
البنوك الكبيرة تموّل الكارثة المناخية
تنطلق قمّة المناخ بنسختها الـ 29 (CO-29) في أذربيجان هذا الأسبوع، مُحمّلة بإرث كبير من التعهّدات والالتزامات التي أُطلقت في النسخة السابقة في دبي في أواخر العام الماضي، وبقي معظمها حبراً على ورق، لا سيّما تلك المتعلّقة بقرار الانتقال بعيداً من الوقود الأحفوري.
من غير المتوقع أن يحدث أي جدال بشأن هذا البند في نسخة هذا العام، إذ تشير الأرقام إلى استمرار الأمور على ما هي عليه، سواء لناحية الاستثمارات الكبرى التي تقوم بها شركات النّفط والغاز العالميّة، أو لناحية مواصلة البنوك العالمية الكبرى عمليات تمويل مشاريع الوقود الأحفوري. ويأتي ذلك تزامناً مع تنامي الهوّة في محادثات تمويل المناخ المفترض مناقشتها في باكو بين الدول المتطوّرة والدول النامية، وقصور تمويل التحوّل نحو الطاقات المتجدّدة.
البنوك الستون الأكثر تلويثاً
مضت سنة على انعقاد COP-28، لكن يبدو أن صناعة الوقود الأحفوري تستمرّ في بذل قصارى جهدها لتجاهل الحقائق، والتأثير على المموّلين المنضوين في أكبر المصارف العالميّة. فقد صدر مؤخراً تقرير «الرهان على فوضى المناخ» المنشور من عدد من الجمعيّات البيئية النّاشطة في مجال التغيّر المناخي، مدعوماً من حوالي 589 منظّمة في 69 بلداً في العالم، ويتتبّع التمويل الممنوح من أكبر 60 مصرفاً عالمياً في خلال العام 2023 مركّزاً على التمويل المرتبط بالوقود الأحفوري. وفي حين تُعلن هذه البنوك دعمها لمبادرات المناخ، تواصل تمويل المشاريع التوسّعية لشركات الوقود الأحفوري، إذ بلغ حجم الالتزامات المعقودة من هذه المصارف الـ60 حوالي 705 مليار دولار في خلال العام 2023 فقط. نتيجة لذلك، بلغ مجمل ما أنفق من هذه البنوك منذ إقرار اتفاقيّة باريس للمناخ في العام 2016 حوالي 6.9 تريليون دولار، من ضمنها 3.3 تريليوناً مع شركات ذات مشاريع توسعية وتطويرية.
أتى مصرف JP Morgan في المرتبة الأولى كأسوأ المموّلين بحوالي 40.8 مليار دولار في العام 2023
حلّت مصارف أميركا الشمالية ومصارف اليابان في طليعة المموّلين، وأتى مصرف JP Morgan في المرتبة الأولى كأسوأ المموّلين بحوالي 40.8 مليار دولار في العام 2023، يليه Mizuho Financial الياباني بحوالي 37 مليار دولار بعد أن حلّ في المرتبة السادسة في العام 2022. وقد التزم كلا المصرفين مع شركات ذات مشاريع توسّعية معتمدة على الوقود الأحفوري، ليأتي بعدهما مصرفي Bank of America و MUFG بحوالي 33 ملياراً لكلّ منهما، ومن ثمّ Wells Fargo، وCitigroup، وRBC وغيرها من المصارف الكندية والبريطانية الأخرى. مع العلم أن حوالي 54 مصرفاً من المصارف الستين المشمولة في المسح وضعت رؤى طويلة الأمد لتصفير تمويل الانبعاثات بحلول العام 2060، في حين حدّد 43 مصرفاً من اللائحة أهداف متوسّطة الأمد لبعض القطاعات المرتبطة بالوقود الأحفوري، إذ أنّ بعض القروض الممنوحة اليوم لهذه المشاريع والتي تستحقّ بعد العام 2030 قد تصبح من دون جدوى.
في المقابل، وضعت بعض البنوك الأوروبية والأسترالية بعض الضوابط والقيود على تمويل مشاريع جديدة في مجال النفط والغاز، وهو تطوّر إيجابي لكنّه غير كافٍ مع ازدياد تمويل الوقود الأحفوري من البنوك في ألمانيا وهولندا وإسبانيا والدنمارك. من جهة أخرى، تراجعت الكثير من البنوك الأميركية، بما في ذلك Bank of America، عن استثناءاتها السابقة في العام 2023.
تمويل الممارسات الأكثر ضرراً بالمناخ
يتطرّق التقرير الى مختلف أنواع مصادر الطاقة المستفيدة من التّمويل، اذا يشير إلى استمرار تمويل تلك التي تسبّب أكبر ضرر بالمناخ. على صعيد الفحم الحجري، بلغ التمويل المرصود له في العام 2023 حوالي 42.5 مليار دولار، 81% منها أتى من مصارف صينيّة، فيما ساهمت بعض المصارف في أميركا الشّمالية في تمويل بعض المشاريع.
من جهة أخرى، ساهمت مصارف CIBC، وRBC، وScotiabank، وToronto-Dominion Bank، وMizuho في تمويل عمليّات استخراج مادّة ال Bitumen (وهو نوع من الزيوت الأكثر لذوجةً) من رمال البحار في مناطق أميركا الشمالية، في حين التزمت مجموعة MUFJ بتقديم 512 مليون دولار للشركات التي تقوم بهذه الأعمال في العام 2023.
أمّا لناحية الغاز الطبيعي المسال (LNG)، فبلغ مجمل التمويل الذي حصلت عليه الشركات العاملة في هذا المجال حوالي 121 مليار دولار في العام 2023، بزيادة حوالي 5 مليار عن العام 2022، وحلّ مصرفي Mizuho وMUFG اليابانيين في الطليعة بحوالي 10,9 و8,4 مليار دولار من القروض الممنوحة. فيما حلّت المصارف الأميركية الست الكبرى (JPMorgan Chase, Wells Fargo, Bank of America, Goldman Sachs, Citigroup, and Morgan Stanley) في طليعة مموّلي عمليات التكسير الهيدروليكي (او Fracking) المستخدم في الولايات المتحدة.
على صعيد الفحم الحجري، بلغ التمويل المرصود له في العام 2023 حوالي 42.5 مليار دولار، 81% منها أتى من مصارف صينيّة
شركات النّفط العالميّة الأكثر استفادة
تشكّل شركات النّفط والغاز العالميّة أغلبيّة زبائن هذه المصارف الـ60، وتحديداً تلك التي تعمل على تطوير مشاريع جديدة في مجال الوقود الأحفوري، إذ استحوذت شركة Enbridge الكنديّة العاملة في مجال الغاز الطبيعي على حوالي 35 مليار دولار من التمويل في العام 2023، تبعتها شركات Vitol الهولنديّة (15,77 مليار) وSempra الأميركية (13,85 مليار) وENI الايطالية (13,69 مليار) وغيرها. المفارقة هنا أن شركات عالميّة أخرى مثل TotalEnergies وExxonMobil وValero Energy وHess سجلّت صفر قروض في العام نفسه، على الرّغم من استحواذها على معدّل 6 مليار دولار سنوياً مجتمعةً في السنوات السابقة.
أتى 58% من هذا التمويل في العام 2023 على شكل قروض، منخفضاً من 65% في العام 2022، فيما بلغ حجم تمويل الاستحواذات (شركات تشتري أخرى) حوالي 63.3 مليار دولار وهو الرّقم الأعلى منذ 2020، وارتفع حجم الاكتتابات في سندات الشركات الداعمة للوقود الأحفوري بحوالي 24.3 مليار دولار بين عامي 2022 و2023.
في الوقت الذي تحتلّ فيه الدول الصناعية والمتطوّرة المراكز العشر الأول من حيث الملوّثين العالميين والمساهمين في الانبعاثات، تعبّر كبرى المصارف التجارية الخاصة في هذه الدول خير تعبير عن عدم اكتراثها لتفاقم أزمة المناخ، إذ تواصل عملها الدؤوب في تمويل العمليّات التطويرية للوقود الأحفوري وذلك على عكس ما تعهّدت حكومات الدول الراعية لهذه البنوك حول نيتّها العمل على التخلّص من هذه الأنواع من المصادر، عاكسةً بذلك الهوّة المتفاقمة في التوجّهات، والتي لا يمكن لأي قمة مناخ أن تردمها.