Preview السودان: أكبر أزمات النزوح والجوع العالم

السودان: أكبر أزمات النزوح والجوع في العالم

أكبر أزمة نزوح في العالم وأكبر أزمة جوع في العالم: تلخّص هاتان العبارتان حال السودان. فضلاً عن قتل 14 ألف مدني في الحدّ الأدنى، أفضى عام كامل من الحرب بين القوّات المسلّحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى نزوح ما لا يقل عن 6.6 مليون نازح داخلياً (1.3 مليون أسرة)، وهروب أكثر من مليونين آخرين عبر الحدود إلى دول الجوار، ولا سيما تشاد ومصر وجنوب السودان. يضاف هؤلاء إلى نحو 10 ملايين إنسان كانوا أساساً في عداد النازحين قبل اندلاع النزاع الحالي في نيسان/أبريل 2023. الحرب القائمة هي الحلقة الأجدّ من مسلسل طويل من التهجير، استفحلت فيها شتى أشكال البؤس: من القتل والتجويع والتعنيف والمرض والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية. 

نازحو السودان وجياعها

إن متابعة حرب الإبادة على غزة سمحت للعالم بالتعرّف إلى الكيفية التي قد يقترن فيها الجوع بالتهجير والحرب. والأمر نفسه يحصل في السودان، حيث يواجه 17.7 مليون شخص تقريباً في جميع أنحاء البلاد انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، 90% منهم في مناطق النزاع الأكثر سخونة، أي منطقتي دارفور وكردفان وولايتي الخرطوم والجزيرة. ومن ضمنهم 3.6 مليون طفل دون سن الخامسة، و1.2 مليون من النساء الحوامل والمرضعات ونحو 4.9 مليون بالغ، أصبحوا في المرحلة الرابعة وقبل الأخيرة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، المسماة بمرحلة الطوارىء، أي أنهم يعانون من نقص حاد في الغذاء، ومن سوء تغذية حادة، ومن تفشي الأمراض والأوبئة، وتزداد بسرعة مخاطر الوفاة المرتبطة بالجوع.

على الرغم من ذلك، لم يخف القتال في خلال ذروة موسم الحصاد، بل استمر في مناطق إنتاج المحاصيل الرئيسة، إذ انخفض إنتاج الحبوب بنحو 46% بالمقارنة مع العام السابق، وتراجع المحصول بنسبة تصل إلى 80% في كردفان الكبرى ودارفور الكبرى. أما في ولاية غرب دارفور، فقد فشلت المحاصيل بشكل كامل! حالياً، لا يوجد مصدر داخلي لتسكين البطون الجائعة، وفوقها يواجه فقراء السودان ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية بنسبة 350% فوق متوسط السنوات الخمس الماضية.

لا يختلف حال الماء عن حال الغذاء. تقول اليونيسف إن نحو 19 مليون إنسان هم في حاجة ماسة إلى خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة، وهو ما يشكّل 42% من إجمالي سكّان السودان! وبحسب تقرير النزوح الشهري، يستطيع 21% فقط من النازحين الوصول إلى المياه من دون أي تعقيدات متعلقة بالكلفة أو الجودة أو المسافة… لم يكترث طرفا النزاع المسلّح أين ترتطم صواريخهم وقنابلهم، وعلى أي من مرافق البنى التحتية تسدّد أسلحتهم المتفجّرة، فأصابوا من بين ما أصابوا محطّات معالجة المياه.

حتى نهاية كانون الثاني/يناير 2024، تم تسجيل 10,440 حالة إصابة بالكوليرا في السودان، مع 292 حالة وفاة مرتبطة بها. هذا والقطاع الصحي في البلاد في حال يرثى لها، إذ يقدّر أن 70% إلى 80% من المستشفيات لم تعد تعمل. ويضاف ذلك إلى نقص الأدوية، وعدم توفر المياه النظيفة أو خدمات الصرف الصحّي، مما يؤدّي إلى استمرار ارتفاع حالات الكوليرا بين النازحين داخلياً في ولايات مختلفة، بالإضافة إلى زيادة حالات الملاريا وحمى الضنك والحصبة وداء الكلب. وينقل تقرير النزوح الشهري أن 25% من النازحين الداخليين في السودان لا يستطيعون الوصول إلى الرعاية الصحية، بينما يرى 70% منهم أن الرعاية الصحية مفقودة بالكامل، أو غير ميسّرة، أو موجودة ولكن رديئة!

من جهة أخرى، ترى اليونيسف أن «السودان على وشك أن يصبح موطناً لأسوأ كارثة تعليمية في العالم»، مع عدم التحاق 19 مليون طفل في سن الدراسة بالمدارس، وإغلاق أكثر من 10,000 مدرسة بالقوة. علماً أنه قبل اندلاع الصراع في نيسان/أبريل، كان هناك نحو 7 ملايين طفل خارج المدرسة بالفعل! بالنتيجة، يرى 3% فقط من النازحين في السودانيين أن التعليم متوفر من دون أي تعقيدات! بينما 75% يرون أنه غير موجود، وتذمّر الباقون من ردائته وكلفته العالية!

فضلاً عن ذلك، لا يحصل 50% من النازحين على الطاقة الكهربائية، بينما أفاد 43% أنها موجودة لكن رديئة أو لا يمكن تحمّل كلفتها المرتفعة. ومن جهة أخرى، تتاح لنحو 10% فقط من النازحين وسائل النقل من دون أي تعقيدات، بينما تتذمّر الغالبية العظمى من عدم وجودها أو تكلفتها الباهظة. تُضاف أزمة الكهرباء إلى قائمة طويلة من الأزمات، بما فيها وصول 4% من النازحين فقط إلى المراكز الحكومية من دون تعقيدات.

لا تقتصر أحوال البؤس على النازحين الداخليين فقط. يوجد نحو مليوني شخص نزحوا عبر الحدود إلى البلدان المجاورة حتى 24 آذار/مارس الماضي. وعبرت غالبيتهم إلى تشاد (37%) وجنوب السودان (31%) ومصر (26%). علماً أن 63% منهم مواطنون سودانيون، والباقي أجانب أو عائدون. وتختلف النسبة من بلد إلى آخر: نحو 80% من الأفراد الذين عبروا إلى جنوب السودان كانوا من الرعايا الأجانب في السودان (مواطنو جنوب السودان في المقام الأول)، في حين أن ما يقدّر بنحو 97% من الأفراد الذين عبروا إلى مصر كانوا من المواطنين السودانيين.

فرّ 700 ألف شخص تقريباً من العنف الشديد في السودان إلى شرق تشاد، من بينهم 542 ألف لاجئ، 88% هم من النساء والأطفال، 50% منهم لم يبلغوا الـ13 سنة. فضلاً عن 140 ألف عائداً تشادياً، غالبيتهم عاشوا كامل حياتهم في السودان، ولم تعد لديهم روابط أسرية قوية في تشاد. 

قد يصبح هؤلاء اللاجئين والعائدين في حكم المنسيين. وكونهم نجوا من المعركة، لا يعني أنهم نجوا من البؤس. تقع تشاد في القاع، في معظم الأحيان، عند ترتيب الدول بحسب مؤشرات التنمية البشرية، وتعاني من أعلى مستويات الجوع في العالم، ويعيش 42% من سكّانها تحت خط الفقر. تُقدّر الحكومة التشادية أن عدد اللاجئين والعائدين قد يصل إلى 910 آلاف في تشاد بحلول نهاية العام 2024.

منذ 15 نيسان/أبريل 2023، أكثر من 588 ألف شخص عبروا إلى جنوب السودان، ومن المتوقّع وصول 420 ألف عائد و80 ألف لاجئ غيرهم في العام 2024. هذه الرحلة إلى جنوب السودان محفوفة بالمخاطر، أولاً نتيجة ارتفاع احتمال التعرّض للاعتداءات من الجماعات المسلّحة وللسرقة والابتزاز، وفي حال تمت فهي إلى بلد يعاني واحدة من أسوأ الأزمات الغذائية في العالم. وهذا ما يبيّن أبعاد الجوع المختلفة المرتبطة بالحرب السودانية. حتى آذار/مارس 2024، سجّل نحو 5,8 مليون شخص، أي 46% من السكّان في جنوب السودان، في المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (أزمة الغذاء) أو ما فوقها. وقد يرتفع العدد، ليضمّ نحو مليون شخص إضافي في الفترة الممتدة من نيسان/أبريل إلى تموز/يوليو 2024/. وتشير توقعات التصنيف المتكامل للأمن الغذائي إلى أن 1.6 مليون طفل دون سن الخامسة معرضون لخطر سوء التغذية الحاد، من ضمنهم نحو 500 ألف طفل معرضون لخطر سوء التغذية الحاد والشديد.

أيضاً، 500 ألف سوداني و9 آلاف تقربباً من جنسيات أخرى، عبروا إلى مصر، من بداية الحرب وحتى آذار/مارس 2024. ويواجه هؤلاء انتهاكات حقوق الإنسان، ففي القاهرة والجيزة والإسكندرية، تداهم الاجهزة الأمنية المناطق السكنية التي تقطن فيها الجنسيات الأفريقية، وتعتقل اللاجئين تعسفياً في الشوارع ومواقف الحافلات ومحطّات المترو، ويتعرّض طالبو اللجوء للاحتجاز في ظروف غير إنسانية، ويحرمون من التواصل مع عائلاتهم، ويخضعون لمحاكمات جائرة، ويعادون قسراً إلى السودان، وقد تفاقم هذه الأوضاع بسبب مرسوم صد عن الحكومة المصرية في آب/أغسطس من العام الماضي ينص على أن الأجانب المقيمين بصورة غير قانونية في البلاد يمكنهم التقدّم بطلب للحصول على الإقامة، مع مهلة ثلاثة أشهر تُمنح لهم لتقنين أوضاعهم، ويشترط ذلك موافقة قطاع الأمن الوطني أولاً، وأن يدفع الأجنبي رسماً بقيمة 1,000 دولار أميركي للإقامة أو ما يعادلها بالعملة المحلية، وأن يحظى بكفيل مصري!

ونالت ثلاث دول أخرى حصتها من أزمة النزوح الكبرى، إذ فرّ 119 ألف شخص إلى إثيوبيا، التي تستضيف حالياً نحو مليون لاجىء وطالب لجوء من 27 دولة، بالإضافة إلى 29 ألف فرّوا إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، ونحو 7 آلاف فرّوا إلى ليبيا، بحسب تقرير النزوح الشهري الأخير.