Preview الشرق الأوسط مُهدَّد بخسارة 75% من مياهه العذبة

الشرق الأوسط مُهدَّد بخسارة 75% من مياهه العذبة

بعد سنواتٍ قليلة من اليوم، سيضطر عشرات المُزارعين المُقيمين في منطقة الشرق الأوسط إلى ترك أراضيهم والتوجّه إلى المدن، الأمر الذي قد يؤدّي إلى تفاقم النمو الحضري في المنطقة بشكل يصعب استيعابه. 

هذا السيناريو هو واحد من أخطر تداعيات ندرة المياه التي تعاني منها بلدان المنطقة في ظلّ أزمة تغيّر المناخ الجدّية التي يواجهها العالم. تقول تقديرات مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن المنطقة مُهدّدة بخسارة 75% من مياهها العذبة بسبب تغيّر المناخ، ومن المتوقّع أن تؤدّي ندرة المياه المرتبطة بالمناخ إلى انخفاض الناتج المحلّي الإجمالي في الدول العربية بنسبة تصل إلى 14% بحلول العام 2050.

وعلى الرغم من مخاطر تقلّص الاقتصاد الزراعي في المنطقة وصعوبة مواجهة التوسّع الحضري، إلّا أن السياسات الحكومية في المنطقة لا تبدو - إلى الآن - قادرة على معالجة جوهر أزمة ندرة المياه التي تتطلّب بالحد الأدنى البحث في وسائل الاستعداد للتكيّف المناخي، خصوصاً أن البلدان العربية في المنطقة الأكثر عرضة لتغيّر المناخ والأقل استعداداً للتكيّف هي بلدان متضرّرة بدورها من الصراعات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

نصيب الفرد من استهلاك المياه المنزلي اليومي (بالليتر)

ضغط مائي كبير 

يستهلك الفرد الأميركي يومياً 380 ليتراً من المياه، في المُقابل لا يتعدّى استهلاك الفرد اليمني الـ22 ليتراً!

في الواقع، إن الحدّ الأقصى من المياه التي يستخدمها الفرد في منطقة الشرق الأوسط مُسجّلة في سوريا، حيث تقدّر حصّة الفرد اليومية من المياه بنحو 157 ليتراً، يليها لبنان (116 ليتراً للفرد)، ومن ثمّ الأردن (109 ليتراً)، والضفّة الغربية (88 ليتراً).

هذه الأرقام التي يستعرضها تقرير«النجاة من الندرة: المياه ومُستقبل الشرق الأوسط» الصادر عن مركز الدراسات والاستراتيجيات الدولية، ليست إلّا انعكاساً لواقع الضغط المائي الذي ترزح تحته منطقة الشرق الأوسط، ومن المرجّح أن يتفاقم بعد أقل من عقدين.

وفق التقرير، بحلول العام 2050 سيعيش كل بلد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحت ضغط مائي مرتفع للغاية، وفي حال ارتفعت درجات الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية ستشهد المنطقة انخفاضاً بنسبة 75% في توافر المياه العذبة! علماً أن المتوقّع هو أن ترتفع درجات الحرارة في العديد من بلدان المنطقة بنحو 5 درجات مئوية بحلول نهاية القرن. وأيضاً من المتوقع أن تؤدّي ندرة المياه المرتبطة بالمناخ إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية بنسبة تصل إلى 14% بحلول العام 2050.

تفاوت في الاستعدادات والإمكانات

وتأتي هذه المعطيات في وقت لا تملك فيه العديد من البلدان العربية في المنطقة الإمكانات اللازمة لمواجهة تغيّر المناخ والتكيّف معه. 

واللافت أن البلدان العربية الأكثر عرضة لتغيّر المناخ والأقل استعداداً للتكيّف هي البلدان المتضرّرة بدورها من الصراعات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر مثل لبنان وسوريا واليمن والعراق. فيما بعضها كالمملكة العربية السعودية والبحرين وعمان والإمارات العربية المتّحدة، هي أكثر تعرّضاً لتغيّر المناخ لكنّها - بخلاف بقية البلدان التي تشهد صراعات - تملك القدرة والاستعدادات اللازمة للتكيّف المناخي. أما في حالة كل من قطر والكويت، فإن هذين البلدين هما أقل عرضة للتغير المناخي وأكثر استعداداً لاستيعاب الأزمة.

يعود التركيز على الاستعداد للتكيّف المناخي إلى كونه واحداً من أبرز الوسائل التي تعالج ندرة المياه نظراً للتهديد الكبير الذي تتسبّب به أزمة المناخ لجهة تفاقم انعدام الأمن المائي في المنطقة. 

تزايد موجات الهجرة والنزوح

من المعلوم أن انعدام الأمن المائي يؤثّر بشكل خاص على البلدان المتضرّرة من الصراعات لجهة النزوح والهجرة والضغط على الأراضي المناسبة للسكن البشري. وفي هذا الصدد، يتوقّع المركز بحلول العام 2070 أن ينتقل السكّان على الصعيد العالمي من المناطق الممتدّة في شمال أميركا اللاتينية والشرق الأوسط وجنوب آسيا وشمال أفريقيا الى المناطق الممتدّة في أوروبا وأميركا الشمالية بسبب ندرة المياه والفشل في تحسين إدارتها والتكيّف مع المناخ، وهو ما من شأنه أن «يهدّد الأمن الإقليمي والدولي».

على الصعيد الإقليمي، صحيحٌ أن الزراعة تمثّل جزءاً محدوداً من اقتصادات الشرق الأوسط ككلّ، ولكن جزء من سكّان بعض الدول لا يزالون يعتمدون عليها كمصدر رزقهم الأساسي. في المقابل، يشكّل النشاط الزراعي مصدراً كبيراً لاستهلاك المياه، ووفق أرقام منظمة الغذاء والزراعة لعام 2020، فإن نسبة مسحوبات المياه الزراعية في اليمن تستحوذ على 90.7% من إجمالي مسحوبات المياه، وفي سوريا 87.5%، والعراق 78.1%، والأردن 51.6%، ولبنان 38%، والضفّة الغربية، وقطاع غزة 48.1%.

وفي ظل تنامي ندرة المياه في المنطقة، فإن المزيد من السكّان سيكونون مضطرين للنزوح نحو المدن المكتظة بالسكان أساساً نتيجة خسارة مصادر رزقهم الريفية، وهو ما قد يخلق ضغطاً إضافياً لإيجاد فرص عمل لهم خارج نطاق الزراعة، وقد يخلق ضغطاً اجتماعياً واقتصادياً ونمواً غير طبيعي للتوسع الحضري، الأمر الذي ينذر بتصاعد التوترات في المنطقة

ووفق أرقام البنك الدولي، تضاعفت نسبة سكّان الحضر في منطقة الشرق الأوسط في الفترة الممتدة بين عامي 1960 و2020. مثلاً، ارتفعت نسبة سكان الحضر في اليمن من 9.1% في العام 1960 إلى 37.91% حالياً. كذلك في سوريا، ارتفعت النسبة في خلال الفترة نفسها من 36.81% إلى 55.48%، وفي العراق من 42.9% إلى 70.89%. أما في لبنان فقد ارتفعت من 42.34% الى 88.92%، والأردن من 50.88% إلى 91.42%.