تفكيك غوغل
في أواخر آب/أغسطس، أدان قاضي المحكمة المحلّية الأميركية لمقاطعة كولومبيا، أميت ب. ميهتا، شركة «غوغل» بتهمة الحفاظ على احتكار البحث على الإنترنت بشكل غير قانوني. فقد دفعت «غوغل» مليارات الدولارات لشركات تصنّع الأجهزة وتطوّر متصفّحات الويب - بما فيها «آبل» و«سامسونغ» و«موزيلا» - لتعيّن محركها البحثي كمحرك افتراضي في المتصفحات والهواتف الذكية، ما مكّن الشركة من أن تكبح المنافسة وتسيطر على السوق. شرعت محكمة فيرجينيا رسمياً في أيلول/سبتمبر الماضي، عقب هذا الحكم التاريخي، في النظر بدعوى ثانية لمكافحة الاحتكار رفعتها وزارة العدل الأميركية ضد «غوغل». شجبت الدعوى الثانية، التي رُفعت في الأصل في كانون الثاني/يناير 2023، عمليات الاستحواذ التي قامت بها «غوغل» فيما يتعلق بتكنولوجيا الإعلانات الرقمية الاحتكارية الخاصة بها.
تبيّن هذه القضية تحولاً في نهج الحكومة الأميركية في التعامل مع مكافحة الاحتكار. فمنذ أواخر سبعينيات القرن العشرين، أضعف المشرعون الأميركيون سياسة مكافحة الاحتكار إلى الحد الأدنى، واستخدموها لضمان «رفاه المستهلك من خلال الأسعار». جعل هذا من المستحيل تقريباً منع أي اندماج أو استحواذ، بما في ذلك اندماج شركتي «إكسون» و«موبيل» الذي وافقت عليه لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية على الرغم من توقعها أن الاندماج بين ثاني ورابع أكبر شركة في سوق الطاقة سوف يزيد التركيز في السوق. وفي العام اللاحق، استحوذت شركة الأدوية العملاقة «فايزر» على «وارنر لامبرت» مقابل 90 مليون دولار وأصبحت ثاني أكبر شركة أدوية على مستوى العالم. ومجدداً، وافقت لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية على الصفقة. بلغت سياسة مكافحة الاحتكار ذروة تساهلها في خلال رئاسة ترامب، مع رفع أقل عدد من قضايا مكافحة الاحتكار الجنائية في المحاكم مقارنة بعهد أي إدارة أخرى منذ السبعينيات.
هذه الحلول تقوم على سوء تشخيص جوهري للمشكلة: محرّك غوغل البحثي ليس مجرد احتكار عادي بل هو احتكار طبيعي يعزّزه احتكار فكري
كان تعيين بايدن للينا خان كمفوضة لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية إشارة إلى بدء الانقلاب على هذا النظام المتساهل. فخان جزء من تجمّع لمحامي مكافحة الاحتكار الذين يعرفون أنفسهم باسم «حركة برانديز الجديدة»، وتهدف هذه الحركة إلى تقويم مكافحة الاحتكار من خلال العودة إلى حكم أشمل لمكافحة الاحتكار يرى أن تركيز القوة الاقتصادية هو أساس من أسس تركيز القوة السياسية؛ وانكماش الديمقراطية تالياً. وبدلاً من التركيز على رفاه المستهلك، تقترح «حركة برانديز الجديدة» أن ننظر إلى تأثيرات قوة السوق على العمّال والموردين والمبتكرين نظرة عامة.
كان الحكم الصادر في آب/أغسطس ضد احتكار «غوغل» غير القانوني في مجال محركات البحث والإعلانات نتيجةً لهذا التحوّل في السياسات. فقد استغرقت وزارة العدل 4 سنوات لتجمع الأدلة التي جعلتها تكسب القضية، وربما يستغرق الأمر وقتاً أطول بكثير لإنهاء احتكار «غوغل» فعلياً. والحلول التي تقترحها وزارة العدل، بدايةً من فرض الغرامات على «غوغل» وصولاً إلى تجريد الشركة من بعض استثماراتها في أدوات محرك البحث، ليست كافية لحلّ المشكلة المطروحة. ويرجع ذلك إلى أن هذه الحلول تقوم على سوء تشخيص جوهري للمشكلة: فمحرك «غوغل» البحثي ليس مجرد احتكار، إنما هو احتكار طبيعي يعزّزه احتكار فكري.
احتكار طبيعي
إن ضروب الفهم المعاصرة لمكافحة الاحتكار ترتبط بتعزيز المنافسة في السوق. والحال، في أجزاء كبيرة من العالم، من بريطانيا إلى الأرجنتين، يُطلق على وكالات مكافحة الاحتكار اسم سلطات المنافسة. لكن، حتى في إطار النظرية الكلاسيكية الجديدة، تُعتبر الاحتكارات الطبيعية استثناءً لهذا الإطار. وفي الاحتكار الطبيعي، تكون شركة أكثر كفاءة من شركتين أو أكثر من الشركات التي تطرح المنتج ذاته. وهذه، عموماً، أسواق باقتصادات ذات وفورات حجم بفعل ارتفاع التكاليف الثابتة.
يشكّل محرك «غوغل» البحثيّ احتكاراً طبيعياً. ومن المؤكد أن محركات بحث متعددة ستكون أقل كفاءة من محرّك بحث واحد، لا سيّما أن المحرك يتحسّن من خلال عمليات البحث الإضافية. بعيداً من العقود غير القانونية مع الشركات المصنّعة للأجهزة والمتصفّحات التي وجدتها قضية مكافحة الاحتكار المرفوعة من وزارة العدل، يعتمد نجاح الشركة على البيانات الاجتماعية ويُدعم بخوارزميات الذكاء الاصطناعي للتعلّم العميق التي تتحسّن كلما زادت البيانات التي تعالجها. إن نتائج بحث «غوغل» هي النتيجة الاجتماعية لاستخدامنا الجمعيّ لنموذج الذكاء الاصطناعي ذاته. ولو تبعثرت عمليات البحث في عشرات محركات البحث، لكانت هذه الخوارزميات أردأ على نحوٍ بيّن.
تعرف غوغل أي إعلان يُرجح أن يختاره المستخدم، ما يسمح لها بتشغيل سوق إعلاناتها كمزاد مباشر فتملأ المساحة المتاحة على الإنترنت بأقصى سعر يُمكن للعملاء أن يدفعوه
تتميّز محرّكات البحث بخاصية أخرى. فاستناداً إلى أبحاث فيلفريدو باريتو، يعيّن أنصار المنافسة السوقية المثالية الحد الأقصى للرفاه الاجتماعي بالسعي إلى توازن لا يُمكن لأيّ فاعل فيه أن يكون أفضل حالاً ما لم يكن هناك فاعل آخر أسوأ حالاً. غير أن الفكرة عن تعظيم الرفاه الاجتماعي في السوق التنافسية، لا تتطرّق إلى كيفية توزيع ذلك الرفاه. وإذا استطاعت شركة أن تحدّد الاستعداد الأقصى للدفع لدى كل مستهلك، يسعها أن تفرض أسعاراً متباينة تتيح لها أن تستفيد من الجميع أقصى استفادة مُمكنة. وسوف يكون الرفاه الاجتماعي في أوجه، غير أنه سيكون في أيدي فاعل واحد حصري: المحتكر التفاضلي. تُقدّم هذه الاستراتيجية في أكثر كتب تدريس الاقتصاد الجزئي شيوعاً، وهو كتاب ألفه هال فاريان، الذي أصبح كبير الاقتصاديين في «غوغل» في العام 2002.
تعمل «غوغل»، على نحوٍ غير مفاجئ، كمحتكر تمييزي تماماً. ولأن «غوغل» تعرف بالضبط أي إعلان يُرجح أن يختاره المستخدم، يُمكنها أن تشغل سوق إعلاناتها كمزاد مباشر حيث تملأ كل جزء مخصص من المساحة المتاحة على الإنترنت بأقصى سعر يُمكن للعملاء أن يدفعوه. ولا يقتصر التأثير في الاستخلاص الكامل للرفاه الاجتماعي في أيدي «غوغل» في فرضها أقصى سعر على عملائها في سوقها الإعلاني، بل يمتد إلى تعاملها بالكيفية نفسها مع المستخدمين، معززة استخلاص البيانات والوقت - الانتباه - من كل فرد.
احتكار فكري
تشكّل الاحتكارات الفكرية تحدّياً آخر للإطار الكلاسيكي الجديد. فهي تستحوذ بشكل منهجي على الأصول غير الملموسة وتحوّلها إلى أصول، وتتراكم على حساب المعرفة المنتجة اجتماعياً.
أقرّت قضية مكافحة الاحتكار الأميركية ضد «غوغل» أن التكنولوجيا التي تملكها جيّدة بشكل استثنائي. لكن خوارزميات «غوغل» للتعلّم تُنشئ بالاشتراك مع شبكة عالمية تضمّ آلاف المنظّمات بما في ذلك جامعات وشركات ناشئة. و«غوغل» احتكار فكريّ لأنها تشارك إنتاج تكنولوجيتها مع آلاف من الشركات الأخرى في حين تحتفظ بمعظم الريوع المرتبطة بها والمرتفعة بسرعة. ونشرت «غوغل» آلاف المقالات العلمية عن الذكاء الاصطناعي. غير أن هذه المقالات نادراً ما تكشف عن النماذج، بل تلخّص النتائج فحسب، ما يشير إلى الدور المركزي الذي تؤدّيه «غوغل» في هذا المجال بحرمانها المجتمع من انتشار المعرفة المشتركة. ولا يستطيع حتى المتعاونون المباشرون مع «غوغل» أن يحققوا ربحاً. وفي حين أن أكثر من 80% من هذه البحوث شارك فيها مؤلف على الأقل من خارج «غوغل»، فإن 0.3% من براءات اختراع «غوغل» فقط مملوكة بالاشتراك مع منظمة أخرى.
استحوذت «غوغل» على ما يفوق 200 شركة، وبذلك استحوذت على مواهبها وأصولها غير الملموسة. جرى الاستحواذ على «ديب مايند» (DeepMind)، التي تشكّل قلب ذكاء الاصطناعي لدى «غوغل»، في العام 2014. غير أن آلاف الشركات التي ترعاها بأموال رأس المال الاستثماري لا تقل أهمية عن «ديب مايند» في تكريس احتكار «غوغل» الفكري. وفي العام 2023، استثمرت« مايكروسوفت» و«غوغل» وأمازون» ثلثي مبلغ بقيمة 27 مليار دولار جمعته من شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة. وبحلول شباط/فبراير 2024، احتلت «غوغل» المرتبة الثالثة كأكبر ممول لشركات الذكاء الاصطناعي، من حيث عدد شركات الذكاء الاصطناعي التي تموّلها. وكانت شركتان فقط من شركات رأس المال الاستثماري، هما «تيكستارز» (Techstars) و«واي كومبناتور» (Y Combinator)، تستثمران في عدد أكبر من الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي. وبتوسيع التحليل ليشمل عالم الشركات الناشئة بأكمله، تتضح أهمية رأس المال الاستثماري بشكل أكبر. وقد انتشرت هذه الممارسة بين «عمالقة التكنولوجيا»، وتأتي «غوغل» في مقدمتها: مع امتلاكها 2,445 شركة ناشئة نشطة احتلت «غوغل» مكانتها ضمن أكبر خمسة مستثمرين للشركات الناشئة.
بامتلاكها 2,445 شركة ناشئة نشطة احتلّت غوغل مكانتها ضمن أكبر خمسة مستثمرين للشركات الناشئة
يُعدّ رأس المال الاستثماري للشركات شكلاً من أشكال السيطرة عليها بملكية جزئية تشتت انتباه الجهات التنظيمية، في حين توجّه «عمالقة التكنولوجيا» تنمية الشركات الناشئة وتحصل على امتياز الوصول إلى تكنولوجياتها. من الأمثلة الحديثة على ذلك شركة «أنثروبيك» (Anthropic) الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، التي أسّسها موظفون سابقون في شركة «أوبن أيه آي» (OpenAI) ممن تركوا الشركة حال بدأت «مايكروسوفت» استثماراتها فيها. وبعد ث3لاثة أشهر فقط من إطلاق «شات جي بي تي» (ChatGPT)، قرّرت «غوغل» أن تستثمر 300 مليون دولار في «أنثروبيك» (لم تتمكن «أنثروبيك» من تطوير نماذج ذكاء اصطناعي وتدريبها من دون وجود راعي من «عمالقة التكنولوجيا»، نظراً إلى التكاليف المرتفعة وعدم القدرة على الوصول إلى الأجزاء الرئيسة من كدسة الحوسبة الخاضعة إلى احتكار «عمالقة التكنولوجيا»).
تخضع شبكة من الشركات الناشئة وغيرها من الشركات التي لا تتلقّى تمويلاً من «غوغل» إلى سيطرة متساوية. فهي تعمل على خطوات مختلفة من سلسلة قيمة الذكاء الاصطناعي التي تُقدّم كخدمات على سحابة «غوغل». وكما الحال بالنسبة إلى «غوغل باي» (Google Pay) - تطبيق «غوغل» الذي خضع أيضاً إلى تدقيق قانوني - تحصل «غوغل» على حصة من كل خدمة حوسبة تباع على سحابتها.
يستفيد مجتمع المصادر المفتوحة أيضاً من تراكم «غوغل». أحد الأمثلة الرئيسة على ذلك هو «تنسر فلو» (TensorFlow)، وهي مكتبة برامج تعلّم آلي مفتوحة المصدر من «غوغل». ومكتبات البرامج هي عبارة عن مجموعات من الأدوات المحدّدة مسبقاً التي تؤدي مهاماً شائعة أو متكرّرة لتطوير البرامج. وحوالي ثلث المساهمين في تحسين «تنسر فلو» ليسوا من «غوغل». ولكون مصادر «تنسر فلو» مفتوحة، وقد صارت معياراً للصناعة: فالجميع يستخدمون «تنسر فلو» لنماذج التعلّم الآلي. يؤدي هذا إلى وجود مزيد من البرامج التعليمية ومنتديات المناقشة التي تشرح كيفية استخدامها أو كيف تُحلّ الأخطاء الشائعة. تحفز زيادة المعرفة المشتركة استخدامها وتنشئ تأثيرات شبكية. فكلما زاد عدد المطوّرين الذين ينتجون تطبيقات ومنتجات مكمّلة أخرى باستخدام «تنسر فلو»، تحسّنت هذه الحلول كمكملات لتكنولوجيات «غوغل». والنتيجة هي بنية تعتمد فيها الصناعة برمتها، عاجلاً أم آجلاً، على تكنولوجيات «غوغل» أو تنتج تكنولوجيا لصالح «غوغل»، ومن دون أن تعي ذلك أحياناً. تستفيد شركات عملاقة أخرى في مجال الحوسبة السحابية مثل «أمازون» أو «مايكروسوفت» من عمليات نقل المعرفة العمياء. وتغتنم «غوغل» عمالة المطوّرين المجانية، إذ تتلقى التكنولوجيات مفتوحة المصدر آلاف المساهمات من خارج الشركة. بعدئذ، تُحسّن التكنولوجيات باستخدام أجزاء أخرى من برامج ونماذج تبقيها «غوغل» طيّ الكتمان، ما يسمح للتكنولوجيا أن تصبح مفيدة اقتصادياً. وراحت «مايكروسوفت»، و«ميتا» مؤخراً، تستخدم هذه الاستراتيجية استخداماً نشطاً.
يوفّر تعقب هذه الروابط رؤية بانورامية لسلسلة قيمة الذكاء الاصطناعي. تستغل «غوغل» هذا الاعتماد المتبادل كسلاح لها، أسوةً بـ«مايكروسوفت» و«أمازون»، لتضع قواعد الشبكة برمتها بدايةً من أبحاث الذكاء الاصطناعي وصولاً إلى التطبيقات. ولن تؤثر الطرق التقليدية لتفكيك سلوكيات السوق غير القانونية في قبضتها المحكمة على سلسلة قيمة الذكاء الاصطناعي.
المنافسة ليست الحل
نظراً إلى أن «غوغل» احتكار طبيعي وفكري، لا بد أن تكون علاجات قوتها السوقية المفرطة مختلفة عن تلك المطبقة على احتكار عادي لسوق ما. ففي ظل احتكار طبيعي، يأتي تعزيز المنافسة على حساب الكفاءة ويؤدّي إلى تردي نتائج البحث. كما أن المنافسة في هذه السوق لن تجعلها حرّة أو عادلة. سيكون الفائزون في هذه المنافسة هما «آبل» و«مايكروسوفت»، إذ سوف يستخدم عدد أكبر من الناس محركيهما البحثيين. ويختلف هذا الحلّ اختلافاً تاماً عمّا كان يفعله «روبن هود»، إذ سيؤخذ من الأغنياء ليُعطى أغنياء غيرهم. فحتى لو اضطرت «غوغل» أن تتخلى عن استثماراتها أو تقسيمها، يظل بمقدور الشركات الجديدة أن تشارك قواعد البيانات ونتائج الأبحاث لتعظيم الريع المستخرج منها، وبذلك يبقى الاحتكار الفكري على حاله. ففي الصين، فُصلت شركة «علي بابا» (Alibaba) قانونياً عن «مجموعة آنت» (Ant Group)، لكنها لا تزال تؤدي الإسناد الترافقي لقواعد البيانات لتعزيز كل مشروع تجاري وتعتمد كل شركة من الشركات بالتساوي على المعارف التي جُمعت من منظمات أخرى كأساس لاحتكارها الفكري.
تكمن المشكلة التي تواجهها خطة وزارة العدل المحتملة لتجريد «غوغل» من استثماراتها - الخطة التي ستتطلب حرمان «غوغل» من أجزاء من أدوات محركها البحثي - في أن الشركات تتشارك المعلومات على أساس الحاجة إلى المعرفة سواء داخل الشركة أو ضمن شبكاتها. فتتشارك «مايكروسوفت» و«أوبن أيه آي» الأصول غير الملموسة كجزء من اتفاقيتهما. يُمكن أن يحدث الشيء ذاته مع شركات جديدة تنتج عن تقسيم «غوغل». ووسوف يظل بوسع الشركات متوسطة الحجم المنبثقة من «غوغل» أن توقع اتفاقيات شراكة استراتيجية لتشترك في تطوير الحلول وتتعاون في البحث والتنمية في حين تمضي قدماً في استخراج المعارف والبيانات من أنظمتها الإيكولوجية، ما يؤدي إلى تخصيب احتكاراتها الفكرية وإدامتها. غالباً ما تُوّقع اتفاقيات استراتيجية كهذه بين فرق الحلول الاستراتيجية في «غوغل» وشركات رائدة أخرى. وتبقى كثير من هذه الاتفاقيات طيّ الكتمان تجنباً لتدقيق الجهات المسؤولة عن مكافحة الاحتكار.
يجب النظر إلى محركات البحث على الإنترنت بوصفها خدمة عامة، ليس لأنها جزء من حياتنا اليومية فحسب بل لأنها تتحسّن من خلال تساؤلاتنا
إذا لم يكن من الممكن الحدّ من أضرار الاحتكارات الطبيعية والفكرية بفرض المنافسة أو تفكيكها، فما الذي يمنع شركة عملاقة من أن تجمع المليارات من خلال التحكّم في تنظيم معلومات الإنترنت وتصنيفها؟
غالباً ما تقدّم الشركات الخاضعة إلى إدارة الدولة خدمات عامة من شأنها أن تنشئ احتكارات طبيعية. ويُمكن للتعامل مع «غوغل» على غرار الشركات الخاصة التي تقدّم خدمات عامة بأسعار منظمة أن يشكّل خطوة إلى الأمام. فسوف يؤدي وضع حد أقصى لأسعار الإعلانات والحدّ من المساحة الإعلانية من التكلفة - على مستوى الانتباه والبيانات - التي يدفعها المستخدمون لقاء عمليات البحث بواسطة «غوغل». سوف تكون هناك حاجة إلى اتفاق دوليّ بين الدول لإنفاذ نظام كهذا. والحال، يجب النظر إلى محركات البحث على الإنترنت بوصفها خدمة عامة، ليس لأنها جزء من حياتنا اليومية فحسب، بل لأنها تتحسن إلى ما لا نهاية من خلال تساؤلاتنا.
على «غوغل» أن تدفع ضرائب إضافية لكل دولة على حدة لقاء تسييلها للبيانات التي تجمعها مجاناً. ويُمكن لمثل هذه الضريبة أن تأخذ في الاعتبار النسبة المئوية للسكان الذين لديهم اتصال بالإنترنت وعدد الساعات التي يقضونها على الإنترنت. غير أن الخلافات بشأن فرض ضريبة رقمية على «عمالقة التكنولوجيا» تشير إلى أن الولايات المتّحدة سوف ترفض مبادرة كهذه. مع ذلك، يجب علينا أن نهدف إلى إقامة تعاون دولي يتمحور حول اقتراح كهذا.
سوف يؤدي فرض ضرائب على البيانات وضوابط على الأسعار إلى خرق مصدر ربح «غوغل» الرئيس. لكن «غوغل» سوف تستمر في التربح من بيانات المجتمع ومعارفه. ولكسر احتكار الشركة الفكري، علينا أولاً أن ندرك أن أكبر شركات العالم تنهبنا جميعاً. وعلى المنظمات الدولية أن تدافع عن السيطرة على بياناتنا ومعارفنا الممولة من القطاع العام، لنمضي نحو مجتمع يحدد بشكل ديمقراطي أيّ بيانات تُجمع، ومن يمكنه الوصول إليها، ولأي غرض.
نُشِر هذا المقال في Phenomenal World في 16 تشرين الأول/أكتوبر 2024، وتُرجِم إلى العربية ونُشِر في موقع «صفر» بموجب تفاهم مُسبق مع الجهة الناشرة.