كيف يؤثّر الذكاء الاصطناعي على مكان العمل؟
إن تطوير الذكاء الاصطناعي يطرح مخاوف إضافية على مستقبل العمل، ولا سيّما في ظل الأزمة العميقة التي تصيب النظام الاقتصادي العالمي. وعلى الرغم من محاولات «الخبراء» التقليل من الأثر المحتمل على الوظائف وديمومتها، إلا أن استطلاعات الرأي تبيّن أن هناك ما يكفي من الأسباب لجعل المخاوف جدّية، وهي تكمن أساساً في هوس أصحاب رأس المال لخفض الأجور وانتزاع المزيد من الأرباح.
يعكس الاستطلاع الاخير الذي نفّذته شركة beautiful.ai هذه المخاوف، إذ شمل نحو 3 آلاف مدير تنفيذي في شركات القطاع الخاص في الولايات المتّحدة، وصرّح 41% منهم أنهم يأملون باستبدال العمال بأنظمة ذكاء اصطناعي أرخص في العام 2024، كما اعتبر 45% من هؤلاء المدراء أن الذكاء الاصطناعي هو فرصة لتقليص رواتب الموظفين نظراً إلى الحاجة إلى قدر أقل من العمل الذي يعتمد على القوة البشرية.
هذه النتائج تدعم تقارير سابقة بحثت في فقدان الوظائف المحتمل جراء الذكاء الاصطناعي، إذ أشار تقرير صدر في أواخر العام الماضي الى احتمال فقدان مليوني وظيفة في الولايات المتحدة وحدها بحلول العام 2030، وهو منحى غير محصور بالولايات المتحدة فقط، وإنما قضية عالمية، إذ زعمت دراسة سابقة أن الذكاء الاصطناعي قد يؤثر على 300 مليون وظيفة في العالم في خلال الفترة نفسها.
شيوع الذكاء الاصطناعي
تطوّر الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في خلال العام الماضي، وأصبح جزءاً من سير العمل اليومي للشركات والمؤسّسات في جميع أنحاء العالم، ومن الواضح أن أشياء مثل إدارة المهام والمشاريع، وإنشاء المحتوى، وتصميم العروض التقديمية هي طرق يمكن للمديرين من خلالها دمج الذكاء الاصطناعي في سير عملهم، ولكن الاحتمالات لا حصر لها وفريدة من نوعها لكل دور وفريق عمل وشركة.
بحسب الاستطلاع، فإن 90% من المدراء قاموا بالفعل بإدخال أدوات الذكاء الاصطناعي في مهام العمل الخاصة بهم، ويستفيد كل المدراء تقريباً من أدوات الذكاء الاصطناعي في تعزيز إنتاجية مؤسّساتهم، ويستخدم 64% منهم هذه التكنولوجيا بشكل يومي أو أسبوعي، ويشجع 68% من المدراء موظّفيهم على اختبار أدوات الذكاء الاصطناعي واستخدامها إذا كانت هذه الأدوات ستساعدهم على أداء أفضل في العمل.
الأمن الوظيفي والذكاء الاصطناعي
مع ذلك، تبقى المخاوف المرتبطة بطفرة الذكاء الاصطناعي ماثلة، ولا سيما إذا كان سيحل محل العمل البشري ويؤدي حتماً إلى تسريح المزيد من الموظّفين. في العام الماضي، اعتقدت الغالبية العظمى من المدراء الذي استطلعت آراءهم، أن استبدال الموظفين بأدوات الذكاء الاصطناعي سيكون أمراً جيداً لشركاتهم، ولكن مع زيادة تثقيف المهنيين حول هذا الموضوع، واكتسابهم المزيد من الخبرة في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
وعن سبب تبنّيهم لأدوات الذكاء الاصطناعي في مكان العمل في العام 2024. أجاب 66% من المدراء الذين جرى استطلاعهم أنهم يستفيدون من الذكاء الاصطناعي إما لتعزيز إنتاجية العمّال أو لتحسين الكفاءة في العمل، واتفق 48% منهم أن شركاتهم ستستفيد مالياً إذا تمكّنت من استبدال عدد كبير من الموظفين ببرامج الذكاء الاصطناعي.
على الرغم من أن فكرة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي بدلاً من الأدوار البشرية قد انخفضت بشكل ملحوظ منذ العام الماضي، إلا أن 40% من المدراء لا يزالون يوافقون على أنه يمكن استبدال العديد من الموظفين بسهولة بأدوات الذكاء الاصطناعي وأن الفريق سيعمل بشكل جيد من دونهم.
لا شك أن تطبيق أدوات الذكاء الاصطناعي يجعل الموظفين يتساءلون عن قيمتهم بالنسبة إلى الشركة. لذلك يعتقد غالبية المدراء أن موظفيهم يخشون أن تجعلهم أدوات الذكاء الاصطناعي أقل قيمة في العمل في العام 2024. وبالمثل، يعتقد 62% منهم أن الموظفين يخشون أن يؤدي الاعتماد السريع للتكنولوجيا إلى فصلهم من العمل في نهاية المطاف. وعندما يتعلق الأمر بوظائفهم الخاصة، يخشى نصف المدراء الذين شملهم الاستطلاع من أن يؤدي استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في مكان العمل إلى انخفاض أجور العاملين في المناصب الإدارية.
هل تنخفض أجور الموظفين بسبب الذكاء الإصطناعي؟
من بين الذين شملهم الاستطلاع، قال 64% من المدراء إن إنتاج وإنتاجية الذكاء الاصطناعي تعادل مستوى المدراء ذوي الخبرة وربما أفضل من أي إنتاج يقدمه المديرون البشر تماماً. ومن بين أولئك الذين أدمجوا الذكاء الاصطناعي في مكان العمل، يرى 50% منهم أنها أدوات تعزّز الإنتاجية ولا يرون أي سلبيات مرتبطة بها. علاوة على ذلك، يرى 60% منهم أن أدوات الذكاء الاصطناعي تحل محل عناصر من وظائفهم بطريقة إيجابية ومنتجة، وليس بطريقة مهددة.
قال نصف المدراء تقريباً الذين شملهم الاستطلاع إنهم يرون أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة لخفض أجور الموظفين لأن هناك حاجة إلى عمل بشري أقل، وفي السياق نفسه، قال 48% من المدراء أنهم يعتقدون أن أدوات الذكاء الاصطناعي تشكل تهديداً لأجورهم وستؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض الأجور في جميع أنحاء البلاد في العام 2024.
بحسب الاستطلاع، انخفض عدد المدراء الذين يتطلّعون إلى استبدال الموظفين بالذكاء الاصطناعي بشكل كبير منذ العام 2023، إلا أن ذلك لم يمنع استمرار الشركات في إجراء عمليات تسريح هائلة للموظفين في العام 2024، علماً أنه لا يزال هناك خوف قادم من المجهول، من تكنولوجيا لم يُطلق العنان لكامل طاقتها حتى الآن.