Preview زيادة أسعار الوقود في مصر دفعة جديدة للتضخم

زيادة أسعار الوقود في مصر: دفعة جديدة للتضخّم

بدأت تتبلور حزمة الإجراءات التي تصاحب اتفاقات الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي. وبعد رفع سعر الفائدة بنسبة 6% دفعة واحدة، وخفض سعر صرف الجنيه المصري بنحو 60%، جاء قرار رفع أسعار الوقود المتوقع منذ إبرام الاتفاق مع الصندوق.

قرّرت لجنة تسعير الوقود التابعة لوزارة البترول في 22 آذار/مارس الجاري رفع أسعار الوقود، بنسب تراوحت بين 8% و33%. إذ رفعت سعر بنزين 95 أوكتان من 12.5 إلى 13.5 جنيه للتر (+8%)، وسعر البنزين 92 أوكتان من 11.5 إلى 12.5 جنيه للتر (+8.7%)، ورفعت سعر البنزين 80 أوكتان من 10 إلى 11 جنيه للتر (+10%)، وسعر السولار (الديزل) من 8.25 إلى 10 جنيه للتر (+21%). كما رفعت سعر غاز السيارات من 5.5 إلى 6.5 جنيه للمتر المكعب (+18%)، أما البوتاغاز المنزلي فقد ارتفع سعر الأسطوانة من 75 إلى 100 جنيه (+33%).

زيادة أسعار الوقود في مصر دفعة جديدة للتضخم

الأسباب التي ساقتها لجنة تسعير الوقود لتبرير قرارها، هي ارتفاع كلفة المنتجات البترولية بسبب تحرير سعر الصرف، الذي نجم عن «النتائج الإيجابية لإجراءات الإصلاح الاقتصادي» بحسب نص البيان. وكذلك ارتفاع فاتورة نقل وشحن المنتجات البترولية الواردة من الخارج، نتيجة اضطرابات البحر الأحمر في ظل عمليات حركة «أنصار الله» ضد السفن الإسرائيلية.

ويوضح بيان لجنة تسعير الوقود الأسباب المباشرة والآنية لرفع أسعار الوقود اليوم، إلا أن السبب الأكثر امتداداً وتأثيراً في أسعار الوقود هو السياسة التي أعلنتها الدولة منذ العام 2014، وأبرز بنودها تقليص دعم الطاقة على مراحل، إلى حين إلغائه بالكامل. وهذا ما نفذته الدولة بالفعل على خطوات متتالية بدءاً من حزيران/يونيو 2014، وصولاً إلى الزيادة الأخيرة. 

بدأت خطوات رفع أسعار الوقود في حزيران/ يونيو 2014، عقب تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السلطة رسمياً، وبدء الحديث عن كلفة دعم الوقود واستنزافها 20% من مصروفات الموازنة العامة. أعاد السيسي في حينه الموازنة العامة إلى البرلمان بعد إقرارها، من أجل تقليص الإنفاق وتطبيق سياسات أكثر تقشفاً. تضمّنت التعديلات الجديدة تقليص دعم الوقود، وهو ما انعكس في أولى خطوات رفع أسعار الطاقة بنسب وصلت إلى 50%.

الخطوة التالية كانت مع إبرام الاتفاق الأول مع صندوق النقد الدولي، والذي تضمن إقراض مصر 12 مليار دولار، وصاحب ذلك القرض جملة من السياسات التي كان ضمنها أيضاً رفع أسعار الوقود.

بعد ذلك اتخذ رفع أسعار الوقود مساراً منتظماً بعد تشكيل لجنة تسعير الوقود، التي تراجع أسعار الوقود في السوق المحلي كل ثلاثة أشهر وفق تطور أسعار الطاقة عالمياً، وتأخذ في الاعتبار تقلّبات سعر الصرف المحلي ومختلف العوامل المؤثرة في سعر الطاقة. وبذلك تحوّل رفع أسعار الوقود إلى روتين دوري أدّى إلى ارتفاعات متتالية في أسعار الوقود إلى أن بلغت أسعار بعض أنواع الوقود في آذار/مارس 2024 عشرة أضعاف سعرها في 2014 قبل بدء مسار رفع الأسعار.

انعكس رفع أسعار الوقود بشكل مباشر على معدّلات التضخّم، على اعتبار أن سعر الوقود هو أحد المكوّنات الرئيسة في كلفة غالبية السلع والخدمات، وبالتالي أسهم في وصول معدلات التضخّم إلى مستويات قياسية.

إذا كان تحرير سعر الصرف واضطراب الملاحة في البحر الأحمر أديا إلى رفع أسعار الوقود اليوم، فإن المحرّك الأول لأسعار الطاقة في السنوات العشر الماضية هو سياسة إلغاء دعم الوقود، التي اعتمدتها الدولة في سياق سياسات الإصلاح الاقتصادي بناء على توصيات صندوق النقد الدولي.

يحمل القرار الأخير لرفع أسعار الوقود في طياته سمة خاصة سيكون لها تأثير أكبر على التضخّم، فنسب ارتفاع أسعار الوقود تراوحت بين 8% و33%، وهو تفاوت كبير للغاية في نسب الزيادة. لكن اللافت أن النسبة الأكبر في زيادة الأسعار كانت من نصيب السولار والبوتاغاز، بنسبة 21% و33% على التوالي، وهما النوعين الأكثر تأثيراً في التضخم. فالسولار هو أكثر أنواع الوقود المستخدمة في المواصلات والنقل، وكذلك في الزراعة، ورفع سعره يؤدي بشكل فوري إلى رفع أسعار المواصلات، وكذلك أسعار السلع المختلفة بسبب ارتفاع كلفة نقلها. وبالفعل فور إعلان قرار لجنة تسعير الوقود، أعلنت الجهات المعنية عن تعريفات جديدة لاستخدام المواصلات العامة والخاصة بنسب متفاوتة حسب المحافظات والخطوط ووسائل النقل. ومن المتوقع أن تنعكس أسعار السولار الجديدة على أسعار مختلف السلع خصوصاً السلع الزراعية والسلع الغذائية.

إلى ذلك، ارتفعت أسعار أسطوانات الغاز المستخدمة في المنازل بنسبة 33%، وهو ما يعني رفع كلفة الطعام بشكل مباشر ومركب، سواء برفع تكلفة الزراعة أو النقل أو إعداد الطعام في المنازل. وهذه الزيادة في كلفة الطعام ستضاف إلى معدلات تضخم مرتفعة بالفعل، خصوصاً أن الوزن الأكبر في معدلات التضخم يسجل في بند استهلاك الغذاء والمشروبات.

اللافت أيضاً أن نسب الزيادة الجديدة مخالفة لقرار تأسيس لجنة تسعير الوقود، الذي يعطي اللجنة صلاحية تغيير أسعار الوقود بنسبة 10% فقط لأعلى أو لأسفل، بينما جاءت الزيادة بأكثر من ضعف وثلاثة أضعاف تلك النسبة لكلا من السولار والبوتاغاز.

كان ترشيد الدعم وضمان وصوله لمستحقيه هو الذريعة التي اتخذتها الدولة لإلغاء دعم الوقود، ووفقاً لحجة الدولة فإن الدعم الذي تقدّمه للبنزين يذهب لأصحاب السيارات الذين لا يحتاجون للدعم، وهو ما يثقل كاهل الموازنة ويحدّ من الإنفاق الاجتماعي الذي يوجه للفقراء.

حقيقة ما حدث أن إلغاء الدعم على الطاقة وإخضاع أسعار الوقود للأسعار العالمية وسعر الصرف، دفعت ثمنه في المقام الأول الأسر الفقيرة، بسبب ارتفاع أسعار المواصلات والسلع والخدمات، التي تأثرت جميعها بأسعار الوقود والطاقة. في حين أن أعباء الموازنة لم تنخفض بإلغاء الدعم على الطاقة، بل ما حدث هو تحمل الموازنة العامة أعباء أكبر نتيجة سياسة الاستدانة التي ارتبطت بالاتفاق مع الصندوق.

لقد شهدت معدلات التضخّم في شباط/ فبراير الماضي زيادة ملحوظة، إذ ارتفع إلى 36% بعد تراجعات متتالية انخفض فيها عن 30% في بعض الأشهر. وسبق هذا الارتفاع تحرير سعر الصرف، الذي بدأ مطلع آذار/مارس الجاري، وفقد بموجبه الجنيه 60% من قيمته، وهو ما سينعكس حتماً على تكلفة الواردات، خصوصاً تلك التي كان يتم تسعيرها وفقاً لسعر الدولار في السوق الرسمية، وهي السلع الأشد تأثيراً في حياة الناس، مثل الأدوية والمستلزمات الصحية والقمح والحبوب، ما يعني أن قفزة التضخم في الشهر الماضي لن تكون الأخيرة. ولكن إذا ما أضيف إليها أيضاً ارتفاع أسعار الوقود وتأثيره على السلع والخدمات والنقل والمواصلات فإن القفزة لن تكون الأخيرة ولن تكون الأعلى.