Preview الغسيل الاخضر

كيف تُوهِمُنا العلامات التجارية بالاستدامة عبر «الغسيل الأخضر»؟

عندما تصف العلامة التجارية نفسها بأنها «صديقة للبيئة» و«عضوية» و«مستدامة»، فلا بدّ أن تعمل بجدّ لحماية كوكبنا، أليس كذلك؟ ماذا عن كوب القهوة الذي وضعته في سلّة «إعادة التدوير» أثناء رحلتك الصباحية، أو حقيبة الملابس غير المرغوب فيها التي أخذتها إلى متجر الأعمال الخيرية؟ لقد كُنْتَ مسؤولاً بيئيَاً، أليس كذلك؟

الغسيل الأخضر هو شكل من أشكال التسويق تستخدمه العلامات التجارية والمنظّمات لتعزيز التصوّر بأن منتجاتها أو خدماتها صديقة للبيئة. والواقع أن ممارساتها التجارية لا تفعل الكثير للحدِّ من التأثيرات المضرّة بالبيئة. وقد صاغ عالم البيئة جاي ويسترفيلد هذا المصطلح للمرة الأولى في ثمانينيات القرن العشرين، عندما كان وصول الجمهور إلى المعلومات محدوداً، وكان بإمكان الشركات أن تقدّم نفسها بسهولة على أنها مناضلة بيئية حريصة.

بعض أكبر الشركات على مستوى العالم بعيدة كل البعد عن الاستدامة، وتكتيكات «الغسيل الأخضر» التي تنتهجها هذه الشركات قد تخدعنا بواسطة شعور زائف بالاستدامةمع وجود المعلومات في متناول أيدينا في العصر الرقمي، قد نفترض أن الغسيل الأخضر لم يعد يؤثّر علينا نحن المستهلكين في العصر الحديث. ولكن بعض أكبر الشركات على مستوى العالم بعيدة كل البعد عن الاستدامة، وتكتيكات «الغسيل الأخضر» التي تنتهجها هذه الشركات قد تخدعنا بواسطة شعور زائف بالاستدامة.

صناعة الأزياء

منذ سنوات، كشفت شركة H&M العملاقة للبيع بالتجزئة النقاب عن الإصدار التاسع من «تشكيلتها الواعية»، التي أُطلقت للمرّة الأولى في العام 2012. الملابس مصنوعة من «مواد مستدامة»، بما في ذلك الجلد البديل Piñatex، ومشتقات الألياف الحمضية Orange Fiber، والأحذية المصنوعة من الطحالب BLOOM Foam. وعلامة Monki للأزياء هي كذلك جزء من مجموعة H&M، وقد أطلقت مجموعتها الأولى من ملابس السباحة المُستدامة في ربيع-صيف 2019، وكانت مصنوعة من البوليستر والبولياميد المُعاد تدويرهما وزجاجات PET وألياف نفايات الإنتاج. وكانت المجموعة متاحة في متاجر Monki في 18 دولة أوروبية وعبر التجارة الإلكترونية والسوق الصينية على الإنترنت Tmall، فضلاً عن تجّار الجملة والتجزئة الذين يسوّقون العلامة التجارية.

تتساءل أشليا أتيجولو، مؤسسة العلامة التجارية للأزياء الرجالية البطيئة EBYAK، عما إذا كان البيع بالتجزئة على نطاق واسع يبرّر مصطلح «مستدام»، وتقول «أعتقد أن العلامات التجارية للأزياء السريعة لا يمكن أن تكون مستدامة حقاً إلّا إذا تغيّرت أو اشترطت على المصانع التي تستخدمها القيام بتغيير عمليات الإنتاج بدءاً من كيفية تصنيع المواد». وتتابع: «أشعر أن أي علامة تجارية - سواء كانت صغيرة أو كبيرة - لا يجب عليها أن تستخدم علامة ماركة مستدامة، إلا إذا كانت الاستدامة متأصلة في روحها وعمليّات إنتاجها، وفي صميم علامتها التجارية بأكملها. مع ذلك، إذا كانت الشركة تحاول أن تصبح أكثر استدامة، فيجب تشجيعها، ولكن لا بد أن تكون واضحة للمستهلكين وتُكاشفهم بأن هذا هو سبيلهم نحو إنتاج أزياء أفضل».

على الرغم من الجهود التي تبذلها العلامات التجارية لتقليل تأثيرها البيئي، فمن المتوقّع أن ترتفع البصمة الكربونية لصناعة الأزياء إلى 2,791 مليون طن / ثاني أكسيد الكربون بحلول العام 2030، وأن تنتج 148 مليون طنّ من النفايات. مع زيادة شهيتنا على أحدث صيحات الموضة، يزداد بالتبعية معدّل شراء المستهلكين. وبحسب برنامج عمل النفايات والموارد (WRAP)، تذهب حوالي 140 مليون جنيه إسترليني من الملابس المستعملة إلى مكبّ النفايات في المملكة المتّحدة سنوياً، وهو أقل بقليل من ثلث الملابس.

على الرغم من الجهود التي تبذلها العلامات التجارية لتقليل تأثيرها البيئي، فمن المتوقّع أن ترتفع البصمة الكربونية لصناعة الأزياء إلى 2,791 مليون طن / ثاني أكسيد الكربون بحلول العام 2030، وأن تنتج 148 مليون طنّ من النفاياتفي نهاية العام 2018، كتبت لجنة التدقيق البيئي (EAC) إلى ستة عشر تاجر تجزئة للأزياء في المملكة المتّحدة، تسأل عما يفعلونه من أجل تقليل التأثير البيئي للمنتجات التي يبيعونها. وقد وجدت اللجنة أن العديد من تجّار التجزئة - بما في ذلك H&M وPretty Little Thing - لم يشتركوا في خطّة عمل الملابس المستدامة (SCAP)، وهي إطار تعاوني لشركات الأزياء لتقليل انبعاثات الكربون والمياه والنفايات.

وقالت ماري كريغ، رئيسة EAC إنه «لأمر مروع أن نرى أن مجموعة من كبار تجّار التجزئة يفشلون في اتخاذ إجراءات لتعزيز الاستدامة البيئية وحماية عمالهم. من خلال نشر هذه المعلومات، يمكن للعملاء اختيار ما إذا كانوا يريدون إنفاق الأموال مع شركة لا تفعل الكثير لحماية البيئة أو تعزيز الأجور المناسبة لعمّال الملابس. نأمل أن يشجّع هذا تجّار التجزئة ذوي الأداء الضعيف على البدء في تحمّل المسؤولية عن أعمالهم وتأثيرها على البيئة».

إعادة تدوير «الغسيل الأخضر»

يتم التخلص من 2.5 مليار كوب قهوة في المملكة المتّحدة سنوياً، أي ما يقرب من 7 ملايين كوب قهوة في اليوم. لا يمكن إعادة تدوير هذه الأكواب من خلال أي خدمة جمع نفايات عامّة بسبب البطانة البلاستيكية المقاومة للماء. بدلاً من ذلك، يجب إعادة تدويرها في منشآت متخصّصة حيث يمكن فصل البطانة البلاستيكية عن الورق. وهذا يعني أنه على الرغم من أن أكبر العلامات التجارية للقهوة في المملكة المتّحدة تدّعي أن أكوابها «قابلة لإعادة التدوير»، إلّا أن كوباً واحداً فقط من كلّ 400 كوب يصل إلى تلك المرافق المتخصّصة. 

تعهّدت كوستا (Costa) بأن تصبح أول سلسلة قهوة في المملكة المتّحدة تعيد تدوير أكبر عدد من الأكواب الجاهزة التي تبيعها بحلول العام 2020، أي حوالي 500 مليون كوب في السنة. ومع ذلك، في الأشهر الستة الأولى من المخطّط، قامت الشركة بإعادة تدوير 41 مليون كوب فقط، وهو ما يساوي أكواب القهوة التي يتم التخلّص منها في المملكة المتّحدة في أقل من أسبوع واحد. كما تعهّدت ستاربكس (Starbucks) بجعل أكوابها قابلة لإعادة الاستخدام أو إعادة التدوير بنسبة 100% في العام 2015. ومع ذلك، فقد غيّرت الشركة تعهّدها، وأعلنت عن «مضاعفة المحتوى المُعاد تدويره وإمكانية إعادة التدوير وقابلية التسميد وإعادة استخدام أكوابها وتعبئتها، وإنّما بحلول العام 2022».

لا نعتقد أن أكواب القهوة فقط قابلة لإعادة التدوير. لقد صنعت نسبريسو (Nespresso) كبسولات قهوة من الألومنيوم للاستخدام لمرّة واحدة منذ العام 1986، وهي تعمل في أكثر من 60 دولة. منذ العام 2015، دفعت العلامة التجارية لتنفيذ خطط إعادة التدوير من خلال حملة «الكوب الإيجابية»، حتى أنها ضمَّت جورج كلوني في الإعلانات. ومع ذلك، تفشل نسبريسو باستمرار في الإبلاغ عن عدد تلك الكبسولات المُعاد تدويرها. مثل أكواب القهوة البلاستيكية، لا يمكن إعادة تدوير الكبسولات إلّا في منشآت متخصّصة وتتطلّب من المستهلكين نقلها إلى مناطق إعادة التدوير المخصّصة.

على الرغم من أن أكبر العلامات التجارية للقهوة في المملكة المتّحدة تدّعي أن أكوابها «قابلة لإعادة التدوير»، إلّا أن كوباً واحداً فقط من كلّ 400 كوب يصل إلى تلك المرافق المتخصّصةتشير بيانات إعادة تدوير العبوات المؤقّتة للربع الأول من العام 2019، والمنشورة على موقع قاعدة بيانات نفايات التغليف الوطنية (NWPD) إلى أن استخدام الخشب والزجاج والورق والصلب قد ارتفع مقارنة بالفترة نفسها من العام 2018. ومع ذلك، يبدو أن أداء إعادة تدوير الألومنيوم والبلاستيك أقل بكثير من المستويات المستهدفة.

قيادة التغيير

أصبحت سلسلة القهوة المستقلة (Boston Tea Party) أول من حظر الأكواب التي تُستخدم لمرّةٍ واحدة في تموز/يونيو 2018. ومثل السلاسل الأخرى، قدّمت الشركة خصماً بقيمة 25 بنساً للأشخاص الذين يحضرون أكوابهم الخاصة. لكن بعد اكتشاف أن 5% فقط من العملاء أحضروا أكواباً قابلةً لإعادة الاستخدام، اتخذت السلسلة قراراً «صارماً» بحظر الكوب الذي يستخدم مرّة واحدة تماماً. ممّا أدى إلى انخفاض مبيعات الوجبات الجاهزة للشركة بمقدار 250 ألف جنيه إسترليني.

مع ذلك، يلتزم مدير التسويق بن هيبارد بقرار السلسلة، ويشرح قائلاً: «لقد اتجهنا إلى الأكواب القابلة للتسميد وجميع الخيارات النباتية، لكن لا يهمّ حقاً ما هو الكوب، لأنه لا يزال يُنتَج، وهناك طاقة تدخل فيه، ولا يزال ينتهي في حاوية نفايات عامة مع كل شيء آخر.  نحن بحاجة إلى تقليل ما نستخدمه في المقام الأول. لقد مارسنا القليل من الضغوط على مجلسنا المحلّي وسألناهم عن استراتيجيتهم لإعادة تدوير أكواب القهوة، لم يكن لديهم أي استراتيجية». ومن المفارقات أن بريستول - حيث يقع مقرّ الشركة - سُميَّت بالعاصمة الأوروبية الخضراء لعام 2015.

ويتابع: «على الرغم من أن 250 ألف جنيه إسترليني مبلغ كبير، إلا أننا محظوظون حقاً لامتلاكنا نشاطاً تجارياً قوياً. لقد مكّننا ذلك من إجراء التغيير، بينما بالنسبة للمستقلّين، قد يكون 90% من أعمالهم عبارة عن وجبات سريعة، وذلك قد يكون كارثياً».

منعت السلسلة إصدار 140 ألف كوب عبر متاجرها البالغ عددها 22 متجراً، وارتفعت المبيعات الداخلية بنسبة 6%، وجرى بيع 40 ألف كوب قابل لإعادة الاستخدام للعملاء، وتمّ جمع 14 ألف جنيه إسترليني للجمعيات الخيرية المحلّية وظل معدّل دوران الموظّفين عند مستوى قياسي منخفض.

لا أعتقد أن السلاسل الكبيرة ستحدث تغييراً كبيراً حتى يكون هناك تدخّل حكومي، مثل فَرْض 20 بنساً ضريبة لاتيه على الأكواب الجاهزةمع ذلك، يعتقد هيبارد أنه من غير المحتمل أن تستخدم سلاسل القهوة الكبيرة الاستراتيجية نفسها. ويقول «لا أعتقد أن السلاسل الكبيرة ستحدث تغييراً كبيراً حتى يكون هناك تدخّل حكومي، مثل فَرْض 20 بنساً ضريبة لاتيه على الأكواب الجاهزة. «كنا في معرض تجاري منذ وقت ليس ببعيد، وقال مسؤول الوجبات السريعة إنه من الجيّد أن يمهّد المستقلّون الطريق بهذا النوع من المبادرات. في الواقع، لدى المستقلّون الكثير ليخسرُونه». 

تحوّلت العلامة التجارية للمياه في ديفونشاير فرانك ووتر من القوارير البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد إلى الزجاجات في العام 2017، وخسرت ثلث أعمالها بين عشية وضحاها. ويتابع: «إذا كنت تدير مقهى، فإن إجراء هذا التغيير انطلاقاً من شعورك بأنه الأمر الصحيح الذي يتعيّن القيام به، قد يعني فقدان عملك. يمكن للشركات الأكبر استثمار هذه الأموال والمساعدة في تغيير سلوك المستهلك». 

اكتشاف «الغسيل الأخضر»

كات روزاتي هي خبيرة استراتيجية في العلامات التجارية، تساعد الشركات على أن تصبح أكثر استدامة من خلال مصادر الإنتاج أو التواصل مع قاعدة عملائها المثالية. توضح روزاتي: «يمكن أن تأتي الاستدامة من العديد من الجوانب المختلفة. يتعلّق الأمر حقّاً بالعلامة التجارية التي تحدّد كيف تريد أن تكون مستدامة. يجب أن يكون شيئاً يمكنهم تحديده. إذا لم يتمكنوا من فعل ذلك، فغالباً ما يكون ذلك بمثابة إشارة واضحة على أن العلامة التجارية تستخدم الكلمات الطنانة فقط وتستفيد من الضجيج». 

فيما يتعلّق بصناعة الأزياء، تقدِّر روزاتي أنه من الصعب على العلامات التجارية الكبيرة أن تضع الاستدامة قبل الموضة. وتقول: «في الوقت الذي يزداد فيه زخم حركة الموضة البطيئة، يشتري الناس الملابس كتعبيرٍ عن هويتهم أو عمّا يرغبون في أن يكونوا عليه. عند شراء ملابس مستدامة، فإنهم يشترون المظهر أولاً والجزء المستدام ثانياً. في نهاية اليوم، لن يشتري المستهلك قميصاً أو حذاءً لا يعجبه بغض النظر عن مدى استدامته».

أكبر الإشارات الدالة على «الغسيل الأخضر»، هي عندما تستخدم الشركة «إجابات غامضة» فيما يتعلق باستدامتها. «إذا لم تتمكّن الشركة من تحديد الإجراءات التي تتخذها لتكون مُستدامة، وأين تريد المحاولة وتنفيذ المزيد، وإذا لم يكن لديها خارطة طريق محددة بوضوح، فمن المحتمل أنها تقوم بالغسيل الأخضرووفقاً لروزاتي، فإن أكبر الإشارات الدالة على «الغسيل الأخضر»، هي عندما تستخدم الشركة «إجابات غامضة» فيما يتعلق باستدامتها. «إذا لم تتمكّن الشركة من تحديد الإجراءات التي تتخذها لتكون مُستدامة، وأين تريد المحاولة وتنفيذ المزيد، وإذا لم يكن لديها خارطة طريق محددة بوضوح، فمن المحتمل أنها تقوم بالغسيل الأخضر. الشيء الآخر الذي أبحث عنه هو الشفافية. لا أريد أن أعرف أنك تعمل مع مصنع مستدام فحسب، بل أريد أن أعرف ما الذي يجعل هذا المصنع مستداماً. ما هو اسم المصنع، وما الإجراءات التي يتّخذها، وما هي الشهادات التي يمتلكها؟» 

تعترف روساتي بأنه يمكن للعلامات التجارية أن تُوهِمُ بالشفافية، و«الطريقة الوحيدة لتفادي ذلك تتمثّل في الزيارات غير المُعلنة والتدقيق العشوائي للملفات». 

إحداث التأثير 

ولكن من أجل الحدّ من الضرر البيئي حقاً، نحتاج إلى أن نكون أكثر دراية بالخيارات التي نتّخذها كأفراد. 

كتب مايك بيرنرز لي، مؤلف كتاب «لا وجود لكوكب ب»: «هناك جانبان للطريقة التي يمكن للناس من خلالها أن يُحدثوا فرقاً. الأول هو الشروع شخصياً في حياةٍ مستدامة محدودة الكربون وأكثر تقليدية. والثاني هو الضغط من أجل التغيير الثقافي والسياسي الذي نحتاجه، في كل موقف: كيف نؤثّر على سياسيينا والأشياء التي نقولها ونفعلها في العمل وفي أوقات الفراغ وفي المنزل». 

وهذا يشمل شراء كميات أقل واستهلاك أقل. لا بأس بشراء قميص مصنوع من مواد مُعاد تدويرها، ولكن ما مقدار تأثير هذا القميص عند إنتاجه في مصنع كبير الحجم؟ وماذا يحدث للقميص المذكور حين لا تعود ترغب فيه؟ نحن بحاجةٍ إلى أن نستشف ما وراء «الغسيل الأخضر»، إذا كنا سننقذ الكوكب.

نُشِر هذا المقال في Icarus Complex في أيلول/سبتمبر 2019.