
المشرّدون في المنطقة العربية
نكبة ونكسة وإبادة جماعية، وغزو أميركي وحرب أطلسية، ثورات ونزاعات أهلية وعشائرية وصراعات على السلطة، وأنظمة مستبدّة، وأزمات مناخية واقتصادية واجتماعية… تتجمّع كلّها في المنطقة العربية، وتشكّل تاريخها واجتماعها، وتجعل الملايين من سكانها مشردين في بلادهم وخارجها. ولذلك، ليس مستغرباً أن تشهد المنطقة العربية أطول أزمة لاجئين في تاريخ العالم الحديث، وأكبر أزمة نازحين داخليين في العالم، وأكبر أزمة لاجئين من حيث بلدان المنشأ وبلدان المقصد.
حالياً، ينتمي ثلث النازحين داخليا في العالم كلّه الى 8 بلدان عربية، وربع اللاجئين الى خارج بلدانهم هم من البلدان العربية، وتستضيف المنطقة العربية نحو 15% من مجمل اللاجئين والمهاجرين في عالم اليوم. علما ان مساحة البلدان العربية لا تساوي سوى 10% من مجمل مساحة العالم، وعدد سكانها لا يتجاوز 5% من من مجمل سكان العالم.
وفق مصفوفة تتبع النزوح التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للهجرة، يقدّر عدد النازحين الداخليين في 8 بلدان عربية بنحو 26 مليون نازح داخلي من أصل 75.9 مليون نازح داخلي حول العالم في العام 2023، وهو عدد غير مسبوق على الإطلاق. وبحلول منتصف العام 2024، كان هناك 37.9 مليون لاجىء الى خارج الحدود في العالم، من ضمنهم 9 ملايين لاجىء عربي مسجلين لدى الأمم المتحدة بحسب تحديث البيانات الأخير، وهذا العدد لا يشمل نحو 9 ملايين لاجىء في الشتات وعشرات آلاف اللاجئين العرب غير المسجلين.
أطول أزمة لاجئين مستمرة في العالم
اللجوء الفلسطيني هو أقدم وأكبر أزمة لجوء عالمية على الاطلاق، بدأت في العام 1948 عندما قامت إسرائيل وعصاباتها الارهابية بجرائم التطهير العرقي التي أسفرت عن تشريد ما بين 750.000 إلى 900.000 شخص من فلسطين التاريخية، ولم يمض 19 عاماً حتى أتت النكسة، وهي حرب مروعة أخرى أدت إلى تهجير ربع إلى ثلث السكان الفلسطينيين وبداية حقبة جديدة يعيش فيها الجميع في ظل احتلال إسرائيلي وكيان قومي ديني عنصري.
استناداً إلى التقديرات السكانية التي أعدها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، يبلغ عدد الفلسطينيين اليوم نحو 14.3 مليون فلسطيني، منهم نحو 5.35 مليون في فلسطين، ونحو 6.4 مليون في الشتات، معظمهم في الدول العربية.
مجددا، تشن اسرائيل إبادة جماعية وجرائم حرب ضد الفلسطينيين، وجعلت جميع سكان غزة تقريبا نازحين داخليا، فضلاً عن نحو 75 ألفاً عبروا من رفح إلى مصر. وقد خلقت إسرائيل نزوحاً داخل النزوح، منتهجة كل سياسات التشريد الجماعي، وتمارس سياسة «الاستسلام أو الموت والتجويع» في شمال غزة، حيث منعت دخول المساعدات وجعلت كل من فيه هدفا عسكرياً، وتسعى اسرائيل الى تكديس أهل شمال غزة في المواصي.
أما في الضفة الغربية، فالاحتلال أودى بحياة أكثر من 700 فلسطيني منذ السابع من تشرين الاول/ اكتوبر، وبفعل توسع الاعتداءات الإسرائيلية سواء من جيش الاحتلال أو المستوطنين في الضفة الغربية فضلاً عن سياسة تدمير المباني، أصبح هناك نحو 4,600 نازح داخلي إضافي في الضفة الغربية.
لبنان: تاريخ طويل من التهجير
للبنان تاريخ طويل من التهجير الداخلي، وحتى الآن لم يتعاف تماما من ازمة مهجري الحرب الأهلية (1975-1990) والاجتياحات الاسرائيلية (1978-1982-1993-1996-2006). ولبنان هو البلد الذي يستضيف أكبر عدد من اللاجئين من بلدان أخرى نسبة الى عدد سكان، إذ يقدّر عدد اللاجئين السوريين فيه بنحو 1.5 مليون لاجىء سوري فضلاً عن 489 ألف لاجئ فلسطيني مسجلين لدى الأونروا و31 ألف لاجئ فلسطيني من سوريا، بالاضافة الى الآلاف من اللاجئين والعمال والمهاجرين من جنسيات مختلفة. ويقدّر ان ثلث سكان لبنان قبل الحرب الحالية كانوا من اللاجئين والمهاجرين.
يبلغ عدد الفلسطينيين اليوم نحو 14.3 مليون فلسطيني، منهم نحو 5.35 مليون في فلسطين، ونحو 6.4 مليون في الشتات
خلقت الحرب الإسرائيلية على لبنان أزمة نزوح ولجوء أخرى، إذ يقدّر عدد النازحين قسريا باكثر من 1.2 مليون شخص، او أكثر من 20% من السكان، من ضمنهم نحو 830 ألف نازح داخلي، فيما أجبر نحو 440 ألف شخص على عبور الحدود من لبنان إلى سوريا، 29% من هؤلاء لبنانيون والباقي سوريون، وبعضهم نزح الى العراق.
سوريا: ملايين النازحين واللاجئين
بعد 13 عاماً من الصراع في سوريا، لا يزال هناك نحو 7.2 مليون نازح داخلياً، ويعيش 90% منهم تحت خط الفقر، وخلّفت الحرب والكساد في سوريا أكبر أزمة لجوء في العالم ، إلى جانب أزمة النزوح الأفغانية، اذ يعيش اليوم أكثر من 7 ملايين لاجئ سوري في الشتات حول العالم، من ضمنهم نحو 5.5 مليون لاجئ سوري في الدول المجاورة لسوريا، لبنان، الأردن، العراق، تركيا، فيما تستضيف ألمانيا أكثر من 900 ألف لاجئ وطالب لجوء من سوريا.
السودان: أكبر أزمة نزوح في العالم
أكبر أزمة نزوح في العالم بلا منازع هي أزمة السودان، فمنذ بداية الصراع على السلطة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في نيسان/ أبريل 2023، نزح نحو 11 مليون نازح داخل السودان بحسب آخر تحديث للمنظمة الدولية للهجرة، ما يجعل حوالي 1 من كل 7 نازحين داخليين في العالم هو نازح سوداني. أيضاً، هناك نحو مليون و800 ألف لجأوا الى البلاد المجاورة، كمصر وإثيوبيا وتشاد وجنوب السودان. لكن في الأيام الماضية، قالت مديرة المنظمة الدولية للهجرة إيمي بوب، الثلاثاء، إن أكثر من 14 مليون شخص نزحوا من منازلهم في السودان، إما داخل البلاد أو إلى خارج حدودها، بينهم نحو 200 ألف شخص نزحوا منذ الشهر الماضي.
الحرب السودانية أدت أيضاً الى أكبر أزمة جوع في العالم، تؤثر المستويات القصوى لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية على أكثر من 25 مليون شخص في السودان، مما يمثل واحدة من أسوأ حالات الطوارئ لانعدام الأمن الغذائي في العالم. وخلص التصنيف المرحلي المتكامل للامن الغذائي إلى أن 755,000 شخص في 10 ولايات في السودان يعانون الآن من مستويات كارثية من الجوع (IPC5) ويواجهون خطراً وشيكاً للمجاعة.
اليمن: حروب وكوارث
لا يزال هناك ما يقدر بمليونين و700 ألف نازح داخلي في اليمن، وأكثر من 50 ألف لاجئ في الخارج، علماً أن هذه الأرقام محصورة بالمناطق تحت سيطرة ما يسمى «الحكومة المعترف بها دولياً»، وقد نزح معظمهم مرات عدّة على مدار عدد من السنوات. يوجد في اليمن حاليا نحو 18.2 مليون شخص بحاجة ملحة إلى المساعدات الإنسانية، ويشمل ذلك أكثر من 60,000 لاجئ وطالب لجوء من الصومال وإثيوبيا بشكل رئيسي.
أكبر أزمة نزوح في العالم هي أزمة السودان، فمنذ بداية الصراع في نيسان/ أبريل 2023، نزح نحو 11 مليون نازح داخل السودان
أن الصراع الذي بدأ منذ بداية العقد الماضي، والعدوان السعودي الإماراتي، كان لهما الأثر في أزمة النزوح المستمرة. لكن لا يجب أن ننسى ان اليمن هو ايضا من أكثر البلدان عرضةً لتداعيات تغير المناخ في العالم، كما أنه من بين الدول الأقل جهوزية للحد من تأثيرات الظواهر الجوية القاسية والكوارث الناجمة عن تغير المناخ والتكيف معها، بينما تتزايد وتيرة حدوثها.
لقد تضررت مجتمعاتٌ بأكملها نتيجة الفيضانات الكارثية التي ضربت مديرية مِلحان في محافظة المحويت، نتيجة الأمطار الغزيرة وانهيار ثلاثة سدود. في أشهر سابقة من هذا العام، أودت السيول بحياة 97 شخصاً، وأدت إلى إصابة كثيرين آخرين، وطالت أضرارها أكثر من 56,000 منزل في 20 من محافظات البلاد، ودفعت أكثر من 1,000 عائلة إلى النزوح. وتشمل المناطق الأكثر تضرراً كلاً من الحديدة وحجة والطويلة ومأرب، وتعزل الطرقات المقطوعة المناطق المتضررة وتعيق جهود الإنقاذ.
تجدر الإشارة إلى أن تغير المناخ يهدد كل بلد في المنطقة العربية بدرجات متفاوتة. من بين الكوارث الطبيعية التي أدت إلى النزوح في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ساهمت الفيضانات بنسبة 58% من إجمالي عدد النازحين بسبب الكوارث بين عامي 2010 و2019.
العراق: أزمة احتلال وحرب ومناخ
تسبب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لغزو العراق في 20 اذار/ مارس 2003، بازهاق أرواح ما يقدر بنحو نصف مليون عراقي، وتسبب في نزوح ما لا يقل عن 9.2 مليون شخص. أيضاً، خلال ذروة الصراع مع تنظيم الدولة الإسلامية، واجه العراق أزمة نزوح واسعة النطاق، حيث اضطر أكثر من 6 ملايين شخص إلى الفرار من منازلهم.
بينما تم إحراز تقدم كبير منذ انتهاء الصراع النشط، مع عودة حوالي 4.8 مليون عراقي إلى مناطقهم الأصلية، فإن عملية العودة في حد ذاتها لا تعني بالضرورة حلاً دائماً للنزوح. لا يزال العديد من العائدين يواجهون تحديات في إعادة بناء حياتهم دون دعم حقيقي من الدولة، ولا يزال أكثر من مليون عراقي نازحين داخلياً في البلاد، فضلاً عن أكثر من 300 ألف لاجئ في الخارج.
في العام 2021، أكملت حكومة العراق الإغلاق المخطط لجميع مخيمات النازحين الرسمية داخل العراق الاتحادي مما قدم للنازحين خيارين محفوفين بالمخاطر: العودة إلى مناطقهم الأصلية (غالباً تحت الإكراه أو مع معلومات محدودة حول الخدمات المتاحة) أو النزوح المطول في المستوطنات غير الرسمية التي تتميز بنقص المأوى والمرافق والخدمات، وزيادة خطر العنف القائم على النوع الاجتماعي.
ليس الحرب أو الصراع وحدهما السبب في أزمة النزوح الداخلي في العراق، فالبلاد تعاني من تغيّرات مناخية، مع بداية الصيف وارتفاع درجات الحرارة في جميع أنحاء العراق، تبدأ الأسماك الميتة تطفو على سطح نهر الفرات في الجنوب. اعتباراً من 15 آذار/مارس 2024، لا تزال 23,364 أسرة (140,184 فرداً) نازحة بسبب العوامل المناخية في 12 محافظة، وتتوزع العائلات النازحة على 497 موقعاً.
ليبيا بلد النازحين الداخليين واللاجئين
أجبر الصراع، فالحرب الأهلية، اعتبارا من عام 2011 نحو مليون شخص على ترك منازلهم، معظمهم إلى مدن مثل العاصمة طرابلس. وحتى اليوم لا يزال هناك نحو 125 ألف نازح داخلي في ليبيا (وفق بيانات ايلول/سبتمبر 2023)، و17 ألف لاجىء ليبي خارج البلاد.
لا يزال هناك ما يقدر بمليونين و700 ألف نازح داخلي في اليمن، وأكثر من 50 ألف لاجئ في الخارج
لكن ليبيا هي من البلدان التي تستضيف اللاجئين بشكل كبير، وهم أكبر عدداً من النازحين الداخليين، يقدّر برنامج مصفوفة تتبع النزوح التابع للمنظمة الدولية للهجرة في ليبيا وجود نحو 761,322 مهاجراً من 44 جنسية في 100 بلدية ليبية خلال الجولة 53 من جمع البيانات (حزيران/ يونيو - تموز/ يوليو 2024). وتبيّن أن ثمانية من كل عشرة مهاجرين في ليبيا (79%) كانوا مواطنين من أربع دول مجاورة: النيجر (24%)، السودان (24%)، مصر (21%) وتشاد (10%) مع أقلية قادمة من تونس (1%). أو الجزائر (1%).
الصومال: النزوح ليس حدثاً
هناك أكثر من مليون ونصف نازح في الصومال، وأكثر من 860 ألف لاجىء، فإلى جانب أزمات المناخ، تمزقت البلاد بسبب أكثر من 30 عاماً من الصراعات المتداخلة - بما في ذلك الحرب الأهلية، وسلسلة من المواجهات الإقليمية والعشائرية.
في العام الماضي، شهدت الصومال فيضانات رهيبة نتيجة للأمطار التي يقول العلماء إنها تضاعفت بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري التي يسببها الإنسان. وجرفت مياه الفيضانات التربة الثمينة، مما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص وتشريد مليون آخرين. الأفظع أنه في العام 2022، شهدت الصومال أسوأ موجة جفاف منذ 40 عاماً - وهو حدث قدّره العلماء بأنه أصبح أكثر احتمالاً 100 مرة بسبب تغير المناخ الذي يسببه الإنسان.
طرق الهجرة الأكثر خطورة
في ظل هذه الأعداد الغفيرة من النازحين واللاجئين، تحتوي المنطقة العربية أيضاً على أكثر طرق الهجرة خطرا في العالم. منذ منتصف التسعينيات على الأقل، يعبر آلاف الأشخاص كل عام البحر الأبيض المتوسط بواسطة القوارب من السواحل الشمالية لأفريقيا ومن سواحل تركيا لطلب اللجوء أو الهجرة في أوروبا، ولا يزال البحر الأبيض المتوسط الطريق الأكثر دموية للهجرة على الإطلاق، مع ما لا يقل عن 3,129 حالة وفاة واختفاء في العام 2023، وهذا هو أعلى عدد من الوفيات يتم تسجيله في البحر الأبيض المتوسط منذ العام 2017. علماَ أن الذروة كانت في العام 2016 بنحو 5,136 شخصاً. وبذلك يصل عدد المهاجرين المتوفين والمفقودين في البحر الأبيض المتوسط إلى أكثر من 29,100 شخص منذ العام 2014.
من جهة أخرى، تم تسجيل أعداد غير مسبوقة من وفيات المهاجرين في جميع أنحاء أفريقيا (1,866) وآسيا (2,138) في العام 2023. في أفريقيا، حدثت معظم هذه الوفيات في الصحراء الكبرى والطريق البحري المؤدّي إلى جزر الكناري، وفي آسيا، سجّلت مئات الوفيات بين اللاجئين الأفغان والروهينغا الفارين من بلدانهم الأصلية.
ويحاول آلاف المهاجرين سنويا مغادرة إفريقيا الى شبه الجزيرة العربية، عبر ما يُعرف بـ«الطريق الشرقي»، وهو احد أخطر طرق الهجرة، إذ يعبر المهاجرون الصحراء والبحر الهائج ومناطق تشتعل فيها الحروب، بحثا عن فرصة اقتصادية، ينتقلون من القرن الإفريقي ليعبروا خليج عدن إلى اليمن ومن هناك، يقطعون مسافات طويلة ضمن مناطق تشهد أعمالا قتالية للوصول إلى السعودية وغيرها من دول الخليج.