Preview المعرفة المشتركة

مظاهرة في برلين ضد تعديلات الاتحاد الأوروبي لحقوق الطبع والنشر.
مصدر الصورة الأساسية قبل التعديل عليها: Hannibal Hanschke/ رويترز.

المعرفة المشتركة: الشركات التكنولوجية الكبرى والمشاعات الرقمية

  • محاولة لفهم أهمية البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر وتطورها في السياق الأعم للانتقال الجاري الآن في تنظيم الإنتاج، الذي شكّلته الثورة الجديدة في تكنولوجيا المعلومات والاتصال. 
  • يتيح لنا مفهوم الإطار التقني-الاقتصادي رؤية البرمجيات مفتوحة المصدر أكثر من مجرّد إبداع هامشي وجذري تم استيعابه وتنميطه. ولكن كعنصر ضروري من أجل التحول الجاري في أنماط الإنتاج.

تعتبر أصول حركة البرمجيات المجّانية ومفتوحة المصدر في الثمانينيات نموذجية في الحركات الاجتماعية، وقد نتجت من الإحباط الناجم عن توسّع حقوق الملكية الفكرية في حقل البرمجيات، والذي رآه العديد من مطوّري البرمجيات والباحثين عائقاً أمام طرق عملهم وقيمهم والحرّيات والإنتاجية. ومع ذلك، لم تنطلق هذه الحركة بزخم إلا في التسعينيات مع بروز شبكة الويب العالمية. حدث هذا عندما اجتمع مطوّرون متفرقون مدفوعون بحوافز متنوعة - غير اقتصادية في البداية - وشكّلوا أنواعاً جديدة من المجتمعات القائمة على التعاون والمساهمات الطوعية وأشكالاً جديدة من الإدارة.

منذ البداية، عُدَّ الابتكار الرئيسي الذي قدّمته البرمجيات المجانية ومفتوحة المصدر هو التخلّص من حقوق الملكية. تعمل رُخَص البرمجيات المجّانية ومفتوحة المصدر تحت نظام يطلق عليه يوشاي بينكلر «المشاعات ذات النفاذ المفتوح»، ما جعل هذا الشكل من المشاعات مختلفاً عن الخصائص والمعضلات ومبادئ الحوكمة التي طوّرته إلينور أوستروم في دراساتها الحائزة على جائزة نوبل. وكان لهذه الرخص العديد من الآثار الهامة في  أساليب الإدارة وأشكال إنتاج القيمة وحيازتها. والأهم هو إنكار هذا النظام «الحق في الاستبعاد» أو الحقوق الحصرية للمالك فقط التي تلغي إمكانية بيع حقوق الملكية أو بيع حقّ النفاذ أو استخدام المصدر، وبالتالي تخصّص قيمتها بشكل خاص أقله وحصري.

نحن ننتقل حالياً من نموذج متعثّر للإنتاج الضخم (يُشار إليه أحياناً بالفوردية)، إلى نمط جديد يتمحور حول تكنولوجيا المعلومات والاتصالفي هذه المقالة، أحاول فهم أهمية البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر وتطوّرها في السياق الأعم للانتقال الجاري في تنظيم الإنتاج الذي شكّلته الثورة الجديدة في تكنولوجيا المعلومات والاتصال. فقط من هذا المنظور، يمكن فهم الأهمية الحقيقية للبرمجيات مفتوحة المصدر، والتطوّر المفاجئ في علاقتها مع أسواق تكنولوجيا المعلومات والاتصال الرأسمالية، والطابع الجديد للانتقال الحالي.

من الهوامش إلى الاتِّجاهُ الْغَالِب

إنتاج البرمجيات هو جوهر الثورة الرقمية. والتطوّر المفاجئ الذي أنوي التركيز عليه وتحليله هو كيف أصبحت البرمجيات مفتوحة المصدر، ظاهرة نشأت على هامش صناعة البرمجيات، ونُظمت على أسس مشاعية على حدود ابتكار البرمجيات، لتصبح النموذج المعياري في صناعة البرمجيات.

تشير ثلاثة تطوّرات أخيرة إلى وجود أمر مهم يحصل. أولاً، في العام 2018، أعلنت شركة  مايكروسوفت (Microsoft) - التي كانت سابقاً «عدوة» البرمجيات مفتوحة المصدر وتصوّرها على أنها «سرطان» يقوض أسواق البرمجيات - الاستحواذ على GitHub، المنصّة الرئيسة للبرمجيات مفتوحة المصدر. صدمت الأخبار العديدين، ولكن هذه الخطوة كانت تتويجاً لإعادة تموضع جذري من قِبل مايكروسوفت، بدأت بها قبل سنوات. بعدها بفترة وجيزة، ومن أجل اللحاق بمايكروسوفت، اشترت IBM شركة Red Hat، أكبر شركة خدمات برمجية مفتوحة المصدر بقيمة 34 مليار دولار. وأخيراً، فرضت المفوضية الأوروبية غرامة باهظة بقيمة 4.34 مليار يورو، على غوغل لإساءة استخدام موقعها المهيمن في تكنولوجيا الهاتف المحمول، والتي وصلت إليه من خلال نظام تشغيل أندرويد مفتوح المصدر. تعطينا هذه الأحداث الثلاثة مجتمعة فكرة عن التغييرات بعيدة المدى في علاقة البرمجيات مفتوحة المصدر مع السوق الرأسمالية، وتجبرنا على إعادة التفكير في تفسيراتنا للبرمجيات مفتوحة المصدر كمشاعات رقمية.

من أجل فهم أهمية البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر، وتطورها في سياق التحوّل الحالي لأنظمة الإنتاج، يجب فهم ما تنطوي عليه تلك التغييرات في العلاقة بين التكنولوجيا والاقتصاد والأشكال المؤسسية، بما فيها أشكال الإدارة والملكية. يمكن الوصول لفهم أفضل من خلال استخدام نموذج تقني-اقتصادي.

تبقى البرمجيات مشاعاً لا يمكن مصادرته بشكل حصري، ولكن على هذا الأساس المشترك، يمكن أن تنشأ أشكال مختلفة من التسويق والأسواقتتضمن هذه الفكرة، المطروحة من جانب كارلوتا بيريز، مفهوم «الثورة التكنولوجية» في الإنتاج الرأسمالي، والتي تعرّفها على أنها «مجموعة من الاختراقات الجذرية المتداخلة، تشكل مجموعة رئيسية من التقنيات المترابطة»، والتركيز هو على الترابط القوي والاعتماد المتبادل بين هذه الأنظمة التي تشكل هذا النموذج، على وجهيه التقني والاقتصادي. تشدّد هذه المقاربة أيضاً على قوّة هذه الاختراقات في إحداث تحوّلات جذرية في الاقتصاد والمجتمع بأكمله، بما في ذلك الدولة. ووفقاً لتحليل بيريز، نحن ننتقل حالياً من نموذج متعثّر للإنتاج الضخم (يُشار إليه أحياناً بالفوردية)، إلى نمط جديد يتمحور حول تكنولوجيا المعلومات والاتصال. 

نظام إنتاج صاعد

يشير النموذج التقني-الاقتصادي إلى مجموعة من الابتكارات التنظيمية والتقنية شديدة الترابط، والتي تحدّد تصوّراً سليماً لنموذج الأفضل للإنتاج الفعّال يتم تعميمه في باقي القطاعات، ويقدم أنماطاً مختلفة لتأطير المشاكل والحلول. ينشأ النموذج التقني-الاقتصادي ويتطور في خلال مرحلتين مختلفتين هما: البناء والتعميم. 

تبدأ هذه التحولات، وفقاً لبيريز، عندما يستنفد النموذج القديم كل إمكانات نمو الإنتاجية. تُقاد المرحلة الأولى من هذه الثورات التكنولوجية بواسطة رأس المال المالي، وفقاعات المضاربة، وأيديولوجية الحرية الاقتصادية، وتهدف إلى تجاوز سلطة بُنى الإنتاج السابقة ، من أجل تمويل الرواد الجدد والسماح بفترة من التجارب المكثفة. عادة ما تنتهي هذه المرحلة بانهيار مالي.

ومن خلال الخروج من الركود الذي أعقب ذلك، تنشأ فترات الازدهار، واستغلال الإمكانات الهائلة للتحوّل الذي ظهر بشكل جنيني في المرحلة الأولى. إن تحقّق تلك الإمكانات بالكامل، يعتمد على مدى استخدام الصناعات والمنظّمات الكبرى، بما فيها المنظمات الحكومية والمدنية المرتبطة بها، للتقنيات الجديدة من أجل تعزيز مواقعهم الراسخة وهياكل السلطة المؤسسية - على سبيل المثال، إن الاستخدام المؤسّسي للتكنولوجيا الجديدة من أجل التحكّم في العمل وتعزيز أنماط الاستغلال النموذجية في الإنتاج الضخم، أو إعادة تشكيل القوى الجديدة للمؤسسات، ونشر المكاسب من التقنيات الجديدة على نطاق أوسع وأكثر استدامة، والوصول إلى تسوية اجتماعية وبيئية جديدة. 

تاريخياً، لم تحدث هذه التعديلات إلّا تحت ضغط سياسي راديكالي من أجل عكس الاضطرابات التي أنتجتها المرحلة السابقة من الهيمنة المتفشية على السوق. وهذا صحيح أيضاً لأنه تطلّب إصلاحاً جذرياً للنظام المؤسّسي. في الواقع، تطلّب كلّ تحوّل نموذجي قطيعة مؤسسية وثقافية عميقة، بحيث يمكن الحديث عن تعاقب «أنماط مختلفة من النمو في تاريخ الرأسمالية».

تقدّم البرمجيات مفتوحة المصدر، كمصدر مشاعي، إلى هؤلاء الفاعلين، طريقة لمشاركة وتوفير الأكلاف والمخاطر المرتبطة بالنفاذ إلى مكونات الإنتاج الضرورية واستخدامهايتيح لنا مفهوم النموذج التقني-الاقتصادي فهم البرمجيات مفتوحة المصدر على أنها أكثر من مجرد ابتكار هامشي وجذري تم دمجه وتطبيعه، ولكن كعنصر حيوي من أجل التحوّل الجاري في أنماط الإنتاج. إن فهم البرمجيات مفتوحة المصدر يساعدنا على فهم طابع الانتقال الحالي، والبحث المطلوب لفهم المسارات المختلفة التي يمكن أن تسلكها، بجانب النظام البيئي، التي أصبحت البرمجيات مفتوحة المصدر جزءاً منه كما سنرى.

إنّ الاستيعاب الواسع للبرمجيات مفتوحة المصدر في السوق الرأسمالية يتطلب في الواقع مراجعة، أو إعادة نظر على الأقل، خصوصاً فيما يتعلق ببداية تشكّل تلك العلاقة (ذُكرت في بداية المقالة) بين السوق الرأسمالية والمشاعات الرقمية. لتحقيق هذه الغاية، سأعرض ثلاثة مفاهيم لتنظيم مقاربة جديدة لفهم تلك العلاقة: أشباه المشاعات، البنية التحتية المشتركة، وتكون النظم.

 أشباه المشاعات

يصف مصطلح «أشباه المشاعات» الأساس الذي تتعايش فيها الأسواق والمشاعات، وتنمو جنباً إلى جنب. أحد الأمثلة ستكون أراضي العصور الوسطى التي استوعبت نوعين من الأنشطة - الزراعة والرعي - في أوقات مختلفة من العام، فضلاً عن نوعين مختلفين من أنظمة الملكية - المشاعية والملكية الخاصة.

عند تطبيق هذا التحليل على شبكات التواصل الحديثة، فإنه يشير إلى إطار ذو مستويين، قائم على تعايش نظام مزدوج من الملكية والنشاط الاقتصادي في نظام الموارد نفسه. هذا النظام يمكن أن يضم مجموعة من نماذج «الأعمال الحرة» الناشئة حول البرمجيات مفتوحة المصدر: بيع الخدمات، الدعم، الشهادات، تطوير العروض «المجانية»، ودمج سمات برمجية إضافية قائمة على الملكية. وتبقى البرمجيات مشاعاً لا يمكن مصادرته بشكل حصري، ولكن على هذا الأساس المشترك، يمكن أن تنشأ أشكال مختلفة من التسويق والأسواق.

بُنَى تحتية مشتركة

تدعم أشباه المشاعات المكوّنة على مستويين الأساس المنطقي الأكثر استخداماً لشرح تبني الشركات للبرمجيات مفتوحة المصدر، وهو «البُنى التحتية المشتركة». في مثل هذه الحالات، يُعد الفاعلون في السوق مستخدمين أو مشترين للبرمجيات، بدلاً من منتجين أو موردين للبرمجيات والخدمات المرتبطة بها. تقدّم البرمجيات مفتوحة المصدر، كمصدر مشاعي، إلى هؤلاء الفاعلين، طريقة لمشاركة وتوفير الأكلاف والمخاطر المرتبطة بالنفاذ إلى مكونات الإنتاج الضرورية واستخدامها.

مفهوم توليد النظم، يُسلط الضوء على كيفية استخدام البرمجيات مفتوحة المصدر، كمشاعات، من أجل تطبيق استراتيجيات مبتكرة من المنافسة الرأسمالية. يمثل الأندرويد المثال الأكثر وضوحاً ونجاحاًعلى الرغم من أن هذه الأشكال من التعاون «غير السلعي» ليست سهلة التحقيق، إلا أن مشاركة الموارد أصبحت أكثر سهولة عبر الاستفادة من بعض خصائص المشاعات الرقمية، مثل انعدام التنافس في الاستخدام، أو التكاليف الحدية شبه المنعدمة. الهيمنة التي حققتها لينكس في الحواسيب المركزية أو الحوسبة السحابية تعد خير مثال على استخدام البرمجيات مفتوحة المصدر لبناء بنى تحتية مشتركة. في الوقت نفسه، تشير البنية شديدة المركزية لسوق الحوسبة السحابية كيف يمكن، مرة أخرى، أن تعمل البرمجيات مفتوحة المصدر يداً بيد مع الأشكال الجديدة من مركزية السوق.

توليد النظم

بما أن أشباه المشاعات تفسّر المنطق الأساسي، وبما أن البنية التحتية المشتركة هي المنطق الأساسي الأكثر شيوعاً لتبنّي الشركات الكبرى للبرمجيات مفتوحة المصدر، فإن المفهوم الثالث، أي مفهوم توليد النظم، يُسلط الضوء على كيفية استخدام البرمجيات مفتوحة المصدر، كمشاعات، من أجل تطبيق استراتيجيات مبتكرة من المنافسة الرأسمالية. يمثل الأندرويد المثال الأكثر وضوحاً ونجاحاً.

تقوم هذه الاستراتيجية على تعديل متعدّد الطبقات لأنظمة الملكية، وزعزعة السوق عبر «إلغاء تسليع» جزء هام من النظام الصناعي - في حالة أندرويد، إنه نظام التشغيل المُستخدم في صناعة الهاتف المحمول. الهدف في هذه الحالة هو تحويل المنافسة في صناعة محددة إلى مضمار ذو ميزة تنافسية أكبر؛ من أجل جذب المستخدمين، والمطورين، والأنواع المختلفة من منظومات الأعمال، إلى معيار جديد وبنية تحتية أو منصة؛ ومن أجل استغلال النمو أو خلق أسواق تكاملية، متاخمة بالفعل، أو مترابطة مع البرمجيات مفتوحة المصدر.

كما تظهر الغرامة الأخيرة المفروضة على غوغل من قبل المفوضية الأوروبية، يمكن استخدام سياسات الدعم المتبادل كنوع من استراتيجيات الإغراق المبتكرة، بهدف القضاء على المنافسين، وتحفيز زيادة استخدام التكنولوجيا الخاصة بها، وتوسيع شبكة مستخدميها، وتحقيق مواقع احتكارية. تعد «رأسمالية المراقبة» كما حلّلتها شوشانا زوبوف، والتي تقوم على اكتناز واستغلال بيانات المستخدمين، أرضاً خصبة لهذه الاستراتيجيات. لكن أساليب المنافسة تتوسع باضطراد خارج حدود مجال البرمجيات نفسه.

 أشكال مختلطة من الملكية

يمكن استخلاص أفكار عديدة من هذا الإطار من أجل توجيه العمل مستقبلاً على هذه المشاعات الجديدة. أولاً، الحاجة إلى دراسة هذه المشاعات الجديدة، التي نشأت على تخوم الثورة الرقمية، كتشكيلات مختلطة تضم أنظمة مختلفة من الملكية والاستغلال الاقتصادي، بدلاً من النظر لها كأنظمة «نقية» ومعزولة وذاتية. هذه البُنية المختلطة تبدو، في الواقع، حاضرة ومطبقة أيضاً في أكثر المشاريع المعنية بالمجتمع. لكن الأهم، هو ضرورة أخذها في الاعتبار من أجل فهم اقتصاديات وسياسات هذه النظم الإنتاجية الجديدة ذات الطبقات المتعددة من الملكية.

تعد «رأسمالية المراقبة» كما حلّلتها شوشانا زوبوف، والتي تقوم على اكتناز واستغلال بيانات المستخدمين، أرضاً خصبة لهذه الاستراتيجيات. لكن أساليب المنافسة تتوسع باضطراد خارج حدود مجال البرمجيات نفسهثانياً، على الرغم من بُناهم المغايرة، لا تتعايش الأسواق والمشاعات جنباً إلى جنب فقط، بل يمكن أيضاً أن تتوسّع بالتوازي والتآزر. ثالثاً، ومهما بدا الأمر غير بديهي، فقد تقوم بعض أشكال المنافسة الرأسمالية على خلق المشاعات. رابعاً، إن بروز هذه المشاعات الجديدة وتكويناتها المختلفة مع الأسواق، يسمح لنا بتحديد مجالات محتملة عديدة لأنواع جديدة من السياسات العامة: من مناهضة الاحتكارات إلى نوع جديد من الاقتصاد السياسي المختلط.

إعادة تقييم العلاقة بين المشاعات والأسواق

كان يُنظر إلى تطوّر المشاعات الرقمية، وإنكارها الحقوق الحصرية للمالك التي تصادر قيمتها بشكل خاص أو حصري، على أنه أمر مثير أو مخيف بحسب منظور من يراها. في بادئ الأمر، تم الاحتفاء بالبرمجيات مفتوحة المصدر بسبب سماتها الأناركية. ولا يزال حتى اليوم يُنظر أحياناً إلى البرمجيات مفتوحة المصدر على أنها علامة على نمط إنتاج ما بعد رأسمالي. في المقابل، كان من السهل نسبياً على مايكروسوفت الاستفادة من المخاوف الغريزية في عالم الأعمال، حيث نُظر إليها على أنها تهديد للأسواق والأرباح. في الواقع، أود أن أزعم، إلى حدّ ما، أن مشاركة الشركات في تطوير البرمجيات مفتوحة المصدر يعني أنهم يشاركون في عملية نزع «الملكية» والقضاء على «التسليع».

مع ذلك، يمكن القول، من منظور مختلف، إنه من خلال إنتاج سلع مشتركة مجانية، تنخرط هذه الشركات وتشارك في توسيع نمط من إنتاج القيمة ومصادرتها مختلف عمّا هو سائد في السوق. من الواضح أن نجاح اللافت للبرمجيات مفتوحة المصدر، على الرغم من طابعها المتفرد فيما يتعلق بتسويقها كسلعة، لم يكن ليحدث من دون الانخراط المتزايد للشركات فيها واستخدامها وتطويرها. كان هذا هدف البرمجيات مفتوحة المصدر، والذي قسم حركتها في أواخر التسعينيات، ويمكنه الآن الاحتفاء بانجازه.

البرمجيات مفتوحة المصدر والنمط التقني الاقتصادي الجديد

بالعودة إلى تركيزي على أهمية البرمجيات مفتوحة المصدر بالنسبة إلى التغيرات الجارية في العلاقات التقنية والاقتصادية وأشكال التنظيم، لقد رأينا كيف انتقلت البرمجيات مفتوحة المصدر من الهوامش، وكيف تحدت الانقسام المهيمن بين السوق والدولة. عبر النمو بقوّة في مرحلة التثبيت، فهي على وشك أن تصبح جوهر أنظمة المعلومات والبُنى التحتية في النموذج التقني-الاقتصادي الجديد. أنشأت البرمجيات مفتوحة المصدر منظومة جديدة، يُطلق عليها «المشاعات المعاد بناؤها بشكل تعاقدي». فالنمو المذهل للبرمجيات مفتوحة المصدر يشير إلى أن أشكالاً جديدة من المشاعات يمكن أن تلعب دوراً محورياً في النموذج الجديد. على النقيض من هذا، إن التفاعل المفقود مع المشاعات الجديدة (على سبيل المثال، من قبل المؤسسات الحكومية)، يمكن أن يمثل واحدة من النقاط العمياء الناتجة عن ما تعرّفه بيريز على أنه «المأزق» الحالي في الانتقال غير المكتمل من مرحلة التثبيت إلى مرحلة نشر النموذج الجديد. إن الانخراط الجاد في هذه المستجدات يمكن أن يوضح الاتجاهات الممكنة المختلفة في البحث عن إطار مفاهيمي، وتنظيمي ملائم لإمكاناتها. مع ذلك، إن التوضيح الضروري لهذه المعضلات لن يتم إلا بواسطة السياسة فقط.

هناك العديد من الأسباب للتفكير بأن أحد أهم مجالات الابتكار في المستقبل القريب قد يأتي من السياسة العامة. حتى الآن ، تخلّف القطاع العام عن اللحاق بالسوق في التعامل مع هذه المستجدات، ويبقى أن نفهم كيف يمكنه المشاركة بشكل مثمر والمشاركة والمساهمة في تطوير نظم البرمجيات الحرة والمفتوحة المصدر ونموذج الإنتاج. اللافت هو تعهّد الحكومة الصينية بالإجابة على السؤال. إنها قضية حيوية يجب معالجتها من المهتمين بالعلاقات الاقتصادية الديمقراطية وغير الحصرية وقائمة على المشاعات.

نشر هذا المقال في RedPepper.