معاينة انخفاض إنتاج الحبوب الشتوية في لبنان بسبب الحرب والمناخ

38.4% انخفاض إنتاج الحبوب الشتوية في لبنان بسبب الحرب والمناخ

تراجع حصاد الحبوب الشتوية في لبنان لعام 2024 بنحو 38.4% عما كان عليه في العام 2023، كما كان أقل بنسبة 33.3% عن متوسّط السنوات الخمس الأخيرة، بحسب بعثة تقييم المحاصيل والأمن الغذائي التابعة لمنظّمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة. وهو ما قد يؤدّي إلى زيادة الحاجة إلى الاستيراد لتلبية الحاجات المحلية من دون أن يكون هناك قدرة على ذلك بسبب تراجع التدفقات بالعملات الأجنبية، وقد يعمّق أيضاً أزمة الأمن الغذائي ويديمها لفترة أطول.

يعود انخفاض إنتاج الحبوب إلى الظروف المناخية السيئة، ولا سيما موجة الجفاف التي حلّت في الربيع الماضي وتفشي بعض الأمراض الزراعية، ما أثّر على غلّة الحبوب وتحديداً في خلال المراحل الحرجة من النمو. ففي موسم حصاد الشعير والذرة والشعير، وهي محاصيل تُزرع في تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر من كلّ عام لتحصد بين أيار/مايو وتموز/يوليو من العام نفسه، أنتج لبنان نحو 120 ألف طن بالمقارنة مع 194 ألف في العام 2023، وما يقرب من 180 ألف طن كمتوسط سنوي في الأعوام الممتدّة بين 2019 و2023.

تراجع حادّ بإنتاج الحبوب في لبنان

ويبدو أن هذه النتائج التي أفرزتها الظروف المناخية والأزمة الاقتصادية المستمرّة منذ سنوات، وحالت دون إنتاج كمّيات كافية للتموين وتلبية الطلب المحلي في العام 2024، لن تكون مختلفة عن النتائج المتوقّعة للعام 2025، لا بل قد تكون أسوأ مع إضافة تداعيات الحرب عليها، وهو ما قد يديم حالة انعدام الأمن الغذائي في العام الحالي أيضاً.

والواقع أن زراعة الحبوب الشتوية لعام 2025 تأخّرت حتى كانون الأول/ديسمبر 2024 بسبب تصعيد العدوان الإسرائيلي على الجنوب والبقاع وتقييد وصول المزارعين إلى حقولهم. وأيضاً سجّلت كمّيات شحيحة من الأمطار المتساقطة بين تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الثاني/يناير في بعلبك الهرمل وسهل البقاع، ومن المتوقع أن يستمر الجفاف في شباط/فبراير وآذار/مارس ما قد يترك تأثيراً سلبياً على كمّية المحاصيل وكفايتها.

ويضاف إلى ذلك، استمرار الأزمة الاقتصادية في إعاقة قطاع الزراعة في ظل الانسحاب شبه التام للحكومات اللبنانية المتعاقبة عن تنفيذ أي خطة للنهوض الاقتصادي وإعادة هيكلة المصارف والنظر في دورها في تمويل الاقتصاد. والواقع أن إمكانية الوصول إلى القروض لتغطية النفقات الإنتاجية متوقفة منذ ما قبل العام 2019، وهو ما يدفع الكثير من المزارعين إلى تغطية نفقاتهم من النقد المتوافر لديهم، علماً أن معظم هذه النفقات، أي البذور والأسمدة والمبيدات والوقود، مستوردة من الخارج، أي أنها مقيّمة بالدولار وبالتالي معرّضة لتقلبات أسعار الصرف وتضخّم الأسعار في الخارج.

إن انخفاض الإنتاج المحلي من الحبوب سوف ينعكس حكماً زيادة في الاستيراد. تتوقّع منظّمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أن يزيد استيراد القمح بين حزيران/يونيو 2024 وحزيران/يونيو 2025 بنسبة 4% عن المتوسط، وأن يصل إلى 670 ألف طن، كانعكاس مباشر لتراجع الإنتاج المحلي في العام 2024. إلا أن تغطية هذه الاحتياجات سوف تعتمد بشكل كبير على قدرة البلاد على الاستيراد، وخصوصاً توافر العملات الأجنبية، خصوصاً أن الحرب أثّرت سلباً على الوضع الاقتصادي، وأدّت إلى تقليص تدفقات العملات الأجنبية من السياحة، الذي يعد مُحرّكاً أساسياً للاقتصاد ومصدراً للدولارات. هذا الواقع قد يؤدّي إلى إبطاء وتيرة الاستيراد وبالتالي عدم تلبية الحاجات المحلية من الحبوب التي تعتبر مصدراً أساسياً للغذاء في لبنان، كما قد ترفع قيمة الخبز المنتج محلياً بعد رفع الدعم استيراد القمح.

لقد أدّى الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في آب/أغسطس 2020، إلى تدمير اهراءات القمح التي تديرها الحكومة وكانت تشكّل مخزناً استراتيجياً لتخزين كميات من القمح تكفي لنحو 6 أشهر تقريباً من الاستهلاك المحلي. إلا أن عدم إعمار المرفأ وتلكؤ الحكومة في توفير مخازن عامّة بديلة للقمح والتخزين الاستراتيجي أضعف قدرة البلاد على الصمود في مواجهة صدمات العرض في المستقبل بشكل كبير. وأيضاً سمح للمستوردين والمطاحن من القطاع الخاص إلى الاحتفاظ بمخزونات في منشآتهم، من جهة لا تغطي أكثر من شهر إلى شهرين فقط من الاستهلاك المحلي، وتخضع بطبيعة الحال لاحتكاراتهم وتحكّمهم بالأسعار.

لقد أفرزت الظروف المناخية والحرب والأزمة الاقتصادية تداعيات سلبية على الكثير القطاعات الاقتصادية ولا سيما الزراعة والسياحة والخدمات، وساهمت في تشريد الناس وقطع سبل عيشهم وتدمير الأصول الإنتاجية. فيما يأتي غياب الدولة وتفلّت القطاع الخاص كعامل إضافي لتعميق الأزمة. ففي حين استقر سعر صرف الليرة اللبنانية منذ العام 2024، لا تزال أسعار المواد الغذائية مرتفعة بعد سنوات من التضخّم المُفرط. في كانون الأول/ديسمبر 2024، بلغ معدل التضخم السنوي في أسعار المواد الغذائية 22.16%، وهو ما يعد مُحرّكاً رئيساً لانعدام الأمن الغذائي. كما ارتفعت الكلفة الشهرية لسلة الحد الأدنى من الإنفاق للبقاء على قيد الحياة بنحو 17% عمّا كانت عليه في كانون الأول/ديسمبر 2023، لتصل إلى 40.6 مليون ليرة لبنانية (449 دولاراً) لأسرة مكونة من 5 أفراد، مع تأثير سلبي كبير على القدرة الشرائية للأسر.

بالنتيجة، سوف يستمرّ انعدام الأمن الغذائي في العام 2025، ووفقاً للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي من المتوقع أن يواجه 1.65 مليون شخص حالة من انعدام الأمن الغذائي الحادّ بين كانون الأول/ديسمبر 2024 وآذار/مارس 2025.