معاينة تشريح ميزانية التسلّح الأميركية

تشريح ميزانية التسلّح الأميركية

من المتوقع أن تُسرّع عودة دونالد ترامب إلى المكتب الأبيض نمو ميزانية الدفاع الأميركية. لقد استعاد الإنفاق العسكري السنوي مكانته كأولوية للكونغرس منذ عهد أوباما، بعد أن ارتفع من 590 مليار دولار إلى 742 مليار دولار في خلال إدارة ترامب الأولى، بزيادة قدرها 26%، واستمر هذا التوجه في ظل سياسة إدارة بايدن «الخارجية الموجّهة للطبقة المتوسطة». فعلى مدار السنوات الأربع الماضية، شهدت وزارة الدفاع الأميركية نمواً في ميزانيتها بنسبة 21% لتصل إلى 895.2 مليار دولار للسنة المالية 2025. وفي رسالته إلى القوات المسلّحة، وعد بيت هيجسيث، المذيع السابق في قناة فوكس نيوز ووزير الدفاع الجديد، بـ«إعادة بناء جيشنا» مع «التركيز على الفتك والجدارة والمساءلة والمعايير والاستعداد».

من المرجح أن تنمو ميزانية البنتاغون بشكل كبير في العام المقبل: بالنسبة إلى السنة المالية 2026، يتضمّن الاقتراح الأولي للجنة الميزانية في مجلس الشيوخ زيادة قدرها 150 مليار دولار في الإنفاق الدفاعي، مقارنة بزيادة قدرها 100 مليار دولار في نسخة لجنة الميزانية في مجلس النواب، وهي أهداف سترفع سلطة الميزانية السنوية للبنتاغون إلى مستوى تريليون دولار.

في خضم التحول نحو النيوليبرالية ونهاية الحرب الباردة، ظل الإنفاق التسلحي هو النوع الوحيد من المخصصات السنوية التي استمرت في النمو وسط الاتجاه العام نحو التقشف الفيدرالي. ولا يزال هذا صحيحاً، حتى مع التهديد بتسريح المدنيين كجزء من تخفيضات الإنفاق الفيدرالي.1 إن فهم كيفية وسبب حدوث ذلك يمثّل مشكلة مهمة في الاقتصاد السياسي. غالباً ما يوصف الدفع متعدد الأجيال لخفض الضرائب وإبطاء نمو الإنفاق - من قبل كل من المؤيدين والمنتقدين - بأنه وسيلة لعزل السياسة المالية عن متطلبات الديمقراطية. يؤكد النمو المستمر لميزانية الدفاع الأميركية هذا الأمر بطريقة مختلفة، إذ يربط السياسة الخارجية التي تُركّز على الحرب وجهود بناء الدولة العسكرية بسياسة محلية تُركّز على النمو الاقتصادي القائم على التكنولوجيا. وهذا يُتيح لنا رؤية الأولويات السياسية في تطور الاقتصاد الأميركي المختلط.

سيعتمد تعامل النظام السياسي الأميركي مع العالم القادم الذي ستشكله إدارة ترامب الثانية على سياسات الميزانية، التي تحظى فيها وكالات الدفاع بالاهتمام الأبرز. وقد التزم صانعو السياسات الأميركيون بالفعل بزيادة الإنفاق العسكري بسرعة. ولم يقتصر الأمر على تصوّر البنتاغون لدوره في الدفاع الوطني من حيث كونه سوقاً للموردين لعملاء حكوميين محددين، بل تطورت مشاريع وهوية هؤلاء العملاء في خلال الحرب العالمية على الإرهاب لتشمل الحكومات الأجنبية ومشاريع بناء الدول. يعمل جهاز الدفاع الأميركي الضخم اليوم من خلال إجراءات وسياسات ومنطق ميزانية معقدة تتجاوز بكثير إدارة واحدة. وعلى مدار القرن الماضي، عكست هذه التطورات في الإنفاق العسكري الأميركي الطبيعة المتغيرة للحرب الأميركية والحوكمة والقوة.

الميزانية الأساسية

في السنة المالية 2023، أفاد مكتب الإدارة والميزانية أن الولايات المتحدة أنفقت 820 مليار دولار على الدفاع الوطني - حوالي 13% من إجمالي الإنفاق الفيدرالي. ومقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، يضع هذا الرقم وحده الولايات المتحدة في صدارة جميع الاقتصادات المتقدمة الأخرى في الإنفاق الدفاعي. لكنّ الإبلاغ عن ذلك بهذه الطريقة يُخفي كيف يُهيمن الإنفاق الدفاعي على سياسات الميزانية الأميركية. يُموّل الجزء الأكبر من الإنفاق الدفاعي الأميركي من خلال الإنفاق «التقديري»، أي الإنفاق المُصرّح به سنوياً بدلاً من الإنفاق المُلزَم به قانونياً. تُشكّل صلاحيات الميزانية للإنفاق التقديري محور سياسات التخصيص السنوي، وتُشكّل ميزانية وزارة الدفاع الأميركية البالغة 895.2 مليار دولار للسنة المالية 2025 ما نسبته 56% منها.

تشريح ميزانية التسلّح الأميركية

قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA) هو الأداة التشريعية الأساسية لسلطة ميزانية وزارة الدفاع. تم إقراره بنجاح كل عام منذ العام 1961، وتقع ولاية هذه التفويضات على عاتق لجان القوات المسلحة في مجلسي النواب والشيوخ، ولكل منهما اليوم سبع لجان فرعية مسؤولة عن وظائف عسكرية مختلفة. قبل خمسينيات القرن الماضي، مارست لجان القوات المسلحة سيطرة ضئيلة على تفاصيل التعاقد الدفاعي، إذ اقتصرت الرقابة على التفويضات متعددة السنوات أو الدائمة المصاغة على نطاق واسع، وتركت المبالغ بالدولار للجنة المخصصات في كل غرفة. كان البناء العسكري هو الاستثناء الوحيد. تم تشكيل لجان القوات المسلحة في العام 1947، وهو العام نفسه الذي صدر فيه قانون الأمن القومي الذي أنشأ البنتاغون وهيئة الأركان المشتركة. تمتّع أعضاء هذه اللجان لفترة طويلة بالسيطرة السنوية على عقود البناء، واحتفظوا بهذه السلطة مع تزايد الإنفاق العسكري في الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية. بحلول أواخر خمسينيات القرن الماضي، أُسندت التحقيقات في تجاوزات تكاليف أنظمة الصواريخ والطائرات إلى لجنة القوات المسلحة، التي استجابت بتوسيع نطاق التفويض السنوي ليشمل المشتريات، بما يتجاوز البناء العسكري، للسنة المالية 1962 - وهو أول قانون تفويض للدفاع الوطني.2

كمشروع قانون للتفويض، يفتقر قانون تفويض الدفاع الوطني إلى سلطة نهائية بشأن الميزانية، ويتطلب مشروع قانون مخصصات للموافقة على التزامات الدفع. ولكن مع تحويل الكونغرس المزيد من البرامج الفيدرالية إلى تفويضات سنوية، انتقل القرار بشأن تفاصيل الإنفاق من الوكالات التنفيذية ولجان المخصصات إلى لجان التفويض. ووسّعت لجنة القوات المسلحة نطاق التفويضات السنوية لتشمل البحث والتطوير العسكري في العام 1962، وخفر السواحل في العام 1963، وأخيراً العمليات والصيانة العسكرية في العام 1980. وبما أن القواعد في كل من مجلسي النواب والشيوخ تسعى إلى قصر المخصصات على الاستخدامات المصرح بها فقط، فإن قانون تفويض للدفاع الوطني هو الوسيلة التي يمارس بها الكونغرس سيطرته على الجيش، ويفصل في سياسة الدفاع والمسائل الإدارية.3

ولكن مبلغ 895.2 مليار دولار من قانون تفويض للدفاع الوطني هو مجرد «الميزانية الأساسية». كما يوضّح الرسم البياني أدناه، يُقسّم إنفاق وزارة الدفاع إلى 5 فئات عملياتية رئيسة، بغض النظر عن أوقات الحرب أو السلم. وبالتالي، تُستثنى استحقاقات المحاربين القدامى، والمساعدات الإنسانية، والتنمية الدولية من المقاييس التقليدية للإنفاق الدفاعي، كما هو الحال بالنسبة للجزء الأكبر من ميزانية وزارة الأمن الداخلي البالغة 107 مليارات دولار.

يُعدّ الإنفاق الفيدرالي على الاستخبارات، الذي يدعم الآن 18 جهازاً بيروقراطياً على المستوى الفيدرالي تُشكّل جهاز الاستخبارات الأميركي، مجالاً آخر من الإنفاق الدفاعي المُصرّح به خارج «الميزانية الأساسية». تُحدّد ميزانية «مجتمع الاستخبارات» (IC) سنوياً بموجب قانون تفويض الاستخبارات (IAA). هناك مصدران رئيسان لتمويل البرامج: برنامج الاستخبارات الوطني (NIP)، الذي يشمل وكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي؛ وبرنامج الاستخبارات العسكرية (MIP)، الذي يُغطّي الأنشطة التكتيكية والعملياتية الخاصة بالجيش، والتي تُديرها وزارة الدفاع بشكل منفصل. حتى العام 1978، كانت تفويضات ميزانية وكالات الاستخبارات دائمة أو متعدّدة السنوات، وبعد أن أقرّ الكونغرس التفويضات السنوية في ذلك العام، بقيت المبالغ المُصرّح بها سرّية. لم يُقرّ الكونغرس تشريعاً يُلزم مجتمع الاستخبارات بالكشف علناً عن أرقام إنفاقه السنوي الإجمالي إلا في العام 2007. وبالتالي، فإنّ الكثير مما هو معروف علناً عن إنفاق الاستخبارات على مستوى أكثر تفصيلاً يأتي من الصحافيين الاستقصائيين، وجلسات الاستماع في الكونغرس، والمُبلّغين عن المخالفات.

التعاقد على الحرب

على مدار القرن العشرين وحتى يومنا هذا، يُصرف جزء كبير من الأموال الفيدرالية لوزارة الدفاع، كما هو مُخصص في الميزانية الأساسية، من خلال متعاقدين من القطاع الخاص. وينطبق هذا بشكل خاص على شراء الأسلحة والذخائر - باستثناء أحواض بناء السفن المملوكة للحكومة - على الرغم من أن الحكومة الفيدرالية امتلكت أيضاً مصانع في خلال الحرب العالمية الثانية. في السنة المالية 2022، بلغت التزامات وزارة الدفاع التعاقدية 415 مليار دولار، أي ما يُقارب نصف إجمالي صلاحيات ميزانيتها (قانون تفويض الدفاع الوطني بالإضافة إلى سبعة بنود تكميلية دفاعية)، وأكثر من جميع الوكالات الحكومية الأخرى مجتمعة.4

تُمثّل علاقة مُصنّعي الأسلحة بالعقود الحكومية مشكلة سياسية واقتصادية تقليدية: إذ يسعى القادة المنتخبون إلى السيطرة على الصناعة من خلال التمويل، بينما تستخدم الصناعة هذه الأموال لمحاولة السيطرة عليهم. لطالما كان لوزارة الدفاع ومتعاقديها من الشركات تاريخ طويل من التبعية المتبادلة. لكن هوية هؤلاء المتعاقدين - المنتجات والخدمات التي يبيعونها - تطورت مع السياسة الخارجية الأميركية والتكنولوجيا العسكرية لتشمل أكثر بكثير من مُصنّعي الأسلحة. سعياً لتعزيز التفوق التكنولوجي الأميركي في مجال الفضاء والأسلحة النووية، تبنّى الرئيس أيزنهاور سياسة «المظهر الجديد» لموازنة الميزانية في أوائل خمسينيات القرن الماضي. في البداية، مُوِّلت حرب هاري ترومان الكورية من مخصصات «تكميلية» ضخمة خارج دورة الميزانية السنوية، وقد أدى ازدهار الدفاع في عامي 1951 و1952 إلى بناء جيش دائم جديد من الدبابات والقوات ومخزونات باهظة الثمن من الأسلحة التقليدية. ومن المفارقات أن برامج «المظهر الجديد» لأنظمة الصواريخ والطائرات كانت الأكثر تجاوزاً للتكاليف من قِبل المقاولين من القطاع الخاص، ما دفع الكونغرس إلى التحوّل نحو التصاريح السنوية.

لم تُبطئ هذه المحاولات لخفض الميزانية العسكرية نموها. لقد كانت عقود الدفاع ضرورية للاستراتيجية العسكرية، وكان من المستحيل إدارتها في خلال الحرب الباردة. لكن بعد 4 سنوات من قانون تفويض الدفاع الوطني الأول، وبعد عقد من سياسة أيزنهاور الجديدة، صعّد الرئيس ليندون جونسون مشاركة الولايات المتحدة في حرب فيتنام، رافعاً الإنفاق الدفاعي السنوي من 51 مليار إلى 82 مليار دولار في 4 سنوات. وفي العام 1969، أفاد السيناتور ويليام بروكسماير عن ولاية ويسكونسن أن القوات الجوية حاولت بشكل روتيني التستّر على تجاوزات التكاليف - والتي تجاوزت، في حالة طائرة الشحن C-5A التابعة لشركة لوكهيد، ما يقرب من ملياري دولار، أو 16 مليار دولار بالعملة الحالية. وكما وصف ريتشارد كوفمان، أحد كبار موظفي بروكسماير، نظام المشتريات العسكرية خلال ذروة التدخل الأميركي في فيتنام:

تعلم متعاقدو الدفاع تحقيق أرباح طائلة بطريقة لا يمكن اكتشافها عملياً من خلال أساليب التدقيق القديمة. إن الكثير، إن لم يكن معظم، أرباح عقود الدفاع مخفية بطرق لا تظهر من خلال فحص بيان الأرباح والخسائر للشركة... أصبح تطبيق اللوائح الحكومية والأحكام التعاقدية بشكل متراخي وإهمالي... هو النظام اليومي. منحت [الهيئات التنفيذية]، وكذلك الكونغرس، الكثير من الإعفاءات والامتيازات للجيش ومتعاقديه لدرجة أن السيطرة على الإنفاق الدفاعي والمساءلة العامة عنه فُقدت تدريجياً.

كانت الصراعات بين وزارة الدفاع والمتعاقدين والكونغرس متكررة. في العام 1970، أعلن بروكسماير إن «الإنفاق العسكري في الولايات المتحدة خارج عن السيطرة. تنفق وزارة الدفاع الآن ما يقرب من نصف كل دولار ضريبي فيدرالي... ومع ذلك، لا توجد مراجعة نقدية كافية لما ينفقه البنتاغون». جعلت الاحتياجات التكنولوجية المعقدة والمعلومات الحساسة والمصالح العامة والخاصة الراسخة والتأخر البيروقراطي في التحقيقات، التنظيم الفعّال للمتعاقدين العسكريين من القطاع الخاص شبه مستحيل. في الوقت نفسه، تبخّرت الإرادة السياسية في الكونغرس لخفض الميزانية العسكرية بعد فضيحة ووترغيت. بفضل ارتفاع أسعار التضخم ومكانة الصدارة بين الأولويات السياسية، ارتفع الإنفاق الدفاعي السنوي في خلال إدارتي فورد وكارتر من 88 مليار دولار إلى 135 مليار دولار. يُظهر النمو المستمر لميزانية الاستخبارات الأميركية إحدى الطرق التي شكلت بها هذه الأولويات السياسية قرارات التمويل الفيدرالي. على الرغم من أن الكونغرس حافظ دائماً على إشراف اسمي وصلاحيات ميزانية على وكالات الاستخبارات، إلا أن الطبيعة السرية للغاية للإنفاق الاستخباراتي جعلت تتبعه أكثر صعوبة من الإنفاق الدفاعي في الميزانية الأساسية. في مثالٍ رئيس، من العام 1975 إلى العام 1976، سعت لجنة الاستخبارات الدائمة المختارة في مجلس النواب بقيادة النائب أوتيس بايك (ديمقراطي من نيويورك) إلى الحد من السلطة التنفيذية من خلال التحقيق في وكالة المخابرات المركزية. تمكنت إدارة فورد من قمع نشر التقرير النهائي للجنة، ولكن تم تسريب مقتطفات كبيرة على الفور إلى الصحافة (لم يتم نشر التقرير بالكامل إلا في العام 1991). وجدت اللجنة أن ميزانية وكالة المخابرات المركزية كانت أعلى من الناحية العملية بثلاثة إلى أربعة أضعاف مما كانت عليه على الورق. ووُجد أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA) تستخدم ممارسات محاسبية وتعاقدية غير نزيهة لإخفاء أنماط إنفاقها الفعلية. وكما ذكر التقرير صراحةً، «من الواضح أن دافع الضرائب الأميركي لا يحصل على كامل قيمة دولار الاستخبارات الذي ينفقه».

نمو قطاع الدفاع

ترسّخ هذا النمط من النمو المستمر، على الرغم من الجدل الدائر في الكونغرس، مع نهاية الحرب الباردة. وقد أدى نمو التعاقدات، الذي تجاوز نطاق المشتريات، نتيجةً للدفع العام نحو الحد من الإنفاق الحكومي، في حالة الجيش إلى مزيد من النمو. وقد أدركت قوانين ضبط العجز في عهدي ريغان وجورج بوش الأب مشكلة النمو المستمر للإنفاق العسكري - من 134 مليار دولار العام 1980 إلى 253 مليار دولار العام 1985 - وجعلته خاضعاً للحجز عندما تتجاوز المخصصات سقف الإنفاق.5 إلا أن هذه القوانين نصت أيضاً على استثناءات «لحالات الطوارئ»، استخدمتها إدارة بوش لإقرار مخصّصات إضافية في أواخر العام 1990 لحرب الخليج الأولى، ما رفع الإنفاق الدفاعي السنوي من 300 مليار دولار إلى 319 مليار دولار.

كما هو الحال مع «المظهر الجديد» لأيزنهاور، عززت «ثورة الشؤون العسكرية» التي قادها كلينتون في التسعينيات من التفوق التكنولوجي كآلية لخفض التكاليف ومفتاح للنصر العسكري المستقبلي. فأي شيء لا يُعتبر «وظيفة حكومية بطبيعتها» يمكن تحويله إلى القطاع الخاص، الذي يتفاخر بتكاليف أقل.

ستمكّن الأنظمة الإلكترونية الجديدة المتطورة، وخصوصاً القوة الجوية والقصف الدقيق، الجيش الأميركية من الاستعداد لأي تهديد. في عصر الخصخصة الشاملة، سيحتاج المزيد من المقاولين إلى سدّ الثغرات - في لوجستيات سلسلة التوريد، والعمالة، والتطوير التكنولوجي، وصيانة الأنظمة. وقد شهد تعزيز الدفاع في عهد ريغان نمواً في «خدمات الدعم» هذه إلى جانب الأفراد العسكريين. وعلى الرغم من الآمال في «عوائد السلام» التي يمكن أن تعيد الولايات المتحدة إلى مستويات ما قبل الحرب العالمية الثانية من الإنفاق الدفاعي مقارنة ببقية الميزانية الفيدرالية، إلا أن تخفيضات الميزانية بين عامي 1990 و2000 أثّرت بشكل أساسي على القوات العسكرية بدلاً من المستويات الأعلى الجديدة لخدمات الدعم.

فضلاً عن ذلك، منعت «جدران الحماية» في ميزانيتي مكتب التحليل الاقتصادي وإدارة كلينتون تحويل الأموال بين فئات الإنفاق. وأدى ذلك إلى زيادة في نسبة المقاولين المدنيين في ميزانية الدفاع، حيث قدموا خدمات مثل إدارة المرافق، ودعم المركبات الأرضية، وأنظمة الاتصالات، وشراء المستلزمات الميدانية الأساسية مثل النفط والمياه. وفي السنة المالية 2022، بلغت نسبة الخدمات 49% من إجمالي التزامات وزارة الدفاع التعاقدية، بينما بلغت نسبة السلع 51%.

تشريح ميزانية التسلّح الأميركية

يميل المتعاقدون من القطاع الخاص اليوم إلى الارتباط بشركات مثل بلاك ووتر وغيرها من حراس الأمن المسلحين. ومع ذلك، يظل المتعاقدون العاملون في مجالات الهندسة والبناء والإنتاج الصناعي والبحث الأكاديمي جزءاً لا يتجزأ من وزارة الدفاع الأميركية في مجموعة متنوعة من الخدمات تتجاوز القوة العسكرية: الخدمات اللوجستية والصيانة والمشتريات والبحث والتطوير. ومع ذلك، شكّلت الشركات الخمس الأعلى دخلاً في وزارة الدفاع - لوكهيد مارتن، وبوينغ، وجنرال ديناميكس، ورايثيون، ونورثروب - 36% من جميع عقود الدفاع التابعة لوزارة الدفاع في السنة المالية 2022. وعلى الرغم من ادعاء جماعات الضغط التابعة لمتعاقدي الدفاع بحاجتها المالية، دعم هذا الإنفاق الفيدرالي ما هو في الواقع ربحية متزايدة. «على الرغم من تحسّن هوامش الربح وتوليد النقد للمقاولين الدفاعيين في المدة 2010-2019 مقارنة بالمدة 2000-2009»، وجد مكتب وكيل وزارة الدفاع للمشتريات والاستدامة في العام 2023، «فقد انخفضت حصة إنفاق المقاولين على البحث والتطوير المستقل (IR&D) ونفقات رأس المال بينما زادت الأموال النقدية المدفوعة للمساهمين في شكل أرباح وإعادة شراء الأسهم بنسبة 73%».

التحول إلى الطوارئ

أحدثت حربا العراق وأفغانستان - وهما من أكثر صراعات الولايات المتحدة تكلفةً - تحولاً جذرياً في طبيعة الحروب، وبالتالي في ميزانية الدفاع. تمكنت إدارة بوش من تحقيق ذلك جزئياً بسبب انتهاء العمل بقوانين ضبط العجز التي تعود إلى عهد كلينتون، والتي استخدمها الكونغرس الجمهوري في المدة 2001-2002 لتمويل التخفيضات الضريبية على أصحاب الدخول المرتفعة، وجزئياً بسبب إعفاءات «متطلبات الطوارئ» من قواعد تخصيصات مجلسي النواب والشيوخ. من الناحية الحكومية، كان اسم هذه الحالة الطارئة، التي أدت إلى زيادة سريعة في الإنفاق الدفاعي - من 295 مليار دولار في العام 2000 إلى 612 مليار دولار في العام 2008 - هو التسمية العامة «الحرب العالمية على الإرهاب».

وقد سمح هذا الوصف للسلطتين التنفيذية والتشريعية بالتهرب ليس فقط من الإجراءات الدستورية التقليدية للإعلان الرسمي عن الحرب، ولكن أيضاً من الإجراءات الميزانية التي تُقيد الإنفاق الفيدرالي. بدلاً من تفويض وتخصيص أموال تقديرية للحرب العالمية على الإرهاب خلال دورة الميزانية السنوية، طلبت إدارة بوش إنفاقاً دفاعياً إضافياً كمخصصات تكميلية. وكما هو الحال في قانون تفويض الدفاع الوطني وقوانين الإنفاق التقديري، يُقترح التمويل التكميلي ويصوت عليه الكونغرس، ويُسنّ كقانون من قِبل الرئيس، بينما تُصدّر وزارة الخزانة الأموال. ولكن نظراً لقواعد ضبط العجز الحالية في كل من المجلسين، اضطرت إدارة بوش إلى تصنيف هذه الطلبات التكميلية كمتطلبات طارئة - وهو ما فعلته كل عام بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001. حاول الديمقراطيون في الكونغرس الحد من استخدام تمويل الطوارئ هذا بعد فوزهم بالغالبية في العام 2007. ولكن عند وصولهم إلى البيت الأبيض في العام 2009، أعادت إدارة أوباما تصنيف هذا التمويل كعمليات طوارئ خارجية (OCO) ووافقت على إعفائها من سقوف الإنفاق وقواعد الحجز في قانون ضبط الميزانية لعام 2011.

من العام 2001 إلى العام 2019، بلغ متوسط ​​التمويل التكميلي للحرب العالمية ضد الإرهاب/العمليات الخاصة حوالي 17% من إجمالي الصلاحيات المالية لوزارة الدفاع. وكما ذكرت دائرة أبحاث الكونغرس: «خصص الكونغرس، لفترة طويلة وبدرجة أكبر بكثير مما كان عليه الحال في النزاعات السابقة في القرن العشرين، تمويلاً تكميلياً ومخصصاً بشكل خاص يتجاوز الميزانية الأساسية لوزارة الدفاع». وكما اعترف وزير الدفاع السابق تشاك هاغل في العام 2014، «هناك الكثير من الآراء المختلفة حول ما إذا كان ينبغي أن يكون هناك حساب طوارئ خارجي أم لا وما إذا كان صندوقاً سرياً أم لا». وبالتالي، يصعب التوصل إلى أرقام دقيقة لإنفاق الحرب العالمية ضد الإرهاب/العمليات الخاصة، على الرغم من اللوائح الفيدرالية للإبلاغ والشفافية. وبجمع الاعتمادات السنوية والاعتمادات التكميلية ورعاية المحاربين القدامى ومكافحة الإرهاب ومدفوعات الفائدة المقدّرة، قدر مشروع تكاليف الحرب في جامعة براون أن التكاليف الاقتصادية للإنفاق الدفاعي بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر وحتى السنة المالية 2022 قد تجاوزت 8 تريليونات دولار (انظر الشكل أدناه). تُخصص أكبر حصة من المخصصات لوزارة الدفاع، إلا أن الحصص الكبيرة المخصصة للأمن الداخلي ووزارة الخارجية تُشير إلى تعقيد العمليات الأميركية في العراق وأفغانستان.

كانت حربا العراق وأفغانستان مكلفتين لأنهما مثلتا مشروعين لإعادة هندسة الدولة، قادتهما ورعتهما وزارة الدفاع. يدعو مبدأ مكافحة التمرد (COIN)، الذي كان بمثابة المحور الاستراتيجي لحملة زيادة القوات العام 2007 في العراق وحملة زيادة القوات العام 2010 في أفغانستان، إلى «جهود مدنية وعسكرية شاملة مصممة لهزيمة التمرد واحتوائه في وقت واحد ومعالجة أسبابه الجذرية». في حين أن طبعة العام 2014 من الدليل الميداني تنص على أنه «من الناحية المثالية، تكون الدولة المضيفة هي الفاعل الرئيس في هزيمة التمرد»، وأن «أحد الأدوار الرئيسة للجيش ومشاة البحرية في مكافحة التمرد هو تمكين الدولة المضيفة»، فإن أولويات الأمن الأميركي تُشكّل التدخل العسكري في حوكمة الدول ذات السيادة.

وهكذا، امتدت جهود الحرب الأميركية في العراق وأفغانستان إلى ما هو أبعد من الحرب التقليدية. تم تنفيذ عمليات إعادة الإعمار الكبرى وتطوير البنية التحتية في العراق، وبناء المؤسسات الشاملة في أفغانستان بما في ذلك «قوات الأمن والمؤسسات الحكومية المدنية والاقتصاد والمجتمع المدني»، في المقام الأول من قبل وزارة الدفاع ووزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) - باستخدام الاعتمادات التكميلية. ونظراً لسرعة وطموح التفويضات التي أنشأتها إدارة بوش في أفغانستان ثم العراق، صرفت وزارة الدفاع أموالها الضخمة وتقاسمت المسؤوليات العملياتية مع جيش ثانوي غير رسمي من المتعاقدين من القطاع الخاص. ومنذ بدء الحرب العالمية على الإرهاب/العمليات الخاصة في العام 2001، اعتمد الجيش الأميركي على عدد متزايد من المتعاقدين حتى العام 2011، عندما كان عدد المتعاقدين أكبر من عدد الأفراد النظاميين في أفغانستان والعراق. وفي العام 2023، قدرت وزارة الدفاع والقوات المسلحة توظيفهم بنحو 2.1 مليون فرد نظامي و832,000 موظف مدني وقوة عاملة من المتعاقدين تبلغ 972,000.

في حين كانت المشاكل المنهجية المتعلقة بالتعاقدات الخاصة في حربي العراق وأفغانستان مألوفة، إلا أن اتساع نطاق العمليات جعلها أكثر أهمية. وكما في الحرب الباردة، واجهت كل من وزارة الدفاع والكونغرس صعوبات في مواكبة تجاوزات التكاليف الهائلة، ونقص شفافية المقاولين، وضعف قدرات التدقيق الداخلي. أنشأ الكونغرس مكتبين مستقلين مُخصصين للإشراف على عقود العراق وأفغانستان - المفتش العام الخاص لإعادة إعمار العراق (SIGIR) والمفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان (SIGAR) واللذين نشرا باستمرار تقارير مفصلة وعلنية حول الجهود الفيدرالية لمكافحة تضخم تكاليف المقاولين والاحتيال. ولكن باعتراف المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان نفسه في العام 2013:

«إن الطبيعة المرتجلة لبرنامج إعادة إعمار العراق، ودورانه المستمر للموظفين، وأنظمة إدارته المتغيرة، أجبرت استراتيجية الولايات المتحدة على تغيير سرعتها ومسارها باستمرار، مما أدى إلى إهدار الموارد على طول الطريق وتعريض أموال دافعي الضرائب للاحتيال وسوء الاستخدام... لقد خضعت عقود الطوارئ لإصلاحات، ولكن ليس بشكل شامل».  

تصدرت شركة بلاك ووتر عناوين الصحف العالمية العام 2007 عندما أطلق حراس الأمن النار في وسط ساحة عامة مزدحمة ببغداد وقتلوا سبعة عشر مدنياً. أثارت مذبحة ساحة النسور، كما عُرفت عمليات القتل، جدلاً حول ما إذا كان حراس الأمن الخاصون المسلحون هم في الواقع مرتزقة جدد غير خاضعين للتنظيم. وبينما كانت بلاك ووتر مثالاً واضحاً على التعاقدات الخاصة غير المسؤولة في العراق، إلا أنها لم تكن سوى غيض من فيض من حيث الميزانية. كان معظم المتعاقدين من القطاع الخاص في العراق وأفغانستان غير مسلحين. نمت شبكة واسعة من المتعاقدين من القطاع الخاص، بما في ذلك قوة عاملة عالمية من مواطني دول العالم الثالث ومتعاقدين من الداخل بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر. وبحلول عام 2010، في ذروة حربي العراق وأفغانستان، لم يتمكن حتى وزير الدفاع روبرت جيتس من تقديم إحصاء دقيق لعدد المتعاقدين الذين عملوا لدى وزارة الدفاع.

واستمرت السرية داخل وكالات الاستخبارات أيضاً خلال حقبة الإنفاق الطارئ تحت شعارات الحرب العالمية على الإرهاب والعمليات الخاصة. في العام 2013، سرّب إدوارد سنودن، المتعاقد الخاص مع وكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي، «الميزانية السوداء» للاستخبارات لعام 2013 ــ وهي عبارة عن وعاء من المال بقيمة 52.6

مليار دولار موزعة على 16 وكالة، وهو ما يضيف إلى ما وصفته صحيفة واشنطن بوست بأنه «إمبراطورية تجسس بموارد وقدرة على الوصول تتجاوز قدرات أي خصم، وتستمر حتى الآن من خلال إنفاق ينافس أو يتجاوز مستويات ذروة الحرب الباردة».

الخلاصة

مع انتهاء العمليات الرئيسة في أفغانستان العام 2021، يبدو أن «الحرب العالمية على الإرهاب» قد انتهت. في خطاب تنصيبه في كانون الثاني/ يناير 2025، زعم ترامب أن «إرثي الذي أفخر به سيكون إرث صانع السلام والوحدة». ومع ذلك، لا تُظهر ميزانية الدفاع للسنة المالية 2025 سوى القليل من التغييرات الاستراتيجية أو تقليص الميزانيات. وقد خصصت إدارة بايدن 58.6 مليار دولار كميزانية تكميلية للسنة المالية 2024 لأوكرانيا وإسرائيل. في كانون الأول/ ديسمبر، أرسل الكونغرس قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2025 إلى البيت الأبيض، والذي وقّعه الرئيس بايدن في أسابيعه الأخيرة في منصبه في كانون الثاني/ يناير. وبلغ إجمالي المبلغ 895.2 مليار دولار.

ومن ثم، يدفع هذا النمو المستمر في الإنفاق الدفاعي إلى إعادة نظر جادة في المعنى الحقيقي للحرب والأمن في الولايات المتحدة ولصالحها. مع تحوّل السياسة المالية الأميركية في عصر الليبرالية الجديدة، تقلصت حصة الإنفاق الفيدرالي التقديري، حيث انخفضت من 44% في عهد نيكسون إلى 34% في أواخر التسعينيات، ثم إلى 28% في العام 2023. ولكن مع تقليص التغييرات في قانون الضرائب وقواعد العجز لحصة الميزانية الفيدرالية المتاحة للبرامج التقديرية، استمرت المطالب المالية للجيش الأميركية في النمو، مما أدى إلى تهميش الوظائف المدنية للحكومة الفيدرالية. وفي هذه العملية، خضعت السلطة القانونية للتمويل والغرض منه تغييرات جذرية. وتشير هذه التحولات إلى توسع وظائف الحرب الأميركية في الخارج، والقوة الاقتصادية المتزايدة لصناعات الدفاع والتكنولوجيا في الداخل.

إن هجمات الإدارة الجديدة على الإنفاق الفيدرالي للبرامج المدنية توضح أن ميزانية الدفاع هي أكثر من مجرد مجموعة مملة من الاختصارات والبنود وإجراءات التخصيص. في نهاية المطاف، تُعد الميزانية الفيدرالية عقداً اجتماعياً واقتصادياً. يجب أن تخضع العمليات الدفاعية، والتدريبات، والاستراتيجيات، والمهام، والإجراءات الشرطية التي تقودها وزارة الدفاع باسم «المصالح الأميركية الدائمة» حول العالم لتدقيق دقيق من قبل الرأي العام الأميركي، الذي تُبرَّر باسمه «المصالح الأميركية». في الواقع، مع مواجهة الأميركيين لتهديدات وجودية تهدد صحتهم وسلامتهم وبيئتهم، يجب أن يدخل الإنفاق العام المخصص لجهود الأمن القومي ساحة النقاش الديمقراطي.

نُشِر هذا المقال في Phenomenal World في 27 آذار/مارس 2025، وتُرجم إلى العربية ونُشِر في «صفر» باتفاق مع الجهة الناشرة. 

زينب قادري

زميلة ما بعد الدكتوراه في برنامج برادي جونسون للاستراتيجية الكبرى بجامعة ييل، دفعة 1957، منحة هنري تشونسي الابن. شغلت سابقاً منصب زميلة ما بعد الدكتوراه في مركز ميرشون لدراسات الأمن الدولي بجامعة ولاية أوهايو. حصلت على درجة الدكتوراه في الدراسات الأميركية من جامعة جورج واشنطن.
  • 1

    على الرغم من الزيارة الأخيرة لما يُسمى «وزارة كفاءة الحكومة»  (DOGE) ، لا يزال من المرجح أن تزداد الميزانية إجمالاً.

  • 2

    لويس فيشر، «التفويضات السنوية: عقبات دائمة أمام إعداد الموازنة كل سنتين»، الميزانية العامة والمالية (ربيع 1983).

  • 3

    فيشر، «التفويضات السنوية». ألين شيك، «التشريعات، والاعتمادات، والميزانيات: تطور عملية صنع القرار بشأن الإنفاق في الكونغرس»، دائرة أبحاث الكونغرس، التقرير رقم 84-106.

  • 4

    في حزيران/ يونيو 2024 ، أفادت دائرة أبحاث الكونغرس بأن قيمة عقود الدفاع للسنة المالية 2022 بلغت 415 مليار دولار أميركي بالقيمة الحالية للدولار. وبعد تعديل التضخم، يبلغ هذا الرقم حوالي 359 مليار دولار أميركي بدولارات صيف 2021. بلغ إجمالي اعتمادات ميزانية الدفاع للسنة المالية 2022، 719 مليار دولار أميركي في قانون تفويض الدفاع الوطني، و34.2 مليار دولار أميركي في إضافات الدفاع.

  • 5

    شملت هذه الاعتمادات: قانون غرام-رودمان-هولينغز لموازنة الميزانية وقانون ضبط العجز في حالات الطوارئ لعامي 1985 و1987، وقانون إنفاذ الميزانية لعام 1990.