
الرابحون من الانهيار في لبنان: المقترضون تخلّصوا من 48.5 مليار دولار من قروضهم
يعدّ المقترضون من المصارف الفئة الأكثر استفادة من الانهيارين النقدي والمصرفي في لبنان. ففي السنوات الست الماضية (2019-2024) تهاوت قيمة القروض المصرفية لزبائن القطاع الخاص من نحو 55.5 مليار دولار عشية الانهيار في نهاية العام 2018 إلى نحو 7 مليارات دولار في نهاية العام 2024، أي بما قيمته 48.5 مليار دولار بحسب معهد التمويل الدولي، من ضمنها 30.5 مليار دولار بالعملات الأجنبية، جرى تسديد معظمها بالليرة اللبنانية وبأسعار تقلّ كثيراً عن سعر الصرف في السوق.
انهيار سعر صرف الليرة بنسبة تزيد عن 98% منذ عام 2019، وهذا الانهيار تكفّل بشطب محفظة القروض المصرفية بالليرة التي لم تعد تساوي قيمتها بالدولار إلا ملايين قليلة بعدما كانت تبلغ أكثر من 18 مليار دولار في نهاية العام 2018 عشية الانهيار. أمّا محفظة القروض بالعملات الأجنبية فقد انخفضت في هذه الفترة من نحو 37.5 مليار دولار إلى نحو 7 مليارات دولار، وذلك نتيجة عمليات تسديد واسعة حصلت بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الثابت (1507.50 ليرة) الذي بقي مصرف لبنان محافظاً عليه حتى شباط/ فبراير 2023، وحصلت أيضاً عبر ما سمّي «تجارة الشيكات»، إذ عمد المقترضون إلى شراء ودائع بالعملات الأجنبية من أصحابها بعد عملية «قص شعر» وصلت نسبتها إلى 85% أحياناً.
إلا أن هذا العرض المُجرّد لتطوّر محافظ القروض المصرفية قد يوحي بأن جميع المدينين متساوين في الربح، فيما الواقع مخالف بالكامل. ففي العام 2018، عند إعلان المصارف اللبنانية توقفها عن الإقراض، كان 1.3% من المقترضين (8,389 مقترضاً) يستأثرون بنحو 68.9% من القروض (47.9 مليار دولار)، بمعدّل وسطي يبلغ 5.7 مليون دولار لكل قرض. علماً أن 0.2% من المقترضين (1.433 مقترضاً) ممن تتجاوز قروض كل منهم 6.7 مليون دولار، يستحوذون وحدهم على 49.4% من مجمل القروض، بمعدّل وسطي يبلغ 23.8 مليون دولار للقرض. والواقع أن هذا التركّز الشديد في القروض لم يكن إلا الوجه الآخر للتركّز الشديد في الودائع قبل الانهيار. ففي حين كان كبار المودعين يحصدون الحصّة الأكبر من مدفوعات الفائدة المموّلة من المال العام، شكّلوا أيضاً كبار المقترضين الذين استفادوا من دعم الفوائد على القروض المموّلة من المال العام أيضاً. وبعد الانهيار، نجح كبار المودعين النافذين من إخراج ودائعهم من القطاع المصرفي، كما تمكّنوا أيضاً من تسديد ديونهم بأقل من قيمها الحقيقة.
تردّد الكثير من السرديات عن أن اللبنانيين استفادوا من تثبيت سعر الصرف لأكثر من 22 عاماً كونه سمح لهم بالاستهلاك والإنفاق والاقتراض، وأنهم استفادوا من الانهيار لأنهم سدّدوا قيمة هذه الديون بالليرة. لا شكّ أن الكثير من أصحاب القروض الاستهلاكية من قروض السيارات والسكن (معظمها بالليرة) والاستهلاك قد استفادوا، لكن بيانات القروض التي حصل عليها موقع «صفر» من مصرف لبنان، تشير إلى أن التجّار، والمقاولون وتجار العقارات، والصناعيون هم أبرز المستفيدين من الانهيار. لقد شكّلت قروضهم المسدّدة نحو 57.5% (أو 27.5 مليار دولار) من مجمل القروض الممحية بين عامي 2017 و2023. ففي نهاية العام 2023، نجح التجّار من محو 15.4 مليار دولار من مجمل القروض المصرفية المترتبة عليهم، وبقيوا مدينين بنحو 4.2 مليار دولار، يليهم المقاولون العقاريون الذين محوا 7 مليارات دولار من قروضهم وبقيوا مدينين بنحو 2.9 مليار دولار، يليهم الصناعيون الذين تخلّصوا من 5 مليارات دولار وبقيوا مدينين بنحو 1.4 مليار دولار.