Preview الثروة العالمية

الثروة العالمية: مَن يملك كم؟

في كلّ عام ألفتُ انتباه القرّاء إلى نتائج أحدث تقرير للثروة العالمية الـذي تصدره مؤسّسة كريدي سويس. يُعدُّ الاقتصاديون أنطوني شوروكس (زميلي أيام الدراسة الجامعية)، وجايمس ديفيز ورودريغو لوبيراس هذا التقرير، الـذي يمثّل الدراسة الأشمل للثروة الشخصية على الصعيد العالمي واللامساواة بين البالغين حول العالم.

62 مليون شخص من إجمالي 4.4 مليار بالغ في العالم، أو 1.2% منهم لا غير، يمتلكون 47.8% من الثروة العالمية، بينما 2.8 مليار بالغ (أو 53.2%) لا يمتلكون إلا 1.1%، وهذا مستوى صارخ من اللامساواةتُعرَّف الثروة الشخصية بأنها ملكية العقارات والأصول المالية (الأسهم والسندات والأموال النقدية) ناقص الديون المترتبة على جميع البالغين في العالم. وبحسب تقرير العام 2022، فقد وصلت الثروة العالمية مع نهاية العام 2021 إلى 463.6 تريليون دولار، بزيادة قدرها 9.8% مقارنة بعام 2020، وأعلى بكثير من المتوسّط السنوي البالغ 6.6% والمسجّل منذ بداية القرن. وبغض النظر عن تحرّكات أسعار الصرف، فقد نما إجمالي الثروة العالمية بنسبة 12.7%، ليكون بذلك أسرع معدّل سنوي مُسجّل على الإطلاق. ارتفع متوسّط الثروة للشخص البالغ إلى 87,489 دولاراً في نهاية العام 2021. وبحسب كلّ دولة على حدة، فقد أضافت الولايات المتّحدة معظم الثروة الأسرية في العام 2021، تلتها الصين وكندا والهند وأستراليا.

الثروة العالمية

وهذه الزيادة في الثروة (العقارات والأصول المالية) لم يتم تقاسمها بالتساوي. على العكس من ذلك، ارتفعت حصّة شريحة الـ1% الأغنى من الثروة عالمياً للعام الثاني على التوالي ووصلت إلى 45.6% في العام 2021، بالمقارنة مع 43.9% في العام 2019. يعبِّر التقرير عن هذا التطوّر بشكل هرمي.

الثروة العالمية

يبيّن هرم الثروة أن 62 مليون شخص من إجمالي 4.4 مليار بالغ في العالم، أو 1.2% منهم لا غير، يمتلكون 47.8% من الثروة العالمية، بينما 2.8 مليار بالغ (أو 53.2%) لا يمتلكون إلا 1.1%، وهذا مستوى صارخ من اللامساواة. وفي حين كان متوسّط الثروة بعد حسم الديون عند أعلى 1.2% يزيد عن مليون دولار للفرد، كان عند الـ 53% الأدنى أقل بكثير من 10 آلاف دولار للفرد، ما يعني أنه أقل بـ100 مرّة على الأقل.

وضمن المجموعة الأكثر ثراء، فإن اللامساواة صارخة بالقدر نفسه، ويُعبَّر عنها بهرم آخر. في هذه المجموعة، هناك 264,200 فرد من أصحاب الثروات الفائقة مع صافي ثروة يزيد عن 50 مليون دولار في نهاية العام 2021. وهذا يزيد بمقدار 46 ألف فرد عن رقم 218,200 المسجّل في نهاية العام 2020، الذي كان بدوره أعلى بمقدار 43,400 ممّا كان عليه في العام 2019. هاتين الزيادتين تعادلان أكثر من ضعف الزيادات المسجّلة في أي عام آخر في هذا القرن. وإذا أخذناهما معاً، فهذا يعني أن عدد البالغين من أصحاب ثروات التي تزيد عن 50 مليون دولار، قد زاد بأكثر من 50% في العامين 2020 و2021. ويرجع هذا الارتفاع الأخير في اللامساواة إلى الارتفاع الكبير في قيمة الأصول المالية أثناء جائحة كوفيد-19 وبعدها، والأغنياء هم من يمتلك معظم الأصول المالية. 

الثروة العالمية

تعكس الزيادة الإجمالية في الثروة العالمية ازدياد الثروة في الصين وتوسّع «الطبقة الوسطى» فيما يسمى بالعالم النامي. ومع ذلك، يبلغ متوسّط ثروة هذه المجموعة 33,724 دولاراً، أو حوالي 40% فحسب من مستوى متوسط الثروة في جميع أنحاء العالم. لا تزال غالبية الأثرياء وفاحشي الثراء تعيش في ما يسمى بـ«الشمال العالمي». لكن يلاحظ أن 7% من أفقر الناس في العالم يعيشون في أميركا الشمالية.

الثروة العالمية

ترتفع اللامساواة العالمية أو تنخفض استجابة للتغيرات في اللامساواة في الثروة داخل البلدان: ما يسمى بمكوِّن «داخل البلد». ولكنها تتأثر أيضاً بالتغيرات في متوسط مستويات الثروة في البلدان قياساً إلى المتوسط العالمي: مكوِّن «بين البلدان». وفي هذا القرن كان صعود الثروات الأسرية في الأسواق الناشئة، وأبرزها الصين والهند، سبباً في تضييق الفوارق في الثروة بين البلدان، حتى أن المكوِّن بين البلدان قد انحسر بسرعة كبيرة. وهذا العامل كان العامل المهيمن الذي حكم الاتجاه التراجعي العام في اللامساواة.

الثروة العالمية

في القرن الحادي والعشرين، ارتفع متوسّط ثروة الفرد من 1،613 دولاراً في العام 2000 إلى 8،296 دولاراً في العام 2021، أي بزيادة سنوية قدرها 8.1%. لكن هذا نتيجة للارتفاع الحادّ في متوسط الثروة في الصين من 3،133 دولاراً للفرد إلى 26،752 دولاراً في العام 2021 (12% سنوياً)، أو من 7% من متوسط الثروة في أميركا الشمالية في العام 2000 إلى 28% في العام 2021. كان متوسّط ثروة الفرد في الصين في العام 2000 ضعف المتوسّط العالمي، وأصبح اليوم أكثر من ثلاثة أضعاف.

الثروة العالمية

شهدت الهند بدورها ارتفاعاً في متوسّط ثروة الفرد البالغ من 1،005 دولارات في العام 2000 إلى 3،295 دولاراً في العام 2021، أي 7% سنوياً، ولكن في العام 2000، شكّلت ثروة الهندي البالغ 2% فقط من ثروة البالغ في أميركا الشمالية، وأصبحت اليوم 3% لا غير؛ ويظل عدد البالغين في الهند أقل بكثير من المتوسّط العالمي. والواقع أن هذه النسبة انخفضت من 62% في العام 2000 إلى 40% اليوم. فالهند تتراجع نسبياً، في حين تتقدّم الصين نسبياً.

وهنا نقطة رئيسة تستحق التأمّل. إذا كنت تمتلك عقاراً لتسكنه ولا يزال لديك، بعد استبعاد كامل ديون رهن عقاري، أكثر من 100 ألف دولار من حقوق الملكية والمدخرات، فأنت من بين أغنى 10% من البالغين حول العالم. قد لا تصدق ذلك إلا أنها الحقيقة فمعظم البالغين في العالم ليس لديهم أي ثروة تُذكَر.

لا تزال غالبية الأثرياء وفاحشي الثراء تعيش في ما يسمى بـ«الشمال العالمي». لكن يلاحظ أن 7% من أفقر الناس في العالم يعيشون في أميركا الشماليةأما فيما يتصل باللامساواة بين الرجال والنساء، فقد وجد التقرير أنه من بين 26 دولة تضمّ 59% من السكّان البالغين في العالم، فإن 15 دولة (بما فيها الصين وألمانيا والهند، على سبيل المثال) تظهر انخفاضاً في ثروة النساء على مدار العامين الماضيين.

وفيما يتصل بفاحشي الثراء حول العالم، فقد بلغ عدد أصحاب الملايين 62.5 مليون في نهاية العام 2021، بزيادة 5.2 مليون عن العام السابق. أضافت الولايات المتّحدة 2.5 مليون مليونيراً جديداً، أي ما يقرب من نصف الزيادة الإجمالية العالمية. وهذه أكبر زيادة في أعداد المليونيرات يسجّلها أي بلد في أي عام في خلال هذا القرن، وهي تعزّز الارتفاع السريع في أعداد المليونيرات في الولايات المتّحدة والمتواصل منذ العام 2016. تضمّ الولايات المتّحدة اليوم 39% من إجمالي المليونيرات فيما يبلغ عدد سكانها نحو 350 مليون نسمة، في حين تضمّ الصين 10% من المليونيرات فيما عدد سكانها يصل إلى 1.4 مليار نسمة.

الثروة العالمية

فيما يتصل باللامساواة في الثروة داخل البلدان، سجّل معامل جيني للثروة (المقياس المعتاد للامساواة)، في نهاية العام 2021، معدّل 85 في الولايات المتحدة (علماً أن معدّل 100 يعني امتلاك شخص بالغ لكل الثروة). في الواقع، اتجهت جميع مقاييس اللامساواة في الولايات المتّحدة نحو الارتفاع منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. على سبيل المثال، ارتفعت حصة الثروة لشريحة الـ1% الأغنى من البالغين من 32.9%في العام 2000 إلى 35.1% في العام 2021 في الولايات المتحدة.

ماذا عن الصين؟ حسناً، ارتفع معامل جيني للثروة من 59.5 في العام 2000 إلى ذروة 71.7 في العام 2016. ثمّ تراجع مرّة أخرى إلى 70.1 بحلول العام 2021، ليقترب من معدّله في العام 2010 وقرابة 20% أقل من الولايات المتّحدة. كانت اللامساواة في الثروة في الهند أعلى بكثير في العام 2000 وازدادت منذ ذلك الحين. فقد ارتفع معامل جيني من 74.6 في العام 2000 إلى 82.3 في نهاية العام 2021. وارتفعت حصة شريحة الـ1% الأغنى من الثروة من 33.2% في العام 2000 إلى 40.6% في عام 2021. فالهند للأثرياء جدّاً شأنها شأن الولايات المتّحدة.

في عدد من الاقتصادات الرأسمالية المتقدّمة، انخفضت اللامساواة في الثروة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكنها عادت إلى الارتفاع بعد الأزمة المالية العالمية والتباطؤ الاقتصادي بفعل الوباء. بحلول العام 2021، ارتفع معامل جيني قليلاً عن مستواه في العام 2000، ليصل إلى 70.2 في فرنسا و70.6 في بريطانيا -وهو المعدل نفسه في الصين تقريباً.

وجد التقرير أنه من بين 26 دولة تضمّ 59% من السكّان البالغين في العالم، فإن 15 دولة بما فيها الصين وألمانيا والهند، تظهر انخفاضاً في ثروة النساء على مدار العامين الماضيينيقدّم التقرير منظوراً شاملاً للامساواة في الثروة بين البلدان والمناطق في الخريطة المقدمة عن الثروة العالمية. وهذا يدل على أن الدول ذات الثروة الفردية المرتفعة (أكثر من 100 ألف دولار أميركي) تتركّز في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية، وفي المناطق الأكثر ثراءً في شرق آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط، وفي نقاط قليلة متفرّقة في منطقة البحر الكاريبي.

تعدُّ الصين وروسيا عضوين أساسيين في مجموعة بلدان «الثروة المتوسطة»، ويتراوح متوسط ثرواتها بين 25 ألف و100 ألف دولار. وتضمّ هذه المجموعة أيضاً الأعضاء الأحدث في الاتحاد الأوروبي واقتصادات الأسواق الناشئة المهمّة في أميركا اللاتينية والشرق الأوسط.

وبالنزول خطوة إلى الأسفل نصل إلى نطاق «حافة الثروة» ويتراوح بين 5،000 و25،000 دولار للبالغ، وهذه مجموعة غير متجانسة تغطّي البلدان المكتظة بالسكان مثل الهند وإندونيسيا والفلبين، بالإضافة إلى معظم بلدان أميركا الجنوبية وجنوب الصحراء الكبرى مثل جنوب أفريقيا. كما تقع الدول الآسيوية سريعة النمو مثل كمبوديا ولاوس وفيتنام ضمن هذه الفئة.

وتشكّل البلدان التي يقل متوسّط ثروتها عن 5،000 دولار المجموعة الأخيرة، وتهيمن عليها دول وسط أفريقيا.

الثروة العالمية

تتألّف الكتلة الإمبريالية من أميركا الشمالية وأوروبا واليابان ومعها أستراليا. ومثلما تتحكّم هذه الكتلة في التجارة والناتج المحلي الإجمالي والتمويل والتكنولوجيا، فإنها تمتلك قرابة كامل الثروة الشخصية.

نُشِر هذا المقال بموافقة مُسبقة من الكاتب.

علاء بريك هنيدي

مترجم، حاصل على ماجستير في المحاسبة، وشارك في تأسيس صحيفة المتلمِّس. صدر له ترجمة كتاب ديفيد هارفي «مدخل إلى رأس المال» عن دار فواصل السورية، وكتاب جوزيف ضاهر «الاقتصاد السياسي لحزب الله اللبناني» عن دار صفصافة المصرية، وكتاب بيتر درَكر «الابتكار وريادك الأعمال» عن دار رف السعودية، وكانت أولى ترجماته مجموعة مقالات لفلاديمير لينين عن ليف تولستوي صدرت ضمن كراس عن دار أروقة اليمنية. كما نشر ترجمات عدّة مع مواقع صحافية عربية منها مدى مصر، وإضاءات، وذات مصر، وأوان ميديا.