الهيكل المالي العالمي وأزمة الديون الدولية
دعوة عاجلة للإصلاح
وصل عبء الديون الخارجية المتراكمة في الجنوب العالمي إلى حدّ كارثي. إن التأخير في إعادة هيكلة الديون من شأنه أن يدمّر البلدان المثقلة بها أساساً، وسوف يكون بالغ القسوة على الأكثر فقراً في العالم. وهو ما سوف يحدّ من التقدّم في مجال حقوق الإنسان بالتوازي مع احتفال المجتمع الدولي بمرور 75 سنة على صدور إعلان الأمم المتّحدة بهذا الشأن. وبحسب ورقة أُعدَّت من أجل قمّة مجموعة العشرين لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في أيلول/سبتمبر من هذا العام، فإن 52 دولة من الدول المنخفضة والمتوسّطة الدخل، والتي تأوي 40% من فقراء العالم، كانت إمّا تعاني من أزمة مديونية أو أنها معرّضة بشدّة لأن تصبح كذلك. وعلى الرغم من الآثار السلبية المُترتبة عن أزمات الديون بالنسبة للحكومات في تغطية النفقات العاجلة المطلوبة من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة ومكافحة تغيّر المناخ، يبدو أن التخلّف عن سداد الديون أمر لا مفرّ منه في معظم هذه البلدان، لا سيما مع إعلان حالات التخلّف عن السداد في سريلانكا وغانا وزامبيا. في حين أن هذه البلدان معرّضة للخطر بسبب التراكم المفرط للديون الخارجية التي يحرّكها التنوّع غير الكافي للهياكل الاقتصادية التي حدّت من الصادرات وزادت الاعتماد على الواردات، فإن حالات التخلّف عن السداد بدأت في وقت أقرب مما كان متوقعاً بسبب «الصدمات الخارجية» الناجمة عن وباء كوفيد-19، وارتفاع معدّلات الفائدة في الاقتصادات المتقدّمة، والارتفاعات الحادة في أسعار الغذاء والوقود العالمية في العام 2022 والمرتبطة جزئياً بالحرب في أوكرانيا.
يبدو أن التخلّف عن سداد الديون أمر لا مفرّ منه في معظم هذه البلدان، لا سيما مع إعلان حالات التخلّف عن السداد في سريلانكا وغانا وزامبيا
ولهذا، فإن إعادة هيكلة الديون الخارجية تشكّل ضرورة ملحّة. مع ذلك، غالباً لا تبدأ الجهود الجادّة من أجل إعادة هيكلة الديون إلّا بعد التخلّف عن السداد. ومع ذلك، تكون التسوية بعيدة المنال كما تشير حالات البلدان الثلاثة المذكورة أعلاه. وباستثناء حالة واحدة مراوغة وغير فعّالة اتفق عليها كجزءٍ من الإطار المشترك لمجموعة العشرين في تشاد، فإن عمليات إعادة الهيكلة طالت ولم تكلّل بالنجاح (أنظر مرصد شتاء 2022). ولا يزال يتعيّن على زامبيا، وهي من أوائل البلدان التي تخلّفت عن سداد ديونها بعد تفشّي الوباء، إيجاد حلّ لهذا الوضع (أنظر مرصد شتاء 2020). وسريلانكا، التي تخلّفت عن سداد ديونها في أيار/مايو 2022 (أنظر مرصد صيف 2022)، هي الآن في خضم أزمة اقتصادية وسياسية خطيرة وتكافح من أجل حمل صندوق النقد الدولي على الإفراج عن الدفعة الأولى من قرض بقيمة 2.9 مليار دولار والذي يمكن أن يكون بمثابة مَعْبَر، في الوقت الذي تتفاوض فيه على إعادة هيكلة أكثر من 50 مليار دولار من الديون الخارجية المعلّقة. وانتقلت غانا، التي أخفقت في كانون الثاني/يناير 2023 في تسديد الفائدة على إصدارات سندات يوروبوند بقيمة مليار دولار، إلى خانة التخلّف عن السداد بعد فترة سماح مدتها 30 يوماً. وأعلن البلد أيضاً عن برنامج محلّي لاستبدال السندات التي تستحق هذا العام أو العام التالي بسندات جديدة ذات تاريخ استحقاق أطول وبفائدة صفرية في العام 2023.
لا تزال الآليات الفاشلة لإعادة هيكلة الديون من دون إصلاح
تعكس هذه الأمثلة فشل البنية المالية العالمي في التعامل مع الآثار المدمّرة للصدمات التي تعاني منها البلدان المُعرّضة بطبيعتها لأزمات ميزان المدفوعات. وقد بدأت الأزمة الحالية على الرغم من الجهود السابقة لحلّ أزمات مماثلة عن طريق تخفيف عبء الديون، مثل المبادرة المتعلّقة بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون ومبادرة تخفيف عبء الديون المتعددة الأطراف، اللتين أطلقتا في منتصف تسعينيات القرن الماضي ومنتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين على التوالي. ولم تنفّذ هذه المبادرات إلّا في أشد البلدان فقراً، متجاهلة عبء الديون المتراكمة في العديد من البلدان المنخفضة والمتوسّطة. لقد قلصت مستويات الدين الخارجي إلى حدّ كبير في بعض الحالات، ولكن معظم هؤلاء المستفيدين عادوا إلى حالة العجز عن تسديد الديون، لأن أطر إعادة الهيكلة التقليدية لم تعالج - بل زادت من سوء - العوائق الهيكلية التي استلزمت الاقتراض من الخارج لتعزيز الإمدادات المحلّية، لأن المعاملات العالمية مقوّمة بالعملات «الصعبة» (أنظر مرصد خريف 2022).
لا تزال تلك الأطر من دون إصلاح. كما أصبحت مهمّة إعادة الهيكلة أكثر تعقيداً بسبب التحوّلات العديدة في مشهد الديون الخارجية، ممّا يجعل حتّى التنسيق المحدود بين الدائنين، الذي كان ممكناً في وقت سابق، مُتعذراً حالياً.
يتلخّص التحوّل الأول في زيادة حصّة الدائنين من القطاع الخاص، وخصوصاً حملة السندات، الذين يميلون إلى الحدّ من أي «تقليم» لمستحقّاتهم أثناء إعادة الهيكلة. وبالتالي، فإن التوصّل إلى توافق هو في غاية الصعوبة. وهذه مشكلة في غانا، حيث يمتلك الدائنون من القطاع الخاص حوالي نصف ديونها الخارجية، بنسبة 49.3% في العام 2021، بعد أن كانت 13.4% في العام 2010 - وفقاً للحسابات المقدّرة عبر استخدام قاعدة بيانات إحصاءات الديون الدولية التابعة للبنك الدولي. وشهدت سريلانكا أيضاً زيادة في حصّة الدائنين من القطاع الخاص من 14% إلى 28.9% في خلال فترة 11 عاماً.
أطر إعادة الهيكلة التقليدية لم تعالج - بل زادت من سوء - العوائق الهيكلية التي استلزمت الاقتراض من الخارج لتعزيز الإمدادات المحلّية، لأن المعاملات العالمية مقوّمة بالعملات «الصعبة»أمّا التحوّل الآخر فهو «الكلل من تقديم المعونة» في أوساط الدائنين من اقتصاد السوق المتقدّم، الذين ما فتئوا ينسّقون استجاباتهم إزاء التقصير الفعلي أو المحتمل في سداد الديون الثنائية للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل من خلال «نادي باريس» غير الرسمي. وما فتئ حجم التدفّقات الثنائية والقروض الميسّرة منها يتقلّص بشكل حادّ منذ الجولة الأخيرة لإعادة هيكلة الديون. وانخفضت القروض الثنائية كحصّة من القروض العام في زامبيا من 33 إلى 18.4% بين عامي 201 و2018 قبل أن ترتفع مجدّداً لتبلغ 33.7% في العام 2021. ولم يكن ذلك ممكناً إلّا بدخول الصين كدائن ثنائي رئيسي للبلد يحتفظ بنسبة تراوح بين 78 و87% من تلك القروض. وانخفضت حصة الدائنين المتعدّدي الأطراف من الدين العام لزامبيا من 77.5% في العام 2010 إلى 21% فقط في العام 2021.
وفي سريلانكا، بينما انخفضت حصة القروض الثنائية من 44.5% إلى 28.5% في خلال الفترة 2010-2021، ارتفع نصيب الصين من تلك الحصة من 19.7% إلى 69.1%. بشكل عام، ارتفعت أهمية الصين بشكل ملحوظ، نظراً لنموها والفوائض الدولارية الكبيرة التي تمتلكها، وبسبب الفهم الذي يرى أن الجهات المتعددة الأطراف من غير الممكن أن تقبل بخفض الديون خوفاً من التأثير على معاملتها المفضّلة للدائنين وتصنيفات الائتمان وقدرتها على الاقتراض بتكاليف زهيدة ـ ومن المتوقّع أن تتحمّل الصين هذا العبء التي لا ترغب في الخضوع لإملاءات حول كيفية إعادة هيكلة قروضها المستحقّة. وهذا ما أدّى إلى تأخير التوصّل إلى حل جزئي.
دور البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في إعادة هيكلة الديون
إلى جانب الصعوبات الناشئة عن التغيّرات في تكوين الدين الخارجي للبلدان المتوسّطة والمنخفضة الدخل، هناك جانبان في بنية إعادة هيكلة الديون يستحقّان الاهتمام. الأول هو مركزية صندوق النقد الدولي في مفاوضات إعادة جدولة الديون، حيث تقدّم المؤسّسة حجماً صغيراً من التمويل الطارئ والإقراض لتمويل المتأخرات إذا لزم الأمر، في مقابل تغييرات كبيرة في السياسات التي تهدف ظاهرياً إلى تحقيق الاستقرار في ميزان المدفوعات واستعادة ثقة الدائنين الأجانب في إنعاش تدفّقات رأس المال التي تسبّبت في المشكلة بالأساس. ويُسعى الصندوق إلى تحقيق الهدف الأول من خلال تدابير متعدّدة تهدف إلى تخفيض قيمة العملة وتخفيض النفقات واستخدام وسائل تنازلية لتوليد الإيرادات. وتكمن الصعوبة في أن هذا التحوّل إلى التقشف قد يؤدي إلى ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي عن طريق تقليص الناتج المحلي الإجمالي وزيادة عجز الحساب الجاري، لأنه يميل وفق التصميم إلى تفاقم المشاكل الهيكلية التي أدّت في المقام الأول إلى فرط الاعتماد على الدين الخارجي.
ارتفعت أهمية الصين بشكل ملحوظ، نظراً لنموها والفوائض الدولارية الكبيرة التي تمتلكها، وبسبب الفهم الذي يرى أن الجهات المتعددة الأطراف من غير الممكن أن تقبل بخفض الديونوسريلانكا حالة كلاسيكية، حيث أصبح الحصول على 2.9 مليار دولار من التمويل لبلد لديه رصيداً من الديون الخارجية بقيمة 57 مليار دولار في العام 2021 رهناً بتوليد فائض أولي بنسبة 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2025، بالاعتماد على السياسة النقدية كأداة لتثبيت الأسعار عن طريق رفع معدّل الفائدة الرسمي من 5% إلى 16% في فترة تزيد قليلاً عن سنة، ممّا يرفع أسعار الطاقة «لتغطية التكاليف»، واختيار سعر الصرف المُحدّد في السوق (عندما يتعرّض ذلك السعر لضغوط شديدة) من أجل «إعادة بناء» الاحتياطيات الأجنبية. ولا يزال معدّل التضخّم مرتفعاً وحدّة الأزمة في ازدياد. في غانا، من غير المتوقّع أن ينكمش الإنفاق العام بشكل كبير فحسب، بل إن حاملي السندات المحلّية، بمن فيهم المتقاعدين، من المتوقّع أن يخضعوا لاقتطاعاتٍ كبيرة تهدّد الانتعاش الاقتصادي.
والسياسات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي، لاعتقاده بأن تدخّله من شأنه إنعاش تدفّقات رأس المال، تمنع أيضاً أي محاولات للحدّ من تدفّقات رأس المال إن لم تجمّدها، وتقيّد جانب عرض رأس المال في البلدان النامية، ولا سيّما السندات السيادية الدولية في البلدان الأكثر فقراً (أنظر مرصد شتاء 2021). والواقع أن تحفيز تدفّقات رأس المال لا يستند إلى التقشّف الذي يؤدّي إلى انكماش الاقتصاد، بل إلى احتمال شراء أصول الدولة والموارد الطبيعية المملوكة للدولة والمخصّصة بأسعار ضئيلة من أجل الحفاظ على الحدّ الأدنى من الإنفاق الحكومي.
وإلى جانب الطابع المساير للدورات الاقتصادية وعدم ملاءمة تدابير التقشّف كاستراتيجية لحل أزمات الديون، فإن آثارها السلبية على الفقراء والطبقات الوسطى تقود إلى اضطرابات اجتماعية وعدم استقرار سياسي، ولها عواقب سلبية أكيدة على حقوق الإنسان، مما يجعل من الصعب تنفيذ أي استراتيجية لتسوية الديون. وهذا من شأنه أن يقود إلى تفاقم الأزمة في الاقتصادات التي تقترب بالفعل من التوقّف التامّ عن سداد الديون. ويميل صندوق النقد الدولي أيضاً إلى أن يكون مُسايراً للتقلّبات الدورية في علاقاته مع الدول المُثقلة بالديون عندما يفرض رسوماً إضافية غير مُثمرة على اقتراضها ويجعل أسعار الفائدة أعلى بكثير من مستويات السوق، ويفاقم صعوبة خدمة الدين التي تواجهها هذه البلدان (أنظر: ما هي الرسوم الإضافية لصندوق النقد الدولي، مرصد شتاء 2021).
أما التحوّل الثاني في البنية المالية الدولية فيتمثل في الجهود الرامية إلى جعل البنك الدولي المحور الرئيسي لإعادة تدوير الفوائض العالمية (أنظر مرصد ربيع 2023)، مع حدوث تغيّر كبير في دور البنك من مموّل مباشر ووكيل «غير ناجح» لتخفيف المخاطر مكلّف باستخدام الأموال العامة من أجل «حشد» التمويل الخاص. ويترتّب على ذلك، مقترناً بانخفاض التدفقات الثنائية من نادي باريس، نتيجتان: فهو أولاً يقدّم مُبرِّراً لحكومات الدول المتقدّمة للحدّ من المشاركة مع التراجع عن عدم دعم الدول المُتعثّرة بالديون بتمويل جديد. وثانياً، يحوِّل تدفّقات رأس المال الموجودة مسبقاً من الشمال إلى الجنوب للحدّ من المخاطر التي تنطوي عليها الشراكات المفترضة بين القطاعين العام والخاص، والتي تعود أرباحها على القطاع الخاص بينما يتحمّل الناس المخاطر (أنظر مرصد صيف 2020، ومرصد خريف 2022). ولا يؤدّي ذلك إلّا إلى تقليص الدعم المُقدّم من هذه المصادر على شكل تدفّقات لازمة لضمان حلول عملية ومستدامة لخفض الديون. وكما أقر صندوق النقد الدولي، فإن هذه المشاريع تخلق أيضاً التزامات محتملة كبيرة (أنظر مرصد خريف 2022).
تستلزم الحلول العملية لأزمة الديون نظاماً متعدّد الأطراف أكثر ديمقراطية وتمثيلاً
هذه الاتجاهات السلوكية والسياسية تجعل هذه المؤسّسات غير قادرة لا على معالجة أزمة الديون ولا على مواجهة التحدّي المناخي. وهذا يشير إلى اتجاهات عدّة ينبغي أن يمضي إصلاح الهيكل الدولي فيها قدماً. أولاً، الابتعاد عن معاملة المؤسسات المالية الدولية بوصفها المؤسسات الرئيسية للتصدي للتحدّيات العالمية، لا سيّما أن بنية التصويت فيها لم تعد تتوافق مع الهيكل المتغيّر للعلاقات الجيوسياسية والتدفّقات المالية العالمية (أنظر مرصد خريف 2022). ولن يكون التدخّل المُتعدّد الأطراف عادلاً وقابلاً للتطبيق، إلّا إذا تمّ الاستماع إلى أصوات الدول التي تشكّل مراكز مهمّة لإعادة تدوير الفوائض وتلك التي تجري التعديلات السياسية لحلّ مشكلة الديون الخارجية المزمنة. ولا بدّ من صياغة بنية مؤسسية جديدة تتساوى فيها أصوات الدول الدائنة والمدينة الرئيسية إذا كان يُراد لجهود مثل الإطار المشترك لمجموعة العشرين أن تثمر. والأمر يتطلّب إنشاء تحالف غير رسمي بين المدينين لتقييم القدرة على تحمّل الديون، ومراقبة مفاوضات المساعدات المُتعلّقة بإعادة هيكلة الديون، وبلورة نموذج لإطار السياسات المطبق عالمياً. ويجب أن يدعم الدائنون الكبار ذلك عند القيام بإعادة الهيكلة. وتتطلّب صياغة هذا التغيير مساهمة نشيطة من جانب القوى الديمقراطية ومنظّمات المجتمع المدني العالمية والوطنية، فلربما ارتأت الحكومات الوطنية أن مصالحها تتعارض مع سلوك هذا الطريق.
إلى جانب الطابع المساير للدورات الاقتصادية وعدم ملاءمة تدابير التقشّف كاستراتيجية لحل أزمات الديون، فإن آثارها السلبية على الفقراء والطبقات الوسطى تقود إلى اضطرابات اجتماعية وعدم استقرار سياسيوبقدر ما يظل البنك والصندوق محورين هامين في البنية المالية الدولية، يجب توجيه الموارد العامّة التي تتمّ عبرهما بشكل هادف نحو تعزيز تحقيق أهداف التنمية المستدامة والأهداف العالمية المتعلّقة بالمناخ. ولا بدّ من توجيه الإنفاق من المؤسسات العالمية إلى المشاريع التي تقدّم الخدمات العامة العالمية. وهذه حتماً مشاريع تعود بمنافع اجتماعية كبيرة ولكنّها تدرّ عائدات مالية منخفضة. لذا، يجب أن يكون التمويل وفق شروط ميسّرة. ولتعزيز الاستثمارات في مثل هذه المشاريع، يتعيّن على البنك الدولي بشكل خاص أن يستفيد من الضمانات السيادية الممنوحة له ضمنياً من مساهميه والتأمين ضدّ العجز عن السداد لتعبئة رأس المال منخفض التكلفة اللازم لتعزيز تمويل مثل هذه المشاريع. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الشروط الوحيدة المفروضة على هذا الإقراض ينبغي أن تكون على طبيعة المشاريع التي ستموَل وليس على تدابير الاستقرار والتكيّف الهيكلي التي لا تتصدّى للتحدّيات الحاسمة وتؤدّي إلى تفاقم الحالة في هذه البيئات المثقلة بالديون.
إن هذه التغييرات في بيئة السياسة الدولية ليست حتمية فحسب، بل تحتاج إلى التنفيذ على وجه السرعة. وأزمة الديون لا تقع على عاتقنا فحسب، مع ما يصاحبها من دمار وانخفاض في القدرة على مواجهة تحدّيات عصرنا، ولكنها تنذر بأن تزداد حدّة، لا سيّما في ضوء المستويات المرتفعة لأسعار الفائدة العالمية والتباطؤ في نمو الدخل والتجارة على الصعيد العالمي. والتأخيرات التي تشهدها بيئات مثل زامبيا وسريلانكا هي إشارات إنذار لا يمكن ولا يجب أن يتجاهلها المجتمع الدولي ومنظّمات المجتمع المدني على الصعيدين العالمي والوطني. والآن، حان الوقت لكي يطبّق الشمال العالمي خطابه المتعاطف عن الاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان باتخاذ إجراءات ملموسة على أرض الواقع.
نُشِر هذا المقال في Bretton Woods Project في 5 نيسان/أبريل 2023.