حرب الإبادة على غزة

يبدي البنتاغون قلقه في شأن الكلفة المتزايدة التي تتكبّدها الولايات المتّحدة لإسقاط المسيّرات والصواريخ التي تطلقها حركة «أنصار الله» اليمنية في البحر الأحمر، فكلفة الصواريخ التي تستخدمها البحرية الأميركية باهظة الثمن، ويمكن أن تصل إلى 2.1 مليون دولار لاعتراض مُسيّرة غير متطوِّرة تقدّر كلفة تصنيعها ببضعة آلاف من الدولارات.

صحيح أن غياب العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والدول العربية قبل التطبيع لم يمنع نشوء علاقات مع الأنظمة العربية الاستبدادية لا سيما في مجال شراء برامج التجسّس، إلا أن التطبيع فتح لإسرائيل مجالات عدة سمحت بمضاعفة صادراتها والوصول إلى أسواق جديدة من خلال شركات مشتركة مع الدول العربية المطبعة لم يكن بإمكانها الوصول إليها رسمياً.

يعدُّ العام 2023 الأعنف في تاريخ الضفّة الغربية منذ الانتفاضة الثانية (2000-2005)، والأشدّ قتلاً منذ العام 2005. تعيش محافظات الضفّة الغربية كافة، بما فيها القدس الشرقية، عنفاً غير مسبوق منذ بداية هذا العام، اشتدّت وتيرته بالتوازي مع بدء الحرب على غزّة، وتختبر كذلك شتّى صنوف التضييق والترهيب والإذلال.

يبدو أن الهجمات في البحر الأحمر المساندة للمقاومة الفلسطينية تجهض المساعي الحثيثة التي بذلتها الولايات المتّحدة لرفع إمدادات النفط الصخري، وكذلك تعهّدات دول أوبك+ بعدم استخدام النفط كسلاح في الحرب، إذ أُجبرت شركات الملاحة وشركات نقل النفط والغاز على تعليق عمليّاتها في البحر الأحمر مؤقّتاً، عدا عن تأثر أسعار النفط التي بدأت تشهد تذبذبات تصاعدية.

يبدو أن الهجمات التي تنفذها حركة «أنصار الله» في البحر الأحمر دعماً للمقاومة الفلسطينية، وتزامنها مع أزمة الجفاف في قناة بنما سيكون لهما أثر جسيم على حركة الشحن البحري وسلاسل التوريد العالمية والتجارة عموماً، بما يتجاوز الضرر المباشر على الاقتصاد الإسرائيلي. فهل تدفع المصالح التجارية إلى توسيع دائرة المطالبة بوقف إطلاق النار؟ أم أن الضغوط قد تدفع إلى مغامرات حربية غير محسوبة النتائج؟

أعلنت شركة «ميرسك» الدنماركية عن وقف كلّ رحلاتها عبر البحر الأحمر حتّى إشعار آخر، وإعادة توجيه مسارات سفنها إلى رأس الرجاء الصالح والالتفاف حول أفريقيا، وذلك في أعقاب الهجمات التي نفذّتها حركة «أنصار الله» ضدّ السفن ذات الصلة بإسرائيل، أو المتّجهة إليها ومنها.

فيما كانت قمة المناخ منعقدة في دبي، كانت إسرائيل تقصف قطاع غزة بآلاف الأطنان من المتفجرات، التي بعثت نحو 60 مليون طن من الكربون في خلال 35 يوماً فقط من الحرب المستمرّة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي. ومع ذلك، غابت المأساة التي تصنعها دولة الاحتلال في غزّة بالكامل عن نقاشات المناخ، ولم يتخذ أي تدبير لوقف الجرائم الإسرائيلية.

يقترح الخبراء العسكريون إضافة غزّة إلى لائحة «أعنف حملات القصف التقليدي غير النووي التي شهدها التاريخ»، ففي مقارنة لحجم الدمار الذي تعرّض له القطاع وكمّية ونوعية الذخائر المستخدمة في القصف، يتبيّن أن التدمير والقتل يفوق ما سجّل في المدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية أو مدينة الموصل في خلال الغزو الأميركي للعراق.

تتزايد جهود دولة الاحتلال لتوسيع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية بالتوازي مع حرب الإبادة الجماعية، فالموازنة الأخيرة التي صوّت عليها الكنيست بداية هذا الشهر، خصّصت 343 مليون شيكل لوزارة المستوطنات، وهذا ليس سوى جزءاً من سياسة التوسع الاستيطاني المحتدمة وتتضمّن تدمير المنازل وتشجيع الهجرة اليهودية إلى المناطق ذات الغالبية الفلسطينية وتهجير التجمعات البدوية.

لم يكن إضرابا عامّاً عالمياً من أجل غزّة، ولكنه شكّل خطوة رمزية إضافية لرفع مستوى التضامن مع الفلسطينيين ضدّ الإبادة الجماعية التي تشنّها إسرائيل عليهم. وإذا كانت حركة التضامن العالمي ما زالت غير قادرة على التأثير بشكل واضح على الموقف الغربي، إلا أن تناميها يستحق النقاش حول ما إذا كان يشكّل بداية حركة أممية ضد الاستعمار.