
إسرائيل تدمّر ربع المباني في القرى الحدودية
نحو 5,868 مبنى أو ربع المباني في 25 بلدية لبنانية على الحدود اللبنانية الفلسطينية تضرّرت أو دمِّرت منذ بدء الحرب في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى 26 تشرين الأول/أكتوبر 2024، بحسب تحليل لبيانات الأقمار الاصطناعية أجرته صحيفة «واشنطن بوست».
ويظهر التحليل أن ما يقرب من نصف المباني المدمّرة والمتضرّرة تقع في بلدتي عيتا الشعب وكفركلا، كما أن نحو 80% من الأضرار حدثت منذ 2 تشرين الأول/أكتوبر 2024، أي في اليوم التالي لبدء إسرائيل محاولاتها غزو لبنان بريّاً. فمنذ ذلك الحين، استمرّ التدمير بوتيرة سريعة، وتضاعف كلّ أسبوعين تقريباً.

توصّلت الصحيفة إلى نتائجها من خلال مراجعة صور الأقمار الاصطناعية من جنوب لبنان، والتحقّق من مقاطع الفيديو التي يفاخر الجيش الإسرائيلي بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن تحليل بيانات رادار القمر الاصطناعي (Sentinel-1)، وبالإضافة إلى الدمار الواضح الذي أحدثته الغارات الجوّية الإسرائيلية والمعارك البرّية المكثّفة، تُظهر مقاطع الفيديو أكثر من 12 عملية هدم نفّذها الجيش الإسرائيلي، ما أدّى إلى تدمير ما لا يقلّ عن 9 مواقع دينية.
سمح تحليل بيانات Sentinel، التي قدّمها كوري شير من مركز الدراسات العليا في جامعة مدينة نيويورك وجامون فان دن هوك من جامعة ولاية أوريغون، لصحيفة «واشنطن بوست» بقياس ورسم خريطة للدمار في الجنوب. وبحسب ويم زوينينبرغ، رئيس مشروع في منظّمة باكس الهولندية، وهي منظّمة تركّز على حماية المدنيين في الحرب إن «استخدام الأسلحة المتفجّرة في المناطق الحضرية، سواء من خلال الاستهداف المباشر بضربات جوّية أو مدفعية أو التفجيرات، يجعل أجزاء كبيرة من جنوب لبنان غير صالحة للسكن».
طالت الحرب كلّ جزء من لبنان تقريباً، وأجبرت حوالي 1 من كلّ 5 أشخاص على ترك منازلهم. وحتى الآن يقدّر عدد النازحين داخلياً بأكثر من 834 ألف شخص، وغالبيتهم من ثلاث مناطق في جنوب البلاد وفقاً للمنظّمة الدولية للهجرة.
القرى القديمة في جنوب لبنان محفورة في سفوح التلال، ولها أسماء تعود إلى العصر البرونزي. وفي هذه المجتمعات الصغيرة، ترتبط الحياة والتقاليد اليومية بالأرض، وبزراعة بساتين الزيتون وحقول التبغ التي تغطّي الحدود. وفي هذا السياق، يقول هشام يونس، مدير منظّمة «الجنوبيون الخضر»، وهي مجموعة بيئية تركّز على جنوب لبنان: «هذا التدمير المنهجي لا يهدّد سبل عيش الناس في هذه المنطقة فحسب، بل يهدّد الهوية الثقافية للمنطقة. إنهم يحاولون قطع الصلة بين الناس وأرضهم».
في كفركلا تظهر آثار مركبات عسكرية عبر صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 3 تشرين الأول/أكتوبر. وبحلول يوم السبت الماضي، يتبيّن أن ما لا يقل عن 46% من المباني في البلدة تضرّرت أو دمّرت. أيضاً تُظهر صور الأقمار الاصطناعية الخاصة بكفركلا أنه جرى قلب التربة حيث كانت توجد بساتين الزيتون، ما يشير إلى قيام القوات الإسرائيلية بعملية جرف للبساتين. كما تظهر الصور أن مراكز القرى في عيتا الشعب ومحيبيب ورامية قد دمّرت أيضاً.
تظهر مقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي سلسلة من التفجيرات في 11 قرية على الأقل. وفي مقطع فيديو نُشر على إكس (تويتر سابقاً) في 22 تشرين الأول/أكتوبر، تظهر عملية تفخيخ وتفجير 6 مباني في لحظة واحدة، لتغطّي قرية عيتا الشعب التي يبلغ عمرها 400 عام بسحب من الغبار أيضاً، تظهر هذه الصور تضاعف عدد المباني المتضرّرة أو المدمّرة في عيتا الشعب ثلاث مرّات منذ 14 تشرين الأول/أكتوبر، وبحلول السبت الماضي، كان ما يقرب من نصف القرية قد تحوّل إلى أنقاض. وفي قرية رامية في بنت جبيل، يظهر مقطع فيديو عملية هدم شملت مسجد القرية، وفي مقطع فيديو آخر تظهر عملية تفجير في قرية الظهيرة المجاورة ما أدّى إلى سقوط مئذنة مسجد. أما في ميس الجبل، فقد تعرّض حوالي 28% من مباني البلدة، أي أكثر من 900 مبنى، للأضرار أو للتدمير. كما تم تدمير اثنين على الأقل من مساجد القرية الثلاثة.
نمط التدمير على طول الحدود هو دليل على أن إسرائيل تقوم بشكل منهجي بعملية تطهير المجتمعات الحدودية اللبنانية وفقاً لنيكولاس بلانفورد، الخبير لدى المجلس الأطلسي، إذ تبدو الإجراءات أكثر تركيزاً ممّا كانت عليه في العام 2006، والتدمير أكثر منهجية بتركيزه على القرى الحدودية بذريعة أن حزب الله قد يستخدمها كقاعدة انطلاق لتوغلات نحو فلسطين المحتلة.