معاينة اقتصاد الضفة الغربية

صدمات الحرب تضرب اقتصاد الضفّة الغربية

تداعيات الحرب التي تشنّها إسرائيل على الفلسطينيين تظهر بحدّة في الضفة الغربية. قد تبدو هذه التداعيات أقل وطأة إذا ما قورنت بهول القصف والدمار الذي يطال قطاع غزّة، إلا أنها في الواقع كارثية في كلّ المعايير، وقد تؤدّي في غضون أشهر وحتى أسابيع إلى تراجع الاقتصاد بنسبة لا تقل عن 40% إلى 50% وفق تقديرات «معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني» (ماس).

هذه التوقّعات هي النتيجة المباشرة للحرب الحالية، لكن أسبابها الفعلية ترتبط بإخضاع الاقتصاد الفلسطيني بالكامل للاقتصاد الإسرائيلي، من الحصول على السلع الأساسية للإنتاج والاستهلاك، إلى الموارد الأساسية للعيش مثل الطاقة والمياه، وصولاً إلى الوظائف والتنقل. هذا الواقع عملت دولة الاحتلال على ترسيته طوال عقود من استعمارها وسيطرتها على الجغرافيا والموارد، فربطت سبل عيش الفلسطينيين بها إمّا لإخضاعهم أو لدفعهم إلى الرحيل والتخلي عن أرضهم. 

منذ بدء الحرب على غزّة في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تشدّد إسرائيل الإجراءات الأمنية، بحيث تمنع دخول الفلسطينيين إلى الأرض المحتلّة في العام 1948 وتقيّد حركتهم في الضفّة الغربية، وهو ما انعكس انخفاضاً في وتيرة النشاط الاقتصادي. كان من المتوقّع أن يتعافى اقتصاد الضفّة الغربية من تداعيات كوفيد-19 في العام 2023 فيما لو حقّق نمواً بنسبة 3% بحسب المعهد، لكن هذه التوقّعات تبدّدت بحكم الحرب وسياسة الاقتصاص الجماعي التي تمارسها إسرائيل، ومن المرجّح أن «تتوالى الأزمات الاقتصادية على الضفّة عبر موجات متلاحقة».

الصدمة الأولى: خسارة 3 مليارات دولار بسبب إيقاف العمالة في الاقتصاد الإسرائيلي 

منذ اليوم الأول للحرب، عمد الاحتلال إلى منع 160 ألف عامل من الضفّة الغربية، غالبيتهم من المياومين، من العمل في أراضي 48 والمستوطنات، يشكّل هؤلاء نحو 20% من مجمل القوى العاملة في الضفّة الغربية ويُدخِلون إلى الاقتصاد الفلسطيني نحو 3 مليار دولار سنوياً، أو ما يقارب 15% من الدخل القومي المتاح. ساهمت هذه العمالة الفلسطينية بإبقاء معدّل البطالة في الضفّة الغربية (20%) أقل من معدّله في غزّة (حوالى 45%). إلا أن منع هؤلاء العمّال من العمل، وعدم القدرة على إيجاد فرص عمل لهم داخل الضفّة الغربية المحاصرة، سيرفع نسبة البطالة إلى ما يزيد على 30% طوال فترة الحرب بحسب «ماس». 

عمد الاحتلال إلى منع 160 ألف عامل من الضفّة الغربية، غالبيتهم من المياومين، من العمل في أراضي 48 والمستوطنات

إن البطالة الفجائية لنحو 160 ألف عامل تعني عملياً تراجع الطلب العام والقوة الشرائية للأسر الريفية الأفقر التي يأتي منها غالبية هؤلاء العمّال، فضلاً عن تراجع السيولة النقدية في السوق. 

الصدمة الثانية: خسائر بقيمة 1,5 مليار دولار نتيجة وقف العلاقات الاقتصادية مع أراضي الـ1948

أقامت دولة الاحتلال أكثر من 700 حاجز في الضفة الغربية منذ بدء حربها على غزّة، أي بمعدّل حاجز واحد كل 3 كيلومترات. أدّت هذه القيود إلى إعاقة حركة الفلسطينيين ضمن محافظات الضفة الغربية كذلك منعت وصول الفلسطينيين المقيمين في الأراضي المحتلة في العام 1948 والقدس الشرقية إلى داخل الضفة. بحسب «ماس» إن غياب الزوّار والمتسوّقين الفلسطينيين من أراضي الـ1948 والقدس الشرقية عن أسواق شمال الضفة الغربية والمواقع السياحية في أريحا ونابلس ورام سوف يحرم الاقتصاد الفلسطيني من 1,5 مليار دولار سنوياً ينفقها هؤلاء في الضفة الغربية.

غياب الزوّار والمتسوّقين الفلسطينيين من أراضي الـ1948 والقدس الشرقية عن أسواق شمال الضفة الغربية والمواقع السياحية فيها سوف يحرم الاقتصاد الفلسطيني من 1,5 مليار دولار سنوياً

أيضاً، شهدت الفترة الأخيرة التي سبقت الحرب، قيام العديد من الفلسطينيين المقيمين في أراضي الـ1948 باستثمارات في الشقق والمنازل في أريحا ومناطق رام الله، ما يعني أن القيود الحالية وظروف الحرب سوف تعيق هذا المورد الاقتصادي، مما سينعكس تراجعاً في الطلب والإنفاق في اقتصاد كان يعاني لتحقيق بعض النمو قبل الحرب.  

الصدمة الثالثة: 3.1 مليار دولار ضرائب فلسطينية تقبض عليها سلطات الاحتلال 

بموجب اتفاقية باريس الاقتصادية التي وقّعت في العام 1994 بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال، أحكمت إسرائيل قبضتها على الموارد العامة الفلسطينية، بحيث باتت تجمع نيابة عنها إيرادات ضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة والشراء وأي ضرائب ورسوم أخرى من التجارة بين إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة، وتحوّلها إلى السلطة الفلسطينية شهرياً بعد اقتطاع عمولة لصالحها. ومع كل توتر سياسي وعسكري، تُلوّح حكومة الاحتلال بعدم دفع تلك الضرائب أو تخفيض المبلغ المحوّل شهرياً. وبالفعل، في أعقاب الحرب الجارية، أعلنت سلطات الاحتلال عن حجب أموال الضرائب (تعرف بالمقاصة) الخاصة بغزّة من مجمل المبلغ المحوّل إلى السلطة الفلسطينية، التي أعلنت بدورها رفض تسلّمها. وهذا ما يشكّل ضربة للاقتصاد الفلسطيني. 

تبلغ قيمة الأموال التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية نحو 3,1 مليار دولار بحسب وزارة المالية الفلسطينية، وهي تشكّل 66% من إيراداتها العامة

في الواقع، تبلغ قيمة الأموال التي تجبيها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية نحو 3,1 مليار دولار بحسب وزارة المالية الفلسطينية، وهي تشكّل 66% من إيراداتها العامة، وتشكّل أيضاً نحو 20% من مجمل الناتج المحلّي الفلسطيني (الضفة الغربية وقطاع غزّة). وبحسب «ماس» تعتبر هذه الأموال «أساس تمويل فاتورة الرواتب لحوالى 150 ألف موظّف والنفقات التشغيلية للسلطة والبالغة حوالى 300 مليون دولار شهرياً، وعنصر أساسي في تغذية القوة الشرائية للمستهلكين»، كما تساهم في «تمكين الأسر المقترضة من تسديد ديونها للمصارف المحلية البالغة حوالى 7 مليارات دولار أميركي، وكذلك في قدرة الحكومة على تسديد ديونها للقطاع المصرفي البالغة 2 مليار دولار».