هل تراجعت تركيا عن قرار المقاطعة التجارية الشاملة لإسرائيل؟
«أخبار سارة لقطاع البناء والتشييد: وافقت تركيا على استئناف الإمدادات إلى إسرائيل»، هكذا يفتتح موقع غلوبز الإسرائيلي خبر إرسال وزارة التجارة التركية رسائل إلى المصانع في قطاع البناء، تبلغهم فيها بموافقة مؤقتة على استئناف الإمدادات إلى إسرائيل بعد أيام فقط على قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إيقاف التبادل التجاري الكامل بين الطرفين، وبضعة أسابيع على قراره إيقاف إرسال منتجات متعلقة بقطاع البناء إليها.
وقال وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في 9 أيار/مايو 2024، إن الرئيس التركي تراجع عن موقفه السابق ورفع الكثير من القيود التجارية التي فرضها على إسرائيل. إلا أن وزير التجارة التركي عمر بولات ردّ عليه في اليوم نفسه أن المزاعم الإسرائيلية بتخفيف أنقرة لحظرها التجاري مع إسرائيل «خيالية تماماً ولا علاقة لها بالواقع».
ونشرت «رويترز» خلاصة وثيقة تركية تفيد أن أنقرة أعطت مهلة ثلاثة أشهر للشركات التي لديها صفقات تصدير قائمة إلى إسرائيل، الأمر الذي يشي باستخفاف وعدم جدية من الجانب التركي في الضغط على آلة الحرب الإسرائيلية من أجل إيقاف الإبادة الجماعية في غزة.
تأتي هذه الأحداث والتصريحات وسط تحليلات بأن خطوة الرئيس التركي إيقاف التجارة مع إسرائيل، كانت لاستعادة شعبية خسرها حزبه في الانتخابات البلدية الأخيرة، وأصوات تسرّبت إلى المعارضة التي دعت إلى إنهاء التجارة مع إسرائيل منذ فترة طويلة.
التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل
أدّى القرب الجغرافي، والقدرة التنافسية للمنتجات التركية، واتفاقية التجارة الحرّة السارية منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي إلى أن تصبح تركيا شريكاً تجارياً مهماً لإسرائيل، ولا سيما بعد جائحة كوفيد-19، على الرغم من العلاقات الدبلوماسية المتوترة منذ فترة طويلة بين البلدين.
تضاعف حجم الصادرات التركية إلى إسرائيل ثلاث مرات في خلال العقد الماضي، ليصل إلى أكثر من 7 مليارات دولار في العام 2022. وباتت 7% تقريباً من كل واردات إسرائيل تأتي من تركيا. وحازت تركيا على المرتبة الثالثة بعد الصين والولايات المتحدة الأميركية من حيث حجم الواردات إلى إسرائيل.
من جهة أخرى، ارتفعت الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا من 1.4 مليار دولار إلى 2.3 مليار دولار في الفترة نفسها (2012-2022)، وبالتالي لم تشكّل صادرات إسرائيل إلى تركيا حتى 1% من الواردات التركية، البالغة حوالي 300 مليار دولار في العام 2022.
وفقاً لمعهد التصدير الإسرائيلي، تستورد إسرائيل من تركيا العديد من السلع، أهمها الصلب والحديد والآلات والبلاستيك ومنتجات الإسمنت لصناعة البناء المحلية، بالإضافة إلى المنسوجات والسيارات وزيت الزيتون وبعض الفواكه والخضروات. من جهتها، تستورد تركيا من إسرائيل بترول النفط ونواتج التقطير البوتنية، والمواد الكيميائية والمعادن وغيرها من المنتجات الصناعية التي تدخل في صناعات البلاستيك والطلاء.
في الأسابيع الأخيرة، ارتكز الجدل الإعلامي الإسرائيلي على قطاع البناء والتشييد بالذات، نظراً لكونه من القطاعات المدمنة على المنتجات التركية الرخيصة، ووجود مصنع واحد للإسمنت في إسرائيل، إذ تستورد إسرائيل نحو 70% من مواد البناء الحديدية وحوالي ثلث احتياجاتها من الأسمنت من تركيا. المنتجات الأخرى المستوردة من تركيا إلى قطاع البناء الإسرائيلي بكميات كبيرة هي الزجاج والمواد الكيميائية والدهانات.
كذلك، يعتمد قطاع النقل الإسرائيلي بشكل وازن على الصادرات التركية. ففي العام 2023 تم استيراد حوالي 8% من السيارات الجديدة من تركيا، علماً أن 6.6% من جميع السيارات التي تسير حالياً في إسرائيل تم إنتاجها هناك أيضاً. الأمر نفسه بالنسبة إلى المقطورات وليس سيارات الركوب فقط، فمنذ بداية العام، وصلت إلى إسرائيل 2,615 مقطورة، أكثر من سدسها مصنوع في تركيا بحسب التقديرات في قطاع النقل.
أيضاً، وفقاً لبيانات الجمارك التي حصل عليها موقع «كالكاليست»، تم استيراد حوالي نصف مليون بطارية سيارة في العام الماضي من تركيا، وتشكّل هذه أكثر من ثلث سوق البطاريات في إسرائيل.
ويأتي حوالي 3% من الأجهزة الكهربائية الواردة إلى إسرائيل من تركيا (2022)، والمتوقع ألا يكون هناك أي أزمة في قطاع الأجهزة الكهربائية قريباً، حيث قام المستوردين بتخزين ما يكفي البضائع، ولديهم أيضاً طلبيات غادرت و في طريقها إلى إسرائيل، تستطيع إمداد الطلب المحلي لأشهر.
من جهة أخرى، كثر الجدل في إسرائيل منذ بضعة أيام حول ما إذا كان القرار التركي بإنهاء العلاقات التجارية مع إسرائيل، سوف يشمل لاحقاً وقف نقل النفط من أذربيجان، أحد أكبر موردي النفط إلى السوق الإسرائيلية. يمر النفط الخام المنتج في أذربيجان عبر خط أنابيب باكو - تبليسي - جيهان. وفي ميناء جيهان في تركيا، يُحمّل النفط عبر ناقلات يتم تفريغها في ميناء حيفا، تمهيداً لتكريره وبيعه إلى محطات الوقود والصناعة في جميع أنحاء البلاد. في كانون الثاني/يناير الماضي، استوردت إسرائيل ما قيمته حوالي 300 مليون دولار من النفط من أذربيجان.
قبل الإعلان الرسمي لوزارة التجارة التركية عن قطع العلاقات التجارية مع إسرائيل، كان أول من أدرك أن هناك مشكلة جديدة في التجارة بين الطرفين هم العاملون في قطاع الشحن البحري، الذين رأوا أن الجمارك التركية رفضت التعاون معهم. معظم البضائع التي تأتي من تركيا إلى إسرائيل تمر عن طريق البحر، وأحد الأسباب التي جعلت تركيا وجهة استيراد رئيسة للإسرائيليين، إلى جانب تكاليف الإنتاج الرخيصة، هو المسافة القصيرة نسبياً بين البلدين، فمن جنوب تركيا، تستغرق الرحلة إلى الساحل الفلسطيني المحتل 18 ساعة فقط. أما بالنسبة إلى الشحن الجوي، كانت تركيا ثالث أكبر دولة من حيث حجم الشحن الجوي الذي يدخل إلى إسرائيل، حيث أدخلت في العام 2023 نحو 21,500 طن من البضائع إلى إسرائيل.
الأثر على تركيا
على الرغم من أن إسرائيل تستورد من تركيا أكثر مما تصدّر إليها، فإن الضرر لا ينحصر على إسرائيل فقط، فبالإضافة إلى خسارة المصدّرين الأتراك لأموالهم بمنعهم من شحن بضائعهم إلى إسرائيل، وزيادة احتمال العجز في الميزان التجاري التركي، سوف تخسر السوق المحلية واردات مختلفة لكن أهمها هو بترول النفط ونواتج التقطير البوتينية.
في العام 2022، بلغت صادرات إسرائيل إلى تركيا 2.33 مليار دولار، 44.2 % من هذه الصادرات (1 مليار دولار) يتألف من بترول النفط، ونواتج التقطير البوتينية، وتشكّل حوالي 6% من إجمالي واردات تركيا من هذه المنتجات.
تصدّر إسرائيل إلى تركيا حوالي 300 مليون دولار من الحديد والصلب، وحوالي 200 مليون دولار من البلاستيك ومصنوعاته، و123 مليون دولار مواد كيميائية عضوية، تقّدر حصّة إسرائيل من الاستيراد التركي لهذه المنتجات بحوالي الـ1% أو أكثر قليلاً (2022).
الأهم من ذلك، هناك حالة من الذعر في بعض المصانع التركية، فقد بنى بعض الصناعيين الأتراك خطط أعمالهم على أساس التصدير إلى الزبائن في إسرائيل، الذين يمثلون في بعض الحالات حوالي 80% من قاعدة زبائنهم.
موخراً، تصاعدت حدة المواقف الدولية تجاه إسرائيل، حيث خفضت بعض الدول مستوى علاقاتها معها، بينما قطعتها دول أخرى بالكامل. أما الشركاء المقربون، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، وعلى الرغم من أنهم ما زالوا يدعمون إسرائيل بقوة، إلا أنهم أصبحوا أكثر انتقاداً لسلوكها بشكل علني.
انعقدت آمال في أن تكون الخطوة التركية إحدى مقدمات عزلة إسرائيل الدولية، حيث قد يتوالي بعدها خطوات حظر أخرى، تقودها دول لديها علاقات تجارية جيدة مع إسرائيل أيضاً.
لكن، بعد الأخبار الأخيرة حول التساهل التركي في موضوع القطيعة التجارية مع إسرائيل، ازدادت الشكوك حول أخذ أردوغان أي خطوات جدية من أجل إيقاف آلة الحرب الإسرائيلية، على الرغم من هجماتها الأخيرة في رفح. ويرى بعض المراقبين أن أردوغان قد يستمر بالحفاظ على الفصل التام بين السياسة والاقتصاد في علاقته مع إسرائيل، كما فعل بعد أزمة أسطول الحرية في العام 2010، التي قُتل خلالها 13 مواطناً تركياً.