كيف تؤثّر الحرب على مشاريع الغاز في شرق المتوسط؟
هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وعدوان الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة في أعقابه، أحدث موجات من الصدمة في شرق البحر الأبيض المتوسط وفي الشرق الأوسط الأوسع والعالم. ولا يزال لليوم القضية الأكثر سخونة وإثارة للنقاش في البرامج الإخبارية حول العالم، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي والمنصّات المختلفة.
وفي حين لا تزال التداعيات الإنسانية عصيّة على القياس، تبقى التداعيات المرتبطة بالطاقة في حدودها الدنيا. أمّا هجمات حركة «أنصار الله» على تل أبيب في نهاية الأسبوع الماضي والردّ الإسرائيلي عليها فهي مؤشّرات إضافية على مدى هشاشة الوضع. وإلى ذلك، يلوح في الأفق شبح الحرب بين حزب الله وإسرائيل في أعقاب الهجمات التي شنّها الطرفان في الأسابيع الأخيرة ووضعت تحت المجهر التأثير المُحتمل على قطاع الطاقة وتداعياته على الدول الأخرى في المنطقة، والذي يترافق مع تهديد حركة «أنصار الله» بتوسيع نطاق عمليّاتها وصولاً إلى إدراج حقول «ليفياثان» و«تمار» و«شمن» في البحر الأبيض المتوسط، وحقل «زوها» في البحر الميت، ضمن بنك الأهداف.
تعتمد كل من مصر والأردن على الغاز الإسرائيلي في تغذية الكهرباء. تحصل مصر على نحو مليار قدم مكعب يومياً من الغاز الإسرائيلي، وهو ما يعادل 15% إلى 20% من متوسط الاستهلاك السنوي من الغاز في مصر. في أعقاب أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، أجبِرت إسرائيل على إغلاق حقل تامار الذي تديره شركة شيفرون الأميركية لمدة 37 يوماً، وهو ثاني أكبر حقل غاز في البلاد بعد ليفياثان الذي تديره الشركة الأميركية العملاقة نفسها. بالنتيجة، تراجعت صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر إلى النصف، في حين ظلت الصادرات إلى الأردن ثابتة نسبياً عند حوالي 250 مليون قدم مكعب يومياً.
تعاملت مصر مع انقطاع الغاز من حقل تمار الذي استمر 37 يوماً على الرغم من تنامي العجز المحلي للغاز في البلاد بفعل انخفاض الإنتاج وارتفاع الاستهلاك المستمر، لكن الخسارة الأحدث هي المليار قدم مكعب التي تحصل عليها مصر يومياً من الغاز الإسرائيلي وتسبّبت في فوضى لفترة قصيرة في حزيران/يونيو 2024 نتيجة توقف إمدادات الغاز من حقل تامار لعشرة أيام. واضُطرت مصر إلى زيادة فترات التقنين بالتغذية الكهربائية إلى أكثر من ساعتين يومياً، بينما توقّفت العمليات في مصانع البتروكيماويات والأسمدة والصناعات الأخرى التي تعتمد على الغاز.
تستورد الأردن كمّيات أقل من الغاز، لكن الكمّية المستوردة من حقل ليفياثان عبر خط أنابيب الغاز العربي، وتتراوح بين 250 إلى 300 مليون قدم مكعب يومياً، أساسية لتغذية محطّات الطاقة لديها. نحو 90% من مزيج وقود توليد الكهرباء في الأردن مكوّن من الغاز الإسرائيلي. تستطيع عمان الاستعانة بمحطّة «إنرجوس إسكيم» للتغويز الراسية في ميناء العقبة على البحر الأحمر، وبالتالي استيراد الغاز المسال وإعادة تغويزه، إلا أن عملية التبديل هذه، أي الاستغناء عن غاز ليفياثان، سوف تكون مكلفة. حالياً، يبلغ سعر الغاز الطبيعي المُسال حوالي ضعف ما يدفعه الأردن للحصول على الغاز من ليفياثان. يدفع الأردن نحو 6.30 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. ومن الناحية الاقتصادية البحتة لن يتمكّن الأردن من إنجاز هذا التحوّل بسبب ماليّته المُنهكة.
إذا توسّعت الحرب بين إسرائيل وحزب الله، سوف تغلق إسرائيل حقول الغاز الثلاثة التي تستغلها كجزء من خطط الطوارئ. إن توجيه ضربة مباشرة لأي من منصّات الإنتاج أثناء تدفّق الغاز منها سوف تكون لها عواقب كارثية على البنية التحتية، على عكس ضربة مباشرة في خلال توقّف تلك المنشآت عن العمل. وكبديل عن الغاز، تعتزم إسرائيل استخدام مخزونات الديزل والفحم التي تراكمها منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر لهذا الغرض خصيصاً، أي تشغيل محطّات توليد الكهرباء وإبقاء الأضواء مشتعلة.
سوف يؤثر الإيقاف الكامل للغاز الإسرائيلي على الحياة اليومية للمصريين والأردنيين بشكل شبه فوري، ومن المُحتمل أن يؤدي إلى إغراق كلا البلدين في الظلمة وإغلاق بعض الصناعات.
حالياً يجهد وزير البترول المصري الجديد، كريم بدوي، الذي تولى منصبه منذ أقل من شهر، لإيجاد خيارات بديلة في حال انقطاع الغاز الإسرائيلي. وتشمل هذه الخيارات استئجار محطة عائمة ثانية للتغويز، واستيراد المزيد من الغاز الطبيعي المسال، أو تحويل محطتيْ تصدير الغاز الطبيعي المسال في إدكو ودمياط لتكون محطتيْ استيراد.
كل الخيارات مُكلفة. تدفع مصر نحو 6.5 دولار في مقابل كل مليون وحدة حرارية بريطانية من الغاز الإسرائيلي، وبالتالي سوف تتضاعف فاتورتها من جراء استيراد الغاز الطبيعي المُسال لإبقاء الأضواء مشتعلة على أراضيها. تعاني القاهرة من شحّ في السيولة النقدية بالعملات الأجنبية، وبالتالي سوف يلقي هذا المسعى ضغوطاً إضافية على الموارد المالية للبلاد الواقعة تحت مجهر صندوق النقد الدولي الذي وقّعت معه على قرض جديد بقيمة 8 مليارات دولار. أيضاً قد يستغرق تحويل محطّات تصدير الغاز الطبيعي المُسال حوالي 12 شهراً في الحد الأدنى، وقد يثير حنق شركات النفط العالمية الرئيسة التي تمتلك حصصاً في منشآت الغاز. تمتلك شركات شل وبتروناس وتوتال إنيرجي حصصاً في إدكو، بينما تتولّى شركة إيني الإيطالية عمليات التشغيل في دمياط. لا يمكن للقاهرة تحمّل معاداة هذه الشركات في الوقت الذي تنضب حقول الغاز فيها ويتراجع إنتاجها.
لم تعلّق لا مصر ولا الأردن صراحة على حقيقة استيرادهما الغاز الإسرائيلي واعتمادهما عليه بشكل كبير، لكنهما يراقبان عن كثب مآل الأحداث على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة. تأمل إسرائيل أن يرتدع حزب الله بحكم التأثير غير المباشر الذي قد يخلّفه تصعيد الحرب على الأردنيين والمصريين. لكن، من غير المرجّح أن يولي حزب الله الكثير من الاهتمام لمثل هذه الأحداث المُحتملة. والواضح أن أحداً لن يفوز في الحرب بين إسرائيل وحزب الله، وسيكون لتأثيرها أصداءً واسعة النطاق على الدول العربية المجاورة.
من جانبها، حاولت إسرائيل إظهار أن الأمور تسير كالمعتاد ولو أنها ليست كذلك. بعد أقل من شهر على أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، أي في 29 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أعلنت إسرائيل عن منح تراخيص جديدة لاستخراج الغاز من الحقول البحرية إلى ائتلاف يضم شركة بريتيش بتروليوم البريطانية وشركة سوكار الحكومية الآذرية، وإلى ائتلاف آخر يضمّ شركة إيني الإيطالية ودانا للبترول التابعة لشركة عامة كورية.
لم يتم التصديق على هذه التراخيص بعد، نظراً لتردّد الشركات إزاء التزامها بالاستثمار في إسرائيل فيما المجتمع الدولي ينتقد بشدّة الحرب الإسرائيلية على غزة.
في 23 تموز/يوليو، أعلنت شركة إنرجين عن استثمارات لتطوير عدد كبير من الاكتشافات الصغيرة. وهي تخطّط لربطها بسفينة إنرجين باور العائمة للإنتاج والتخزين والتفريغ التي تعالج النفط والغاز في حقل كاريش من أجل دعمه وإبقاء الإنتاج مستقراً. بالطبع، حرصت إسرائيل على الإعلان عن استمرار النمو في التنقيب عن الغاز على الرغم من الحرب، في حين أن الكمّيات لا تزال متواضعة وسوف تستخدم لتعويض انخفاض الإنتاج من حقل كاريش.
لكن ماذا عن الدول الأخرى في المنطقة؟ بالنسبة إلى لبنان، سوف يؤدّى تصعيد الحرب مع إسرائيل إلى زوال الحدود البحرية التي توسّطت الولايات المتحدة من أجل ترسيمها في العام 2022. لقد سمحت هذه الاتفاقية لشركة توتال إنرجيز بحفر بئر قانا في البلوك رقم 9 الممتدّ على جانبيْ الحدود المتفق عليها حديثاً مع إسرائيل، إلا أن النتائج كانت مخيبة للآمال. لم تقدّم توتال بعد تقريرها إلى لبنان بشأن البلوك رقم 9، على الرغم من كونه إجراءً اعتيادياً، وهو ما يشير إلى تراجع اهتمام الشركة الفرنسية بالمياه البحرية في لبنان.
عانى لبنان كثيراً لاجتذاب الشركات من أجل تقديم عروض لاستكشاف الغاز واستخراجه في مياهه الاقتصادية الخالصة، ولم ينجح إلا مع ائتلاف توتال إنرجيز وإيني وقطر إنرجيز الذي حصل على ترخيص للعمل في البلوك رقم 9. ومع ذلك، استمرّ لبنان في فتح دورات تراخيص، وآخرها أُطلِق في كانون الأول/ديسمبر 2023 وطُرِحت فيها البلوكات التسع المتبقية. لكن الحرب المستمرة وانعدام الاهتمام بجميع البلوكات، دفع لبنان إلى تأجيل إغلاق دورة التراخيص حتى 17 آذار/مارس 2025. إذا ضرب الحائط باتفاقية ترسيم الحدود، فمن المرجّح أن يثني ذلك مقدّمي العروض المُحتملين عن المشاركة في دورة التراخيص، إذا لم يكونوا قد تخلّوا عن ذلك بالفعل بسبب الأزمة المالية المستمرّة في البلاد والفساد المستشري.
في المقلب الآخر. انجرفت قبرص أيضاً إلى قلب الصراع المتصاعد على الرغم من سعي الجزيرة المتوسطية إلى تأدية دور صانع السلام في المنطقة والمساعدة في إرسال المساعدات إلى غزة. ما دفع أمين عام حزب الله حسن نصر الله إلى تهديد قبرص باستهدافها مباشرة إذا ساعدت إسرائيل في الحرب المُحتملة. لم تؤثّر التهديدات على شركات النفط العالمية العاملة على الجزيرة، ومن ضمنها شيفرون وإيني وتوتال إنرجيز وإكسون موبيل. ففي النهاية لا يزال الثلث الشمالي من قبرص مُحتلاً من تركيا بعد غزوها في العام 1974.
في الوقت الحالي، لا تزال نيقوسيا عالقة في مناقشات مع شركة شيفرون بشأن تطوير حقل أفروديت المستكشف في العام 2011. ويأمل وزير الطاقة جورج باباناستاسيو أن تقدّم الشركة الأميركية تعديلات مُحسنة على خطّة تطوير الحقل بما يسمح لها بإطلاق دراسة جدوى مالية بحلول تشرين الثاني/نوفمبر من هذا العام، تليها في وقت لاحق الخطوات الأولى نحو تطوير أفروديت. أمّا حقل كرونوس في البلوك رقم 6 الذي استكشف في العام 2022 وتعمل فيه شركتي إيني وتوتال، فمن المرجّح أن يتفوّق على حقل أفروديت. ومن المقرّر أن تقدّم الشركة الإيطالية خطّة لتطويره بحلول نهاية أيلول/سبتمبر المقبل، وأن تتخذ القرار النهائي للاستثمار في بداية العام المقبل. وتتضمّن خطط الحقلين إرسال الغاز إلى مصر، على الرغم من أن الإنتاج قد لا يبدأ قبل العام 2028 أو العام 2029. ومصر هي أيضاً هدف لحقليْ ليفياثان وتمار حيث تعمل شركة شيفرون الأميركية، ما يجعل الدولة العربية الأكثر كثافة بالسكان مُعتمِدة بشكل مُتزايد على جيرانها.
لا يمكن لأي دولة في المنطقة أن تأمل النجاح بمفردها، وهذا واضح. هناك شعور عام بالمنافسة، وكل الأطراف تكافح من أجل التحوّل إلى مركز إقليمي للطاقة. وهو ما يفتح الباب بطبيعة الحال أمام التدخّلات السياسية. تراقب واشنطن الأحداث عن كثب، ومع تأدية شيفرون دوراً رئيساً في كل من إسرائيل وقبرص، فإن مصير شرق البحر الأبيض المتوسط سوف يكون مرتبطاً بالرؤية الأميركية.