
ماذا حقّق أنصار الله بعد عام من الهجمات في البحر الأحمر؟
مرّت سنة على اختطاف حركة «أنصار الله» سفينة «غالاكسي ليدر» الإسرائيلية عند مضيق باب المندب قبالة سواحل اليمن، وهذه كانت العملية الأولى التي أطلقتها الحركة اليمنية في البحر الأحمر نصرة لغزة. يومها اجتاحت الصدمة عالم التجارة البحرية، وأعيد إلى ذاكرة قطاع الشحن البحري حادثة السفينة «إيفرغرين» التي علقت في قناة السويس في العام 2021، وأغلقت الممرّ البحري لستة أيام، ما أدّى إلى تعليق نحو 10 مليارات دولار من التجارة يومياً.
تتالت هجمات حركة «أنصار الله» على السفن في البحر الأحمر منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023، ووصلت إلى نحو 200 عملية بحسب بيانات الحركة، شملت إطلاق طائرات مُسيّرة وصواريخ على السفن فضلاً عن الاقتحام والتفجير، ووفق تقرير مفصّل صادر عن وكالة استخبارات الدفاع الأميركية في حزيران/يونيو الماضي 2024، استهدفت حركة أنصار الله في 4 أشهر فقط ممتدّة بين تشرين الثاني/نوفمبر 2023 وحتى 23 آذار/مارس 2024، نحو 43 سفينة في البحر الأحمر، وقد تأثرت بهذه العمليات 65 دولة على الأقل، و29 شركة شحن أو شركة طاقة، ما جعل عمليات «أنصار الله» مصدر قلق للدول والشركات العالمية.
أدّت الهجمات الى اجتناب السفن البحر الأحمر بشكل كبير، ففي شهرين فقط تراجعت أعداد السفن المارّة من خليج عدن، المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، بنحو النصف، وبحلول منتصف العام 2024، تراجعت حمولة السفن المارة من خليج عدن بنسبة 76%، وفقاً لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية. أما قناة السويس، المدخل الشمالي للبحر الأحمر، فوصل التراجع في الحمولة المارة إلى 70% في الفترة نفسها.
وجد المورّدون وشركات الشحن أنفسهم في ورطة كبيرة. إن اجتناب البحر الأحمر واعتماد مسار بحري آخر يعني إطالة الطريق على السفن. يعتبر البحر الأحمر طريقاً مختصراً لكثير من الرحلات التجارية منذ أن تم وصله بالبحر الأبيض المتوسط عبر شقّ قناة السويس بينهما في القرن التاسع عشر. يختصر البحر الأحمر المسافة من شرق أفريقيا إلى غرب آسيا، ومن المحيط الهندي الى البحر الأبيض المتوسط، بل يربط دول التاج البريطاني من أستراليا إلى بريطانيا. لكن الأهم من هذا كله، أنه حلقة الوصل الأسرع ما بين الدول الصناعية العملاقة في شرق آسيا، كالصين وتايوان واليابان وكوريا الجنوبية، وبين الدول الغنية كثيفة الاستهلاك في أوروبا كإيطاليا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا.
أصبح على السفن الالتفاف عبر رأس الرجاء الصالح في أقصى جنوب أفريقيا، ثم التحرّك بمحاذاة كامل الساحل الغربي لأفريقيا واجتياز مضيق جبل طارق بين أسبانيا والمغرب، للوصول في النهاية إلى دول جنوب أوروبا المطلّة على البحر المتوسط، ما أضاف حوالي أسبوعين على طول الرحلات البحرية بين الشرق والغرب. بحلول منتصف العام 2024 ارتفع عدد السفن الوافدة إلى رأس الرجاء الصالح بنسبة 89%.
اختلالات في العرض والطلب
إذن، السفينة التي كانت تحتاج إلى 4 أسابيع مثلاً لتوصل هاتف سامسونغ من كوريا الجنوبية إلى مشتري أوروبي، أصبحت تحتاج إلى 6 أسابيع، لكن هذا يعني أن السفينة ستتأخر أكثر على رحتلها التالية، وأكثر وأكثر على رحلتها الثالثة، وهكذا دواليك. لذلك أدخلت شركات الشحن على الخط سفن جديدة لتعوّض عن التأخير، ففي الوقت الإضافي الذي تمضيه السفينة الأولى إلى وجهتها، هناك سفينة جديدة أبحرت من مرساها لتلبي طلبية أخرى.
يعني هذا بتعبير الاقتصاديين أن «عرض السفن» ارتفع، أو بتعبير أدقّ ارتفع عرض خدمات الشحن البحري لتغطية الطلب المتراكم. مع العلم أنه في عالم التجارة البحرية، ليست أوزان البضائع وحدها التي تعبّر عن حجم الطلب المتراكم، بل المسافة التي على البضائع قطعها أيضاً، تعتبر شركة الشحن أن نقل طن من القمح لمسافة ألف كيلومتر، يعتبر طلبية أكبر من نقل الطن نفسه لمسافة 100 كيلومتر، وتقدّر حجم هذه الطلبية بضرب المسافة والوزن. تستخدم هذه الحسابات لقياس العرض والطلب في قطاع الشحن البحري، وكحال أي خدمة وسلعة في عالم الاقتصاد، فإن طلباً أكثر يعني أسعاراً أعلى، وعرضاً أكثر يعني أسعاراً أقل، والعكس صحيح.
بحسب أرقام مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، أدّت الطرق الأطول إلى زيادة الطلب العالمي على خدمات السفن (المسافة ضرب الحمولة) بنسبة 3% والطلب على سفن الحاويات بنسبة 12% بحلول منتصف العام. صحيح أنه تم إدخال سفن جديدة وعرض خدمات شحن جديدة لامتصاص هذا الطلب، لكن يحوم الخوف بين شركات الشحن من انتهاء أزمة البحر الأحمر فجأة، وبذلك ستصبح الكثير من السفن راسية من دون عمل مع تراجع الطلب على خدمات الشحن مجدّداً، ما يؤدي إلى انخفاض أسعار الشحن بشكل كبير، ويعرّض الشركات لتراجع في الإيرادات أو ربما تحقيق خسائر.
يخبرنا مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أنه بحلول حزيران/يونيو، كان هناك ما يكفي من السفن وخدمات الشحن لامتصاص الطلب المتراكم كله، بل وتخفيض أسعار الشحن بنسبة معتبرة، لكن أسعار الشحن تضاعفت وليس العكس، فمؤشر دروري لأسعار الشحن من شنغهاي إلى نيويورك ارتفع من نحو 2,600 دولار في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2023 إلى أكثر من 6,200 دولار في كانون الثاني/يناير 2024، ومن ثم إلى أكثر من 9,600 دولار في تموز/ يوليو 2024. كيف ذلك؟ أحد الأسباب أن تكاليف الشحن نفسها ازدادت.
تكاليف الشحن
أصبحت شركات الشحن تتكبّد أكلافاً أكبر لنقل البضائع، وصارت السفن تصرف مزيداً من الوقود نتيجة لإطالة الرحلة التجارية، فضلاً عن ازدياد أجور العمّال والموظّفين، الذين أصبحوا يعملون لساعات أكثر. كذلك فإن أجزاء السفينة، من المحرك حتى أصغر ترس ومسمار، أصبحت تستخدم بشكل أكبر، ما يعني أنها ستعيش لمدة أقصر. يأخذ محاسبو الشركات هذا الأمر بالاعتبار عند احتسابهم النفقات، ويسموه «الاهلاك» ومبدؤه أن استخدام ممتلكات الشركة في ذاته كلفة.
ربما الكلفة الأكثر تضاعفاً هي كلفة التأمين. منطق شركات التأمين بسيط: كلما ازداد احتمال تعرّض السفينة للضرر كلما ازداد سعر تأمينها، والبحر الأحمر أصبح طريقاً خطيراً بفعل الهجمات اليمنية، مع العلم أن طريق رأس الرجاء الصالح ليس آمناً جداً في الأيام العادية، إذ يتعيّن على خطوط الشحن التعامل مع مخاطر المحيط الهندي وطقسه القاسي، يضاف إلى ذلك تهديد القراصنة في بعض المناطق على الساحل الأفريقي.
قبل هجمات «أنصار الله»، كان على الشركة التي تريد أن تشحن سفينة عبر البحر الأحمر أن تدفع أقساط تأمين متعلقة بالحرب والصراع تساوي 0.07% من سعر السفينة في المتوسط، وفقاً لوحدة الاستخبارات الاقتصادية (EIU)، وحتى أقل من ذلك، عند 0.04% أو 0.05%، وفقاً لبعض شركات التأمين. لكن بحلول نهاية كانون الأول/ديسمبر 2023، أي بعد شهر أو شهرين من بداية عمليات البحر الأحمر ارتفع متوسط أقساط التأمين إلى نحو %0.5 أو0.7%، حسبما ذكرت وحدة الاستخبارات الاقتصادية في ورقة بحثية، بل وصلت بعض أسعار التأمين إلى 2% من سعر السفينة في شباط/فبراير 2024، بحسب Arabian gulf Business Insight، يعني هذا أن أسعار التأمين تضاعفت عشرات المرات في بضعة أشهر.
أخيراً وليس آخراً، أدّت الرحلات الطويلة إلى زيادة انبعاثات الكربون التي تطلقها السفن فوق الحدّ الذي يضعه قانون مقايضة الانبعاثات الأوروبي. وبحسبه، يتوجب على الشركات مراقبة انبعاثاتها والإبلاغ عنها على أساس سنوي، إن تجاوزت الحد المسموح به يفرض عليها غرامات ثقيلة، وإن لم تتجاوزها يحق لها بيع ما تبقى لها من «انبعاثات» لشركة أخرى تريد تجاوز الحدّ الأساسي، بالنسبة إلى سفينة تتسع لنحو 20,000 إلى 24,000 حاوية تريد الترحال على طريق الشرق الأقصى - أوروبا، تضيف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وحدها تكاليف قدرها 400,000 دولار.
حاول مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أن يقيس أثر اضطرابات البحر الأحمر على أسعار الشحن في العالم، استناداً إلى مؤشرين معتمدين عالمياً لفهم حركة أسعار الشحن المختلفة، وانتهى إلى أن هجمات البحر الأحمر رفعت مؤشر شحن الحاويات في الصين بنسبة 148% بين تشرين الثاني/نوفمبر 2023 وحزيران/ يونيو 2024، وهو المؤشر الذي يتتبع أسعار شحن الصادرات من الموانئ الصينية، ورفعت الهجمات اليمنية مؤشر البلطيق الجاف بنسبة 22% في الفترة نفسها، وهو مؤشر تعدّه بورصة البلطيق في لندن ويغطي أسعار البضائع المنقولة مثل حبوب الفحم وخام الحديد.
التكاليف تمرّر إلى المستهلك
لم يقبل المورّدون أن يتحمّلوا تكاليف الشحن الجديدة بمفردهم، بل مرروا جزءاً منها إلى المستهلك. علماً أن كثير من الخبراء لا يعتقدون أن لارتفاع أسعار الشحن التأثير الكبير على أسعار الاستهلاك. في أوروبا مثلاً عادة ما تمثل تكاليف الشحن 1.5% فقط من مؤشر أسعار المستهلك.
ويتوقع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أن تزداد أسعار الاستهلاك بنسبة 0.6% بحلول العام 2025، بسبب أرتفاع أسعار الشحن فقط (نتيجة اضطرابات البحر الأحمر وقناة بنما)، هذا إن ظلت بالمستوى التي هي عليه، ورأت المنظمة أن ارتفاع التكاليف سيؤدي إلى التضخم وتآكل القدرة التنافسية التجارية وتهديد الاستقرار الاقتصادي. تجدر الإشارة إلى أن التضخّم العالمي المتوقع لنهاية العام 2025 هو 3.5%، وبالنسبة إلى عالم جعل من التضخّم السنوي بنسبة 2% هدفاً أساسياً للبنوك المركزية، فإن ارتفاع أسعار الاستهلاك بنسبة 0.6% يعد أمراً جللاً.
ترى ورقة بحثية أعدها البنك الدولي استناداً إلى بيانات 143 دولة على مدى السنوات الثلاثين الماضية، أن تكاليف الشحن تشكّل محركاً مهماً للتضخم في جميع أنحاء العالم: فعندما تتضاعف أسعار الشحن، يرتفع التضخم بنحو 0.7 نقطة مئوية، مع العلم أن التأثيرات تصل إلى ذروتها بعد عام وتستمر لمدة تصل إلى 18 شهراً. بحسب البنك الدولي فإن الزيادة في تكاليف الشحن التي لوحظت في العام 2021 يمكن أن تزيد التضخم بنحو 1.5 نقطة مئوية في العام 2022.
خسائر دول المنطقة
في شهر أيلول/ سبتمبر، قال الرئيس المصري إن إيرادات مصر من قناة السويس انخفضت بنسبة 50% إلى 60%، أو أكثر من 6 مليارات دولار، في خلال 8 أشهر، وذلك بعد أن عطلت هجمات «أنصار الله» الملاحة في البحر الأحمر. أثارت هذه الأرقام مخاوف حقيقية على الاقتصاد المصري الهش بالفعل، إذ تمثل إيرادات قناة السويس ما يقرب من 2% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، كما أنها مصدر مهم للعملة الأجنبية.
بحسب Sea-Intelligence، انخفض عدد السفن المارة من الموانئ البحرية في البحر الأحمر بنسبة 85% في المتوسط في العام 2024، ومنها موانئ مصر على الجانب الشرقي من البحر الأحمر، وأهمها ميناء سفاجا الذي يتعامل مع 3.8 مليون طن من البضائع في السنة.
لكن أكثر موانئ البحر الأحمر تضرراً كانا ميناء جدة والملك عبد الله، وتوقفت شركات النقل عن طلب خدمات أعماق البحار deep-sea services في ميناء الملك عبد الله في كانون الثاني/يناير 2024، بينما شهدت جدة أعلى انخفاض شهري بنسبة 74% في الفترة من كانون الأول/ديسمبر 2023 إلى كانون الثاني/يناير 2024.
توقف هذه الموانىء أضرّ بالإمارات العربية المتحدة بلا شك، فموانئ دبي العالمية تدير موانئ عدّة في منطقة البحر الأحمر، بما في ذلك ميناء جدة في السعودية وميناء عين السخنة في مصر. في آب/أغسطس الماضي 2024، أعلنت موانئ دبي العالمية عن انخفاض أرباحها في النصف الأول من العام بنسبة 59% إذ عانت من اضطرابات الشحن في البحر الأحمر، وانخفض إجمالي الربح العائد إلى مالكي موانئ دبي العالمية إلى 265 مليون دولار في الأشهر الستة حتى 30 حزيران/ يونيو من 651 مليون دولار قبل عام.
أما الحليف الأكبر للولايات المتحدة الأميركية، إسرائيل، فقد خسر ميناء إيلات (أم الرشراش) بسبب هجمات البحر الأحمر، 85% من الأحجام التي يتعامل معها في البحر الأحمر، وذلك في شهر واحد من بدء عمليات «أنصار الله» في البحر الأحمر، وتعرّض الميناء لخسائر اقتصادية مباشرة تقدّر بنحو 3 مليارات دولار أميركي، وأصبح شبه متوقف على العمل إلى حد طلب المساعدة من الحكومة.
يبقى ميناء إيلات أصغر بكثير من موانئ البلاد على البحر الأبيض المتوسط في أشدود وحيفا، علماً أنه يتعيّن على ما لا يقل عن 30% من البضائع المستوردة من الميناءين الأخيرين المرور عبر البحر الأحمر وقناة السويس للوصول إلى إسرائيل. وفي الربع الأخير من العام 2023، وبسبب الحرب والتوترات في البحر الأحمر، انخفض عدد السيارات المستوردة في ميناء أشدود بنسبة 94%.
مؤخراً، أبلغت شركات الشحن العملاء عن ارتفاع أسعار الشحن البحري بنحو 30% في المتوسط، فقد أرسلت شركة الشحن الإسرائيلية Zim إلى عملائها رسالة، تفيد بأنه اعتباراً من الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، سيتم تطبيق رسوم إضافية بقيمة 1,000 دولار لكل حاوية 20 قدماً، و1,500 دولار لكل حاوية 40 قدماً، و1,600 دولار لكل حاوية 60 قدماً على الإبحار من الشرق الأقصى إلى إسرائيل . وتضاف الرسوم الإضافية إلى الأسعار الحالية البالغة 3,348 دولاراً أميركياً للحاوية سعة 20 قدماً و4,884 دولاراً أميركياً للحاوية سعة 40 قدماً. أيضاً، رفعت شركة MSC سعر الحاوية 40 قدماً (الأكثر شيوعاً) من 3,000 دولار إلى 4,700 دولار، ورفعت شركة Evergreen السعر من 3,100 دولار إلى 4,400 دولار.
مرافىء انتعشت وأخرى ازدحمت
أدى تغيير مسار السفن إلى استفادة موانىء جديدة موجودة على خط الملاحة البديل، كتلك الموجودة في شرق أفريقيا، بما في ذلك مومباسا (كينيا)، ودار السلام (تنزانيا)، وبيرا (موزمبيق)، وهي خارج الممرات الملاحية التقليدية التي تربط آسيا بأوروبا. أيضاً استفادت موانئ جنوب أفريقيا، وهو البلد الذي يضمّ رأس الرجاء الصالح، وخصوصاً موانىء ديربان وكيب تاون، وذلك بسبب مواقعها الاستراتيجية وموانئها المتطورة وبنيتها التحتية اللوجستية مقارنة بالكثير من الموانئ الأفريقية الأخرى. ومع ذلك، كانت موانئ جنوب أفريقيا مقيدة بسبب عدم الكفاءة والازدحام ومشاكل إمدادات الطاقة التي منعت المشغلين من الاستغلال الكامل للأزمة الأمنية في البحر الأحمر وزيادة تدفق حركة المرور البحرية.
على ما يبدو فإن قطع البحر الأحمر أدى إلى ازدحام في الموانئ أكثر من انتعاش. في حزيران/يونيو، قالت شركة البيانات البحرية Linerlytica إن ازدحام الموانئ العالمية وصل إلى أعلى مستوى له منذ 18 شهراً، فالسفن أصبحت تقوم بتفريغ كميات أكبر دفعة واحدة في مراكز إعادة الشحن الكبيرة، بالإضافة إلى التخلّي عن الرحلات اللاحقة لمتابعة الجداول الزمنية.
بحسب تقرير beacon، شهد الربع الثاني من العام 2024 تفاقم مستويات ازدحام الموانئ في جميع أنحاء العالم، لا سيما في موانئ جنوب شرق آسيا وأوروبا، وتسلّط هذه البيانات الضوء على التأثير المستمر لأزمة البحر الأحمر وارتفاع الطلب على شحن الحاويات، ما يواصل الضغط على سلاسل التوريد.
تشير البيانات إلى أن 12 ميناء من أصل 18 ميناء شملها التحليل في أوروبا زاد فيها الازدحام، فضلاً عن 64% من الموانئ التي تم تحليلها في جنوب شرق آسيا. سجّلت مانيلا أكبر زيادة، إذ أضافت ما يقرب من 20 ساعة إلى متوسط أوقات الرسو. كما أبلغت شيتاغونغ (بنغلاديش)، وميناء كيلانغ (ماليزيا)، وسنغافورة عن زيادات كبيرة في مستويات الازدحام. في نهاية أيار/مايو قالت هيئة الملاحة البحرية والموانئ في سنغافورة (MPA)، ثاني أكبر ميناء للحاويات في العالم، إن متوسط وقت الانتظار لرسو سفينة الحاويات كان من يومين إلى ثلاثة أيام.
أيضاً، أثار التحويل الجماعي لسفن الحاويات بعيداً من البحر الأحمر مخاوف من الازدحام عبر موانئ الحاويات في غرب البحر الأبيض المتوسط أيضاً، حيث تقوم سفن الحاويات الكبيرة جداً من الشرق الأقصى بتفريغ الحاويات في موانئ غرب البحر الأبيض المتوسط مثل برشلونة، وتعيد تحميلها على سفن تغذية أصغر لنقلها إلى وجهتها النهائية. وارتفعت حركة الشحن العابر في برشلونة على أساس سنوي بنسبة 22% و64% و63% في كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير وآذار/مارس، في حين نمت الجزيرة الخضراء وفالنسيا ولاس بالماس بنسبة 7% و18% و33% في الربع الأول من العام 2024.
هل تم امتصاص الأزمة؟
يدور الحديث عن بدء استيعاب العالم لأزمة البحر الأحمر، فالازدحامات في بعض الموانىء تنخفض كميناء سنغافورة الشهير، وأسعار الشحن تراجعت بشكل كبير، ومؤشر دروري الذي يتتبع أسعار شحن الحاويات انخفض إلى نحو النصف قياساً بشهر تموز/ يوليو الماضي، إلا أنه ما زال أكثر من ضعف المستوى في الشهر نفسه من السنة الماضية.
من جهة أخرى، يرى محلّلون أنه يجب التعامل مع توترات البحر الأحمر بأقصى سرعة، كونها واحد من اضطرابات بحرية عدّة قد تنفجر في أي لحظة وتؤثر على بعضها بعضاً، نتحدث عن الصراع في مضيق تايوان بين الصين وتايوان، والنزاعات في بحر الصين الجنوبي والبحر الأسود وجفاف قناة بنما وغير ذلك.