Preview دور المصارف المركزية

هل على البنك المركزي وقف تمويل الدولة وتدخّلاته في سوق الصرف؟

تحت وطأة الخسائر الضخمة التي سجّلها المصرف المركزي اللبناني في خلال ولاية حاكمه السابق، يجري الخلط بين ضرورة مساءلة رياض سلامة عن كلّ الارتكابات التي قام بها في المصرف المركزي وبين المبادئ العامّة والبديهية التي يفترض أن تسيّر عمل المصرف المركزي، بحيث يتمّ التصويب على دور المصرف المركزي في تمويل الحكومة متى تقطّعت بها سبل التمويل ودوره في استقرار سعر الصرف، بحجة منع تبديد ما تبقى من أموال المودعين والحدّ من النزف المستمر في احتياطيات العملة الأجنبية وإبعاد مصرف لبنان عن متناول السياسيين الفاسدين، وذلك من أجل تمرير المزيد من السياسات التقشّفية وتحويل المزيد من أعباء الأزمة إلى الفئات الأضعف. 

يجري الضغط بقوّة من أجل تعويم سعر الصرف كلّياً ووقف تمويل الدولة، ويتناول معظم المعلّقين هذه المطالب كما لو أنها مسائل تقنية وليست خيارات سياسية. ولكن، ما هي أدوار المصارف المركزية؟ وماذا نعني باستقلالية المصارف المركزية؟ من تخدم؟ وهل يجب التمسّك بهذه الاستقلالية؟ وما هي الأدوار التي يفترض أن يقوم بها مصرف لبنان في الوضع الحالي؟ هل عليه حقاً أن يوقف تدخّله في السوق ويعوّم سعر صرف الليرة كلّياً ويوقف تمويل الدولة ويتركها من دون تمويل؟ 

وبما أن الإجابات على هذه الأسئلة يجري تقديمها كما لو أنها مسائل تقنية، حملنا هذه الأسئلة إلى أربعة اقتصاديين، أكاديمين وخبراء، من اتجاهات سياسية ومدارس مختلفة: توفيق كسبار، المحاضر في الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة القديس يوسف. غسان ديبة، أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الأميركية. عبد الحليم فضل الله، المحاضر في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية. البر داغر، الأستاذ المتقاعد في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية.

توفيق كسبار:
لا يجب التخلّي عن سبب وجود المصرف المركزي

إنّ وظيفة المصارف المركزية محصورة بوظيفتين أساسيتين هما؛ الحفاظ بقدر المستطاع على استقرار سعر صرف العملة، ويقوم بذلك من خلال التدخّل في السوق، وهذا دور أساسي ولا يجب التخلّي عنه. وثانياً المحافظة على استقرار القطاع المصرفي.

بحسب قانون النقد والتسليف، القاعدة هي عدم إقراض الحكومة إلّا في حالات استثنائية، وبمبالغ محدّدة وفق قيمة الإيرادات المحققة في خلال ثلاثة أشهر من السنة الماضية، على أن تردّ هذه الأموال في خلال أشهر قليلة. وبالتالي لا توجد حاجة لإقرار قانون جديد، وكذلك لا يوجد ما يلزم المصرف المركزي بإقراض الحكومة بالليرة، وبطبيعة الحال بالدولار.

لا يمكن القول بأنه لا يجوز للمصرف المركزي أن يمسّ بأموال المودعين أو بالأموال المودعة لديه. ففي السنتين الماضيتين حصل تمويل لاستيراد الأدوية والقمح والنفط، وهذا تمويل بديهي لتسيير أمور الناس وهو واقعي وليس تنظيريلكن في المقابل، لا يمكن القول بأنه لا يجوز للمصرف المركزي أن يمسّ بأموال المودعين أو بالأموال المودعة لديه. ففي السنتين الماضيتين كان هناك حاجة لتمويل لاستيراد الأدوية والقمح والمحروقات، وقد موّله مصرف لبنان، وهذا تمويل بديهي لتسيير أمور الناس وهو واقعي وليس تنظيري، ويجب أن يتدخّل المصرف المركزي لتمويله. ففي حال لم يكن المصرف المركزي مصدر التمويل، من كان سيموّل؟ هناك حدّ أدنى من التمويل المطلوب لتسيير الدولة. ربما، يمكن ضبط حاجات التمويل وحصرها بالضرورية، ولكن من دون التخلّي عن سبب وجود المصرف المركزي. 

غسان ديبة:
هناك بعد توزيعي لسياسات المصارف المركزية

ليس هناك ما يمكن أنّ نسمّيه أدوار المصارف المركزية بالمطلق، فهي تعتمد على الاقتصاد السياسي أو المرحلة التاريخية. كانت المصارف المركزية حتى نهاية السبعينيات، أي في المرحلة الكينزية، بشكل عام، تهدف إلى زيادة النمو الاقتصادي، ولكن بعد مرحلة التضخّم التي شهدتها الاقتصاديات الرأسمالية المتقدّمة في السبعينيات تحوّلت أكثر فأكثر نحو استهداف التضخّم بغض النظر عن تأثير هذا الأمر على النمو. بعد ما سُمِّي بـ«لحظة فولكر»، نسبة إلى بول فولكر حاكم الاحتياطي الفدرالي الذي أطلق هذه السياسة النقدية المُتشدِّدة، أصبحت المصارف المركزية حول العالم تستهدف التضخّم، وتزامن هذا الأمر مع صعود النيوليبرالية وتراجع الكينزية. ولكن بعد الأزمة المالية العالمية في العام 2008، تخلّت أكثرية المصارف المركزية عن هذه السياسات، وقامت بأكبر عملية تدخّل نقدية توسّعية، في ما عرف بـ«التيسير النقدي» مُستهدفة النمو أو الناتج المحلّي، وبالتالي فقدت فكرة استهداف التضخّم وهجها، وترافق ذلك مع عودة الكينزية، وإن بشكل مؤقّت، وتراجع النيوليبرالية. وقد لعب الاقتصاد السياسي دوراً في هذا الأمر، لأن لحظة فولكر أعلنت بدء هجوم رأس المال على العمل ومحاولة إحياء أرباحه على حساب الأجور، وهذا ما حصل منذ الثمانينيات. إذاً هناك بعد توزيعي أيضاً لسياسات المصارف المركزية، وبالتالي فإن أدوار المصارف المركزية ليست أموراً تقنية محض كما يحاول البعض الإيحاء. 

قبل السعينيات كانت أكثرية المصارف المركزية وأهدافها وأدواتها غير مُستقلّة عن الدولة. ولكن مع التحوّل الذي حصل في السبعينيات، أصبحت أكثرية المصارف «مستقلّة». وهذا الاستقلال يخدم مصالح رأس المال، وخصوصاً المالي والريعي، الذي تزيد أرباحه عند انخفاض التضخّم، وهو يأتي على حساب العمّال والموظّفين الذين تصيبهم البطالة وعدم زيادة الأجور بسبب الركود المفتعل الناتج عن محاربة التضخّم. وأفضل مثال على ذلك، النقاش الذي حصل في الولايات المتّحدة مؤخّراً حول تدخّل أو عدم تدخل الاحتياطي الفدرالي من أجل لجم التضخّم، وجزء من هذا النقاش هو مدى تأثير التدخّل على سوق العمل والبطالة والأجور. والجدير بالذكر هنا أن الاحتياطي القدرالي يتمتّع باستقلالية نسبية إذ تخضع سياساته لمساءلة الكونغرس الأميركي.

طبعاً نحن بحاجة أن يلعب المصرف المركزي دوراً في الاستقرار النقدي، ولكن ظروف الأزمة ومتطلّبات الاقتصاد السياسي تعقّد الأمر، وبالتالي نشهد اليوم هذا الخلاف على ما يجب أن يفعله أو ألّا يفعله المصرف المركزي في المرحلة المقبلةبالنسبة للبنان، المصرف المركزي مستقلٌ إلى حدّ كبير، وقد أتت هذه الاستقلالية نتيجة ضغوطات مارستها جمعية المصارف في ستينيات القرن الماضي عند إنشائه من أجل ضمان تلبيته لمصالحها. ويمكن القول إن لبنان في المرحلة الكينزية، التي كانت سائدة آنذاك في العالم، كان يغرِّد خارج السرب، وكانت مصالح رأس المال المالي مُسيطرة، أي أنه كان «نيوليبرالياً» قبل النيوليبرالية. حافظ المصرف المركزي على استقلاليته من حيث الأهداف، ولكنّه فقد بعضاً منها في المرحلة الأخيرة عندما قام بتمويل الحكومة بشكل واسع دعماً لدولة الطائف المُتحالفة مع رأس المال المالي. اليوم يسعى المصرف المركزي إلى وضع قيود على تمويل الحكومة تأكيداً على استقلاليّته على الرغم من أن قانون النقد والتسليف يسمح له بذلك ولا يجيز له إقراضها إلّا عند «الضرورة القصوى». المثير للاهتمام أن هذه «الأزمة» المستجدة بين المصرف والدولة في سياق موازنة 2023 غير ضرورية، لأنه يمكن تغطية إنفاق الموازنة غبر زيادة الضرائب على رأس المال الذي بدأ في الأونة الأخيرة يزيد من أرباحه، في حين أن الموازنة تضع ضرائب أكثر على الرواتب منه على الأرباح. لكن ظروف الاقتصاد السياسي تمنع فرض ضرائب مماثلة، كما أن قيادة المصرف المركزي الجديدة تحاول تجنّب استخدام الاحتياطي لإقراض الدولة على الرغم من عدم وجود عائق قانوني يمنع المصرف المركزي من استخدام الاحتياطي بالطريقة التي يراها مناسبة، وذلك لرفع المسؤولية عنها بسبب الأزمة المصرفية وخسارة الودائع الناجمة عنها. وهذه مسألة تتعلّق بالاقتصاد السياسي كما ذكرت في مقالتي «أزمة الرأسمالية اللبنانية: مِن، مَن؟». اليوم هناك تخبّط على مستوى السيطرة الطبقية التي كانت قائمة قبل الأزمة، وهناك تراجع كبير، إن لم يكن انتهاءً، لدور رأس المال المالي والريعي الذي أصيب بضربة كبيرة نتيجة الأزمة النقدية.  طبعاً نحن بحاجة أن يلعب المصرف المركزي دوراً في الاستقرار النقدي، ولكن ظروف الأزمة ومتطلّبات الاقتصاد السياسي تعقّد الأمر، وبالتالي نشهد اليوم هذا الخلاف على ما يجب أن يفعله أو ألّا يفعله المصرف المركزي في المرحلة المقبلة.

عبد الحليم فضل الله:
تمويل الدولة هو أحد وظائف المصرف المركزي 

يُعدّ المصرف المركزي بنك البنوك فيراقب أعمالها وينظّمها، وهو بنك الدولة أيضاً ويقوم بتمويلها وتقديم الاستشارات لها، عدا أنه يؤدّي دور وكيلها المالي. وتندرج ضمن مهامه تأمين السيولة للاقتصاد، إنّما بشكل مدروس وغير عبثي، من أجل تحقيق النمو.

في العموم هناك مدرستان لمقاربة موضوع المصارف المركزية ودورها. تعتبر المدرسة الأولى، وهي قريبة من الكينزية، أن المصارف المركزية والسياسات النقدية ليست مفصولة عن السياسات المالية والاقتصادية للحكومة، لا بل تتموضع ضمنها، وتتدخّل عند تراجع النموّ لتمويل عجز الدولة وتنشيط الاقتصاد من خلال خلق النقد وفق خطّة واضحة. أما المدرسة الثانية، فهي المدرسة النقدية، وقد برزت في السبعينيات في أعقاب أزمة الركود التضخّمي في البلدان الرأسمالية المتقدّمة، والذي أعادته إلى تدخّلات المصارف المركزية وضخّ كتل نقدية أكبر من حاجة الاقتصاد، فركّزت على مكافحة التضخّم وضبطه وأفتت بعزل السياسات النقدية عن التدخّلات السياسية. لكن التعامل مع الأزمة المالية العالمية في العام 2008 شكّل انقلاباً على هذه المدرسة، بحيث تمّ اللجوء إلى البنوك المركزية من أجل توفير السيولة الإنقاذية.

يبلغ العجز المالي في مشروع موازنة 2023 نحو 34 ألف مليار ليرة. وفي ظلّ الظروف الراهنة لا يوجد أي مصدر لتمويل هذا العجز، لا بالاستدانة من الخارج ولا من المصارف، وبالتالي يفترض تأمين كتلة نقدية بطريقة ما لسدّ العجز والسماح للدولة بتأدية وظائفها الأساسية والضروريةنصف دول العالم تقريباً تعتمد استقلالية المصارف المركزية، ولبنان من ضمنها. وقد اعتمد هذا المبدأ منذ ستينيات القرن الماضي عند إنشاء مصرف لبنان وإقرار قانون النقد والتسليف. مع ذلك، لا يُعدُّ المصرف المركزي مستقلاً بالكامل، لأن قيادته تعيّن من السلطة السياسية، ويخضع لعلاقة رقابية مع وزارة المالية عبر مفوّض الرقابة. أمّا أهدافه فهي مُحدّدة بتأمين سلامة النقد، وتأمين سلامة الجهاز المصرفي، ومواكبة النموّ الاقتصادي وهي مهمّة أوسع وأشمل من مجرّد ضبط التضخّم، كما أنه وكيل مالي للحكومة، ويقدّم لها المشورة ويخلق النقد عندما لا يكون هناك من مصدر آخر لتمويل الدولة.

في الواقع، إن تمويل الدولة هو أحد وظائف المصرف المركزي وخصوصاً عندما لا يوجد مصدر آخر للتمويل، إنّما لا يجب أن يكون ذلك بصورة مفتوحة بل بموجب خطط واضحة مربوطة بأهداف تحقيق النمو. وقانون النقد والتسليف يرعى هذه المسألة وينصّ على عدم تمويل المصرف المركزي للحكومة إلّا في ظروف استثنائية وشروط مُحدّدة. على سبيل المثال، يبلغ العجز المالي في مشروع موازنة 2023 نحو 34 ألف مليار ليرة. وفي ظلّ الظروف الراهنة لا يوجد أي مصدر لتمويل هذا العجز، لا بالاستدانة من الخارج ولا من المصارف، وبالتالي يفترض تأمين كتلة نقدية بطريقة ما لسدّ العجز والسماح للدولة بتأدية وظائفها الأساسية والضرورية. لا مناص إلّا باللجوء إلى المصرف المركزي. مع ذلك، يمكن تخفيف العجز خصوصاً أن جزء منه ناجم عن 13 ألف مليار ليرة كفوائد على الدين العام والتي يمكن شطبها، كما يمكن زيادة الضرائب على الأرباح وإعادتها إلى مستواها قبل الأزمة أو أقل قليلاً، عندما كانت تشكّل ضعف ضريبة الرواتب والأجور وحالياً باتت أقل بكثير، بحيث يمكن أن تخفّف هذه الضريبة العجز بنحو 5 آلاف مليار ليرة، عدا عن رفع الرسوم الجمركية على بعض السلع الكمالية. هذه خيارات غير ثورية وإنّما معقولة وتسمح بتخفيض العجز وتمويل الدولة بطريقة مدروسة ومخطّطة.

ألبير داغر:
مسألة خيارات سياسية

هناك مقاربتين لدور المصارف المركزية؛ المقاربة التقليدية التي خلقت المصارف المركزية بالأساس، وهي مقاربة محافظة ومتشدّدة وتنصّ على عدم الإسراف في خلق النقد. وهناك مقاربة تقدّمية تعتبر المصارف المركزية جهازاً لخلق النقد وتربطه بالإنفاق العام والسياسات المالية والاقتصادية للحكومة.

برزت المقاربة الأولى في مرحلتين، المرحلة الأولى استمرّت حتى الحرب العالمية الأولى عندما كانت الأنظمة النقدية تعتمد معيار الذهب، أي ربط العملات بالذهب، وكانت محافظة في طبع النقود كي لا تتجاوز القيمة المقابلة لها من الذهب لمنع فقدان قيمتها. والمرحلة الثانية برزت في سبعينيات القرن الماضي عندما قامت الولايات المتّحدة بفكّ ربط العملات بالذهب وربطتها بالدولار، وبرزت على إثرها الموجة التضخّمية في الاقتصادات الرأسمالية المتقّدمة، فأعيد التشدّد في طبع النقد بهدف مواجهة التضخم. أما المقاربة الثانية فبرزت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية واستمرّت حتى السبعينيات، أي على مدار ثلاثة عقود عرفت بالثلاثين الذهبية وشهدت نمواً اقتصادياً ومكاسب عمّالية، وقد كانت مدفوعة بتوسّع نقدي لتحفيز النمو الاقتصادي بعد الحرب العالمية.

ما يرسم حالياً هو كيفية تأمين الحدّ الأدنى من التمويل لضبط الأوضاع، في مقابل تمرير سياسات نيوليبرالية خطيرة من غير المؤكّد أنها سوف تحسّن الوضعفي الحالة اللبنانية، يعتبر قانون النقد والتسليف محافظاً ومتشدداً مع البنك المركزي، أمّا استقلالية المصرف المركزي فهي فكرة محافظة قامت منذ أربعين عاماً وتنصّ على عدم وجوب ترك السياسات النقدية والمصارف المركزية تحت «رحمة الدولة»، بحيث تتمّ التضحية بالنموّ الاقتصادي ودور الدولة في تحفيز الاقتصاد لصالح اقتصاد ضمان قيمة النقد وحمايته من التضخّم، خصوصاً أن تراجع قيمته يضرّ بأرباح رأس المال. لا شكّ أن خلق النقد يجب أن يكون مُداراً وفق خطّة تسمح بالحفاظ على قيمته، ولكن الأهم يجب أن يوظّف في خدمة السياسات المالية والاقتصادية المنتجة التي تعطي قيمة لهذا النقد.

إذاً، موضوع استقلالية المصارف المركزية ودورها في تمويل الحكومة هي مسألة خيارات سياسية، ومن الواضح أن نواب حاكم مصرف لبنان لا يريدون تحمّل المسؤولية ويبحثون عن تغطية سياسية، علماً أن نظرتهم ليس مختلفة عن النظرة السائدة لطبيعة الاقتصاد اللبناني، فهي تقليدية ومحافظة ومتشدّدة لناحية تحرير سعر الصرف والإسراف بالتقشّف. وأحبّ التنويه هنا إلى أن هناك 80 مليون دولار فقط من أصل الـ 200 مليون دولار شهرياً التي تدّعي الحكومة الحاجة إليها لتمويل نفقاتها سوف تخصّص لرواتب القطاع العام، أي 960 مليون دولار سنوياً بالمقارنة مع رواتب بقيمة 5 مليارات دولار في العام 2019. هذه إحدى أوجه التقشّف وصورة مُعبّرة عمّن يتحمّل وزره.

في الواقع، إن دور المصرف المركزي وتمويله للحكومة هو جزء من النقاش وليس كلّه، لأن الأولوية هي للتوجّهات الاقتصادية المطلوبة والتي يفترض أن تقوم على الإنتاج وتحفيزه، عدا عن التصدّي لأسباب الامتناع عن دعم الاقتصاد الحقيقي الذي يؤمّن قيمة وسعراً لصرف العملة، وتحقيق فوائض في ميزان المدفوعات. ما يرسم حالياً هو كيفية تأمين الحدّ الأدنى من التمويل لضبط الأوضاع، في مقابل تمرير سياسات نيوليبرالية خطيرة من غير المؤكّد أنها سوف تحسّن الوضع.