
لا محاسبة ولا حسم لأزمة الودائع العالقة
5 ملاحظات أولية على مشروع قانون «معالجة أوضاع المصارف في لبنان»
يستكمل مجلس الوزراء، يوم غد، دارسة مشروع القانون المُتعلّق بـ«إصلاح وضع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها»، الذي أحاله إليها وزير المال في 4 نيسان/أبريل، وسوف يحدّد مسار إعادة هيكلة القطاع المصرفي، والأدوات التي سوف تستخدم في هذه العملية، والصلاحيات التي سوف تترتّب عنها.
بشكل عام، يبدو أن هذا القانون يتبع المعايير المعتمدة دولياً بحسب مجموعة من الخبراء والمتخصّصين الذين تحدّث معهم «صفر»، ولا سيما لناحية التأكيد على العلاقة التعاقدية بين المصارف ومودعيها، فضلاً عن حثّ الأخيرة على جذب الرساميل الجديدة وإلّا تصفيتها، وهو ما أثار بالفعل حفيظة المصارف التي ردّت عبر وكيلها القانوني بسلسلة من الملاحظات على القانون. مع ذلك، تعتري المشروع مجموعة من الشوائب الجوهرية، وفيما يلي 5 ملاحظات أوليّة عن تعارض مشروع القانون المطروح مع مبدأ المحاسبة وترسّخ سياسة العفو العام.
الملاحظة الأولى: تهرّب من الاعتراف بإفلاس المصارف
يقول وزير المالية ياسين جابر في تصريح لقناة الجديد إن مشروع القانون المطروح ليس جديداً بل هو نسخة منقّحة عن القانون الذي قدّمه نائب رئيس الحكومة السابقة سعادة الشامي في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 إلى مجلس الوزراء، وهو من إعداد مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، وقد خضع لنقاشات مع صندوق النقد الدولي.
في النسخة الأولى كان مشروع القانون يتألف من شقّين وهما: شق عام يحلّ مكان القانون 2/67 الذي يتعامل مع المصارف المتوقفة عن السداد والقانون 110/91 الذي يضع اليد على المصارف العاجزة عن متابعة أعمالها. وثانياً شق خاص عبارة عن تدابير تقنية استثنائية تعالج الحالة الراهنة للمصارف. أما في النسخة الحالية فقد تم إلغاء الشق الثاني والإبقاء على الشق الأول، وهو ما يعتبره رئيس لجنة الدفاع عن حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت المحامي علي زبيب «محاولة صريحة للقول إن المصارف غير متوقفة عن الدفع».
ويتابع زبيب «صحيح أن هذا المشروع أفضل مما سبقه، ولكن هناك مشكلة أساسية فيه وليس مجرّد شوائب. نحن لسنا أمام قانون لهيكلة المصارف إنّما لإصلاح القطاع المصرفي وتنظيمه. وفي الحالة الراهنة، يعتبر هذا المشروع غير كافٍ ويشبه أي قانون قد يصدر لمعالجة أوضاع المصارف في الحالات العادية، في حين أن المصارف متخلفة عن الدفع ولا يمكن التعامل معها وكأنها في أوضاع عادّية وهناك حاجة عاديّة لتصنيفها وتحديد شروط استمراريتها أو دمجها أو تصفيتها. يجب أن يقر الجميع أن المصارف بحالة توقف عن الدفع لأن أموال اللبنانيين محجوزة». ويتابع: «من الواضح أن الهدف الأساسي من صياغة المشروع، ومحاولة تمريره في مجلس الوزراء على عجلة، هو إثبات حسن نية لصندوق النقد الدولي قبل اجتماعات 20 نيسان/أبريل المقبل، والقول إن ما قامت به الحكومة الحالية لم يجر القيام في خلال السنوات الست الماضية. ولكن لا يمكن للأمور أن تسير في وجهة مماثلة، فالمصارف في حالة توقف عن الدفع ويجب إقالة كل رؤساء مجالس إداراتها والأعضاء الفاعلين فيها ومفوضي المراقبة وتعيين لجنة تدير عملية توزيع المسؤوليات ضمنها».
الملاحظة الثانية: تأجيل حلّ أزمة الودائع والمودعين
يحدّد مشروع القانون المطروح مسار عملية إصلاح وضع المصارف من دون التطرق إلى كيفية معالجة الفجوة المالية وتوزيع المسؤوليات والخسائر، التي تعتبر بطبيعة الحال الأكثر إثارة للجدل.
يقول المحامي كريم ضاهر إن «البحث بأوضاع المصارف هو أمر مهمّ ولكن لا بدّ من ربطه في كيفية معالجة الفجوة المالية. لقد اقتصر القانون على معالجة أوضاع المصارف كونه من الشروط التي يضعها صندوق النقد الدولي، وذلك بهدف تسريع الاتفاق معه. وقد فُصِل هذا المسار عن كيفية معالجة الفجوة المالية وإعادة الانتظام إلى المالية العامة وحل مشكلة الودائع. وهذا أمر غريب، إذ كيف يمكن القيام بإصلاح المصارف من دون معرفة حساباتها. لليوم لم يستكمل التدقيق الجنائي النهائي في حسابات مصرف لبنان ولا نعرف ماذا يملك فعلياً، ولم يجرَ أي تدقيق في حسابات المصارف لمعرفة قيمة أصولها وموجوداتها والمطلوبات المترتبة عليها، وما إذا كانت لديها القدرة على الاستمرار أو يجب إحالتها للتصفية».
الملاحظة الثالثة: تعليق المحاسبة
يشير المحامي كريم ضاهر إلى فرق جوهري بين المشروع الحالي والقوانين السابقة المرعية في لبنان. ففي حين أن «القانون 2/67 يقضي بإقالة إدارات المصارف والحجز على أموالهم إلى حين إظهار المسؤوليات المترتبة عليهم وتعيين إدارات جديدة، ينص المشروع الحالي على بدء دراسة أوضاع المصارف والبحث في كيفية إصلاحها من دون القيام بأي من هذه الترتيبات. وهذا ما يترتب عنه مخاطر، مثل إخفاء معلومات أو التلاعب بها لإعاقة التدقيق وإخفاء الحقائق، فضلاً عن تهريب أموالهم لحمايتها من إمكانية وضع اليد عليها لتعويض المودعين في حال ثبت تورطهم أو مسؤولياتهم في سوء إدارة المصارف والأمانة على الودائع. وهذا ما قد يفضي أيضاً إلى تحميل الدولة مسؤولية التعويض وتعويم المصارف على الرغم من الشبهات المحيطة بها».
الملاحظة الرابعة: خطر الاستنسابية
ينصّ المشروع المطروح على تأليف «هيئة مصرفية عليا» تكون المرجع المعني باتخاذ القرارات بشأن المصارف، وتكون مؤلفة من 6 أعضاء هم حاكم مصرف لبنان بصفته رئيس الهيئة، أحد نواب الحاكم يختاره مجلس المصرف المركزي، رئيس لجنة الرقابة على المصارف، خبير قانوني متخصّص في الشؤون المالية والمصرفية لفترة 10 سنوات على الأقل يعيّن بمرسوم من الحكومة بناء على اقتراح وزير العدل، رئيس مجلس إدارة المؤسّسة الوطنية لضمان الودائع، خبير في الشؤون المصرفية أو الاقتصادية يعيّن بمرسوم من الحكومة بناء على اقتراح وزير المالية. تتخذ القرارات بأكثرية 4 أعضاء وإذا تساوت الأصوات يكون صوت الرئيس مرجحاً. وتناط بها صلاحيات واسعة تشمل تصفية البنوك، وإقالة أعضاء مجلس الإدارة وكبار المدراء، وتعيين أعضاء مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين، وفرض بيع أصول المصارف، وفرض تغييرات على الهيكل القانوني أو التشغيلي للبنك بما في ذلك هيكل الملكية، وتعديل الديون والالتزامات الأخرى المترتبة على المصارف بما فيها الودائع، وتعليق دفع الأرباح، واسترداد الأرباح الزائدة من المساهمين وأعضاء مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين في البنك الخاضع للمعالجة، وغيرها.
يقول الخبير المالي مايك عازار إن «هذه الصلاحيات معيارية وموجودة في القوانين البريطانية والأميركية والأوروبية المماثلة. ولكن ما يختلف جذرياً عن دول أخرى، وحتى في الدول التي تكون فيها الهيئة ضمن البنك المركزي، هو أن هذه الهيئة غالباً ما تكون كياناً مستقلاً عملياً ومنفصلاً تماماً عن مهام الرقابة المصرفية بغية تجنّب تضارب المصالح في اتخاذ القرارات التي تعنى بمعالجة أوضاع المصارف وإعادة تنظيمها. كما أن تغيير تركيبة الهيئة بين النسخات المختلفة من القانون المقترح تسلّط الضوء على صراعات مثيرة للاهتمام». إلى ذلك يقول المحامي كريم ضاهر إن «الصلاحيات الاستثنائية الممنوحة للهيئة بالتوازي مع عدم إمكانية الطعن بقراراتها أو حتى مرور هذه القرارات بمحكمة خاصة، قد يكون خطيراً فيما لو هناك توجه للعفو عما مضى، ففي بلد مثل لبنان حيث قد يعيّن الأعضاء من قبل الحكومة وقد يخضع ذلك للمصالح المتحكّمة في القرار السياسي».
الملاحظة الخامسة: تضارب المصالح وبسط يد المصارف
يتيح مشروع القانون المطروح للمصارف أن تعيّن المقيّمين المولجين بالقيام بعملية تقييم أصولها وموجوداتها، وهو ما يعتبره المحامي على زبيب بسطاً لنفوذ المصارف على هذه العملية خصوصاً. أيضاً يبدو أن هناك تناقضاً في كيفية تعريف مشروع القانون لـ«تضارب المصالح» بحسب مايك عازار «إذ يُشترط في بعض المواضع أن يصرح أعضاء الهيئة المصرفية العليا عن أي علاقة مع أي بنك في خلال العامين الماضيين وهو ما لا يكفي للحدّ من تضارب المصالح، خصوصاً أن مشروع القانون يدقّق وينظر إلى الوراء لخمس سنوات لتحديد المسؤولية الجنائية والمدنية على أعضاء مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين والمفوضين بالتوقيع والمدققين الخارجيين .أي أن عضواً في هيئة إعادة هيكلة المصارف قد يصوّت على قضايا قد تؤدي إلى ملاحقته هو نفسه جنائياً. وهذا لا يُعقل».