Preview كيف تصنع إسرائيل مكاناً غير صالحاً للسكن؟

تدمير الخدمات الأساسية في غزّة
كيف تصنع إسرائيل مكاناً غير صالح للسكن؟

يشكّل التدمير الممنهج لمرافق المياه والصرف الصحي وأنظمة إدارة النفايات سبباً آخر للموت في قطاع غزة. صحيح أن حال الخدمات الأساسية لم تكن جيّدة قبل اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لكنها أصبحت آكثر سوءاً في جرّائها. ما ترتكبه إسرائيل بحق الفلسطينيين هو المرادف الصريح للموت بأشكال عدّة لا تخطر على بال.

التدمير الممنهج للخدمات الأساسية

المياه

إبان حرب العام 1967، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينها، ليفي أشكول، إن «مدّ الفلسطينيين بكمّيات غير كافية من المياه يحدّ من خياراتهم». ومن حينها يتكرّر استخدام المياه كسلاح في سياسات إبادة الفلسطينيين والفلسطينيات وتطهيرهم عرقياً. 

منذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قطعت إسرائيل المياه عن قطاع غزة، التي كانت توفّرها عبر ثلاثة خطوط تصل القطاع بأراضي الـ48، كما قطعت المحروقات ما عطّل إمكانية تشغيل محطّات التحلية والتكرير والمضخّات، وأصبحت المياه تشكّل مصدر خطر رئيسي على حياة السكان المحاصرين في القطاع. وبحلول نهاية شباط/فبراير 2024، كان قطاع غزّة يحصل على 7% فقط من كمّيات المياه التي كانت تصله قبل الحرب. أمّا حصّة الفرد من المياه المخصّصة للشرب والاستحمام والتنظيف فلا تتجاوز 1.5 ليتراً في اليوم، بالمقارنة مع 15 ليتراً كحدّ أدنى من متطلبات المياه الضرورية للبقاء على الحياة وفق المعايير الدولية. 

تشكّل المياه التي تستخرج حالياً من مصادر المياه الجوفية في قطاع غزّة نحو 5.7% فقط من مجمل الكمّيات التي غذّت القطاع قبل الحرب. علماً أن المياه الجوفية تشكّل مصدر 80% من المياه التي كانت تغذّي القطاع. ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن 17% فقط من مجمل الآبار الجوفية تعمل لساعات محدودة، في حين جرى تدمير أو الإضرار بنحو 47% منها. إلى ذلك، تعمل محطة تحلية مياه صغيرة على الجانب المصري من الحدود مع رفح بكامل طاقتها وتؤمّن 2400 متر مكعب من المياه يومياً، ويضاف إليها محطّتين من أصل ثلاثة محطات تحلية تعملان بشكل جزئي في المحافظات الجنوبية. أمّا بالنسبة للمياه التي تصل إلى القطاع من أراضي الـ48، فيشير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إلى أن خط مياه واحداً من أصل ثلاثة خطوط يعمل وبنسبة 47% من قدرته التشغيلية.

تعد جودة المياه متدنية للغاية بسبب نقص مرافق المعالجة، وهو ما يزيد نسبة تلوث المياه الملوّثة بالأساس. على مدار عقود، أدّت الممارسات الإسرائيلية القائمة على الضخّ المُفرط للمياه من الآبار الجوفية إلى تلويث المياه وزيادة ملوحتها. وهذه الحال تشمل قطاع غزّة أيضاً، إذ أن أكثر من 97% من المياه المُستخرجة من الآبار الجوفية الساحلية غير صالحة للشرب. وحالياً يعد الوضع كارثياً في المحافظات الجنوبية حيث أن نصف المياه المستهلكة غير آمنة وغير صالحة للشرب، وأكثر كارثية في المحافظات الشمالية حيث الوصول إلى المياه النظيفة معدوم بالكامل.  

مرافق الصرف الصحي 

بحسب تحليلات الصور الملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية، تعرّض 56% من مرافق الصرف الصحي للتدمير أو لأضرار مختلفة (331 مرفقاً)، بالإضافة إلى 11% يرجّح تعرّضها لأضرار محتملة (67 مرفقاً). علماً أن الأضرار والدمار تتركّز بنسبة أكبر في المحافظات الشمالية. 

أما فيما يتعلّق بالمرافق غير المتضرّرة، وعددها 194 مرفقاً، فيرتبط تشغليها بالقدرة على تأمين الوقود وقطع الغيار ووجود الفنيين والقدرة على الوصول إلى مناطق تثبيت هذه المرافق. 

إن تضافر الدمار مع إعاقة القدرة على تشغيل مرافق المياه والصرف الصحّي ينطوي على تأثير عميق على توفير المياه وجودتها، ما يؤدّي إلى استخدام مياه غير آمنة وملوّثة، ويسهّل تفشّي الأوبئة والأمراض المعدية. 

 النظافة الشخصية 

61% من مراكز الإيواء التي لجأت إليها النسبة الأكبر من سكّان غزة بعد تدمير أكثر من 60% من المخزون السكني في القطاع، لا تضم غرفاً للاستحمام، وحالياً، كلّ 1,292 شخصاً يتقاسمون غرفة استحمام واحدة، وكل 341 شخصاً يتقاسمون مرحاضاً واحداً. 

إلى ذلك، تفتقر 12% من هذه المراكز لغرف استحمام مجهّزة لتسهيل استخدامها من الأشخاص ذوي الإعاقة، عدا أن 24% منها فقط لديها غرف استحمام منفصلة ومخصّصة لاستخدامات النساء فقط. 

إن احتشاد الناس في أماكن ضيّقة وعدم توفير المياه لهم هو موت بطيء. وبحسب منظمة الصحة العالمية، يتسارع تفشّي الأمراض والأوبئة في مراكز الإيواء في رفح، ولا سيما التهاب الكبد آلف، والتهابات المعدّة الأمعاء، والإسهال، والجدري، والقمل، والإنفلونزا.  

إدارة النفايات الصلبة 

توقّفت معظم أنظمة معالجة النفايات الصلبة منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بسبب الأضرار التي تسبّبت بها الحرب ونقص الفيول وإمدادات الطاقة ونقص الصيانة. وتعد إدارة النفايات ومعالجتها في قطاع غزة سيئة منذ ما قبل اندلاع الحرب، قبل أن تتفاقم سوءاً من جرائها. بالنتيجة، يجري رمي النفايات عشوائيا في 93% من مواقع المعالجة والمكبّات، حيث تظهر للعيان النفايات الصلبة والبراز البشري والحيوانات النافقة والقوارض. 

إن تراكم عشرات آلاف أطنان النفايات الصلبة في الشوارع وعلى مقربة من المستشفيات ومراكز إيواء النازحين يشكل خطراً عالياً على الصحة العامة. وتقدّر بلدية غزة وجود ما لا يقل عن 50 ألف طن من النفايات الصلبة غير المعالجة.