18.5 مليار دولار كلفة الأضرار الأولية في قطاع غزّة
يقدّر البنك الدولي الأضرار المباشرة اللاحقة في البنية التحتية المبنية في قطاع غزّة بنحو 18.5 مليار دولار، وهو ما يعادل 97% من إجمالي الناتج المحلي للضفّة الغربية وقطاع غزّة في العام 2022. وهذه التقديرات التي عرضها البنك الدولي في تقرير «التقييم المؤقّت للأضرار في قطاع غزّة» تطال الفترة المُمتدّة منذ بداية حرب الإبادة الجماعية وحتى نهاية كانون الثاني/يناير 2024 فحسب، ما يعني أن قيمة الأضرار ارتفعت أكثر مع استمرار الحرب للشهر السادس على التوالي.
يؤكّد التقرير ما هو ماثل في المشاهد والصور الواردة من غزّة: «التدمير شديد ويطال جميع القطاعات الاقتصادية بما فيها الإسكان والتجارة والصناعة والخدمات والبنية التحتية والخدمات الحيوية والتعليم والمياه والصرف الصحي والصحة والطاقة والاتصالات والخدمات البلدية والنقل، ويتركّز نحو 80% من الأضرار في محافظات غزّة وشمال غزّة وخان يونس»، كما أن حجم الأضرار الناجمة عن التدمير الشديد غير المسبوق تزيد بنحو 90 مرة عن الأضرار التي سجّلت في حرب العام 2021، وأعلى بنحو 17 مرّة من تلك الناجمة عن عدوان العام 2014 على غزّة.
يقول البنك الدولي إن «الصدمة التي تعرّض لها اقتصاد غزّة هي واحدة من أكبر الصدمات التي لوحظت في التاريخ الاقتصادي الحديث»، لا سيما مع تدحرج «غالبية الفلسطينيين والفلسطينيات في قطاع غزّة نحو الفقر المتعدّد الأبعاد وتعطّل 74% منهم عن العمل، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي للقطاع بنسبة 24% على أساس سنوي في العام 2023، ومن المتوقّع أن يتفاقم الانكماش الاقتصادي ليتجاوز 50% في العام 2024، مع استمرار آثار الناجمة عن تدمير رأس المال».
السكن
تسبّبت الحرب في تدمير أو الإضرار بنحو 62% من المنازل في غزة، أي ما يعادل 290,820 وحدة سكنية بقيمة تقدّر بنحو 13.3 مليار دولار. وتشكّل أضرار قطاع الإسكان 72% من إجمالي الأضرار الناجمة عن الأعمال العدائية المستمرّة. ومن بين الوحدات السكنية المتضرّرة، 76% منها مدمّرة بالكامل، و24% متضرّرة جزئياً. وتشكّل الأضرار التي لحقت بالشقق السكنية 82% من إجمالي الأضرار المسجّلة في هذا القطاع. إلى ذلك، يتركّز نحو 75% من إجمالي تكلفة الأضرار في بلديات مدينة غزة وجباليا وخان يونس وبيت لاهيا ورفح. وبالنتيجة، لن يتمكّن أكثر من 1.08 مليون شخص من العودة إلى منازلهم إمّا لأنها دمّرت أو أصبحت غير صالحة للسكن، ويستمر هذا العدد في الارتفاع مع استمرار الحرب، ويؤدّي إلى مزيد من الفقر الاقتصادي على المديين القصير والطويل، وزيادة المخاطر على السلامة والأمن.
الصحة
أدت الحرب إلى الإضرار أو تدمير 84% من جميع المرافق الصحية، وقدّر البنك الدولي كلفتها بنحو 554 مليون دولار. في الحصيلة، تعرّضت 649 منشأة صحية في قطاع غزّة، ونحو 29 مستشفى تمثل أكثر من ثلاثة أرباع المستشفيات في القطاع، لأضرار تزيد قيمتها عن 222 مليون دولار. كما تعرّضت المراكز الصحية والعيادات والصيدليات لأضرار كبيرة، ما أعاق القدرة على تقديم الخدمات الطبية. وتكبّدت مدينة غزة العبء الأكبر من الدمار، وتقدر قيمة الأضرار التي أصابت المرافق الصحية فيها بنحو 276 مليون دولار. ويضاف إلى ذلك، قُتل 659 شخصاً في هجمات إسرائيلية على مرافق الرعاية الصحية، وإصابة 843 شخصاً آخرين، وتدمير أو الإضرار بنحو 98 سيارة إسعاف.
التعليم
بالنسبة لطالب يبلغ 15 عاماً ويعيش في غزة، سيكون الصراع الحالي هو الصراع الخامس والأكثر تدميراً الذي يعيشه مع توقف نظام التعليم بالكامل. في الواقع، تبلغ قيمة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية التعليمية نحو 341 مليون دولار. لقد انهار نظام التعليم في قطاع غزة، وأثّر على جميع الطلاب البالغ عددهم 625,000 طالباً و22,564 معلماً. وقد تم تدمير ما يقدر بنحو 56 منشأة مدرسية، وتعرّض 219 منها لأضرار جزئية، فيما يستخدم العديد من المدارس المتبقية كملاجئ للنازحين. أيضاً، تضرّر نحو 63% من الجامعات التي أجري تقييمها للتدمير أو التلف جزئيًا.
التراث الثقافي
تسبّبت الحرب بتدمير العديد من المواقع التراثية المهمة أو أضرّت بها بشكل بالغ. ويشير التقييم الأولي إلى تسجيل أضرار بقيمة 319 مليون دولار. وفي الواقع، تعرّض نحو 63% من المواقع الأثرية لأضرار مختلفة، وتمّ تدمير31% منها. ومن بين المواقع: ميناء البلاخية المرشّح للانضمام إلى قائمة التراث العالمي لليونسكو، والمقبرة الرومانية في مدينة غزّة، ومتحف قصر الباشا، والحمام السامري القديم وغيرها. ومن بين المباني الثقافية التي تم تقييمها، تعرّض 15 من أصل 17 مبنى لأضرار جزئية، وتضرّر 124 مسكناً تاريخياً وتم تدمير 34 مبنى. ويضاف إلى ذلك عدداً من المواقع مثل مجمع كنيسة القديس برفيريوس الأرثوذكسية التي تعتبر ثالث أقدم كنيسة في العالم، والمسجد العمري الكبير أقدم مسجد في غزة.
التجارة والصناعة والخدمات والقطاع المالي
تعرّض أربع من كل خمس مؤسّسات في قطاع التجارة والصناعة والخدمات للأضرار أو الدمار، وتقدّر الكلفة المترتبة عن هذا الدمار بنحو 1.65 مليار دولار، وهو ما أثر على جميع الصناعات، وأدّى إلى توقف الأنشطة الاقتصادية، فضلاً عن ارتفاع معدّل البطالة بأكثر من 50%. يوجد في قطاع غزّة نحو 56,000 مؤسّسة تجارية وصناعية وخدماتية توظّف 173,000 شخصاً، ومن أصل 49,000 منشأة جرى تقييمها، تبيّن أن 80% منها قد دمّرت أو تضرّرت. هذا الدمار الواسع الذي لحق بالأعمال التجارية، أدّى إلى تعطيل النشاط الاقتصادي وتسبّب في إغلاق العديد من المؤسسات وارتفاع معدلات البطالة وفقدان سبل العيش وانخفاض مستويات الدخل. عدا أن فقدان الدخل يضع أعباءً إضافية على عاتق النساء، ويؤثّر على فرصهن الاقتصادية وسلامتهن ورفاهتهن. ومن المتوقع أن يصبح الاقتصاد غير الرسمي أكثر انتشارًا مع بحث الناس عن وسائل بديلة لتوليد الدخل، وقد تؤدي هذه المنافسة المتزايدة على سبل العيش إلى زيادة الضعف وتقليل الأمن الوظيفي للعمال المنخرطين بالفعل في القطاع غير الرسمي، لا سيما بعد تعطل قدرة القطاع الخاص على الإنتاج والعمل.
الزراعة
يظهر القطاع الزراعي مستويات كبيرة من الدمار، وتقدر الأضرار الإجمالية بنحو 629 مليون دولار، وهو ما يهدّد سبل العيش ويؤدّي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي لجميع السكّان. تتعلق معظم الأضرار المالية بتدمير الأشجار والحيازات الزراعية ومنشآت البيع بالتجزئة والبنية التحتية للري. ووقع أكثر من 60% من الأضرار في محافظتي شمال غزة وخان يونس. توقّف إنتاج المنتجات الزراعية في القطاع، وبالتالي الغذاء، مما أجبر جميع السكان على الاعتماد على المساعدات الغذائية، التي يصعب أيضاً الوصول إليها. كما تم تدمير جزء كبير من تجارة التجزئة الحيوية المرتبطة بسلسلة القيمة الغذائية، مثل المخابز ومحلات المواد الغذائية. وبالنظر إلى تدمير معظم الأصول والبنية التحتية الخاصة بالقطاع، فإن ذلك يهدّد الأمن الغذائي وسبل عيش جميع السكان.
الخدمات الأساسية
تأثرت قطاعات الطاقة والمياه والبلديات بأضرار تقدّر بنحو 800 مليون دولار، ما أدّى إلى توقف تقديم الخدمات الأساسية وإعاقة أنشطة الإغاثة، وبالتالي تزايد الفقر متعدّد الأبعاد. يعاني قطاع الكهرباء من أضرار جسيمة، مع تقديرات أولية تبلغ 279 مليون دولار، وهو ما يؤثر بداية على شبكات توزيع شبكات الكهرباء بالإضافة إلى أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية الموزعة على الأسطح خارج الشبكة في جميع أنحاء قطاع غزة. أيضاً، تمّ تدمير أو الإضرار بنحو 510 كيلومترات من شبكة توزيع الكهرباء، وهو ما يشكّل نحو 61.5% من منها.
كان للانقطاع شبه الكامل للتيار الكهربائي منذ الأسبوع الأول من الحرب تأثير مدمّر على الحياة اليومية في غزة، إذ أثر على جميع القطاعات الحيوية الأخرى مثل الصحة والمياه والاتصالات والخدمات البلدية والخدمات الإنسانية والقطاع الخاص. كما جرى تدمير أو الإضرار بنحو 57% من البنية التحتية وأصول المياه، بما في ذلك محطات تحلية المياه في المناطق الشمالية والوسطى، و162 بئر مياه، واثنين من الوصلات الثلاثة مع شركة المياه الإسرائيلية. لقد انهار نظام المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية بالكامل، وتقدر الطاقة الإنتاجية الحالية للمياه بأقل من 5% من الإنتاج المعتاد وتتناقص تدريجياً كل يوم. تعرّضت البنية التحتية لبلدية غزة، بما في ذلك 5 من أصل 6 مرافق لإدارة النفايات الصلبة، لأضرار جسيمة تقدّر قيمتها بـ 19.6 مليون دولار.
النقل والاتصالات
تقدّر الأضرار التي لحقت بقطاعي النقل والاتصالات بنحو 448 مليون دولار، وهو ما أثر على الاتصالات والتنقل وتقديم المساعدات الإنسانية للسكان. تبلغ الأضرار التي لحقت بقطاع النقل نحو 358 مليون دولار، نظراً للضرر اللاحق بنحو 62% من الطرق، بما فيها 92% من الطرق الرئيسة، ونسبة كبيرة من المركبات. إن تدمير الطرق لا يعيق حركة السكان فحسب، بل القدرة على إيصال المساعدات والخدمات الاجتماعية الضرورية أيضاً، ويصعّب عملية إعادة الإعمار والتعافي في القطاعات الأخرى.
أما الأضرار اللاحقة بقطاع الاتصالات فتقدّر بنحو 90 مليون دولار. وهي تشمل الأضرار بنحو 75% من الهواتف المحمولة وشبكات الاتصالات الثابتة بالإضافة إلى جميع مرافق ومستودعات مشغلي الاتصالات. إن انقطاع خدمات الاتصالات ينطوي على آثار شديدة على الحياة اليومية للسكان في غزة، ويجعل من المستحيل الوصول إلى خدمات الطوارئ والإنقاذ.
البيئة
تقدر الأضرار البيئية بنحو 411 مليون دولار، وهي تؤثر سلباً على الأصول المادية مثل المناطق الساحلية والمياه والتربة والحقول الزراعية ومحمية وادي غزة الطبيعية. وتشمل الأضرار تلوث المياه الجوفية، وانتشار النفايات الخطرة بما فيها الذخائر غير المنفجرة والنفايات الطبّية والتلوّث الصناعي، وتدمير المنطقة الساحلية، والأضرار التي لحقت بالبيئة البحرية، وتدمير قوارب ومعدات الصيد.
في الواقع، تضرّرت أو دمرت معظم شبكات الصرف الصحي في غزة، و3 من أصل 6 مرافق معالجة، و5 من أصل 6 مواقع لإدارة النفايات، وهو ما تسبّب في ارتفاع مستوى تلوث المياه السطحية والجوفية، والمياه الساحلية، والتربة، مع ما يترتب على ذلك من آثار على صحة الإنسان والزراعة وسلامة الأغذية، وتزيد تلويث موارد المياه الشحيحة في غزة، والتي تعد بمعظمها غير صالحة للاستهلاك البشري حتى قبل الحرب.
أسفر القصف المكثّف عن إنتاج نحو 26 مليون طن من الركام، وهو ما يقرب من ضعف الكمّية التي نتجت عن تدمير حلب (14 مليون طن). وستكلف إزالة الأنقاض وحدها نحو 327 مليون دولار وستتطلب جهداً قد يستمر لسنوات، وهو ما يعيق الإعمار والتعافي.