Preview النضال ضد راسمالية المنصات

النضال ضدّ رأسمالية المنصّات

  • مراجعة لكتاب «النضال ضدّ رأسمالية المنصّات: بحث في النضالات العالمية للأعمال الحرّة» لجيمي وودكوك، الذي يعاين الحركة النضالية الناشئة لعمّال المنصّات ضدّ الرأسمالية في محاولة لدحض الفكرة الشائعة عنهم بأنّهم «غير قابلين للتنظيم»، فضلاً عن تطوير فهم جديد للسمات الحالية للصراع السياسي في اقتصاد المنصّات.

في كتاب «النضال ضدّ رأسمالية المنصّات: بحث في النضالات العالمية للأعمال الحرّة»، يجادل جيمي وودكوك أننا نشهد انبثاق حركة عالمية ومنظّمة لعمّال المنصّات ضدّ الرأسمالية. يستوحي الكتاب من خبرات العمّال - وهذا ما يميّزه - من أجل تطوير فهم السمات الحالية للصراع السياسي في اقتصاد المنصّات.

أصبح العمل على المنصّات ظاهرة شائعة الانتشار في حياتنا، من تطبيقات توصيل الطعام ونقل الركّاب إلى الأعمال اليدوية والخدمات المنزلية. تُحلّل الكتب مثل «رأسمالية المنصّات» لنِك سرنيشك، و«عصر رأسمالية المراقبة» لشوشانا زوبوف، التطوّرات الأخيرة في الاقتصاد الرقمي من منظور الشركات، وتفسّر أهمّية التكنولوجيات الجديدة ونماذج الأعمال وأنماط الإنتاج. أمّا في كتابه «النضال ضدّ رأسمالية المنصّات»، فيحاول جيمي وودكوك تغيير النقاش، ويلفت انتباهنا إلى النضالات التي تحدث من أسفل، ويسرد قصّة صعود الحركة النضالية لعمال المنصّات العابرة للحدود. يبدأ الكتاب بخبرات العمّال أنفسهم، ويقدّم مساهمة ضرورية ومُرحّب بها في أدبيّاتها، ويغيّر منظور تفكيرنا عن عمّال المنصّات. 

يتضمّن الفصل الخاص بعمّال منصّات النقل وصفاً لافتاً لكيفيّة إدراج رأسمالية المنصّات «سلسلة من التغيرات التقنية التي تسعى إلى إفقار عمل التوصيل وتكثيفه» من خلال تحميل العمّال التكاليف والمخاطر

إن الطموح الرئيسي للكتاب هو تغيير النظرة العامّة عن عمّال المنصّات بأنّهم «غير قابلين للتنظيم»، عبر الكشف عن الأشكال الجديدة من نضال العمّال في اقتصاد المنصّات. يسلّط وودكوك الضوء على الاتصالات المُتزايدة بين عمّال المنصات من خلال مجموعات الواتساب وأماكن الاجتماعات غير الرسمية. بدءاً من سائقي أوبر في العام 2014 وإضرابات سائقي Deliveroo في صيف العام 2016، ويحلّل تصاعد العمل الجماعي للعمّال وتطوّر شبكات جديدة من التضامن العابرة للحدود.

يركّز التحليل على ثلاثة دراسات يملك فيهم المؤلّف خبرة بحثية شخصية: عمّال منصّات النقل (توصيل الطعام والركّاب)؛ العمّال عبر الإنترنت (المعروفين أيضاً بالعمّال المايكرو أي عمّال الخدمات الصغيرة)؛ والعمّال المستقلّين عبر الإنترنت. الفصل الخاص بعمّال منصّات النقل مُعَد بشكل جيّد ويتضمّن وصفاً لافتاً لكيفيّة إدراج رأسمالية المنصّات «سلسلة من التغيرات التقنية التي تسعى إلى إفقار عمل التوصيل وتكثيفه» من خلال تحميل العمّال التكاليف والمخاطر. يكافئ الكتاب القرّاء بسرد مهمّ عن الاحتجاجات والاعتصامات الغائبة عادة عن النقاشات الأكاديمية المتعلّقة بالاقتصاد الرقمي.

يقودنا إطار عمل الكتاب إلى العديد من الأسئلة المهمّة النابعة من تحليله؛ كيف يمكن لعمّال الرعاية والعمّال المنزليين على المنصّات أن ينتظموا مع الأخذ في الاعتبار علاقاتهم الشخصية مع أصحاب العمل، وأماكن العمل الأكثر خصوصية، ونقص أماكن التجمّع الطبيعية في المناطق العامة؟ يجادل الكتاب أن النضالات الأخيرة ضدّ Amazon Mechanical Turk تظهر إمكانية تنسيق العمّال فيما بينهم من خلال التواصل عبر الإنترنت في ظل غياب التواصل المادي في مكان العمل.

النضالات الأخيرة ضدّ Amazon Mechanical Turk تظهر إمكانية تنسيق العمّال فيما بينهم من خلال التواصل عبر الإنترنت في ظل غياب التواصل المادي في مكان العمل

يقدّم الكتاب أيضاً مساهمة منهجية هامّة من أجل دراسة العمل في الاقتصاد الرقمي، وينصح أنه «لا يجب على الباحثين أن ينخرطوا في العمل مثل المستكشفين الذين يسبرون أغوار منطقة مجهولة». بدلاً من ذلك، يجب أن يعوا أن العمّال هم أفضل من يفهم طبيعة عملهم ومن يكوّن الاستراتيجيات عن كيفية تغييره. بالاعتماد على خبراته مع متعاونين في مجلّة Notes from Below ومُنظِمين في الاتحاد العمّالي المستقل في بريطانيا، يدعو وودكوك إلى شكل من «العمالوية الرقمية»، ويعتمد هذا الطرح على تقليد البحث العمّالي المستوحى من ماركس، والذي تبنّته مجموعات ماركسية أخرى، لعل أبرزها الماركسيين الإيطاليين في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. والبحث العمّالي هو «مسار نضالي» يدمج بين «التنظيم وإنتاج المعرفة». والذي يمكن تمييزه عن الأشكال الأخرى من البحث المشترك، من خلال بعده السياسي الواضح والملتزم: أي، «كيف يمكن للبحث أن يكون جزءاً من الحركة ضدّ العمل وأن يساهم فيها».

إن تبنّي هذه المنهجية يطرح سؤالاً هاماً عن مدى التطرّق إلى النموذج العمالوي في هذه المقاربة الجديدة «للعمالوية الرقمية». يقوم الزعم الجوهري للعمالوية على فكرة أن التطوّر والإبداع الرأسمالي هما مجرّد ردّ فعل على نضال العمّال. أيضاً انتقدت العمالوية بشدّة مؤسّسات اليسار القائمة، والتفتَت إلى العمّال المناضلين بحثاً عن استراتيجيات خلّاقة لمحاربة رأس المال. يصف مايكل هاردت وأنطونيو نيغري «المسلّمات الرئيسة» للعمالوية كالتالي: «نضالات الطبقة العاملة تسبق وترسم إعادة الهيكلة المتعاقبة لرأس المال». واعتبار هذه الفكرة من «المسلمات» يطرح أسئلة عما إذا كان هذا الزعم تجريبي وقابل للدحض، أو ضرورة سياسية - من أجل منح الأولوية إلى المنظور العمّالي كموضوع للتحليل والنضال السياسي. 

في حالة العمالوية الرقمية، يمكن أن نسأل، هل لِزاماً علينا فهم صعود المنصّات الرقمية والأعمال القائمة على التطبيقات بأنها ردّ فعل للنشاط السياسي للعمّال. إن قوّة نقابات العمّال وتأثيرها في هبوط حادّ منذ عقود عديدة، والصناعات التي حوّلتها المنصّات الرقمية لم تشهد نشاطاً إضرابياً قبل إدخال هذه التكنولوجيا الجديدة. في حين كان ممكناً رؤية رأس المال في موقف دفاعي في خلال إضرابات ومظاهرات «الخريف الحارّ» في شمال إيطاليا في نهاية الستينيات من القرن الماضي، فإن الوضع مع الفرضية العمّالوية أكثر صعوبة عند تحليل الرأسمالية العالمية المعتمدة على التكنولوجيا في العقد الماضي. بالطبع، يحلّل القسم الأكبر من هذا الكتاب المحاولات الأولى للعمّال لفهم إعادة بناء رأس المال لمسار العمل والاستجابة له من خلال مخطّطات «المتعاقد المستقل» المبهمة والأساليب الجديدة للإدارة اللوغاريتمية. وهناك تفسير آخر لصعود المنصّات قد ينظر إلى الاتجاهات طويلة الأجل في الإنتاج الرأسمالي، مثل الانخفاض في التصنيع وصعود تكنولوجيا المعلومات والبيانات بوصفها عنصراً أساسياً في نشأة نماذج أعمال جديدة مرنة.

البحث العمّالي هو «مسار نضالي» يدمج بين «التنظيم وإنتاج المعرفة»، والذي يمكن تمييزه عن الأشكال الأخرى من البحث المشترك، من خلال بعده السياسي الواضح والملتزم

بغض النظر عن إجابتك على هذه الأسئلة، يملأ الكتاب فجوة كبيرة في فهمنا لنضالات العمّال في اقتصاد المنصّات، ويقدّم محاولة تنظيرية هامّة عن كيفية تطوّر الصراعات اليومية بين العمّال والإدارة إلى تنظيم أكثر استدامة. ويعتمد الفصل الأخير على نموذج طوّرته أريانا تاسيناري وفينتشنزو ماكاروني لفهم كيف تطوّر التضامن في مكان العمل بين العمّال المستقلّين. وهذا يتضمّن البدء من «مصادر العداء في مسار العمل»، وتحليل العوامل المادية التي تمكّن التضامن من البروز، مثل المساحات المشتركة والعلاقات الاجتماعية والنضالات المشتركة. الخبرة المشتركة لعمّال المنصّات يمكن أن تؤدّي إلى تطوّر شبكات جديدة من الدعم المتبادل والمطالب الجماعية. 

بالإضافة إلى هذا النموذج التحليلي، يشير وودكوك أيضاً إلى مثال عملي عن تنظيم جماعي ناجح يمكن الاستلهام منه. يخبرنا عن قصّة زيارته لأثينا في العام 2019 ومشاهدته العمل التنظيمي للجمعية غير الرسمية لعمّال منصّات النقل. وصفت هذه التعاونية بأنها «منظّمة نقابية أناركية أكثر من مجرّد نقابة تقليدية»، وتمت الإشادة بأساليبها في تنظيم المنضووين ضمنها، من خلال الخروج إلى الشوارع وخوض نقاشات شخصية مع السائقين في بضعة أمسيات من الأسبوع. وهناك بعض التشابهات المثيرة مع كتاب جين مكالفيه No Shortcuts وتركيز على التنظيم العميق من أجل بناء قوّة العمّال. 

كان من المفيد لو توسّع الكتاب لاستكشاف العلاقة بين نضالات العمّال من القاعدة إلى القمة، والتحدّيات القانونية لوضع العمّال وظروفهم في اقتصاد الأعمال الحرّة. بدا الكتاب أيضاً شديد العداوة من دون داعِ تجاه تنظيم العمّال لمنصّات تعاونية، والتي وُصفت في الفصل الختامي بأنها «طريق مختصر» «أعدّه الأكاديميون» و«طبّقوه من الأعلى» مع «قليل من الاعتبار لخبرات العمّال ونضالهم». على الرغم من القيود الواضحة أمام التعاونيات العمّالية، لكنها تبقى عبارة عن محاولات من أجل تحسين أجور العمّال وأوضاعهم، أي يمكن النظر إليها بجانب الأهداف الرئيسة التي يعرضها هذا الكتاب، بدلاً من التعارض معها.  

مُستلهماً من ماركس وإنغلز، يستنتج الكتاب أن القيمة الحقيقية في الموجة الأخيرة من نضالات عمّال المنصّات لا تكمن في المكاسب المادية المباشرة، بقدر ما تكمن في تطوير التكوين السياسي والأشكال الجديدة من الذاتية السياسية. يعتمد وودكوك على ثروة من الخبرة والبحث الهام من أجل تزويد القرّاء برؤية هامّة عن عمل المنصّات. مع استمرار الحركة في النمو، سوف يثبت هذا الكتاب أنه دليل مفيد لأي شخص مهتمّ بنضالات العمّال في اقتصاد الأعمال الحرّة. 

نُشِرت هذه المراجعة في مدوّنة كلّية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية بموجب رخصة المشاع الإبداعي.