معاينة web image

سقوط نظام المساعدات العالمي والبحث عن بدائل

نظّم «منتدى البدائل العربي للدراسات»، بالتعاون والشراكة مع موقع «صفر»، ندوة بعنوان «سقوط نظام المساعدات العالمي والبحث عن بدائل». دار النقاش حول انهيار المنظومة المالية للجهات التي تولّت منذ سنوات كثيرة مهام تقديم المساعدات الإنسانية والمنح في المنطقة إن عبر القنوات الرسمية أو من خلال منظّمات وسيطة (منظمات غير حكومية وغيرها).

حاول المشاركون في الندوة الإجابة عن سؤال ما هي البدائل المطروحة والممكنة؟ وكيف ستتأثر مجتمعات الدول الفقيرة التي كانت تعتمد بالكامل على المعونات لتأمين مواردها والخدمات الأساسية الصحية والإنمائية... وكيف يجب أن نفكّر بنظام جديد بديل؟

شارك في الندوة  كلّ من سلمى حسين، خبيرة اقتصادية يغطّي عملها سياسات الاقتصاد الكلّي في الشرق الأوسط، مع التركيز بشكل خاص على مصر. ربيع نصر، أحد مؤسسي المركز السوري لبحوث السياسات ويعمل باحثاً في سياسات الاقتصاد الكلّي والنمو التضميني والفقر وتقييم التأثير الاجتماعي والاقتصادي للنزاع. وأدار الحوار خالد منصور كاتب وصحافي مصري عمل في منظمة الأمم المتحدة لسنوات وتولّى إدارة «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية». 

وصول النيوليبرالية إلى حائط مسدود

في تقديمه لطرح النقاش عن منظومة المساعدات وانهيارها، يقول خالد منصور إن موضوع المساعدات والدعم ليس ظاهرة حديثة في العالم بل ظاهرة قديمة بقدم الدولة تقريباً. ومن بين التطوّرات التي طرأت في آخر 70 سنة في هذا المجال يبرز تطوّرين هامّين. 

الأول تمثّل بما كانت تقوم به الدول بشكل ثنائي ومن ثمّ تمّت مأسسته، فأصبح لدينا أنظمة إقليمية ودولية وقانونية للمساعدات إضافة إلى القنوات الثنائية. وأهمّ تلك المؤسسات ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية وتعمل في مجالات التنمية والمساعدات الإنسانية في حالات الكوارث والحروب. وطبعاً تتفرّع التنمية إلى مجالات كثيرة منها السياسات المالية والسياسات النقدية انتهاءً بالتنمية التي تقوم بها منظمات أممية والعمل على السياسات الاجتماعية… والتنمية عنوان فضفاض والمساعدات الإنسانية نفسها نعلم جيداً أنها مشتبكة بشكل كبير مع السياسة، وبالتالي هي ليست عملاً خيرياً بل عملاً سياسياً بامتياز. 

حصل التطور الثاني عندما تقنّن عمل تلك المؤسسات في منتصف أربعينيات وأوائل خمسينيات القرن الماضي وفي الثمانينيات مع دخول النيوليبرالية على الخط وصولاً إلى ذروتها الحالية في عهد «الترامبية». يرى البعض أن العولمة تتفكك، ويشبّه البعض الآخر هذه المرحلة بالمركنتيلية، حيث تفرض كلّ دولة تعريفاتها وتنافس الآخرين… لكن منذ سنتين، وحتى قبل وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب، انخفضت مساعدات التنمية الآتية من الدول الغربية بحوالي 7%، ويُتوقَّع أن تنخفض مع نهاية السنة الحالية بنسبة 15%. ويأتي هذا الانخفاض بعد ارتفاع مستمرّ بين عامي 2018 و2023.

وفيما يرى بعض المراقبين أن هناك توجّهاً سياسياً أكبر لرفع ميزانيات الدفاع، ودعم سياسات مناهضة الهجرة، يتجلّى عجز نظام المساعدات الإنسانية وانهياره في غزة والسودان واليمن. 

فما الذي يحدث؟ وكيف نصف هذا التحوّل الجاري في منظومة المساعدات؟ ما هي أسبابه؟ ما هي مظاهر هذا التحوّل  وكيف نستطيع توصيفها؟

سلمى حسين

إنّ ما نشهده من تناقصٍ في المساعدات هو فرصة لكي نعيد التذكير بعددٍ من الحقائق التي تكلّمنا كتيراً عنها في السابق وناقشها اقتصاديو التنمية، وهي باختصار أن المساعدات قليلة جداً وبالتالي هي شبه غير مؤثرة في حياة البشر ومربوطة دائماً بشروط بشعة. تصب معظم المساعدات من الشمال إلى الجنوب، من دول غنية، وبالذات الدول السبع الكبرى، كنوع من الاستجابة لطلبات التعويض عن الاستعمار واستغلال الثروات البشرية والطبيعية في بلاد الجنوب. ومنذ بداية نظام المساعدات تلك، تعهّد مانحوها بدفع مبالغ معيّنة لم يحققوها أبداً. 

قبل عهد ترامب، نشهد تناقصاً شديداً في المساعدات وليس في وعود الدول فقط. وقد جرت إعادة توصيف لمسمّى المساعدات الإنمائية في الدول النامية لكي تشتمل على أي مساعدات تذهب إلى القطاع الخاص أيضاً

لا أتحدّث هنا عن المساعدات الإنسانية بل عن المساعدات الإنمائية وعن الاقتصاد السياسي الخاص بها، ما يعني أنني لا أغفل أبداً كمّ الوظائف التي فُقدت بين عشية وضحاها عندما اتخذ ترامب قراره بإلغاء المساعدات، ولكني أيضاً أرصد الأثر التنموي بشكل كبير عليها. في الواقع، وقبل عهد ترامب، نشهد تناقصاً شديداً في المساعدات وليس في وعود الدول فقط. وقد جرت إعادة توصيفٍ مسمّى المساعدات الإنمائية في الدول النامية لكي تشتمل على أي مساعدات تذهب إلى القطاع الخاص أيضاً، على اعتبار أنها يمكن أن تكون تنموية. فإذا أقرض بنك الاستثمار الأوروبي مشروعاً خاصاً في مصر لمساهم أجنبي لإنتاج مياه نقيّة في حيّ التجمّع على أطراف القاهرة وهو حيّ معروف بارتفاع قدرته الشرائية، سيؤثر ذلك على حجم المساعدات الرسمية الأوروبية المخصّصة لمصر، وبالتالي لأفريقيا. هكذا يمكننا رؤية أن التناقص في المساعدات بدأ قبل قرار ترامب بكثير والمشكلة أكبر من ترامب. 

ربيع نصر 

لقد وصلت النيوليبرالية بأدواتها إلى مرحلة من الاستغلال لم يعد حجمه كافياً، وبالتالي انتقلت إلى مرحلة جديدة ليست واضحة بعد. فقد تخلّت عن القوة الناعمة التي كانت تدّعيها ورأينا ذلك منذ «الحرب على الإرهاب» واحتلال بغداد وصولاً إلى غزة. هناك مراحل عدّة تدلّ على أنّ هناك تجاوزاً للأدوات التي تمّ الاتفاق عليها بعد الحرب العالمية الثانية، وتجاوزاً لمجلس الأمن، وتجاوزاً للمنظومة الأممية، فضلاً عن إغلاق أو التهديد بإغلاق منظمات أمم متحدة. كما نلاحظ تغييراً في مفهوم الحدود الذي كان مقدّساً بعد الحرب العالمية الثانية. وهذا يرجع إلى أسباب عدّة. 

السبب الأول هو بنية النيوليبرالية التي تركّز على فكرة رئيسة وهي تراجع الدور التنموي للدولة وتقليص الفضاء العام لصالح النخبة القادرة على استثمار الثروة والسلطة. وهذا كانت له قيود سابقاً منها أخلاقية ومنها إنسانية ومنها تنافسية، لكن خلال السنوات الـ 30 الأخيرة بتنا في عالم أحادي القطب وتفلّتت الأدوات الناعمة التي تحافظ على عدم انفجار الفقراء أو الدول المحرومة أو الدول التي تعاني من نزاعات والتخفيف من معاناتها بشكلها الفج. وغزة هي مثال واضح على أنّ المنظومة مستمرّة ليس لتخفيف الأذى أو الضرر الحاصل بل لإرسال المزيد من السلاح للقاتل. 

تؤدّي دول الخليج على سبيل المثال دور الاستغلال في استخدام المساعدات الإنسانية لإذكاء الحروب بدلاً من إخمادها وفي الوقت نفسه تقلّص دور الدولة التنموي في المنطقة

أما السبب الثاني فهو أن النيوليبرالية بطبيعتها حوّلت المجتمع المدني إلى مقدّم خدمات، وأغرت شباب العالم ومنطقتنا بفكرة أنهم قادرين على المشاركة بالتنمية وبناء الديمقراطية من خلال منظمات أصبحت أشبه بقطاع خاص صغير مشتّت يقوم على تقديم الخدمة. ولم تعد الفكرة منصبّة على الحراك المجتمعي والشأن العام بل على كيفية حصول مقدّمو الخدمة على رضا المانح، فيقدّمون الخدمات من دون تنسيق وتضامن عابر للمجتمع، ما أفقدَنا أهمّ خاصية للمجتمع المدني وهي الحراك المجتمعي التضامني الذي يواجه القمع والاستبداد. 

والسبب الثالث هو أن عدم التفاوت الذي تولّده النيوليبرالية وصل إلى المركز، بمعنى أن التفاوت في دول مثل بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة لم يعد غير مقبولاً. وهذا أحد أسباب ظهور اليمين، أي القاعدة المجتمعية المناسبة للتفلّت من فكرة المساعدات الإنسانية. وإذا كانت المساعدات الإنسانية بالشكل عبارة عن تخفيف معاناة الجنوب، وباتت مقبولة مع الوقت، أخشى أن هناك حماس لتوسيعها سواء من ناحية العسكرة أو من ناحية الاستغلال. وأضيف هنا قضية أخرى، أن الدول الإقليمية في هذا الفراغ والتضعضع في النظام العالمي أصبحت تؤدّي الدور نفسه. تؤدّي دول الخليج على سبيل المثال دور الاستغلال في استخدام المساعدات الإنسانية لإذكاء الحروب بدلاً من إخمادها وفي الوقت نفسه تقلّص دور الدولة التنموي في المنطقة. هذه منظومة جديدة لم تولد بعد لكنها في الطريق. 

القديم يموت والجديد لم يولد بعد

في معرض النقاش عن منظومة المساعدات وانهيارها، يقول خالد منصور: «لو استكملتُ جملة أنطونيو غرامشي أن «العالم القديم يموت والعالم الجديد لم يولد بعد وما بين العتمة والضوء تظهر الوحوش»، فمنظومة المساعدات كانت جزءاً من العالم الليبرالي أو النيوليبرالي الذي يُعاد تشكيله. 

والسؤال الآن هو ماذا بعد؟ ما العمل؟ ما هي البدائل الواقعية والبدائل المثالية الممكنة التي يمكن أن تظهر في المرحلة الآتية؟  

سلمى حسين 

في أي لحظة انتقالية من نظام إلى آخر سنشهد على المعارك التي تحصل لمقاومة هذا الانتقال. ربالتالي لا أستطيع أن أتحدّث عن انتصار ساحق للنيوليبرالية بل بالعكس على لحظة أزمة للنيوليبرالية. لا أرى أن «العولمة تنهار» فإذا ركّزنا على تجارة السلع فقط نستطيع أن نتكلّم عن تراجع في تجارة السلع، لكن في المقابل هناك تغوّل في تجارة الخدمات، وفي ظاهرة التحرّك الحرّ للأموال، وفي التحرّك غير الشفاف وغير المراقب لرؤوس الأموال بين الدول وبعضها. عندما نتكلّم عن الدور الكبير للقطاع الخاص أي على تفاقم هذا الدور حيث باتت الشركات العملاقة تفرض الأجندات التشريعية على دولها نفسها وليس فقط على دول الجنوب، فهنا نحن نتكلّم عن مرحلة تمرّ فيها النيوليبرالية في أزمة نتيجة تغوّلها. وبسبب وجود مقاومة شديدة لهذا التغوّل، يمكن أن نتكلّم عن أمل من خلال أفكار كثيرة لا تتكلّم بالضرورة على تغيير شامل وكامل في النظام العالمي، والأهم على تغيير النظام من الداخل. 

في أي لحظة انتقالية من نظام إلى آخر سنشهد على المعارك التي تحصل لمقاومة هذا الانتقال. ربالتالي لا أستطيع أن أتحدّث عن انتصار ساحق للنيوليبرالية بل بالعكس على لحظة أزمة للنيوليبرالية

وهنا نعود إلى سؤال البديل عن تناقص المساعدات، التي كان حجمها أصلاً صغير ولم تعد ترسخ تبعية دولة لدولة. وفي ما خصّ الاستثمارات المباشرة التي تسعى الدول النامية إلى استقطابها دائماً، يميل ميزان التحويلات أكثر بشكل عام، لأن الأموال تخرج أكثر من الجنوب ناحية الشمال على عكس المتخيّل. ففي مقابل القروض هناك سداد القروض والفوائد وحجمها أكبر بكثير من الأموال المقترَضة. على سبيل المثال، عندما تقترض مصر حوالي 50 مليار دولار في العام الواحد، فهي تسدّد في مقابل ذلك 70 ملياراً. وهذا كلّه يثبت أن العولمة ما زالت قائمة والاستغلال ما زال قائماً بشكل أو بآخر. 

ربيع نصر 

أظنّ أن هذه المرحلة ليست لفقدان الأمل. هذه المرحلة التحولية هي للزراعة من أجل المستقبل، وبالتالي الانسحاب منها هو مصادرة المستقبل. وسأركّز على قضيتين في منطقتنا أرى أنهما قابلتين للتحقّق. القضية الأولى هي المجتمع المدني، وهو عبارة عن أجيال شابّة مندفعة مفعمة بالطاقة تسعى إلى بناء معنى لحياتها، وبالتالي هناك إمكانية لتفكيك هيكلية المجتمع المدني وإعادة تشكيله وهذا ما حصل بعد الحرب العالمية الثانية. وإحدى الإمكانيات هي تحوّل منظمات المجتمع المدني إلى حراك مجتمعي، رأينا ملامحه في خلال الربيع العربي وربيع دمشق، رأينا كيف تخرج الناس من القيود ومن الشكل المفروض عليها. وهذا يتطلّب منا طرح مرجعية حقوق الإنسان والقيم العليا وأن ندافع عنها، وبالتالي أن نضع آليات لتجاوز الشكل المؤسساتي الحالي الذي يجزّء المجتمع المدني ويضيع الهدف منه. 

هناك إمكانية لتفكيك هيكلية المجتمع المدني وإعادة تشكيله وهذا ما حصل بعد الحرب العالمية الثانية. وإحدى الإمكانيات هي تحوّل منظمات المجتمع المدني إلى حراك مجتمعي، رأينا ملامحه في خلال الربيع العربي

في المقابل، أثبتت تجربتنا الطويلة مع الاقتصاد الحرّ التنافسي أنه عبارة عن منظومة لتعزيز التفاوت، وهذا التفاوت الاقتصادي يصبح تفاوتاً سياسياً. الأمر نفسه بالنسبة إلى الشقّ الاجتماعي. يؤدّي استخدام الطائفية والمذهبية والعرقية في مناطقنا إلى دخولها في السياسة، وبالتالي يسيطر الاقتصادي على الاجتماعي والاجتماعي على السياسي. لذا يجب استعادة السياسي بما فيه دور المجتمع المدني في السياسة، فضلاً عن الاقتصاد البديل وهو الاقتصاد البسيط الذي يحافظ على استدامة البيئة ويحترم ثقافة المجتمعات ولا يقوم على الاستغلال. البديل الجنوبي الذي ينشأ حالياً ليعوّض عن الغرب هو النموذج الصيني أو النموذج البرازيلي أو نموذج جنوب أفريقيا الليبرالي جداً. وبالتالي المنظومة لا تسير، على مستوى الدول، بالشكل الذي يقود إلى مستقبل يخفّف من الحاجة إلى المساعدات الإنسانية والتنموية بل على العكس تماماً. لذا، أرى أن هذا الوقت يجب أن يكون للاستثمار في نموذج بديل. 

نقاش ومداخلات

سؤال من أحد المشاركين حول دور بعض الدول الإقليمية في التنمية أو في المساعدات الإنسانية والذي يحاول أن يحلّ مكان الدور الذي ينسحب منه الغرب تدريجياً وإذا ما كان هذا الأمر إيجابياً؟ 

سلمى حسين: دور الدول الاقليمية مثل المملكة السعودية مثلاً في التغوّل في النشاط الاقتصادي في معظم الدول قائم من عشرات السنين. في الدول الأفريقية مثلاً له تبعات كثيرة كالاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي لكي يُزرع فيها علف للماشية لصالح الشركات المدرّه للّبن والمنتجة للّحوم في السعودية وفي الإمارات. السودان مثلاً التي تشتهر بحشائش السافنا انقرضت فيها مساحات شاسعة من السافنا بسبب هذا النوع من الرعي الزائد والاستخدام المفرط والقاسي للأراضي. ولم نشهد حتى الآن أي نموذج تنموي ناجح ناتج عن هذا النوع من الاستثمارات بقيادة دول المنطقة الغنية. 

سؤال من إحدى المشاركات: في ظل هشاشة البنى السياسية والاقتصادية في العديد من دول الجنوب واستمرار النظم الريعية التي تعيق بناء تنمية إنتاجية ومستقلّة. ما مدى قدرة هذه المجتمعات الهشّة فعلياً على بناء بدائل محلّية حقيقية ومستدامة لنظام المساعدات التقليدي؟

ربيع نصر: كثير من أنظمتنا المحلية تعتمد على الشرعية الغربية وعلى بعض هذه المساعدات لذرّ الرماد في العيون. فعندما يقولون لقد أنقذنا 15 طفلاً من أصل مليون، ساعدنا 20% من الفقراء، وبالتالي حققنا نجاحاً عظيماً. إن إيقاف هذه الآلية من جهة واعتراف القوى المهيمنة بلغتها الصريحة هذه يوفّر علينا السردية التي تستخدمها الأنظمة في بلادنا عن أهمية التحالف مع القوى التي تعدّها مرجعية في حقوق الإنسان ومرجعية اقتصادية…  فإذاً تخفيف المساعدات الإنسانية والقوى الناعمة هو أفضل لنا لتشكيل السردية المحلية. ولسنا طوباويين عندما نقول إن الاقتصاد البديل على سبيل المثال بدأ يتشكّل في دول أميركا اللاتينية مثلاً، وفي جنوب أوروبا مثل اسبانيا، البرتغال، جنوب إيطاليا لديهم نماذج لكيفية تشكيل تعاونيات بطريقة خلاقة جديدة لكي يستغنوا عن الطريقة السابقة لإدارة الاقتصاد، في الهند أيضاً نماذج مشابهة. ينقصنا في المنطقة تطوير فكرة العمل التضامني. والعمل التضامني فرصة كبيرة في ظلّ  تركيز أنظمة المنطقة  قواها على الهيمنة الأمنية وإعطاء الفرص الاقتصادية الكبرى لنخب القطاع الخاص، الذين هم، للصدفة، نفسهم القوى السياسية.

التغيير لا يحصل بالصدفة أو بمجرد انهيار نظام حاكم، يجب أن نبدأ ببناء الأساسات والمقومات الكبيرة هي المجتمع ورغبته، لكن المقومات المؤسساتية لا زالت ضعيفة.  فكرة إعادة بناء وتشكيل مؤسسات تربط بين الاقتصادي والسياسي ليست بعيدة المنال، لكن تحتاج الى جهد على الأقل بقدر الجهد الذي يُبذل من قبل الأنظمة لتمويل العسكرة.