العالم أكثر فساداً في العقد الأخير
منذ إصداره للمرّة الأولى في العام 1995 حتى الآن، بقيت درجة لبنان على مؤشّر مدركات الفساد متدنية جدّاً، وفي السنوات الأخيرة تدّنت درجته أكثر فأكثر، إذ كانت 30 على 100 في العام 2012 وتراجعت إلى 24 على 100 في العام 2021، وهي لا تزال عند هذا المستوى، ومرجّحة للتدني أكثر في السنوات المقبلة، في ظل الفشل المتمادي في تحسين مظاهر الفساد في الدولة، التي تعتمدها منظمة الشفافية العالمية لتحديد درجات 180 دولة في العالم، وتحديد مرتبة كل دولة إزاء الدول الأخرى المشمولة في هذا المؤشر.
لا جديد في ما يخص لبنان في مؤشّر مدركات الفساد لعام 2023، فقد احتل المرتبة 149 بين 180 دولة. أي أن 31 دولة فقط في العالم، و8 دول في المنطقة كانت أسوأ منه على هذا المؤشّر. وهذا لا يعني أن بقية الدول وضعها جيّد، فوفق البيانات، التي نشرتها منظمة الشفافية العالمية، هناك دولتين من كلّ ثلاث دول في العالم حصلت على درجات أقل من 50 على 100، ويبلغ المتوسط العالمي لدرجة إدراك الفساد في جميع الدول المشمولة 43 على 100، وهناك ما يشبه الجمود في الإصلاحات التي تستهدف الفساد في جميع دول العالم تقريباً.
تُعتبر درجة 0 أن الدولة فاسدة للغاية ودرجة 100 أن الفساد فيها غير مدرك أبداً. مشكلة هذا المؤشر الرئيسة أنه يختصر الفساد في القطاع العام من دون القطاع الخاص والمجتمع المدني، كما أن مشكلته الرئيسة الأخرى أنه يقيس مدى إدراك فساد القطاع العام من وجهة نظر رجال الأعمال، وأصحاب رأس المال الأثرياء، والخبراء الذين يعملون لديهم، وبالتالي يتجاهل المؤشر إدراك الطبقات والفئات الاجتماعية والجندرية للفساد وأشكاله وأنواعه.
لو أن هذا المؤشّر يقيس تجارب الناس المختلفين طبقياً وجندرياً مع الفساد في سوق العمل والتجارة والمضاربات المالية والعقارية والغش والاحتكار والربح الفاحش والمتاجرة بالولاءات، إلى جانب الفساد في القطاع العام، لكانت درجة لبنان والأكثرية الساحقة من الدول عند مستويات أكثر انخفاضاً وأكثر تعبيراً عن اتساع اللامساواة في توزيع الدخل والثروة والموارد والتفاوتات الاجتماعية وقلّة كفاءة الاقتصاد والتدمير المتمادي للطبيعة.
على أي حال، يقيس مؤشر مدركات الفساد أموراً مهمّة تندرج في إطار الفساد: الرشوة، وصرف النفوذ، والبيروقراطية، والمحسوبية، وتضارب المصالح، والوصول إلى المعلومات، ومدى سيطرة المصالح الخاصة الضيّقة على الدولة… ولكنه لا يقيس هذه الأمور من منظار الاقتصاد السياسي وطبيعة الدولة وهويتها، بل انطلاقاً من منظار ضيّق يتعامل مع الفساد على أنه مخالفة القانون وليس استغلالاً وعمليات استيلاء وتجريد وممارسات محكومة بأخلاقيات المنفعة الخاصة التي يقوم عليها النظام الرأسمالي.
في الواقع، يشهد العالم تراجعاً في السياسات الديمقراطية على حساب تنامي النزعات اليمينية والنيوليبرالية، وقد زادت أكثر منذ الجائحة. وعلى هذه الخلفية، يظهر مؤشر مدركات الفساد لعام 2023 أن 28 دولة فقط نجحت في تحسين معدّلاتها، فيما تفاقمت مؤشرات الفساد في 34 دولة بشكل كبير، وحالياً يعيش أكثر من 80% من سكان العالم في بلدان يتفاقم فيها الفساد ويسجّلون معدّلات أقل من المتوسّط العالمي الذي يعكسه المؤشر. ويأتي ذلك، على الرغم من التقدّم المُحرز في جميع أنحاء العالم في تجريم الفساد وإنشاء مؤسسات متخصصة لمعالجته. وهو إن دل على شيء فعلى عدم فعالية المقاربات القانونية في التصدّي لمصالح القلة المتحكّمة بالاقتصاد وموارد الدول والمجتمعات.
يكاد يكون ضعف استقلالية القضاء وتقويض حكم القانون السبب المعمّم لتفشي الفساد في معظم مناطق العالم، ويبيّن المؤشر أن الفساد غالباً ما يتفشى بنسب أعلى في البلدان الأفقر والاستبدادية بالمقارنة مع البلدان الأغنى والديمقراطية. في الواقع، يبلغ معدّل المؤشر في البلدان الديمقراطية 73/100، في مقابل 32/100 في الأنظمة الاستبدادية. إلى ذلك، لا تزال دول الاتحاد الأوروبي، ولا سيما أوروبا الغربية، تسجّل المؤشرات الأفضل، ولو أن معدلها انخفض إلى 65/100. وبحسب المؤشر فإن 13% من بلدان أوروبا الغربية والاتحاد الأوروبي يسجّلون معدّلات أدنى من 50/100، علماً أن النتيجة الأفضل سجّلت في الدنمارك، والأدنى في هنغاريا.
أما أفريقيا جنوب الصحراء فتسجل المؤشرات الأسوأ وقد وصل معدّلها إلى 33/100. وعلى الرغم من أن بعض الدول حسّنت معدّلاتها ضمن المؤشر، لا يزال 90% من بلدان المنطقة يسجّلون معدّلات أدنى من 50/100، علماً أن الصومال تسجّل النتائج الأسوأ في المنطقة، ومؤشر السيشيل يعبّر عن النتيجة الأفضل.
بلغ معدّل آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية 35/100 بسبب ما اعتبره المؤشر تعطّل حكم القانون وتنامي الأنظمة الاستبدادية، ويسجّل 95% من بلدانها معدّلات أدنى من 50/100. لا يختلف الأمر كثيراً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وعلى الرغم من تسجيل بعض التحسن، فقد سجلت المنطقة معدّل 38/100، عدا أن 78% من بلدانها يسجلون معدلات أدنى من 50/100، وهو ما يعكس معاناة المنطقة من الفساد السياسي والصراعات، وفق منظمة الشفافية الدولية.
أما آسيا الباسيفيك فقد بلغ معدّلها العام 45/100، وهو معدّل مستقر منذ أعوام، وهو ما يعيده المؤشر إلى ضعف أجندة مكافحة الفساد في هذه البلدان، علماً أن 68% من بلدانها لا تزال معدلاتها أقل من 50/100،
إلى ذلك، يبلغ المعدّل المسجّل في الأميركيتين 43/100، ويعيد المؤشر هذا المعدّل إلى انتشار الإفلات من العقاب في القارتين. علماً أن المعدّل الأفضل مسجل في كندا والأسوأ في فنزويلا.