تزوير في موازنة العام 2024: يا فرحة ما تمّت
إن كان ثمّة أمر إيجابي قام به أعضاء مجلس النوّاب في خلال جلسات مناقشة موازنة العام 2024 فهو رفع ضريبة الأرباح على شركات الأموال من 17% إلى 25%. لكن الهجمة الشرسة المضادّة التي قادها أصحاب رؤوس الأموال منذ إقرار الموازنة في 26 كانون الثاني/يناير الماضي كان يشي بأن هذه المادة لن تمرّ. وبالفعل بعد أن استنزف تفريغ تسجيلات جلسات مناقشة الموازنة والتصويت عليها نحو عشرة أيام، زوّرت الصياغة النهائية لقانون الموازنة المُفترض نشره في الجريدة الرسمية وتنفيذه من مجلس الوزراء، وجرى شطب الزيادة الضريبية وكأنها لم تكن!
شكّل قرار رفع الضريبة على أرباح شركات الأموال مفاجأة بكل ما للكلمة من معنى، سواء لأصحاب الرساميل الذين حرصوا على شطب كل الضرائب التي كانت ستفرض عليهم قبل وصول النسخة التي أعدّتها الحكومة إلى البرلمان وفاجأهم المجلس بإقرار ضرائب جديدة، أو للعالمين بطبيعة السلطة في لبنان وتوازناتها ووجود ممثلين عن أصحاب الثروات في مجلس النواب بما يتجاوز عدد أكبر كتلة نيابية. وغالباً يحرص هؤلاء على تفكيك أي عبء قد يفرض عليهم.
كيف جرى التزوير؟
في مقال سابق نشر على موقع صفر، أكّد النائبان علي حسن خليل (حركة أمل) وحسين الحاج حسن (حزب الله) أنه جرى التصديق على رفع ضريبة الأرباح على الشركات من 17% إلى 25%. بعد التزوير الحاصل، جرى الاتصال بهما للاستفسار. يقول علي حسن خليل: «لا أذكر تحديداً كيف حصلت الأمور، كان هناك هرج ومرج وفي الدقيقة الأخيرة اعتقدنا أنه جرى التصديق على المادة، التي ترفع ضريبة الأرباح على الشركات إلى 25%. لكن عند العودة إلى محاضر الجلسة تبين أنه جرى اقتراح رفع الضريبة إلى 25%، لكن رئيس الحكومة أو نائبه أو إبراهيم كنعان، لا أذكر، قال إن ذلك لا يجوز لأن ما تدفعه الشركات حالياً هو 17% على أرباحها، ويضاف إليها 10% عند توزيع أنصبة الأرباح على مساهميها، ولذلك يجب إبقاؤها على حالها. وختم النقاش بذلك».
أما النائب حسين الحاج حسن فقد كان خطّه مقفلاً. لذا اتصلنا بنائب آخر من حزب الله (رفض الكشف عن اسمه) وناقض ما قاله الحاج حسن سابقاً. إذ أشار إلى أن «الاضطراب حكم عملية التصويت. هناك عدد من النواب يعتقد أنه جرى التصويت عليها وعدد آخر يعتقد العكس. لكن بالعودة إلى محاضر الجلسة تبيّن أنها لم تقرّ». كيف ذلك؟ يردّ: «على الأرجح تبيّن لدوائر مجلس النواب المعنية بتفريغ الجلسات أن هناك غموض في التصويت، ولم تظهر النتيجة الفعلية للعملية، وفي حالات مماثلة تسقط هكذا أمور من النسخة النهائية».
ماذا سيحصل الآن؟
سيناريو التزوير كان قائماً طوال الفترة التي لحقت إقرار المادة، واعتبر من الطرق المُحتملة والأكثر ترجيحاً لنسف الإجراءات التي لم يردها أصحاب الرساميل، خصوصاً بعد حملة التهديد والوعيد التي أطلقتها «الهيئات الاقتصادية» وبحكم التضارب الذي طغى على تصريحات النواب بشأن ما حصل فعلياً في خلال الجلسة.
تقول النائبة بولا يعقوبيان إن الضريبة التي اقترحتها «أقرّت بالفعل واستثارت اعتراضات العديد من النواب وأبرزهم آلان عون ونعمة إفرام وغادة أيوب وجورج عدوان. وفي ظل التزوير الفاضح الحاصل، طلبنا المحاضر من الأمانة العامة لمجلس النواب والتوجّه الغالب هو الطعن، كما حصل عندما طعنا بقانون السرية المصرفية وأقرّ المجلس الدستوري في حينها تزوير المحاضر».
تشكّل هذه الواقعة مثالاً آخر عن تحكم رأس المال بالسلطة الفعلية، وتجنيد أدواته في البرلمان والحكومة وغيرها من مؤسسات لتسيير القرارات التي تخدم مصالحه.