Preview البريكس يتشقق

مجموعة «بريكس بلس»
تشقّقات تحت ضغوط الجيوسياسية والاقتصاد

السؤال الأهمّ في سياسة الشمال والجنوب هو ما إذا كانت مجموعة العشرين, أي مجموعة الدول العشرين الكبرى، بالإضافة إلى الاتحاد الأفريقي بدءاً من العام 2024، قادرة على دمجِ كتلة «بريكس+»، التي تنمو بسرعة، مع مجموعة الدول السبع الغنية، التي ما برحت تتآكل مصداقيتها، أو ما إذا كانت مجموعة «بريكس+» سوف تغدو قوة حقيقية في الشؤون العالمية؟

يظهر من خلال الخلافات المستمرة حول الحرب والمال والبيئة أن ذلك لم يتحقق بعد.  في آب/أغسطس، عقد تحالف البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا قمته الخامسة عشرة في جوهانسبرغ، ودعا 6 أعضاء جدد للانضمام، بينهم أربع دول نفطية في الشرق الأوسط، هي إيران، وحلفاء الولايات المتحدة التقليديين مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى جانب إثيوبيا والأرجنتين. وسرعان ما رفض شي جين بينغ الطلب المتغطرس الذي تقدم به إيمانويل ماكرون لانضمام فرنسا رسمياً إلى مجموعة البريكس.

ينطوي التداخل بين مجموعة العشرين ومجموعة «البريكس+» على أهمية كبرى، لأن الهند لم تستضف مجموعة العشرين لعام 2023 في أيلول/سبتمبر فحسب، بل إن هذا الامتياز سوف ينتقل إلى البرازيل في العام 2024، تليها جنوب أفريقيا وثم الولايات المتحدة، وربما في ظل الرئاسة الثانية لدونالد ترامب إذا صحّت استطلاعات الرأي الحالية.

ولكن، بينما أخفقت مجموعة العشرين في حل الأزمات العالمية بصورةٍ جلية، لا تبدو مجموعة «البريكس+» وكأنها كتلة بديلة مستقرّة. فإن انتخاب الرئيس الأرجنتيني الجديد في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر، وهو الرئيس اليميني المتطرف الشعبويّ خافيير ميلي، الذي يريد إعادة تقييم البيزو بالدولار، يشير على الأرجح إلى أن الدعوة لانضمام الأرجنتين إلى مجموعة «البريكس+» سوف تُرفض. وعليه، سوف تضم قمة البريكس المقبلة التي تستضيفها روسيا عشرة أعضاء لا غير.

الحرب

وجرياً على عادة مجموعة البريكس، لن يُعتَبر غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا بنداً مهماً في جدول الأعمال، على الرغم من تناقضه الصارخ مع إعلان جوهانسبرغ: «نكرّر التزامنا بالتعدّدية الشاملة ودعم القانون الدولي، بما في ذلك النظام الدولي الذي تتعاون فيه الدول ذات السيادة بهدف الحفاظ على الأمن السلام».

قبل أسبوعين من اجتماع مجموعة البريكس في آب/أغسطس، دَعَتْ المملكة العربية السعودية مسؤولي وزارات خارجية 40 دولة لمناقشة إمكانية تحقيق السلام في تلك الحرب، التي تشكِّل عملية طويلة قد تجبر أوكرانيا في نهاية المطاف على التنازل عن 20% من أرضها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، وذلك بالنظر إلى استعداد روسيا للتضحية بملايين الجنود في سبيل الاحتفاظ بالسيطرة على الأرض التي احتلتها. بيد أن المؤتمر السعودي لم يُحرز أي تقدم، ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم دعوة موسكو للحضور. وعلى نحو مماثل، أخفقت بعثة السلام التي قام بها رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافُوسا إلى كييف وموسكو برفقةِ عدد من الزعماء الأفارقة.

ولا يمكن تجاهل الحرب الأخيرة في الشرق الأوسط، ففي 21 تشرين الثاني/نوفمبر، انعقدت مجموعة «البريكس+» الأحد عشر بالكامل في اجتماعٍ افتراضي، برئاسة رامافوسا، لمناقشة القصف الإسرائيلي لغزة. وقد تطرّفت تل أبيب في الانتقام من العملية التي شنّتها حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، حيث لقي أكثر من 12,000 فلسطيني حتفهم، معظمهم من النساء والأطفال، خلال القصف الإسرائيلي لما يقرب من 55,000 مبنى في مختلف أنحاء قطاع غزة.

انقسمت مجموعة «البريكس بلس»، حيث امتنعت دولتين تؤيدان إسرائيل في العموم وهما الهند وإثيوبيا عن المشاركة في تصويت الأمم المتّحدة في 26 تشرين الأول/أكتوبر من أجل حماية المدنيين ودعم القانون الإنساني الدولي. قامت مصر والإمارات العربية المتّحدة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وكانت المملكة العربية السعودية على وشك القيام باتباعهما قبل العملية التي شنّتها حماس. أما قادة «البريكس+» الذين عارضوا إسرائيل صراحة فكانت إيران وجنوب أفريقيا والبرازيل.

في هذا السياق، لم يكن الأمر مجرد مسألة حق إسرائيل المزعوم في الدفاع عن النفس، فلقد ارتُكبتْ جرائم حرب دولية مباشرة. ينحدر سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون من الفلسطينيين الذين هُجِّروا من أراضيهم صوب الشمال في العام 1948. عمل ذلك على تحوّل مدينة غزة إلى واحدةٍ من أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان في العالم. لم يجد السكان ملاذاً يهربون إليه من القصف نظراً لإغلاق الحدود المصرية.

ولكن السبب الذي وُجدتْ من أجله مجموعة البريكس لا يخفى: القوة الجيوسياسية الأحادية المفرطة. يجيء القَدْر الأكبر من الدعم العسكري والمالي والمعنوي لحكومة بنيامين نتنياهو من الولايات المتحدة، وفي المقابل، يشكّل النفوذ الذي تتمتع به واشنطن على حكّام المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة عاملاً حيوياً في تفكيك مجموعة «البريكس+».

يعدّ المرشح الرئاسي الأميركي المستقل روبرت ف. كينيدي جونيور - الذي يحظى الآن بأصوات رُبع الناخبين المحتملين وفقاً لاستطلاعات الرأي الشعبية - واحداً من أكثر المنتقدين صدقاً لقوة الشمال والجنوب وإساءة استخدام ميزانية البنتاغون السنوية التي تبلغ تريليون دولار. ولكن في مقابلة أجريت معه في 5 تشرين الثاني/نوفمبر، كشف كينيدي جونيور كيف أن حتى السياسي المناهض للإمبريالية يُدرج إسرائيل ضمن الجيوبوليتيك النفطية المتمركزة حول واشنطن. وتعهد بأنه إذا ما انتُخب في أواخر العام 2024، فسوف «يتأكد من ضمان توفير الموارد الحيوية بالنسبة لنا، بما في ذلك موارد النفط ذات الأهمية الحيوية، ومن امتلاك القدرة على الضرب في سبيل ضمان حمايتها. وتتسم إسرائيل بالأهمية في هذا الصدد، وتكمن أهميتها في كونها تمثل حصناً لنا في الشرق الأوسط. فالأمر أشبه بوجود حاملة طائرات في الشرق الأوسط».

وقد اعترف روبرت بأن ما يقرب من 75% من أصل 3 مليارات دولار من المنح العسكرية المقدّمة من واشنطن، بالإضافة إلى 14 مليار دولار من المساعدات الجديدة، «تذهب إلى الشركات الأميركية». ومن المؤسف ألا يُستخدم هذا الواقع كدليلٍ على الفساد كما يتسنّى لروبرت كينيدي أن يفعل، وإنما على العكس، فإنه يستخدم في التأييد التام لطبيعة واشنطن الإمبريالية الأساسية.

ومن ثم تطرّق روبرت إلى مخاوفه الأكبر: «إذا نظرت إلى ما يحدث في الشرق الأوسط الآن، وفي إيران الآن، تجد أن أقرب حلفاء إيران هما روسيا والصين. وأن إيران تسيطر على كامل النفط الفنزويلي. وأن حزب الله موجود في فنزويلا. إنهم يدعمون نظام مادورو، ويسيطرون بالتبعية على إمدادات النفط. وتنضم المملكة العربية السعودية الآن إلى مجموعة البريكس. وعليه، فسوف تسيطر تلك الدول على 90% من النفط في عالمنا». وخلص روبرت إلى أنه «إذا اختفت إسرائيل، فسوف تسيطر كل من روسيا والصين على الشرق الأوسط، فضلاً عن سيطرتهم على 90% من إمدادات النفط في العالم. وسوف يشكل ذلك ذلك كارثة بالنسبة للأمن القومي الأميركي».

البيئة

هذه هي العقلية الشائعة التي تهيمن الآن على الجناح الليبرالي للسلطة في الولايات المتحدة. هذا بخلاف أمور كثيرة تستحق النقاش مثل قراءة روبرت «المحافظة الجديدة» الخاطئة لعلاقات القوة في فنزويلا على سبيل المثال. ومع ذلك، فعندما يتعلق الأمر بإنتاج النفط وحرقه، فإن العلاقة الإمبريالية/شبه الإمبريالية الفعلية سوف تتجلى مرة أخرى عندما انضم الغرب إلى مجموعة «البريكس+» لحضور القمة السنوية الثامنة والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المعنية بتغير المناخ المنعقدة في دبي.

منذ كوبنهاغن في العام 2009، كان هنا تطابقاً كاملاً بين التزامات كلّ من الغرب ودول مجموعة «البريكس+»: رفض القيام بإجراء التخفيض الضروري للانبعاثات ورفض الاعتراف بالإلتزامات التي يمليها مبدأ «المُلوِّث يدفع» (وذلك لكي يتمكن الغرب ومجموعة البريكس معاً من تجنب المطالبة بتعويضات المناخ).

تضم مجموعة «البريكس+» حوالى 46% من سكان العالم، ولكنها لا تنتج إلا 29% لا غير من الناتج الإجمالي العالمي، وفي غضون هذه العملية تنتج دول بريكس 43% (وليس 90%) من إنتاج النفط العالمي، وكذلك 58% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وسوف تتشكل قوة هائلة عندما تتحالف مجموعة «البريكس+» مع واشنطن وليس ضدها.

المال

تميل مثل هذه الترتيبات الإمبريالية/شبه الإمبريالية إلى الظهور ليس في مؤتمرات القمة المناخية فحسب، وإنما هنا أيضاً في جوهانسبرغ في آب/ أغسطس: الإجماع على عدم التقيّد بأي استراتيجية حقيقية مناهضة للإمبريالية في سبيل إلغاء الدولرة، على الرغم من الضغوط التي مارستها روسيا نتيجة عزلتها عن البنوك الغربية. عمد الدبلوماسي الجنوب أفريقي البارز أنيل  سوكلال إلى الحطّ من قيمة التطلع إلى عملةٍ جديدة داخل مجموعة البريكس والتمرد النقدي الدولي المناهض للغرب، وقال في حزيران/ يونيو: «لم نتحدث قَطّ عن إلغاء الدولار. ما قمنا به، وهو ليس بجديد، أننا وقعنا منذ عدة سنوات على اتفاقية، وهي اتفاقية بين البنوك، تمهد الطريق للتداول بعملاتنا المحلية».

والأمر الأكثر دلالة هو أنه من أجل تجنب خفض تصنيفه الائتماني من قِبَل وكالات التصنيف الائتماني في نيويورك، يحافظ بنك التنمية الجديد لمجموعة البريكس على الامتثال الكامل للعقوبات المالية الغربية المفروضة على مالكه، إذ تبلغ حصة موسكو مثلا 19% منه.

من المؤكد أن هناك حاجة إلى كتلة جديدة من القادة العقلانيين، ولاسيما من الجنوب، لمعالجة الحروب والأزمات العالمية الأخرى مثل الكوارث المناخية، أو الجَوْر الذي يسود النظام النقدي والمالي، أو جائحة «التمييز العنصري» التي برزت أثناء تفشي وباء كوفيد-19.

كشفت الحادثة الأخيرة مرة أخرى عن تهافت مجموعة البريكس: فقد مات الملايين عبثاً، لا لشيءٍ إلاّ لأن رامافوسا ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قد فشلا في إقناع شي جين بينغ وفلاديمير بوتين وجائير بولسونارو بالتنازل عن حقوق النشر الخاصة باللقاحات التي تنتجها شركات الأدوية الكبرى (فقد تركز نضالهما بصورةٍ رئيسية ضد أنجيلا ميركل وبوريس جونسون في مناقشات منظمة التجارة العالمية 2020–22).

إن عجز الكتلة عن القيام بوضع أجندة جديدة حقاً، والاستمرار بدلاً من ذلك في الحفاظ على أسوأ سمات علائق القوة العالمية بين الشمال والجنوب، لا يمثل مشكلة عابرة. يتطلب الأمر من التقدميين أن يبحثوا في أماكن أخرى ــ بما في ذلك قوى المعارضة المنتشرة داخل المجتمع المدني في مجموعة «البريكس بلس» التي تتعرض للقمع غالباً، بحثا عن طُرقٍ حقيقيةٍ للتضامن.

نُشِر المقال على موقع CADTM في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.