Preview فيضانات دبي

ما الكلفة المُترتبة على فيضان الإمارات العربيّة المتّحدة؟

تلقّى الاقتصاد الإماراتي ضربة قويّة بعد الفيضانات الأخيرة. فبعد يومين من أمطار غزيرة توازي كمّيتها ما يتساقط على البلاد في سنة كاملة، ظهرت المعطيات الأولية مُنذرة بخسائر فادحة واختناقات كامنة في البنى التحتية غير المُجهّزة لمثل هذه الظواهر.

يومان من الرحلات الجوية شُطِبا من عائدات شركة الطيران التي تملكها الدولة، 5% من السيّارات يطالب أصحابها بتعويضات التأمين، 12 ألف غرفة فندقية خصِّصت للعالقين والمتضرِّرين من الفيضانات، خسائر جسيمة في الموجودات والأصول لم يحدّد حجمها حتى الآن، ومصاريف تتحمّلها الدولة ما كانت في الحسبان يوم حُدِّدت الميزانية العامة… وذلك كلّه يفصح عن أضرار اقتصادية قد تصل إلى مليارات الدولارات، فضلاً عن سُمعة مجروحة لبلد يقوم اقتصاده على الترويج.

«الأمطار التي شهدتها الدولة ثروة مائية»، هكذا تخبرنا صحيفة البيان التي تملكها حكومة دبي عن الفيضانات، إذ «غسلت الأمطار الغبار الجوّي، وخفّفت من تركيز الملوِّثات في الهواء والتربة والمياه، وظهرت معها الأراضي الرطبة والوديان التي روت المسطّحات الزراعية». 

خبر طريف، يصلح لأن يوضع في مواقع الأخبار الساخرة، يماثل ما نراه عادة في إعلام النظام المصري، وقد يكون عادياً بالنسبة إلى دولة  كالإمارات العربية المتحدة تصنّف في المرتبة 145 بحسب مؤشّر حرِّية الإعلام، إلا أنه هنا بالذات وُظّف كمحاولة يائسة لتلطيف الفضيحة التي شاهدها ملايين من السواح «المُحتملين»، فإمارة دبي التي عدّها أحد التقارير ثاني أفضل وجهة سياحية في العالم، بمجيء 17 مليون زائر في العام 2022، لن تسمح أن ينقطع هذا السيل من الزوّار، ولو اضطرها ذلك إلى اللجوء إلى «حركات إعلامية رخيصة».

لأجل سمعة السياحة، أصدر الرئيس التنفيذي لطيران الإمارات، رسالة مفتوحة، يعتذر فيها عن إلغاء نحو 400 رحلة، هذا فضلاً عن تحويل عشرات الرحلات. 400 رحلة تعني يوميْ عمل تقريباً، بالنسبة إلى شركة تُسيِّر 1,501 رحلة أسبوعياً، أي ما يعادل متوسِّط 215 رحلة يومياً، ويوما عمل يعنيان أموالاً طائلة بالنسبة إلى شركة وصلت عائداتها السنوية إلى 32.6 مليار دولار (2022-2023)، أي يفوق معدّل عائداتها اليومي الـ90 مليون دولار.

بالإضافة إلى ما فاتها من عائدات، تحمّلت الشركة أكلافاً إضافية بتوفيرها 12 ألف غرفة فندقية و250,000 قسيمة وجبات طعام للعملاء المتضرِّرين، علماً أن 12 ألف غرفة قد تشكّل 6% من 198 ألف غرفة فندق في الإمارات العربية المتحدة (آب/أغسطس 2023).

من حيث أعداد المسافرين، استقبلت مطارات دبي بتاريخ 15 نيسان/أبريل، قبل يوم من الفيضانات، حوالي 196 ألف مسافر مغادر أو قادم، فيما سجّل 16 نيسان/أبريل، أي في اليوم الأول من الفيضان، حوالي 134 ألف مسافر بانخفاض قدره 62 ألف مسافر، وبلغ عدد المسافرين في اليوم الثاني من الفيضان نحو 74 ألفاً و406 مُسافرين، أي وصل تقريباً إلى ثلث العدد قبل الفيضان.  

أما إجمالي جميع المنافذ الجوية والبرية والبحرية، فبلغت 75 ألفًا و245 مُسافراً قادماً ومُغادراً في 17 نيسان/أبريل، مقارنةً بنحو 136 ألفاً و376 مُسافراً  في اليوم الذي سبقه، فيما سجّل يوم 15 نيسان/أبريل نحو 207 آلاف و426 مسافراً، أي أن يومين من الفيضان خفّضت مجمل عدد المسافرين إلى 37% من الأصل.

فيضانات دبي

الخسارة العظيمة لا تقتصر على النقل الجوي، إذ ما لا يقل عن 5% من جميع السيارات في الإمارات العربية المتحدة قد تضرّرت، ويسأل أصحابها عن تعويضات التأمين. ونتكلم هنا عن نحو 175 ألف سيّارة إن كان المقصود بالسيارات 3.5 مليون مركبة موجودة في الإمارات العربية المتحدة، أو نحو 140 ألف سيارة إن كان المقصود هو سيارات الركوب التي تشكل 80% من المركبات في البلاد (وفق أرقام 2021). تجدر الإشارة إلى أن 41% من المركبات تقع في دبي و28% منها في أبوظبي.

وفقاً لموقع «إنشورانس إنسايدر»، قد تكون خسائر التأمين قريبة من 150 مليون دولار. وقد يكون هذا الرقم أعلى فيما لو كان عدد الأشخاص في الإمارات العربية المتحدة الذين يتمتعون بالتأمين المنزلي أعلى ممّا هو عليه، إذ أن أقل من 15% من سكان الإمارات العربية المتحدة لديهم تأمين منزلي. وللمقارنة، فإن حوالي 25% من المنازل في المملكة المتحدة  ليس لديها أي شكل من أشكال التأمين المنزلي.

في العموم، بلغ إجمالي الأقساط التي جمعتها شركات التأمين في الإمارات العربية المتحدة نحو 12.9 مليار دولار أميركي في العام 2022، بينما بلغ الناتج المحلي الإجمالي في هذه السنة 507 مليار دولار، أي أن الاولى لا تشكِّل أكثر من 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي. في تلك الفترة، كانت أقساط التأمين العالمية تمثل 7.1% من النشاط الاقتصادي العالمي، يدل هذا الأمر على صغر حصة قطاع التأمين في الإمارات إن قورنت بالحصة العالمية، ويفتح شكوكاً بشأن قدرة قطاع التأمين على استيعاب الأضرار الناتجة عن الفيضان الأخير، ما يعني أن نتائج هذه الأضرار سوف تنستحب إما على الدولة أو السكان.

 هذه الأكلاف المترتبة على قطاعات النقل والسياحة والتأمين، فضلاً عن الخسائر في الموجودات، ترمي بثقلها على الحكومة، وتُضاف الى الأعباء الجمّة التي تحمّلتها في الأيام الأخيرة. ولإعطاء طابع كمي لها، تلقت هيئة كهرباء ومياه دبي أكثر من 50 ألف مكالمة منذ بدء الحالة الجوية الاستثنائية. بالنسبة للضرر الاقتصادي عموماً، يرى خبير مالي من ABC Finance أنه «على الرغم من أن الأرقام الدقيقة سوف تعتمد على تقييمات شاملة، إلا أنه من المعقول أن نتوقّع أن يكون الأثر الاقتصادي للفيضانات في دبي كبيراً، وقد يتجاوز مليارات عدة من الدولارات!».

عودة إلى السمعة، التي يصعب احتساب ما لحق بها من ضرر، فلطالما حاولت الإمارات العربية المتّحدة،  وبالذات إمارتي دبي وأبو ظبي، إظهار نفسها بمظاهر الثراء الفاحش، ووجهة السياحة العربية الأولى، المُجهّزة كما البلدان الغنية على مستوى البنية التحتية والمستوى البيروقراطي لامتصاص أي أزمة ممكنة، والتي من المفترض أن تشمل حالات الجو الاستثنائية.

ذكرت وكالة الأنباء الأميركية بلومبرغ بعيد انتهاء تساقط الأمطار المهول، أن تقنية استمطار السحب التي أجراها المركز الوطني للأرصاد في الإمارات العربية المتحدة أدى إلى تكثيف هطول الأمطار، وأنه قد يكون مسؤولاً عن حدوث الفيضانات الجارفة. واستمطار السحب هو تقنية لتعديل الطقس تستخدم للحثّ على هطول الأمطار، حيث تُستخدم الطائرات في الغالب لنثر مواد مثل بعض الأملاح غير القابلة للذوبان في الهواء، لجذب الرطوبة التي تسقط بعد ذلك على الأرض في قطرات مطر.

أحدث هذا الأمر ضجّة إعلامية، اضطرت المسؤولون الإماراتيون إلى نفي اتخاذ أي إجراءات من هذا القبيل، ونفى عدد من الخبراء احتمال وجود علاقة بين نشاط الاستمطار السحابي والفيضانات في دبي، منهم خبراء نقلت عنهم بلومبرغ. يشير هؤلاء الخبراء إلى أن سبب هذه الكارثة هو التغير المناخي، الذي هو سبب الكثير من الكوارث الأخرى. على الرغم من هذه التصريحات فإن إعادة تشكيل الرأي العام لصالحها سيواجه صعوبة كبيرة، تنقل القناة الألمانية أنه بحسب أحد الاستطلاعات على tiktok الذي شارك فيه 22,100 شخص، وافق ثلثا المشاركين على أن الفيضانات في دبي كانت بسبب الاستمطار السحابي.

في كانون الثاني/يناير 2020، وبعد جولة من الأمطار الغزيرة، تعهّدت الحكومة باستثمارات جديدة بقيمة 500 مليون درهم إماراتي (136 مليون دولار أميركي) لحماية البنية التحتية للبلاد من آثار الفيضانات. يبدو أن الأمر نفسه قد يعاد الآن، تحت ضغط وإلحاح أعنف من الرأي العام والإعلام، وتحت ضغط من التغيّر المناخي الذي جعل «ما كان يحدث كل 100 عام… يحدث كل 10 أعوام». لكن، هناك رأي متطلع يشير إلى أنه «مجرد أن يتم بناء مدينة ما بطريقة معينة، يصبح من المستحيل تعديل إدارة مياه الأمطار».