه، ما يعزّز احتكارات وطنية على نسق الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة.
فهذه الاحتكارات، مثل شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) في مجال الطاقة، وشركة موانئ دبي العالمية في التجارة الدولية، وصناديق الثروة السيادية الغنية، هي أمثلة على انتقال الإمارات إلى دور إمبريالي فرعي. فضلاً عن ذلك، تقوم هذه الدول بقمع الحركات الثورية، ونقل القيمة وفائض القيمة من الاقتصادات الأضعف (مثل تلك الموجودة في القارة الإفريقية)، واستغلال العمالة (محلياً وفي المناطق التابعة) – وهي جميعها سماتٌ تتماشى مع سلوك الإمارات.
اعتبرت الإمارات والسعودية الانتفاضات الجماهيرية «للربيع العربي»، التي بدأت في أواخر العام 2010، تهديداً كبيراً لأنظمتها الملكية المحافظة، خصوصاً أنها تزامنت مع سعي إدارة أوباما للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران – وهو تطور رأته الإمارات تهديداً وجودياً. ففي خلال معظم العقد الماضي، ظلت الإمارات والسعودية حليفتين تمثلان الثورة المضادة في مواجهة الحراك الشعبي للربيع العربي. وقد شكّلت استجابة الإمارات لهذه الانتفاضات استراتيجيتها الجيوسياسية طويلة المدى، التي تشمل أبعاداً اقتصادية وسياسية ودبلوماسية وتكنولوجية وعلاقات عامة وعلاقات ثقافية.
وبالإضافة إلى دورها في ليبيا، تدخلت الإمارات عسكرياً مع السعودية في البحرين لقمع الاحتجاجات الشعبية، وقدمتا مساعدات مالية لعُمان لتهدئة الاضطرابات. ومحلياً، واجهت الإمارات المعارضة بقمع شديد، حيث سجنت 132 مواطناً إماراتياً، كثيرٌ منهم من الإسلاميين، قدّموا عريضة لإصلاح عملية انتخابات المجلس الوطني الاتحادي. كما شنّت الدولتان حرباً مدمّرة في اليمن، ما أدى إلى واحدةٍ من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث. وفي مصر وتونس، دعمتا جهود تقويض الحكومتين المنتخبتين ديمقراطياً، ما ساهم في انقلابات قضت على التحولات الديمقراطية فيهما.
أما قطر، التي لديها طموحات إمبريالية فرعية خاصة بها، فقد وقفت فى الجانب المعاكس للإمارات والسعودية – ليس دعماً للحركات الجماهيرية أو التزاماً بالتحول الديمقراطي، ولكن لدعمها لجماعة الإخوان المسلمين وحركات الإسلام السياسي الأخرى، والتي كانت في الكثير من الدول على وشك تحقيق أكبر المكاسب من الربيع العربي.
الإمبريالية الفرعية في السودان: دورٌ متزايدٌ
تعكس مشاركة الإمارات في السودان على مدى العقد الماضي تزايد نزعاتها الإمبريالية الفرعية، خصوصاً في الهيمنة الإقليمية، والاستغلال الاقتصادي، والتدخل العسكري. فقد جنّدت – مع السعودية – جنوداً سودانيين من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع للقتال في حرب اليمن، كما قدمت دعماً مالياً لنظام البشير إلى أن أطيح به في نيسان/أبريل 2019 بعد الاحتجاجات الجماهيرية التي بدأت في كانون الأول/ديسمبر 2018 (ثورة ديسمبر).
وبعد سقوط البشير، دعمت الإمارات والسعودية، إلى جانب مصر، عملية بناء سلام ليبرالي بين القوى المدنية والعسكر في السودان، ما أنتج تشكيل حكومة انتقالية لم ترقَ لتطلعات الشعب السوداني. وقامت الدول الثلاث لاحقاً بإضعاف الجانب المدني في الحكومة، بينما دعمت القادة العسكريين بالمساعدات المالية والإمدادات العسكرية وضغوط اللوبيهات لتعزيز سلطتهم. كما دفعت الإمارات السودان نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل عبر الاتفاقيات الإبراهيمية ما أعاد تموضع السودان ضمن الأجندة الإقليمية التي تقودها الإمارات.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2021، دعمت الدول الثلاث انقلاباً عسكرياً عزّز هيمنة العسكر في السودان. ومع تصاعد التوترات بين الجناحين العسكريين، تحول دعم الإمارات بشكلٍ حاسمٍ نحو قوات الدعم السريع، ما أسهم في اندلاع الحرب في 15 نيسان/أبريل 2023، والتي تصاعدت منذ ذلك الحين لتصبح أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
الإمارات أولاً دولة تجارية، لذلك تحظى علامتها التجارية وسمعتها وصورتها بأهمية قصوى. ففي عالمٍ تنافسي تسعى فيه الكثير من الدول إلى أن تصبح مراكز للتجارة والسياحة والتمويل والتكنولوجيا، تملك الإمارات حساسية مفرطة تجاه أي شيء قد يشوّه صورتها
أصبحت الإمارات مركزاً لإدارة العمليات المالية لقوات الدعم السريع وأنشطتها اللوجستية والإعلامية والعلاقات العامة والسياسية. وصار حلفاءٌ لها مثل تشاد ومجموعة فاغنر الروسية (سابقاً) وميليشيات حفتر الليبية جزءاً من شبكة دعمها المستتر للدعم السريع. كما جنّدت مرتزقة من دولٍ مجاورةٍ للسودان، بالإضافة إلى دول بعيدة مثل كولومبيا، للقتال إلى جانبهم في السودان. وعلى الرغم من هذه الأفعال، تنفي الإمارات علناً أي تورط، وتدّعي أنها تعمل من أجل السلام في السودان. وقد تردّدت دولٌ مثل الولايات المتحدة وبريطانيا في مواجهة الإمارات بشأن تورّطها، مع تقارير تشير إلى حرصها على عدم إثارة غضب الإمارات. ففي نيسان/أبريل 2024، ألغت الإمارات اجتماعات وزارية مع بريطانيا، احتجاجاً على تردّد الأخيرة في الدفاع عنها في اجتماعٍ لمجلس الأمن الدولي حول السودان. كما أبدى مسؤولون أميركيون استياءهم عندما دعم المبعوث الأميركي توم بيرييلو إلغاء المغني الأميركي ماكلمور حفلاً غنائياً في دبي احتجاجاً على دعم الإمارات لقوات الدعم السريع.
ومع ذلك، ومع افتضاح الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع، بدأ المواطنون السودانيون في التساؤل عن الدوافع الحقيقية وراء هذه السياسات. وفي حين أن المصالح الاقتصادية عامل مهمّ، إلا أن الإمارات كانت قادرة على تحقيق هذه المصالح بالتعاون مع حلفائها السودانيين. ولا يمكن أن يكون الأمر مجرد معارضة للإسلاميين، لأن قيادة قوات الدعم السريع مليئة بالإسلاميين من نظام البشير، الذي تعاونت معه الإمارات سابقاً. ويبدو أن دعمها ينبع من أجندة أوسع لمعارضة الحركات الشعبية والثورية والديمقراطية في جميع أنحاء المنطقة، لحماية نظامها الحاكم.
تقدّم الإمارات صورة لدولة حديثة متقدمة، على الرغم من أن أفعالها في السودان تكشف عن طموحاتٍ تتماشى مع الممارسات الإمبريالية، ما تسبب في معاناة هائلة لملايين المواطنين السودانيين دون مواجهة تبعات دولية كبيرة، على غرار ما كانت تفعله القوى الإمبريالية التقليدية.
التحالف مع القوى الإمبريالية والاستقلال الإقليمي
يُظهر تحالف دولة الإمارات مع الولايات المتحدة وضعها كتابع ووسيط. فقد اعتمدت الإمارات منذ أواخر الستينيات – وبشكل متزايد – على الولايات المتحدة في مجال الدفاع. فهي تستضيف قوات أميركية في قواعدها العسكرية، وتدعم المصالح الإقليمية للولايات المتحدة. وقد شاركت في أحداث رئيسة، مثل دعم المجاهدين الأفغان ضد الاتحاد السوفياتي السابق، ودعم العراق في حربه مع إيران، ومناهضة العراق بعد غزو صدام للكويت، ومشاركة الولايات المتحدة في حروب البلقان، بالإضافة إلى الكثير من الأمثلة الأخرى. وفي العام 2024، صنفت الولايات المتحدة الإمارات كشريك دفاعي رئيس، وهو لقب تشاركه فقط مع الهند، ما يعكس عمق تحالفهما.
وفي الوقت نفسه، تُظهر الإمارات الاستقلالية النموذجية للدول الإمبريالية الفرعية، حيث تستفيد من التناقضات بين القوى الإمبريالية لتنويع تحالفاتها. فعلى سبيل المثال، بينما استثمرت تاريخياً بشكل كبير في الغرب، وسعت الإمارات استثماراتها في الصين وروسيا وكوريا الجنوبية. وفي العام 2023، علق مسؤول بريطاني على هذه التفاعلات قائلاً: «نحن نحتاجهم أكثر مما يحتاجون إلينا». وعلى الرغم من أن تعليقه كان يشير للسعودية، إلا أنه يعكس التحول في توازنات القوة في الخليج، بما في ذلك النفوذ المتزايد للإمارات. ويتجلى ذلك أيضاً في كون الإمارات أكبر سوق للصادرات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) لمدة 15 عاماً، وتصل استثماراتها الكلية في الولايات المتحدة إلى تريليون دولار.
وتتفق الإمارات مع الولايات المتحدة سياسياً واستراتيجياً في عدائها لإيران، وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ما يخلق اعتماداً متبادلاً بين البلدين. وتؤدّي الإمارات – كواحدة من الموقعين الرئيسيين على الاتفاقيات الإبراهيمية في العام 2020 – دوراً حاسماً في جهود الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، خصوصاً في مواجهة المعارضة الشعبية الواسعة لتورط الولايات المتحدة في حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة.
استغلال نقاط الضعف في هياكل القوة العالمية
تعكس قدرة الإمارات على استغلال نقاط الضعف في المؤسسات الغربية تراجعاً أوسع في التركيز الاستراتيجي الأميركي، خصوصاً في أفريقيا. حيث عانت البعثات الدبلوماسية الأميركية في أفريقيا ومكاتب وزارة الخارجية المسؤولة عنها تاريخياً من قدرتها على اجتذاب الدبلوماسيين المتميزين، مما فتح المجال أمام دول مثل الإمارات والصين وروسيا لتوسيع نفوذها.
وفي الوقت نفسه، تعمّقت علاقات الإمارات مع الصين وروسيا. حيث بلغت التجارة الثنائية مع الصين 95 مليار دولار، متجاوزة بكثيرٍ تجارتها مع الولايات المتحدة البالغة 31 مليار دولار. كما قامت شركة صينية ببناء وتشغيل محطة ثانية في الميناء الرئيس في أبوظبي، ميناء خليفة، بموجب امتياز لمدة 35 عاماً. وانضمت الإمارات أيضاً إلى مجموعة البريكس في العام 2024، ما يعكس استقلالها المتزايد. وفي العام 2023، باعت الإمارات الغاز الطبيعي المسال إلى الصين باليوان للمرة الأولى، متحدية بذلك هيمنة الدولار الأميركي في التجارة العالمية. كما أصبحت الإمارات ملاذاً للشركات والأوليغارشيون الروس الذين يسعون للهروب من العقوبات الغربية بعد غزو روسيا لأوكرانيا.
وعسكرياً، قامت الإمارات بتنويع شراكاتها، حيث وقعت صفقة بقيمة 18 مليار دولار مع فرنسا في العام 2021 لشراء طائرات رافال، واقتنت مسيراتٍ صينيةً، وتعاونت مع كوريا الجنوبية في مشاريع للطاقة النووية، مع تعهّد باستثمارات تصل إلى 30 مليار دولار هناك. كما قامت الصين ببناء قاعدة بحرية قرب أبوظبي، ما يسلط الضوء على الوضع المعقد للإمارات كحليف للولايات المتحدة وفاعل مستقل في الوقت نفسه.
لعبة جماعات الضغط (اللوبيهات)
أدركت الإمارات أنها يمكن أن تمارس نفوذاً كبيراً على سياسات القوى العظمى من خلال ممارسات تقع على حدود المسموح من ممارسات قانونية، مثل الضغط السياسي (اللوبي) والتبرع لمراكز الأبحاث والمؤسسات الأكاديمية. فعلى مر السنين، أنفقت الإمارات ملايين الدولارات على جهود اللوبيهات، والعلاقات العامة، والاستشارات، والمكاتب القانونية في الولايات المتحدة وبريطانيا لتشكيل سياساتهما الخارجية، وتعزيز صورتها العالمية، والدفاع عن مصالحها الاقتصادية والسياسية والأمنية.
وقد ركزت هذه الجهود على التأثير على مواقف الولايات المتحدة وبريطانيا تجاه الصراعات الإقليمية، مثل دعم موقف الإمارات في حرب اليمن، ومحاولة الحد من نفوذ إيران. إضافةً لذلك، تهدف الإمارات إلى مواجهة التقارير السلبية عن ممارساتها الاستبدادية الداخلية والفساد ومواقفها الإقليمية المثيرة للجدل، بما في ذلك دعمها للميليشيات مثل قوات حفتر الليبية وقوات الدعم السريع السودانية.
وجزء كبير من جهود الضغط الإماراتية مكرس لتصوير نفسها كمنارةٍ للاستقرار والتنمية والحداثة في المنطقة، ولحماية مصالحها الاقتصادية والتجارية العالمية. ومع ذلك، فإن الكثير من هذه الأنشطة تجري في مناطق رمادية قانونياً، وغالباً ما تتجاوز متطلبات الشفافية المتعلقة باللوبيهات وقواعد الوكالات الأجنبية. وقد تم تحويل مبالغ كبيرة من الأموال الإماراتية إلى جيوب المشرعين والمسؤولين الأميركيين والبريطانيين.
وساهمت الإمارات مالياً في حملات انتخابية أميركية، بما في ذلك بعض الحملات الرئاسية. واستفادت من ممارسات «الباب الدوار» التي تشمل توظيف شخصيات قيادية من مستويات مختلفة في حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا، والإدارات والقطاعات الأمنية كمستشارين أو خبراء في حكومة الإمارات أو الشركات الإماراتية. وُظّف بعضهم بعد التقاعد، بينما عُيّن آخرون في مناصب حكومية رئيسة بعد قضاء وقت في كشوف رواتب الإمارات. ومن الأمثلة على ذلك رئيسا الوزراء البريطانيين السابقين توني بلير وديفيد كاميرون، ومديرا وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابقين ديفيد بتريوس وليون بانيتا.
تعرّضت برامج تعويض الكربون، مثل تلك التي تتبعها الإمارات، لانتقادات بسبب عدم فعاليتها في تقليل انبعاثات الكربون، بل وتمكينها الدول والشركات الكبرى من الاستمرار في التلويث
كما طورت الإمارات علاقات عمل قوية مع دونالد ترامب وأبنائه، سواءً قبل أو بعد رئاسته الأولى. وبالمثل، قدمت مبالغ كبيرة لشخصياتٍ مثل بيل وهيلاري كلينتون مقابل مشاركاتهم في فعاليات عامة بعد انتهاء فترات ولايتهم.
وهناك طريقٌ آخر مهم للتأثير يتمثل في التمويل السخي الذي تقدمه الإمارات لمراكز الأبحاث والجامعات والمنظمات غير الحكومية التي تشكل السياسات الاستراتيجية في الشرق الأوسط وأفريقيا. ومن الأمثلة البارزة على هذه الاستراتيجية مؤسساتٌ مثل تشاتام هاوس البريطاني، ومعهد الشرق الأوسط وجامعة هارفارد الأميركية.
استراتيجيات النشطاء لمحاسبة الإمارات
الإمارات أولاً دولة تجارية، لذلك تحظى علامتها التجارية وسمعتها وصورتها بأهمية قصوى. ففي عالمٍ تنافسي تسعى فيه الكثير من الدول إلى أن تصبح مراكز للتجارة والسياحة والتمويل والتكنولوجيا، تملك الإمارات حساسية مفرطة تجاه أي شيء قد يشوّه صورتها. وتُعَد التغطية الإعلامية السلبية مصدر قلق خاص.
وتظهر الكثير من الأمثلة من الحرب الدائرة في السودان كيف يؤثر التناول الإعلامي على تصرفات واستجابات الإمارات. ففي 4 تموز/يوليو 2024، وبعد 4 أيام فقط من كشف متتبع رحلات جوية عن زيادة الرحلات الإماراتية إلى أمجرس في تشاد، أعلنت الإمارات عن افتتاح مستشفى هناك. وبالمثل، بعد 4 أيامٍ من تقريرٍ بالغ الأهمية لصحيفة نيويورك تايمز في 29 أيلول/سبتمبر 2024 كشف عن العمليات السرية للإمارات لتوريد الأسلحة والمسيرات وعلاج مقاتلي قوات الدعم السريع، أعلنت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية زيارة رئيس تشاد للإمارات وإشادته بجهودها الإنسانية. وفي اليوم التالي، أعلنت وزارة الدفاع الإماراتية عن مناوراتٍ عسكريةٍ مشتركةٍ مع تشاد.
لمقاومة الدور التخريبي للإمارات كقوة إمبريالية فرعية في المنطقة، يمتلك النشطاء الدوليون والحركات استراتيجيات عدة تحت تصرفهم. ويُعَد فضح أفعال الإمارات عبر وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي أمراً بالغ الأهمية. ويمكن للنشطاء بناء حملة عالمية مستدامة تربط الإمارات بفظائعها كلما تم ذكر الدولة، بما في ذلك انتهاكاتها لحقوق شعبها ولمجتمع المهاجرين.
ويمكن أن يؤدّي المشاهير دوراً مؤثراً من خلال استخدام منصاتهم لزيادة الوعي في أنشطة الإمارات. يمكن للمطربين والفنانين والكوميديين رفض المشاركة في الفعاليات التي تقام في الإمارات، أو التي ترعاها شركات إماراتية، ويجب عليهم الإعلان عن رفضهم القيام بذلك، كما فعل المغني الأميركي ماكلمور.
ومن المهم أيضاً تسليط الضوء على ممارسات «غسيل السمعة الرياضية» للإمارات. فيمكن فضح المؤسسات الكبيرة مثل نادي مانشستر سيتي لكرة القدم، المملوك لنائب الرئيس الإماراتي (وشقيقه)، بسبب ممارساتها غير الأخلاقية. وتُعَد مقاطعة الفعاليات الرياضية التي تستضيفها الإمارات، مثل بطولات دبي وأبوظبي للتنس وسباق كأس دبي العالمي للخيول، أمراً ضرورياً. كما يمكن الضغط على منظمي الفعاليات التي ترعاها شركات إماراتية، مثل بطولة ويمبلدون للتنس لقطع علاقاتها مع الإمارات. ويمكن للنشطاء أيضاً استهداف الفعاليات الرياضية الدولية التي تقام في الإمارات، مثل سباق فورمولا 1 في أبوظبي، والضغط لنقلها إلى أماكن أخرى.
ولمواجهة جهود اللوبيات الإماراتية وتأثيرها على صناع السياسات في دولٍ مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، يحتاج النشطاء إلى فضح هذه الروابط وإبراز تأثيرها على قرارات المسؤولين العامين – خصوصاً عندما تتعارض هذه القرارات مع مصالح بلدانهم. ويمكن لهم بذل جهودٍ لإدراج النضال ضد الإمارات في حملاتٍ أوسع ضد ممارسات «الباب الدوار» واللوبيهات والتأثير الأجنبي على السياسات المحلية. وعلى النشطاء مواصلة بناء الزخم نحو مزيد من الشفافية في السياسات والانتخابات والتعيينات الرسمية، والضغط من أجل قواعد أكثر صرامةً بشأن الأنشطة التجارية للمسؤولين أثناء توليهم المناصب. وفي الوقت نفسه، يجب عليهم الضغط على الحكومات الغربية لوقف مبيعات الأسلحة إلى الإمارات، والتي تغذي صراعاتٍ مثل تلك الجارية في السودان واليمن، ما يتسبب في معاناة مدنية هائلة. ويمكن للحملات العامة أن تبيّن كيف تنتهك هذه المبيعات القانون الدولي والقيم الديمقراطية، ما يجعل استمرارها مكلفاً سياسياً للحكومات. ويمكن للنشطاء في الولايات المتحدة الضغط لسحب تصنيف الإمارات كشريك دفاعي رئيس للولايات المتحدة.
وهناك حاجة لمعارضة اتفاقيات التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، مثل الاتفاقيات الإبراهيمية التي تتجاهل حقوق الفلسطينيين وتعزّز الأنظمة الاستبدادية. ويمكن لتسليط الضوء على نفاق الإمارات التي تدعم الصراعات بينما تقدم نفسها كوسيط للسلام أن يساعد في حشد الدعم العالمي ضد مثل هذه الاتفاقيات.
ويمكن للنشطاء والباحثين والصحافيين التعاون مع مراكز الأبحاث المستقلة لتأمين التمويل للتحقيقات المخصصة لإساءة استخدام السلطة والتأثير من قبل الإمارات، مع التركيز بشكل خاصّ على توثيق التأثيرات على المجتمعات والسكان. وبالمثل، يمكنهم أيضاً دراسة سلوك القوى الإمبريالية الفرعية الأخرى في المنطقة، مثل إسرائيل وقطر والسعودية، واستكشاف تفاعلاتها مع الإمارات ومع بعضها البعض. ومع ذلك، من الضروري تجنب افتراض أن هذه الدول متطابقةٌ في سلوكها واستراتيجياتها.
مثل هذه الحملات قد تمكن النشطاء من محاسبة الإمارات وتحدي أفعالها الإمبريالية الفرعية على الساحة الدولية.
الخاتمة
يظهر تحول الإمارات إلى قوة إمبريالية فرعية كيف يمكن لدولة طرفية أن تستفيد من ثروتها وموقعها الجغرافي الاستراتيجي وتحالفاتها لممارسة نفوذ كبير على الشؤون الإقليمية والعالمية. ولقد عزّزت استثماراتها في البنية التحتية والزراعة والموارد الطبيعية للكثير من الدول الأفريقية، إلى جانب التدخلات العسكرية والعمليات السرية، دورها كمتلقٍّ وفاعل في الممارسات الإمبريالية. وفي الوقت نفسه، يُظهر تحالف الإمارات مع القوى المهيمنة مثل الولايات المتحدة وتنويع تحالفاتها مع الصين وروسيا وآخرين، وضع الوسيط والاستقلال الاستراتيجي الذي يميز الدول الإمبريالية الفرعية.
وعادةً ما تأتي أفعال الإمارات بتكلفة باهظة على السكان المحليين والاستدامة البيئية والحركات الديمقراطية. وغالباً ما تؤدي استثماراتها وتدخلاتها إلى استنزاف الموارد وانتهاكات حقوق الإنسان وزعزعة استقرار الدول المضيفة، بينما تواصل الإمارات تقديم صورةٍ للحداثة والتقدم. ومن الضروري أن يعمل النشطاء والباحثون وصناع السياسات على فضح ممارساتها الإمبريالية الفرعية ومحاسبتها. ومن خلال فهم دور الإمارات في إطار الإمبريالية الفرعية، يمكن للمجتمع الدولي أن يتحدى أفعالها بشكلٍ أفضل، ويدعو إلى العدالة والإنصاف في المناطق التي تؤثر فيها.
نشر هذا المقال في المعهد العابر للقوميات في 4 شباط/فبراير 2025، وترجم وأعيد نشره في موقع «صفر» بطلب من الكاتب.