معاينة wildfires south lebanon

عواقب دائمة على المناطق الزراعية والموائل الطبيعية في لبنان

أجرى «مرصد الصراع والبيئة»، الذي يرصد العواقب البيئية والإنسانية المُترتبة على النزاعات والأنشطة العسكرية، بحثاً أولياً (link is external)لتحديد نطاق الضرر البيئي المُرتبط بحرب إسرائيل على لبنان، وعاين الحوادث والأضرار التي وقعت بين 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و5 كانون الأول/ديسمبر 2024، وخلص إلى أن العدوان الإسرائيلي ترك عواقب إنسانية وبيئية مدمّرة في جنوب لبنان، إذ أدّت الأضرار الحضرية والتدمير الكثيف للمباني والبنى التحتية الحيوية إلى توليد حطام يقدّر بملايين الأطنان يُرجّح أنه يحتوي على مواد ملوّثة سامّة مثل الأسبستوس، كما تسبّبت الأسلحة الحارقة مثل الفسفور الأبيض وغيرها من الذخائر بحرائق واسعة النطاق سيكون لها عواقب دائمة على المناطق الزراعية والموائل الطبيعية.

تشير التقديرات الأولية للبنك الدولي إلى أن الأضرار البيئة الناجمة عن تدهور الموارد الطبيعية وإدارة النفايات الصلبة تبلغ 221 مليون دولار، فيما تقدّر الخسائر الزراعية الناجمة عن تدمير المحاصيل والثروة الحيوانية وتشريد المزارعين بأكثر من مليار دولار. صحيح أن بعضاً هذه العواقب المباشرة كانت واضحة من خلال التقارير الإعلامية التي أظهرت حرائق في الأراضي الزراعية وأضراراً في المباني والبنية التحتية الأساسية، لكن الأخطر بحسب «مرصد الصراع والبيئة» هو العواقب الارتدادية طويلة الأمد على البيئة.

ملوّثات الذخائر المتفجّرة وخطر التسرّب إلى المياه الجوفية

عاين الباحثون في «مرصد الصراع والبيئة» مجموعة من مصادر البيانات المفتوحة لتحديد البنية التحتية البيئية التي ربما تكون قد تعرّضت لأضرار. وحدّد الباحثون قائمة أولية للمنشآت المتضرّرة، وهي تضمّ 173 نقطة مُتضررة في المباني، بالإضافة إلى نقاط يمكن تصنيفها على أنها مخاطر بيئية مُحتملة. وتشمل القائمة محطّات الوقود ومحطّات معالجة مياه الصرف الصحي والمستودعات.

حدّد الباحثون قائمة أولية للمنشآت المتضرّرة، وهي تضمّ 173 نقطة مُتضررة في المباني، بالإضافة إلى نقاط يمكن تصنيفها على أنها مخاطر بيئية مُحتملة

تُعتبر مدينة صور مثالاً على منطقة حضرية لحقت بها أضرار جسيمة. كانت هذه المدينة الساحلية موطناً لنحو 135 ألف شخص قبل الحرب، وتحتوي على الكثير من المواقع الثقافية والبيئية المهمة، من ضمنها منطقة محمية مساحتها 380 هكتاراً على شاطئ صور، عدا عن كونها منطقة لتكاثر السلاحف البحرية، وجزءاً من منطقة رئيسة أكبر للتنوّع البيولوجي.

تسبّبت الغارات الجوّية الإسرائيلية على صور في أضرار جسيمة في جميع أنحاء المدينة، وقد تم توثيق حُفر ذخائر كبيرة فيها، وقد امتلأ بعضها الآن بمياه البحر، التي سوف تختلط بالملوّثات داخل الحفرة، لتتسرّب لاحقاً عبر التربة والمياه الجوفية. وفي حين أن التلوّث الناجم عن الذخائر المتفجّرة المخزّنة شبه حتمي، يبقى حجمه ومداه أمر صعب التقييم إلا من خلال دراسات أدق.

الحطام الهائل موئل للمواد السامّة

أدت الهجمات الإسرائيلية على لبنان إلى إنتاج كميات كبيرة من الحطام. وقدّر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية حجم الحطام في محافظتي الجنوب والنبطية وحدهما بأكثر من 8 ملايين طن، في حين أشار تقرير صادر عن باحثين في الجامعة الأميركية في بيروت إلى أن الحدّ الأقصى للحطام قد يصل إلى 100 مليون طن. ويسلّط هذا التباين الضوء على وجوب التعامل مع تقديرات أحجام الحطام بحذر من أجل التمكّن من تحديد حجم المواد السامة والملوّثة المطمورة فيها.

وبحسب «مرصد الصراع والبيئة»، لم تسمح البيانات المتاحة بتقييم الأحجام المُحتملة للمواد السامة الموجودة في الحطام الناجم عن الحرب، ولا سيما مادة الأسبستوس، وهي عبارة عن مجموعة معادن ليفية تتكوّن طبيعياً بحسب منظّمة الصحة العالمية، وقد يؤدّي التعرض الكثيف لها إلى خطر الإصابة بسرطان الرئة والحنجرة والمبيض. وعادة يتواجد الأسبستوس في المواد الإسمنتية وفي الكثير من المعدات التي تدخل في البناء مثل ألواح التسقيف وأنابيب الإمداد بالمياه.

هناك احتمالية عالية لوجود الأسبستوس في حطام البناء الناتج عن العدوان الإسرائيلي ما يرفع خطر التعرّض لهذه الألياف وخصوصاً أثناء التعامل مع الحطام وفرزه ونقله والتخلص منه

يعود الباحثون في «مرصد الصراع والبيئة» إلى تقييمات سابقة لحجم هذه المادة في لبنان. فبحسب المراجعات الميدانية التي أجريت على الحطام الناجم عن انفجار مرفأ بيروت في العام 2020، فقد تبين اختلاط مادة الأسبستوس بنفايات البناء والردم في جميع أنحاء المنطقة المتضرّرة. كما تُظهر بيانات العام 1997 أن لبنان استورد حوالي 6000 طن من الأسبستوس في ذلك العام وحده، بينما بلغ الإنتاج المحلي أكثر من 900 طن سنوياً في العام 2000. وفي حين تم حظر هذه المادة في الكثير من البلدان، إلا أن القوانين اللبنانية التي تنظّم استخدام هذه المادة شبه غائبة. وهذا يشير إلى أن هناك احتمالية عالية لوجود الأسبستوس في حطام البناء الناتج عن العدوان الإسرائيلي، بحسب «مرصد الصراع والبيئة»، ما يرفع خطر التعرّض لهذه الألياف وخصوصاً أثناء التعامل مع الحطام وفرزه ونقله والتخلص منه.

أيضاً، هناك احتمال كبير لوجود ملوّثات سامة أخرى داخل حطام المباني. وقد يشمل ذلك مجموعة واسعة من المواد الكيميائية من الطلاءات والبلاستيك والدهانات والمواد اللاصقة والعزل المائي، وكذلك من وحدات تخزين البطاريات والألواح الشمسية والمركبات التالفة وتخزين الوقود ومولّدات الديزل، التي يزيد الاعتماد عليها في لبنان.

الأسلحة الحارقة والفوسفور الأبيض

تم تداول الكثير من التقارير عن شيوع استخدام الفسفور الأبيض في جنوب لبنان منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023.  وتظهر البيانات المتاحة وجود 195 حادثة مؤكّدة لاستخدام الفسفور الأبيض في جنوب لبنان علماً أن معظم الذخائر المتفجرة سجّلت في ميس الجبل (28 ذخيرة). أما القرى التي شهدت تفجير أكثر من 10 ذخائر من الفوسفور الأبيض فهي كفركلا (20)، والخيام (17)، ويارون (15)، وحولا (14)، والعديسة (14).

من الواضح أن الغالبية العظمى من استخدامات الفوسفور الأبيض الموثقة سجّلت بالقرب من الحدود مع فلسطين المحتلة، وهو ما سمح لـ«مرصد الصراع والبيئة» بتحديد المناطق ذات مخاطر التلوث الأعلى على كل من السكان المحليين والبيئة. وتمتد هذه المنطقة من شبعا في الشرق إلى اللبونة في أقصى الزاوية الجنوبية الغربية من لبنان.

ظهر البيانات المتاحة وجود 195 حادثة مؤكّدة لاستخدام الفسفور الأبيض في جنوب لبنان علماً أن معظم الذخائر المتفجرة سجّلت في ميس الجبل

مع ذلك، تقلّل هذه التقييمات بشكل كبير من تقدير الاستخدام الإجمالي للفسفور الأبيض. فقد وقع ثلثا الحوادث التي تم التحقق منها بين تشرين الأول/أكتوبر 2023 وشباط/فبراير 2024، من المرجح أن يكون سبب انخفاض البيانات هو نزوح السكان من القرى الحدودية وعدم التقاط المزيد من الصور والفيديوهات التي توثق استخدام الفوسفور الأبيض. وأيضاً لا تشمل هذه الدراسة كل الذخائر الحارقة المستخدمة والتي ربما تسبّبت بالحرائق الكثيرة التي شهدها جنوب لبنان طوال فترة الحرب. فقد قدرت وزارة البيئة اللبنانية وجود 5 كيلومترات مربعة محروقة مباشرة بالفسفور الأبيض، وهو ما يشكّل نحو 10% من إجمالي المساحات المحروقة.

تسبّبت الحرائق الناجمة عن استخدام الفوسفور الأبيض والذخائر الحارقة في جفاف الغطاء النباتي وارتفاع درجات الحرارة. ومن المرجح أن تخلّف الكثير من الآثار طويلة الأمد على البيئة. وبحسب «مرصد الصراع والبيئة» فقد دمّرت هذه الحرائق مزارع الزيتون إلى جانب المراعي الهامة التي توفر موائل للتنوّع البيولوجي. وتقلّل الحرائق من مساحة الموائل المتاحة وتفرض ضغوطاً أكبر على المناطق المحمية في جنوب لبنان. ويؤدّي أكسدة الفسفور الأبيض إلى ترك حمض الفوسفوريك في الأجزاء العليا من التربة، ما يزيد من حموضتها ويقلّل من الغلة الزراعية. كما أن ارتفاع نسبة الفوسفور الكلي في التربة قد يحد من نمو النباتات، ويشكل خطراً على المسطحات المائية القريبة من خلال التسرب والتسبّب في التغذية المفرطة وازدهار الطحالب. لقد تسبّبت حرائق المناظر الطبيعية الناجمة عن استخدام الذخائر المتفجرة بما في ذلك الفوسفور الأبيض في أضرار واسعة في المناطق المهمة للزراعة والطبيعة، ويمكن أن يؤثر هذا النوع من الضرر على جودة التربة والمياه، ويحرق المواد العضوية في التربة، ويؤثر على دورات المغذيات وصحة التربة، ويسرّع معدّلات التآكل.