Preview بدائل الانهيار

البدائل الاقتصادية لنموذج مُنهار

ضمن فعاليات برنامج «لبنان في قرنه الثاني: رؤية مستقبلية»، نظّمت كلية الآداب والعلوم في الجامعة الأميركية في بيروت، في 18 كانون الأول/ديسمبر، ندوتها الثانية ضمن محور «الحوكمة والاقتصاد» مع الاقتصاديان توفيق كسبار وكمال حمدان، وأدارت الجلسة الصحافية في جريدة النهار سابين عويس.

التفسير خاطئ كليّاً

البنك المركزي لم يُقرض الدولة سوى 5 مليارات دولار

توفيق كسبار

محاضر في الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة القديس يوسف

ما حصل في لبنان لم يحصل في أي مكان في العالم. يُعتبر الانهيار المصرفي في لبنان الأكبر في العصر الحديث، ومع ذلك لا يوجد أي تفسير رسمي أو علمي له بعد مرور أربع سنوات عليه، إنّما هناك سرديّة تكرّر عبر وسائل الإعلام ويردّدها السياسيون من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مفادها أن النّاس أودعت أموالها في المصارف، والمصارف أودعتها لدى مصرف لبنان، الذي أعطاها للدولة، ونتيجة فساد الأخيرة تبخّرت أموال الناس. هذا التفسير خاطئ. ولا يرتكز إلى أي واقع علمي، وحتّى بيانات المصرف المركزي عن فترة ما قبل الانهيار تدحضها، بإشارتها إلى إقراض الدولة 5 مليارات دولار أميركي فحسب.

فما الذي حصل فعلياً؟ حالياً، ثمّة ممانعة هائلة لتحديد الأسباب في مقابل التركيز على تحديد المسؤوليات وتوزيعها بين الدولة والمصرف المركزي والمصارف والمودعين. في حين أن فهم ما حصل في الواقع وتفسيره هو المدخل لتحديد المسؤوليات وتوزيعها. لذلك، لا بدّ بداية من التمييز بين انهيارين حصلا في لبنان؛ أولهما هو الانهيار المصرفي، وهناك ما يكفي من الأدلة والبراهين القانونية والمحاسبية التي تثبت أن المصارف أفلست وخسرت رساميلها. والثاني هو انهيار سعر العملة المحلية. ولكلّ انهيار طبيعة وأسباب ونتائج مختلفة. وللتذكير في ثمانينيات القرن الماضي، انهارت الليرة أمام الدولار بنسبة تتجاوز 90%. وهذه النسبة توازي حجم الانهيار النقدي الحاصل اليوم. مع ذلك، لم تنهار المصارف برغم الحرب المشتعلة آنذاك. وكان باستطاعة المتعاملين مع المصارف تحويل أموالهم سواء كانت بالدولار أو بأي عملة أخرى، من المصارف اللبنانية وإليها. وبالتالي، إن انهيار العملة لا يؤدّي بالضرورة إلى انهيار المصارف. ثمّة العديد من البراهين التي تفسّر الواقع، ولكن تكفي الإشارة إلى مؤشّر واحد وواضح، وهو نسبة السيولة بالدولار، لتبيان أسباب قوّة المصارف في خلال الحرب وإفلاسها الراهن. تعدُّ نسبة السيولة بالدولار من المؤشرات المهمّة التي تتابعها المصارف وأجهزة الرقابة المصرفية بشكل يومي، وهي تعبّر عمّا يملكه المصرف من عملات أجنبية في مصارف خارجية ويمكنه الولوج إليه متى أراد بالنسبة إلى ما لديه من ودائع بالدولار. بين عامي 1975 و1990، أي في خلال 15 عاماً من الحرب المتواصلة، تجاوز معدّل نسبة سيولة المصارف 99% بحسب بيانات المصرف المركزي. وهذا المعدّل المرتفع لم يصل له أي جهاز مصرفي في العالم. ولذلك، لم يتأثّر القطاع المصرفي بالحرب وبقي قوياً. بينما في نهاية أيلول/سبتمبر 2019 كانت نسبة السيولة لدى المصارف قد انخفضت إلى 7%. وهذا ما يفسّر انهيار المصارف.

بين عامي 1975 و1990، أي في خلال 15 عاماً من الحرب المتواصلة، تجاوز معدّل نسبة سيولة المصارف 99% بحسب بيانات المصرف المركزي، بينما في نهاية أيلول/سبتمبر 2019 كانت نسبة السيولة لدى المصارف قد انخفضت إلى 7%. وهذا ما يفسّر انهيار المصارف

فما الذي حصل إذاً؟ برزت في لبنان ظاهرة فريدة من نوعها. فمنذ الإستقلال وحتى العام 2010 وبما فيها فترة الحرب اللبنانية، لم يسجّل لبنان مرّة واحدة عجزاً في ميزان المدفوعات لأكثر من سنتين مُتتاليتين. ولكن منذ العام 2011، بانت الأزمة، وبدأ ميزان المدفوعات يسجّل عجزاً مستمراً باستثناء العام 2016 نتيجة الهندسات المالية. وللتوضيح، ميزان المدفوعات هو بيان إحصائي يقيس التدفقات الوافدة إلى بلد ما والصادرة منه، فعندما تكون تكون التدفقات الصادرة أعلى من تلك الوافدة يسجّل عجزاً والعكس صحيح. نتيجة العجوزات المتتالية وغير المسبوقة في ميزان المدفوعات، ونظراً لحاجة المصرف المركزي إلى العملات الأجنبية، أقدم على ما أسمّيه بـ «الجريمة التاريخيّة». فقد عرَ على المصارف فوائد عالية بدأت بنحو 6% إلى 7% تجاوزت 14%، فيما كان معدّل الفائدة العالمي يتراوح بين 0.5% و1%، وذلك لإغرائها من أجل الحصول العملات الأجنبية التي تودعها في المصارف الخارجية. وهذه ليست فوائد بل هدايا. وفي أواخر أيلول/سبتمبر 2019 كانت المصارف قد أودعت لدى مصرف لبنان ما بين 95 مليار و100 مليار دولار، أي أن ¾ ودائعهم وضعت لدى مصرف لبنان. هذه مسؤولية مترتبة على المصارف، ولا علاقة للدولة وعجزها المالي الذي غالبيته في بالليرة اللبنانية.

نشرت شركة «ألفاريز ومارسال»، التي مُنِحت عقد التدقيق الجنائي في المصرف المركزي، تقريراً، وهو التقرير الرسمي الخارجي الأول منذ إنشاء مصرف لبنان، وبيّنت أن مصرف لبنان كان يعاني من خسائر بقيمة 50 مليار دولار في نهاية العام 2019، وأن الهندسات المالية كلّفته 55 مليار دولار أميركي، وحالياً يعاني من عجز بالدولار بقيمة 60 مليار دولار. إذاً تسبّبت الهندسات المالية والمشاركة الطوعية للمصارف، التي لم يجبرها أحد عليها، في الانهيار المصرفي. المسؤولون عن هذا الانهيار، لا بل المجرمون، هم المصرف المركزي والمصارف والدولة بمشاركة غير مباشرة وإنما مهمّة. 

تكمن جريمة مصرف لبنان، والمجلس المركزي مسؤول عنها مجتمعاً، باتباعه سياسة نقدية جرّدت المصارف من سيولتها، ووضعتها على طريق الإفلاس. فيما جريمة المصارف تكمن بسوء الإدارة الصارخ. فأي مصرف في العالم لديه مبادئ صارمة تقضي بعدم إقراض أكثر 25% من رأسمال المصرف لمجموعة واحدة. والأرجح أن غالبية المصارف لا تُقرض أكثر من 15%، ولكن المصارف اللبنانيّة أقرضت مصرف لبنان 440% من رأسمالها. وهذه تعتبر جريمة إدارية بعدم اتباعها الأصول، وإعطاء طرف واحد 5 أضعاف رأس المال، ولذلك المصارف مسؤولة. أما مسؤولية الدولة فتكمن بعدم قيام لجنة الرقابة على المصارف بوظيفتها، فعدا عن التأكّد بشكل يومي من السيولة، يحقّ لها قانوناً أن تفرض نسب سيولة على المصارف من دون موافقة مصرف لبنان. وأيضاً تتحمّل وزارة المالية مسؤولية بوصفها وزارة الوصاية على مصرف لبنان، وكذلك مجلس الوزراء والمجلس النيابي. ومن المهمّ الإشارة هنا إلى عادة اتبعها المجلس النيابي في السابق. ففي فترة ولاية حاكم مصرف لبنان الراحل إدمون نعيم، الذي عملت معه لفترة، تم استدعاؤه من المجلس النيابي ثلاث مرّات في خلال فترة الحرب الأهلية لمساءلته. ولكن منذ تعيين رياض سلامة حاكماً للمصرف المركزي لم يجرِ استدعائه ولو لمرّة واحدة.

المصارف اللبنانيّة أقرضت مصرف لبنان 440% من رأسمالها. وهذه تعتبر جريمة إدارية بعدم اتباعها الأصول، وإعطاء طرف واحد 5 أضعاف رأس المال، ولذلك المصارف مسؤولة

هذه هي المسؤوليات المشتركة. وإذا أردت توزيعها فإنني أضع الدولة 40% على الدولة الملزمة قانوناً بإعادة رسملة مصرف لبنان، و40% على المصارف، و20% على المودعين.

ما العمل؟ بحسب خبرتي أؤكّد أن أي سياسة اقتصادية لن تنفع شيئاً، ولا داع لإضاعة الوقت. يمكن للمساعدات والترقيعات الضريبية والمالية أن تكون أكثر نفعاً في حال وجود سلطة معنيّة. ولكن الواقع أن السلطة هي شريكة في الجريمة، وأفضل ما يمكن أن تقوم به هو الحدّ من الانهيار، لكن المستحيل حصول نهوض اقتصادي. 

الاقتصاد ليس وصفة جاهزة، ليس مفصولاً عن الواقعين الاجتماعي والسياسي. الاقتصاد هو أيديولوجيا ولا ينفصل عن السياسة. والواقع أن لبنان تحت الاحتلال الإيراني بواسطة حزب الله، وهؤلاء يمسكون بقرار الحرب والسلم وبالسلطات التشريعية والتنفيذية والعسكرية والقضائية، وإذا لم تُحل هذه المشكلة فلا أمل بالنهوض وكل ما نفعله هو إضاعة للوقت.

لا يمكن للبرجوازية اللبنانية أن تستمر بنظرتها الدونية إلى الأجور

كمال حمدان 

اقتصادي، رئيس مؤسّسة البحوث والاستشارات

يحتكم المشهد العالمي إلى مسارين؛ الأول تعبّر عنه العولمة والتطوّر التكنولوجي والذكاء الاصطناعي وثورة في المعلومات غيّرت حياة الناس، والمسار الثاني يعبّر عنه باقتصاد مأزوم يعاني من مشاكل اجتماعية تطفو على السطح وجموح سياسي نحو التطرّف والإقصاء. 

المفارقة أن العولمة التي أُريد لها تثبيت هيمنة الولايات المتّحدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، أفادت خصوم الولايات المتّحدة. فتراجع وزن الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي من 24% من الناتج المحلّي الإجمالي العالمي إلى 13%. وبترتيب الدول على مدى 30 سنة، نجد أن الصين والهند تصعدان بشكل صاروخي، فيما تتراجع الولايات المتّحدة وألمانيا وبريطانيا بشكل معتدل، أمّا فرنسا وإيطاليا وإسبانيا فيتراجع وزنهم بشكل قوي، فيما اليابان لا تزال تتمتع بثبات مع ميل للتراجع. وهذه وقائع مُحدِّدة لشكل العالم ويجب أخذها بالاعتبار والتعامل معها عند تحديد شكل اقتصاد المستقبل.

عربياً، من المعروف أن تاريخ المنطقة هو تاريخ تطوّر النفط، وتقلّباته، وتوزيع خيراته، وتصدير عائداته، وفرض أنماط من الاستيراد بواسطة أموال النفط، وشراء دول وحكومات بهذه الأموال، عدا عن استخدامه لدعم أنظمة ومنعها من الانهيار. في الحصيلة، فوّت العالم العربي فرص كبرى أتيحت له في خلال صدمتيْ أسعار نفط، ففي الصدمة الأولى ارتفعت أسعار النفط ما بين 3 و4 أضعاف، وفي المرة الثانية ارتفعت فوق الضعفين، ما يعني أن أسعار النفط ارتفعت بين 10 و15 ضعف في المجمل، ولو كان لدى العرب رؤية لمشروع تكاملي إنمائي عصري، كان يمكن تمويل إعادة بناء منشآت البنى التحتية في 22 دولة من دون أن يكون هذا التمويل مجّانياً وإنما مربوطاً بمساهمات وتسنيد، وأشكال من الخصخصة بالملكية والإدارة، وديون مضمونة… ولكن لم يحصل أي من ذلك وانتهت هذه الحقبة بعالم عربي من ثلاثة أضلع: دول غنية بالموارد مستوردة لليد العاملة، ودول غنية بالموارد مكتفية باليد العاملة، ودول فقيرة تصدّر اليد العاملة. واستمرّ الوضع على هذه الحال إلى أن أتت حروب الخليج الأولى والثانية والثالثة، وغزو العراق الذي فتح المجال أمام قيام الوحش الطائفي والمذهبي والعرقي، وتفشّي الانقسامات والتفتيت والانهيارات، وبمسؤولية لا تقل سخطاً تتحمّلها الأنظمة الاستبدادية والقمعية والإفقارية. 

المعجزة اللبنانية التي قامت على أننا مصرف وجامعة ومطار ومرفأ وأصحاب الوكالات الاستشارية للعالم العربي انتهت. وانتهاء دور لبنان في الوساطة يدفعنا للبحث عن البدائل

تلازم هذا التفتيت، مع بدء ظهور ملامح التحوّل من قطبية عالمية واحدة إلى قطبية متعدّدة، وقيام ظاهرة الدول الإقليمية الكبرى. وبالإضافة إلى إسرائيل، تصاعد دور تركيا وإيران والسعودية، ومصر بدرجة أقل، بسبب الفراغ الناتج عن انهيار حركة التحرّر، وانهيار التجربة الناصرية، وانهيار ما كان يسمّى بأنظمة البرجوازية الصغيرة، وعدم قيام بدائل ديمقراطية عصرية. 

في ظل هذا الوضع، كان لبنان يؤدّي أدوار وساطة متعدّدة، بدأت مع وساطة تجارية، ومن ثم انتقلنا إلى وساطة خدماتية، قبل أن يشهد فورة صناعية، يقال إن أحد أسباب قيام الحرب الأهلية هو ضرب صعود الصناعة لبنان، وإمكانية تحوّل لبنان من دول نامية إلى دولة ناشئة. باختصار المعجزة اللبنانية التي قامت على أننا مصرف وجامعة ومطار ومرفأ وأصحاب الوكالات الاستشارية للعالم العربي انتهت. وانتهاء دور لبنان في الوساطة يدفعنا للبحث عن البدائل.

بالعودة إلى عشية توقيع اتفاق «أوسلو»، وظهور تفاهم سعودي-سوري، ومجيء الحريريّة، بُنيت العديد من الأوهام على السلام المقبل، وجرى الحديث عن مرحلة من البحبوحة الآتية. وبالتالي، كل القرارات التي اتخذت في بداية التسعينيات بنيت على هذا الأساس، ومن ضمنها استيعاب الميليشيات في الدولة، وزيادة التوظيف في القطاع العام 5 أضعاف ما كان عليه في 1975، والتوسّع بالإنفاق، والقيام بتصحيحات أجور غير مجدية، وتحويل المؤسسات العامة إلى إمبراطوريات خاصة. لكن مع انتهاء أدوار الوساطة وفشل وعود السلام، اكتشفت دول الخليج أن استيراد العمالة اللبنانية أنفع من استيراد الخدمات منه. عندها استسهل صنّاع القرار في لبنان الذهاب إلى الاقتصاد الريعي من خلال سياسة التثبيت النقدي والفوائد العالية، والاستيراد الاستهلاكي المفرط الذي سيطرت عليه مجموعة من الاحتكارات وتمسّكت به، عدا عن التوسّع العشوائي في توظيف اليد العاملة غير الماهرة في أجهزة الدولة ومؤسّساتها. ففي لبنان، تسجّل أعلى نسبة للعمل غير النظامي في الإدارة العامة على مستوى العالم، وأعلى نسبة عاملين في النقل من الناشطين اقتصادياً، وأعلى نسبة عسكريين من حجم القوى العاملة من دون تسليح فعلي. وأكبر نسبة انتشار للتهريب وإنتاج المخدرات.

في الخلاصة، نعيش اليوم في عالم يتراجع فيه دور المكان الجغرافي بتموضع النشاط الاقتصادي، وعندما نريد أن نتحدّث عن بدائل للانتقال من أنماط مثقلة بالريع سواء صناعية أو زراعية أو خدماتية علينا أن نسأل أنفسنا عن أي زراعة و أي صناعة وأي خدمات نريد؟ 

لا يجب إغفال أهمّية وضع نظام ضريبي تصاعدي، خصوصاً أن مؤشر الأسعار يبيّن أن ارتفاع الأسعار بالدولار أعلى من ارتفاع سعر الدولار تجاه الليرة، وهذا يؤشّر على وجود مصالح مخفية مع السلطة 

على الصعيد الزراعي هناك غلبة للحيازات الزراعية الصغيرة، وندرة في الزراعات التي تُستخدم كمدخلات للصناعة، بالإضافة إلى الاعتماد على الزراعات البعلية. ويواجه القطاع الزراعي مشكلة الملكيات غير النظاميّة للأرض، وهي أكبر عائق للحدّ من الفقر. أيضاً تواجه المدخلات الزراعية احتكار 3 أو 4 شركات لمستلزمات الإنتاج الزراعي. بالإضافة إلى ضعف العمل التعاوني الزراعي. أيضاً، يواجه القطاع الصناعي مجموعة من المشاكل من النوع نفسه، فالصناعة استهلاكية تجميعية وتستهلك طاقة كبيرة. أما بالنسبة للقطاع الخدماتي الذي ميّز لبنان فنراه فقده ميزاته اليوم. 

من هنا، لا بدّ من التفكير بحلول تنسجم مع التحوّلات العالمية والذهاب نحو صناعات وزراعات ذات قيمة مضافة أعلى. ومدخل الحلول هو بناء الدولة المدنية المحصّنة بهوية وطنية وسيادتها على قرارها، ومعالجة مشكلة الاعتماد على نموذج تهجير الشباب، عدا عن استعادة الكتلة العاملة والموارد البشرية من خلال التحفيزات والشفافية وثبيت الحقوق من جهة، ومن خلال تغيير البرجوازية اللبنانيّة نظرتها تجاه الأجور من جهة ثانية. لقد حقّقت البرجوازية نجاحات سابقاً، ولا يوجد دولة من دون قطاع خاص، لكن لا يمكن للبرجوازية أن تستمر بنظرتها الدونية إلى الأجور. فزيادة الإنتاجية تتطلّب جذب العمالة الماهرة، وهذه العمالة تستحق أن يكون لها حصّة أوسع من الأرباح.

أيضاً لا بدّ من توفر إرادة سياسيّة تقوم بفرض ضرائب على القروض التي تم تسديدها على سعر صرف 1,500 ليرة لبنانية للدولار. وهي هبات غير مستحقة لشركات وحيتان مال. عدا عن رفع السرية المصرفيّة عن فئات محدّدة من الموظفين والسياسيين، وتدفيع الثمن لكل من يثبت تورّطه بفساد وبمخالفة قانون الشراء العام. وبطبيعة الحال، ولا يجب إغفال أهمّية وضع نظام ضريبي تصاعدي، خصوصاً أن مؤشر الأسعار يبيّن أن ارتفاع الأسعار بالدولار أعلى من ارتفاع سعر الدولار تجاه الليرة، وهذا يؤشّر على وجود مصالح مخفية مع السلطة.