Preview تقرير مشاورات المادة الرابعة

لبنان وصندوق النقد الدولي
هذه كلفة عدم القيام بالإصلاحات!

أصدر صندوق النقد الدولي، أمس، تقرير مشاورات المادة الرابعة لعام 2023، وهو التقرير الأوّل منذ انفجار الأزمة في تشرين الأول/أكتوبر 2019. الرسالة الأساسيّة التي يتضمّنها التقرير ليست إلّا تقييماً للكلفة الإضافية المُترتبة عن عدم قيام الحكومات اللبنانية الثلاث المُتعاقبة منذ انفجار الأزمة بأي من الإجراءات المطلوبة للتصدّي للأزمة، ممّا فاقم الأوضاع الكارثيّة القائمة.

فكيف وزّع خبراء الصندوق أكلاف سياسة اللاقرار فيما يتعلّق بإعادة هيكلة القطاع المصرفي والدين العام وتنشيط الاقتصاد؟

1. الثمن الذي يدفعه المودعون

يُقدّر صندوق النقد الدولي الخسائر الإضافية التي تكبّدها المودعون والناجمة عن عدم إعادة هيكلة القطاع المصرفي بنحو 10 مليارات دولار بين آذار/مارس 2020 وكانون الثاني/ يناير 2023. ففي حين كان يمكن أن يستعيد المودعون نحو 60% من ودائعهم (أي 71 مليار دولار) فيما لو جرت إعادة الهيكلة في آذار/مارس 2020، انخفضت هذه النسبة إلى 41% في كانون الثاني/ يناير 2023 (نحو 40 مليار دولار)، وبالتالي ارتفعت الخسائر المُقدّرة بعد إعادة الهيكلة من 46 مليار دولار إلى 56 مليار في خلال الفترة المذكورة.

صندوق النقد ولبنان

في الواقع، ساهم التخلّف عن إعادة هيكلة القطاع المصرفي في انخفاض قيمة الموارد الدولاريّة التي يمكن استخدامها لردّ جزء من الودائع عند إعادة الهيكلة. وتتألّف هذه الموارد بشكل أساسي من احتياطي العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي التي انخفضت بنحو الثلثين منذ العام 2018، واحتياطي الذهب، بالإضافة إلى أصول المصارف في الخارج ومحفظة قروضها. 

كان النظام المصرفي يمتلك ما يكفي من موارد لتغطية كلّ الودائع الدولارية في العام 2017، لكن بمرور الوقت ارتفعت الفجوة بين الموجودات والمطلوبات بالعملات الأجنبية، نتيجة استخدام احتياطات المصرف المركزيوبحسب صندوق النقد الدولي، كان النظام المصرفي يمتلك ما يكفي من موارد لتغطية كلّ الودائع الدولارية في العام 2017، لكن بمرور الوقت ارتفعت الفجوة بين الموجودات والمطلوبات بالعملات الأجنبية، نتيجة استخدام احتياطات المصرف المركزي لدعم السلع المستوردة، وإنفاق الحكومة بأسعار صرف تفاضليّة، والتدخل في السوق لدعم سعر الصرف. بالإضافة إلى انخفاض موجودات المصارف بالعملات الأجنبية نتيجة ردّ جزءٍ كبيرٍ من القروض الدولاريّة بالعملة المحلّية وفق السعر الرسمي، ممّا شكّل دعماً للمدينين على حساب المودعين. وقد قدّر خبراء الصندوق قيمة هذه القروض بنحو 15 مليار دولار بين آذار/مارس 2020 وكانون الثاني/ يناير 2023.

2. الأثمان التي يتكبّدها المجتمع 

إنّ تأجيل إعادة هيكلة الدين العام، بالتوازي مع توقّف المصارف عن الإقراض وعدم تنفيذ أي خطّة للنهوض الاقتصادي، كلّها عوامل حرمت الاقتصاد الحقيقي من إمكانية النهوض وأدّت إلى تقليص النشاط الاقتصادي، ممّا رفع معدّل البطالة إلى نحو 30% (ووصلت إلى 58% بين الشباب) وخفّض مستويات الاستهلاك والاستثمار، فيما زاد سعي المزيد من أصحاب المهارات إلى الهجرة بحثاً عن مستقبل أفضل.

لبنان وصندوق النقد الدولي

بالنتيجة استمرّ الانكماش الاقتصادي، ووصل الناتج المحلّي الإجمالي إلى 21.8 مليار دولار في العام 2022، بانخفاض بنحو 60% بالمقارنة مع العام 2018. وبحسب خبراء صندوق النقد، إن استمرار الجمود السياسي سوف يؤدّي إلى تفاقم هذه المؤشّرات سوءاً، كما سيسهم في اضمحلال الدولة أكثر وأكثر، نتيجة تراجع إيراداتها العامّة وقدرتها على الإنفاق وتوفير الخدمات الأساسية للمقيمين فيها. في الواقع، أدى تآكل الإيرادات وخيارات التمويل المحدودة إلى إجراء تعديل غير منظّم في الإنفاق، بما في ذلك الإنفاق على الصحة والتعليم.

أدى تآكل الإيرادات وخيارات التمويل المحدودة إلى إجراء تعديل غير منظّم في الإنفاق بما في ذلك الإنفاق على الصحة والتعليمترافق ذلك، مع زيادة عجز الحكومة اللبنانيّة عن تحمّل ديونها، وهو ما يرتّب أعباءَ إضافية على الأجيال الحالية والمقبلة. في الواقع، أدّى تراجع الناتج المحلّي الإجمالي وفقدان الليرة أكثر من 98% من قيمتها، إلى زيادة ثقل المديونية العامة، التي وصلت إلى 282% من الناتج المحلّي في العام 2022، ويتوقّع أن ترتفع إلى 512% في العام 2023، وصولاً إلى 547.5% في العام 2027. 

3. عجز مُتفاقم تجاه الخارج

شهدت وضعية لبنان الخارجية تدهوراً مستمراً على مدى السنوات الخمس الماضية، وبحسب تقديرات خبراء الصندوق، فقد ارتفع العجز في صافي الاستثمار الدولي من -54 مليار دولار (101% من الناتج المحلي) في العام 2017، إلى -72 مليار دولار (350% من الناتج المحلّي) في العام 2021. 

يُعبّر صافي الاستثمار الدولي عن وضعية دولة ما تجاه الخارج، فإذا كان صافي الاستثمار إيجابياً فهذا يعني أن الدولة دائنة ولديها استثمارات وموجوادت خارجية أكثر من المطلوبات المُترتبة عليها تجاه الخارج، أمّا إذا كان صافي الاستثمار سلبياً فهذا يعني أنها مديونة للخارج، وبالتالي موجوداتها الخارجية هي أقل من لمطلوبات المترتبة عليها.  

يتسم لبنان بدرجة عالية من المديونية والعجز تجاه الخارج، وتبلغ المطلوبات المُترتبة عليه للخارج نحو 150 مليار دولار أي نحو 730% من الناتج المحلّي الإجماليفي الواقع، يتسم لبنان بدرجة عالية من المديونية والعجز تجاه الخارج، وتبلغ المطلوبات المُترتبة عليه للخارج نحو 150 مليار دولار أي نحو 730% من الناتج المحلّي الإجمالي، في مقابل أصول بقيمة 77 مليار دولار. يشار إلى أن المطلوبات الخارجية تتضمّن التزامات المصارف – بما فيها ودائع غير المقيمين – التي تمثّل ثلاثة أرباع هذه المطلوبات. 

4. مصالح المستوردين فوق المجتمع

على الرغم من انخفاض عجز الحساب الجاري في العام 2021 (15.9% من الناتج المحلّي الإجمالي) – وهو معدّل عالٍ بكل المقاييس – عن المعدّل المُسجّل في السنوات الخمس الأخيرة (24%)، إلّا أنه عاود الارتفاع في العام 2022 إلى نحو 29% من الناتج المحلي الإجمالي وفق تقديرات صندوق النقد الدولي. 

يعيد صندوق النقد ارتفاع الواردات إلى زيادة المُستوردين نشاطهم للاستفادة من الضرائب المُخفّضة قبل رفع الدولار الجمركييعكس هذا العجز الكبير والمتنامي ارتفاع الواردات، التي موّل جزء منها من احتياطي العملات الأجنبية وتحويلات المغتربين وإيرادات السياحة. ويعيد صندوق النقد ارتفاع الواردات إلى زيادة المُستوردين نشاطهم للاستفادة من الضرائب المُخفّضة قبل إعادة تقييم سعر صرف احتساب الرسوم الجمركية.

5. تبديد احتياطي العملات الأجنبية من دون هدف

بعد وصولها إلى ذروة 36.8 مليار دولار في تشرين الأول/أكتوبر 2017 (69% من الناتج المحلي الإجمالي)، انخفضت الاحتياطات الأجنبية القابلة للاستخدام إلى 10.4 مليار دولار في كانون الأول/ديسمبر 2022 (44% من إجمالي الناتج المحلي)، وهو ما يشكّل حوالي 6.3 شهراً من الواردات المتوقّعة لعام 2023.

صندوق النقد الدولي ولبنان

يعبّر انخفاض الاحتياطات الأجنبية بنحو الثلثين في السنوات الخمس عن الضخّ المستمرّ للعملات الأجنبية من قبل المصرف لبنان لدعم سعر الصرف منذ بدء الأزمة التي دفعت إلى خروج الرساميل والودائع، فضلاً عن استيراد بعض السلع. وحالياً، يبلغ مستوى الاحتياطات أقل من 100% من متطلبات احتياطي العملات الأجنبية للبنوك التجارية.

إن تراجع احتياطي العملات الأجنبية في ظل توقّف التدفقات الخارجية وتراجع قدرة الدولة على توفير التمويل وحي بتوجّه الحكومة إلى فرض المزيد من التقشّفتفي الواقع، تحظى المؤشّرات التي تربط هذه الاحتياطات بمتغيّرات العجز التجاري والدين الخارجي (بما فيه ودائع غير المقيمين)، باهتمام خاصّ من قِبَل صندوق النقد الدولي، نظراً للضغوط النقدية التي يتسبّب بها تراجع هذه الاحتياطات في ظل توقّف التدفقات الخارجية بالعملات الأجنبية وتراجع قدرة الدولة على توفير التمويل، ممّا يحدّ من قدرتها على دفع فاتورة الاستيراد أو دفع الديون الخارجية، ويوحي بتوجّه الحكومة إلى فرض المزيد من التقشّفت والسياسات الانكماشية وتخفيض الاستهلاك والقدرات الشرائية للحدّ من استخدام العملات الأجنبية.