شاحنة مساعدات واحدة لكل 20,000 إنسان في قطاع غزّة
مرّ 192 يوماً على بدء حرب الإبادة الجماعية ضدّ قطاع غزّة. لو لم تقع الحرب، كان من المفترض أن يدخل نحو 96 ألف شاحنة إلى القطاع المُحاصر في خلال هذه الفترة على اعتبار أن دولة الاحتلال كانت تسمح بدخول 500 شاحنة يومياً قبل بدء الحرب. لكن ما دخل فعلياً منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي وحتى 15 نيسان/أبريل الحالي، لا يتجاوز 22% من مجمل عدد هذه الشاحنات، وهو ما يشكّل 110 شاحنات يومياً بمعدّل شاحنة لكل 20 ألف إنسان.
في خلال هذه الحرب، رأى العالم بأم العين كيف تستخدم إسرائيل سلاح التجويع ضدّ الفلسطينيين والفلسطينيات المحاصرين تحت القصف في قطاع غزّة. ولكن المفارقة أن هذه السياسة معتمدة منذ نحو 17 عاماً، حينما فرضت دولة الاحتلال حصاراً على القطاع، حدّدت بموجبه ما يدخل إليه من سلع ومواد أساسية. ومن أجل تبرير منع دخول العديد من السلع الأساسية لاستمرار الحياة في غزّة، وهي وسيلة اعتمدتها لتطهير الفلسطينيين عرقياً، تحجّجت دولة الاحتلال دائماً بتصنيفات ابتكرتها واعتبرت بموجبها أن العديد من السلع هي مزدوجة الاستخدام أي يمكن استخدامها للأغراض العسكرية والحاجات المدنية معاً. إلا أن تحديدها عدد السعرات الحرارية التي يستهلكها الشخص الواحد يبيّن زيف هذه الادعاءات. وهو ما برز أكثر وأكثر في خلال هذه الحرب الجارية التي يُعدُّ التجويع أحد أكثر أسلحتها وحشية. إذ تعرِّف الأمم المتّحدة الجوع بأنه «الفترات التي يعاني منها الناس من انعدام حادّ في الأمن الغذائي، ويصبح الجوع مزمناً عندما لا يستهلك الشخص سعرات حرارية كافية بشكل منتظم ليعيش حياة طبيعية بما يؤثر على حياته المستقبلية وقدرة جسمه وعقله على الاشتغال، وصولاً إلى موته جوعاً».
دخل إلى قطاع غزّة نحو 21,012 شاحنة منذ بداية الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، 69.2% منها محمّلة بمواد غذائية، و20.5% منها محمّلة بمواد غير غذائية مثل البطانيات والألبسة، و5.5% محمّلة بمواد طبّية، بالإضافة إلى 4.8% من مجمل هذه الشاحنات محمّل بمواد متنوّعة تضمّ خليطاً من المواد الطبية والغذائية وغير الغذائية.
صحيح أن النسبة الأكبر من الشاحنات محمّلة بمواد سلع غذائية لتقديم المساعدات الإنسانية الطارئة للأشخاص الواقعين تحت الإبادة، إلا أن قاعدة البيانات التابعة للأونروا تبيّن أن نحو نصف هذه المواد هي عبارة عن عبوات مياه والنصف الآخر هو مواد غذائية، علماً أن النسبة الأكبر منها هي عبارة عن معلّبات حبوب وتونا وطحين. في الواقع، يبيّن تحليل أجرته الأونروا على بيانات المعابر الحدودية للفترة المُمتدّة بين 21 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و3 آذار/مارس الحالي، كمية السعرات الحرارية للغذاء الذي يدخل إلى قطاع غزة، وقد بلغ متوسطها نحو 1,000 سعرة حرارية يومياً، بالمقارنة مع 2,100 سعرة حرارية وفق المعايير الصحية العالمية، وبالإضافة إلى تقنين معدّل السعرات الحرارية اليومية المستهلكة، أيضاً لا يحصل الفلسطينيون والفلسطينيات في غزّة على غذاء منوّع وصحّي، بما يهدّد بتعميق حالات سوء التغذية التي تعيق قدرة الأجسام والعقول على الاشتغال وتساهم في المجاعة وصولاً إلى الموت.
أمّا بالنسبة للمواد الطبية فهي تشكّل 5.5% فقط من مجمل المواد التي كانت تدخل إلى القطاع، علماً أن جزءاً منها هو عبارة عن شاش وأمصال. ان الافتقار إلى العديد من الأدوية وومواد التخدير والمواد الأساسية للإسعاف والتدخل الطبّي يعمّق الأزمة الصحية التي افتعلتها إسرائيل في القطاع، ويبيّن سلاحاً آخر من أسلحة الإبادة المُستخدمة.
لا يتوقّف استخدام سلاح التجويع على تحديد كمّيات الغذاء ونوعيّتها فقط بل يصل أيضاً إلى إعاقة وصول البعثات الإنسانية. فمنذ صدور التقرير الأول من «التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي»، في كانون الأول/ديسمبر 2023، تراجع عدد البعثات الإنسانية التي وصلت إلى المحافظات الشمالية سواء بسبب القيود الإسرائيلية المتمثلة بإغلاق الطرق وإقامة نقاط تفتيش واحتجاز العاملين في المجال الإنساني أو تمنّع المنظمات الدولية عن إيصالها. بين تشرين الأول/أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر الماضيين، تمّ التخطيط لنحو 43 بعثة في محافظات شمال غزة، نفّذ منها 37 بعثة بشكل كامل أو جزئي. وبين كانون الثاني/يناير و15 شباط/فبراير 2024، تم التخطيط لنحو 77 بعثة في المحافظات الشمالية، نفّذ منها 15 بعثة بشكل جزئي أو كامل في مقابل تعليق أو إلغاء أو منع 81% منها. أما في المحافظات الجنوبية فقد تم التخطيط لنحو 209 بعثات، نفّذ 54%منها في مقابل تعليق أو إلغاء أو منع تنفيذ النسبة الباقية. أما في نيسان/أبريل يسّرت السلطات الإسرائيلية 41% (7 بعثات) من البعثات المخطّطة لإيصال المساعدات إلى شمال غزّة، فيما أعاقت أو ألغت النسبة الباقية. أما في المحافظات الجنوبية فقد تمّ تيسير 91% من البعثات وعددها 31، فيما رفضت أو عيقت النسبة الباقية.