معاينة gaza aid

آلية المساعدات الإنسانية في غزّة: مصائد الموت

قُتل ما لا يقل عن 80 فلسطينياً وأُصيب 200 آخرون، يوم الإثنين، بنيران إسرائيلية قرب نقطة توزيع مساعدات تابعة لـ«مؤسّسة غزّة الإنسانية» المدعومة من الولايات المتّحدة في شرق خان يونس جنوب قطاع غزة، أثناء توجّههم إلى الموقع للحصول على المساعدات. ليرتفع بذلك عدد ضحايا «توزيع المساعدات» إلى نحو 385 قتيلاً وأكثر من 3,000 مصاباً في غضون 3 أسابيع، منذ فرض آلية توزيع المساعدات في 27 أيار/مايو وحتى 16 حزيران/يونيو الحالي.

تشكّل هذه العمليات دليلاً صارخاً على أنّ مواقع توزيع المساعدات تُستخدم كمناطق قتل يُستهدف فيها المدنيون عمداً ويُنفّذ بحقّهم الإعدام الميداني. فبحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان تتحمّل «مؤسّسة غزة الإنسانية» المسؤولية المباشرة عن تصاعد الجرائم الإسرائيلية ضدّ المدنيين الفلسطينيين الجوعى قرب نقاط توزيع المساعدات في وسط وجنوب قطاع غزة، خصوصاً أن «نموذج عملها يقوم على استدراج المدنيين إلى مواقع محدّدة يجري تنسيقها مع الجيش الإسرائيلي، حيث يتعرّضون للقتل والإصابة والمعاملة القاسية والمهينة. وقد تحوّلت هذه النقاط عملياً إلى مصائد موت تُستخدم كأداة في الإبادة الجماعية المتواصلة التي تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينيين منذ أكثر من 20 شهراً».

حرب التجويع مستمرّة

 

تعتمد آلية المؤسّسة على استدراج آلاف المدنيين الجوعى يومياً إلى مركزين رئيسيين للتوزيع، أحدهما قرب «ممر نتساريم» وسط غزة والآخر في رفح جنوب القطاع. ويُجبر المدنيون على السير في طرق طويلة ومكشوفة تمتد لكيلومترات عدّة، ليقعوا بعدها تحت نيران مباشرة من مركبات عسكرية وطائرات مسيرة ومروحيات وقذائف مدفعية. فيُقتل عدد كبير أو يُصاب، بينما لا ينجو من الرحلة القاتلة إلا قلة تصل إلى نقاط التوزيع لتحصل على كمية ضئيلة من الغذاء لا تلبّي حتى الحد الأدنى من احتياجات البقاء على قيد الحياة.

لا تكتفي إسرائيل بالسيطرة على أطر توزيع المساعدات، فقد وثّق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان استخدام القوات الإسرائيلية عصابة مسلّحة محلية متورّطة في سرقة المساعدات (عصابة أبو شباب)، إلى جانب مرتزقة أجانب من شركة أمنية خاصة أميركية موكلة بإدارة مواقع التوزيع، لقتل المدنيين الفلسطينيين الجائعين بالقرب من هذه المراكز في رفح. 

وبالفعل، تفيد الشهادات الميدانية التي وثقها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بأن القوات الإسرائيلية، وبمشاركة أفراد من العصابة المسلّحة التي شكّلتها، تقوم بإطلاق النار على مئات المدنيين الذين يحاولون الوصول إلى مراكز توزيع مساعدات التي أقامتها. وبحسب أحد الشهادات، فقد توجّه حشود من المدنيين الجائعين إلى المركز قرب رفح بعد انتشار خبر بوجود مساعدات غذائية، فاعترضتهم مركبات عسكرية مدرّعة رباعية الدفع تقلّ مسلحين بزي يحمل شعاراً كُتب عليه «جهاز مكافحة الإرهاب الفلسطيني» إلى جانب العلم الفلسطيني. ويُعدّ هذا الزي خاصاً بعصابة «أبو شباب» التي تعمل بتنسيق مباشر مع القوات الإسرائيلية وتسيطر على بعض المناطق. وفي الأثناء، أمر أفراد العصابة المدنيين بالاصطفاف، ثم طالبوهم فجأة بالانصراف مدّعين عدم وجود مساعدات في ذلك اليوم. وبسبب الجوع واليأس، واصل الحشد تقدّمه نحو مركز التوزيع، ليواجه بوابل من إطلاق النار المباشر من قبل العصابة بأمر من الجيش الإسرائيلي، ما أسفر عن وقوع إصابات وقتلى بين المدنيين. وعندما اعترض شقيق أحد المصابين على إطلاق النار، أُطلق عليه الرصاص عن قرب، ويُرجّح أنه قُتل في المكان. ومع تصاعد التوتر وفقدان أفراد العصابة السيطرة، انسحبوا باتجاه مواقع القوات الإسرائيلية. عندها تدخّلت القوات الإسرائيلية وانضمّت إليهم في إطلاق نار عشوائي ومباشر باستخدام المركبات العسكرية والطائرات المسيّرة من نوع «كوادكوبتر» ومروحيات «الأباتشي». وأدّى الهجوم إلى تفريق الحشد قسراً، وقتل وإصابة عدد من المدنيين. هذا ما حصل في أحد المرّات عند «مصائد الموت الإنسانية»، وتكرّر مرّات عدّة. 

تُظهر الوقائع الميدانية أن الجيش الإسرائيلي تعمّد إقامة مراكز توزيع المساعدات في مناطق عسكرية خطرة خاضعة لسيطرته، من دون توفير ممرات آمنة، ما خلق مصيدة قاتلة لآلاف المدنيين الجائعين الذين، بعد أكثر من 3 أشهر من إغلاق المعابر، يخاطرون بحياتهم من أجل لقمة يسيرة. وكثير منهم يعودون جرحى إن عادوا أصلاً. وفي الحالات النادرة التي يصدر فيها بيانات، يقدّم الجيش الإسرائيلي روايات مبهمة وعامة، غالباً ما يشير فيها إلى وجود «مشتبه بهم» قرب قواته، وهي مزاعم لا يتم دعمها بأي أدلة موثوقة. وعلى العكس من ذلك، تشير البيانات الميدانية إلى أن الضحايا هم مدنيون، بمن فيهم النساء والأطفال وكبار السن. فضلاً عن ذلك، يتبيّن أن التحقيقات التي يدعي الجيش الإسرائيلي فتحها هي أقل ندرة حتى من بياناته العلنية. وغالباً ما تكون هذه التحقيقات سطحية، تُترك من دون استكمال، تُحجب نتائجها، أو لا تسفر عن أي محاسبة حقيقية. ويعكس ذلك سياسة ممنهجة تهدف إلى إخفاء الأدلة وضمان إفلات الجناة من العقاب، وهي سياسة ممتدة لعقود من الانتهاكات الإسرائيلية الموثقة التي لم تواجه أي مساءلة جدية، بما في ذلك تلك التي تُرتكب كجزء من جريمة الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة.

يعتبر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن «تحكّم السلطات الإسرائيلية بآلية توزيع المساعدات والسماح لجهات أجنبية، بما في ذلك شركات عسكرية خاصة وميليشيات محلية بالعمل داخل قطاع غزة تحت إشرافها المباشر أو بالتنسيق معها يعمّق مسؤوليتها ويؤكّدها، فيما يعدّ استمرار المؤسسة في تشغيل هذه المواقع على الرغم من هذه الجرائم تورطاً مباشراً في جريمة التجويع والاستهداف المنهجي للمدنيين، وانتهاكاً صارخاً لمبدأ الحياد الإنساني، ومساهمة واضحة في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والتواطؤ في الإبادة الجماعية».