1 من كل 69 شخص في هذا العالم هو نازح قسرياً
قبل عقد من الزمن كان 1 من كل 125 إنساناً يعيش على الكرة الأرضية نازحاً بشكل قسري بسبب الحروب والنزاعات والكوارث. وهذه النسبة مرتفعة جدّاً وتسير تصاعدياً بالتزامن مع تفاقم أزمة النظام الاقتصادي العالمي والحرب على «الإرهاب» التي تشنّها الولايات المتحدة منذ العام 2001 في 78 بلداً، وتسبّبت حتى الآن بقتل أكثر من 4.7 مليون إنسان، وتشريد أكثر من 38 مليون آخرين وفق تقديرات جامعة براون، ولا سيما في أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال والفلبين، بالإضافة إلى أزمة النزوح القسري الأطول التي فُرضت على الفلسطينيين في ظل الاستعمار الصهيوني لفلسطين وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.
بحسب تقرير الاتجاهات العالمية في العام 2023، الذي أصدرته المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في حزيران/يونيو الحالي، يُسجّل عدد النازحين قسرياً في العالم زيادات سنوية متتالية منذ 12 عاماً. وفي نهاية العام 2023، ارتفع عدد النازحين قسرياً إلى أكثر من 117.3 مليون نازح، تركوا منازلهم ومناطق عيشهم وعملهم بعد أن أجبروا على الفرار من الاحتلال أو الاضطهاد أو العنف أو انتهاكات حقوق الإنسان. وحالياً 1 من كل 69 إنساناً يعيش في حالة نزوح قسري وفي ظروف قاسية جداً وخطيرة.
في العام الماضي وحده، زاد عدد النازحين قسرياً بنسبة 8%، أو بنحو 8.8 مليون شخص، ويعود ذلك إلى اندلاع الصراع في السودان في نيسان/أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والذي تسبّب في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية وأزمات النزوح في العالم، فضلاً عن حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها إسرائيل في قطاع غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وأسفرت عن تشريد جميع سكانه تقريباً وتدمير نحو 60% من مساكنهم، بالإضافة إلى النزوح الداخلي في الصومال مع اتساع الصراعات والضغوط المرتبطة بالعوامل المناخية.
تصدر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقريرين إحصائيين رئيسين عن النزوح القسري العالمي كل عام. ويحلّل تقرير الاتجاهات العالمية التغيرات والاتجاهات الخاصة بالسكان النازحين قسراً، ويوفر إحصاءات أساسية عن الأعداد العالمية للاجئين وطالبي اللجوء والنازحين داخلياً وعديمي الجنسية، فضلاً عن البلدان المضيفة الرئيسة وبلدانهم الأصلية. لكن تقتصر هذه الإحصاءات على المسجّلين لدى وكالات الأمم المتحدة المعنية، ما يعني أن الأعداد أكبر بكثير. على سبيل المثال، يبلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان المسجّلين لدى المفوضية نحو 785 ألف لاجئ، في حين أن تقديرات جهاز الأمن العام اللبناني تصل إلى 2.1 مليون لاجىء، ما يجعل كل هذه التقديرات مشكوك فيها.
ووفق إحصاءات النازحين قسرياً المسجّلين لدى وكالات الأمم المتحدة يبلغ عدد الأشخاص اللاجئين إلى خارج بلدانهم نحو 43.4 مليون لاجىء، وتضاعف عددهم نحو ثلاث مرات في العقد الماضي. ويبلغ عدد النازحين داخل بلدانهم نحو 68.3 مليون نازح بزيادة بنسبة 10% عن العام 2022.
تظهر المنطقة العربية، أو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بما فيها تركيا وإيران، كبؤرة على خارطة النزوح القسري العالمي، حيث تتجمع فيها أطول أزمة نزوح قسري تسبّب بها الاستعمار الصهيوني لفلسطين، فضلاً عن ثلاث من أكبر أزمات النزوح القسري في العالم اليوم في السودان وسوريا وأفغانستان.
نزح نحو 9.1 مليون شخص داخل السودان، وهو أكبر عدد من النازحين داخلياً تم الإبلاغ عنه على الإطلاق، وتليها سوريا (7.2 مليون)، وجمهورية الكونغو الديمقراطية (6.7 مليون). أمّا بالنسبة إلى اللاجئين إلى خارج بلدانهم، فيعدّ لبنان والأردن من أكثر الدول استقبالاً للنازحين الخارجيين نسبة إلى عدد سكانهما، كذلك يوجد عدد كبير من اللاجئين إلى إيران وتركيا.
وتمرّ في هذه المنطقة أخطر طرقات الهجرة، كالمسالك عبر الصحراء الكبرى التي يعبرها اللاجئون للوصول إلى شواطئ شمال أفريقيا والفرار نحو أوروبا في زوارق الموت التي تعبر البحر المتوسط. ومن أصل 43.4 مليون لاجئ إلى خارج بلدانهم في نهاية العام 2023، تأتي سوريا بعد أفغانستان كأبرز بلد منشأ للاجئين، والذين بلغ عددهم 6.4 مليون في نهاية العام، وتمت استضافة ما يقرب من ثلاثة أرباعهم (73%) في البلدان المجاورة بما في ذلك تركيا (3.2 مليون)، ولبنان (784,900) والأردن (649,100). وارتفع عدد اللاجئين السودانيين إلى خارج السودان بنسبة 79% ليصل إلى 1.5 مليون، ذلك على أثر الحرب، وتتم استضافة ما يقرب من 6 من كل 7 في تشاد المجاورة (923,300) وجنوب السودان (359,600).
من جهة أخرى، كانت أكبر تجمّعات للاجئين سواء على مستوى منطقتنا أو على المستوى العالمي مركزّة في إيران (3.8 مليون لاجئ) وتركيا (3.3 مليون)، وتأتي بعدهما كولومبيا (2.9 مليون)، وألمانيا (2.6 مليون)، وباكستان (2 مليون). أما من حيث نسبة اللاجئين إلى عدد السكان، فإذا استثنينا جزيرة أروبا الصغيرة، سوف نجد أن لبنان استقبل أكبر عدد من اللاجئين نسبة إلى عدد السكان (1 من 6)، يليه الجبل الأسود (1 من 9)، وكوراساو (1 في 13) والأردن (1 في 16).
وارتفع عدد طلبات اللجوء الفردية الجديدة في خلال العام الماضي وتم تسجيل 3.6 مليون طلب. ومعظم الطلبات الفردية الجديدة كانت من مواطني فنزويلا (314,200)، وكولومبيا (209,900)، وسوريا (201,000)، والسودان (194,900) وأفغانستان (169,600). وارتفع العدد الإجمالي لطالبي اللجوء الذين ينتظرون قرار قبول طلباتهم بحلول نهاية العام بنسبة 26% ليصل إلى 6.9 ملايين، إذ تجاوزت طلبات اللجوء الفردية الجديدة القرارات بشأنها، وهذا هو أكبر عدد من طلبات اللجوء الفردية على الإطلاق، ويشي بإخفاق النظام العالمي في استيعاب أزمات اللجوء.
مع تواصل الصراعات في العام 2024، ليس من بصيص أمل لبداية تراجع النزوح القسري، إذ تقدّر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن النزوح القسري استمر في الزيادة في الأشهر الأربعة الأولى من العام 2024، وبحلول نهاية نيسان/ أبريل 2024، من المرجح أن يكون قد تجاوز 120 مليوناً.