خوارزميات المقاومة

  • مراجعة لكتاب «خوارزميات المقاومة» لمؤلِّفَيه تِزيانو بونيني وإيمليانو تريري، الذي يركّز على 3 فئات من مُتَحدِّي المنصّات: العامل المؤقت ومستهلك المحتوى الثقافي ومنشئه والناشط السياسي، وكيف يستخدم هؤلاء الخوارزميات ويستغلونها لتحسين ظروف العمل وتنظيم أشكال من العمل الجماعي.

صدر عن منشورات ماساشوستس، بنسخة إلكترونية مجّانية وأخرى ورقية، كتاب «خوارزميات المقاومة» لمؤلِّفَيه الأستاذ المساعد في علم الاجتماع والثقافة والاتصالات بجامعة سينا، تِزيانو بونيني، والأستاذ المساعد في البيانات والبيئات الإعلامية بجامعة كارديف ومنسّق مختبر عدالة البيانات، إيمليانو تريري.

تعرّضت مواد عديدة إلى موضوع التمييز والاستغلال والقمع الخوارزمياتي. وبضعٌ منها درس موضوع تحايل المستخدمين على الخوارزميات والالتفاف عليها لما فيه مصلحتهم. ومنها عمل بونيني وتريري إذ يحلِّل تكتيكات الناس العاديين لتفادي (ولو مؤقتاً) قيود السلطة الخوارزمية وممارسة أجنداتهم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ويستند تحليلهما إلى عملهما الميداني ومقابلاتهما مع العمّال ودراسات حالة من أوروبا وأميركا اللاتينية والولايات المتّحدة وأميركا الشمالية وآسيا.

يتحرّى السائقون الثغرات في الخوارزميات ويستغلونها في محاولة لاسترداد شيء من المشيئة وتحسين ظروف العمل وتنظيم أشكال من العمل الجماعي لإقامة أواصر التضامن

يركّز الكتاب على 3 فئات من مُتَحدِّي المنصّات: العامل المؤقت (عمّال توصيل الطعام على وجه التحديد)، ومستهلك المحتوى الثقافي ومنشئه، والناشط السياسي.

في الفصل المخصّص لعمّال التوصيل، يبيّن المؤلّفان كيف يتحرّى السائقون الثغرات في الخوارزميات ويستغلونها في محاولة لاسترداد شيء من المشيئة وتحسين ظروف العمل وتنظيم أشكال من العمل الجماعي لإقامة أواصر التضامن. وهذه الممارسات اليومية للمقاومة المايكروية يمكن وضعها في خدمة نوايا مختلفة، بعضها ليس بالضرورة حسناً أو أخلاقياً بنظر الغالبية. وعلى أي حال، صاغ عمّال التوصيل ممارسات تعاون وتضامن تتحدّى المنطق النيوليبرالي والسلوك التنافسي المُسجّل في الخوارزميات. تتراوح أشكال التعاون المتبادل غير المقدّمة من التطبيقات بين مجموعات محادثة خاصة يتبادل فيها العمّال المعلومات وينسّقون العمل الجماعي ويقدّمون الدعم المتبادل للمنصّات التعاونية التي ظهرت قبل بضعة سنوات كبديلٍ للمنصّات التجارية.

في ميدان الصناعات الثقافية، تتمثِّل القيمة الأثمن في الظهور. يركز القسم الخاص بمنشئي المحتوى الثقافي على «مجموعات التفاعل»، أو البودس، على إنستغرام، حيث يحاول المستخدمون كسب ظهور مصطنع عبر تبادل «الإعجابات» والتعليقات وسواها من أشكال التفاعل مع محتوى بعضهم البعض. بل إنّ بعض منشئي المحتوى يضمن لنفسه فاعلية أكبر بانضمامه إلى نقابةٍ مستقلة. على سبيل المثال، أُسِّسَت نقابة اليوتيوبرز في العام 2018 لتحسين شروط العمل لليوتيوبرز. بعدها بعام، تحالفت مع نقابة آي جي ميتال، أكبر نقابة عمالية في أوروبا.

يحاول المستخدمون كسب ظهور مصطنع عبر تبادل «الإعجابات» والتعليقات وسواها من أشكال التفاعل مع محتوى بعضهم البعض. بل إنّ بعض منشئي المحتوى يضمن لنفسه فاعلية أكبر بانضمامه إلى نقابةٍ مستقلة

والحال أنّ الظهور الرقمي يحمل أهمّية قصوى في الصناعة الثقافية، لكنّه عند النشطاء السياسيين سيفٌ ذو حدّين. فقد يعني الظهور جذب الانتباه ومزيداً من القدرة على رواية قصصك، لكنّه يستتبع مزيداً من الرقابة والمراقبة. ففي الفصل المخصّص للنظر في الخوارزمية السياسية، يدرس المؤلّفان كيفية تحايل الجهات المؤسّسية والمجتمع المدني على الخوارزميات واستغلالها في محاولة لبلوغ أهدافها السياسية. ويطرح المؤلّفان نقطة مهمّة إذ يشيران إلى أهمّية النظر في القوى العاملة خلف البروباغندا الرقمية لا بصفتها متصيّدة مأجورة معدومة العقل، بل بصفتها قوة عاملة مُهدّدة في عملها ولا تحصل على أجر عادل وتمثّل جزءاً من صناعة الإعلام في بلدها.

لديّ أسباب عدّة لترشيح هذا الكتاب، وأولها تحليله المُدقِّق والنزيه لصراع القوى بين التطبيقات ومستخدميها. فالمستخدم حال امتلك سلطة أقل من سلطة المنصّات، كما يوضّح المؤلّفان، لا يعني أنّه بالضرورة «الطرف الصالح». على سبيل المثال، يمكن لعمّال التوصيل والمؤثّرين ابتكار أساليب اختراق جديدة لا تفيدُ إلّا إياهم، على حساب الآخرين. ومثلما استخدمت حركة «حياة السود مهمة» وسواها الخوارزميات للدفع بقضاياها السياسية والاجتماعية، بمستطاع أي حركات عنصرية وهوموفوبية وميزوجينية استغلال الخوارزميات ذاتها لخدمة قضاياها، أو أن تستغلها الحكومات السلطوية.

مثلما استخدمت حركة «حياة السود مهمة» وسواها الخوارزميات للدفع بقضاياها السياسية والاجتماعية، بمستطاع أي حركات عنصرية وهوموفوبية وميزوجينية استغلال الخوارزميات ذاتها لخدمة قضاياها

كما أُثمّن ما أعربَ عنه المؤلّفان من تفاؤلٍ حذر بصدد الظهور المحتمل لمنصّة طبقة عاملة. وإذ يرحّبا بهذه المقاومات المايكروية ويضعانها في عداد التاريخ الطويل للاحتجاجات العمّالية، فإنّهما بالمقابل يلاحظان بأنّها لا تمثّل إلا خطوة أولى في سيرورة رفع الوعي بين جمهرة من الجهات الفاعلة يخضع موقفها لسلطة المنصّات.

وبحسب المؤلّفين، ما دام مستخدمو هذه المنصّات للعمل اليومي والاستهلاك والتواصل والإعلام والانخراط في النشاط السياسي لا يدركون البُعد الكامل لاستخراج البيانات، فإنّ مشيئتهم لن تبرح ملجومةً بإحكام.

نشر هذا المقال في We Make Money Not Arts في 26 آذار/مارس 2024.

علاء بريك هنيدي

مترجم، حاصل على ماجستير في المحاسبة، وشارك في تأسيس صحيفة المتلمِّس. صدر له ترجمة كتاب ديفيد هارفي «مدخل إلى رأس المال» عن دار فواصل السورية، وكتاب جوزيف ضاهر «الاقتصاد السياسي لحزب الله اللبناني» عن دار صفصافة المصرية، وكتاب بيتر درَكر «الابتكار وريادك الأعمال» عن دار رف السعودية، وكانت أولى ترجماته مجموعة مقالات لفلاديمير لينين عن ليف تولستوي صدرت ضمن كراس عن دار أروقة اليمنية. كما نشر ترجمات عدّة مع مواقع صحافية عربية منها مدى مصر، وإضاءات، وذات مصر، وأوان ميديا.