
هل حقّق ميزان المدفوعات اللبناني فوائض حقيقية بقيمة 6.4 مليار دولار؟
على الرغم من الحرب الإسرائيلية المدمّرة على لبنان، أعلن مصرف لبنان عن تسجيل فائض في ميزان المدفوعات للعام الثاني على التوالي، بقيمة 6.4 مليار دولار في العام 2024 مقارنة بنحو 2.2 مليار دولار في العام 2023. يأتي هذا التطوّر بعد أكثر من عقد من العجوزات السنوية المتتالية، التي بلغت ذروتها في العام 2020 مع عجز قياسي قدره 10.5 مليار دولار. غير أن هذه الأرقام تثير تساؤلات عن دقتها، إذ يعتمد المصرف المركزي على تغييرات محاسبية مثيرة للجدل، أبرزها إدراج احتياطي الذهب في احتساب أصوله الأجنبية.
يثير احتساب احتياطي الذهب في ميزان المدفوعات اللبناني شكوكاً في شفافية الأرقام الصادرة عن مصرف لبنان، ويطرح تساؤلات عن مدى تعافي الاقتصاد اللبناني فعلياً، الذي تحدّث عنه الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، لا سيما في ظل استمرار القيود المصرفية وشحّ السيولة في الأسواق.
بلغت العجوزات المتراكمة في ظل موجة هروب الرساميل والودائع بين عامي 2018 و2022 نحو 26.3 مليار دولار، أي أن الأموال التي خرجت من لبنان في هذه الفترة كانت أكبر بهذا المقدار من الأموال التي دخلت إليه. ويعبّر ميزان المدفوعات عن صافي الأموال الواردة إلى البلد والصادرة عنه. وبالتالي، هو لا يتضمّن أي مبادلات ومعاملات تُجري بين مقيمين في البلد، حتى ولو جرت بعملة أجنبية، كذلك لا يحتسب أي عمليات بين مقيمين وغير مقيمين ما لم يترتّب عليها مبادلات ومعاملات تحقّقت بالفعل، لا على الورق أو الفرضيات أو الأوهام، وهذا ما ينطبق على احتياطي الذهب، الذي يحظّر القانون الصادر منذ العام 1986 بيعه أو رهنه أو التصرّف به بأي شكل من الأشكال.
في لبنان، بسبب نقص الإحصاءات الفادح، يجري احتساب ميزان المدفوعات عبر رصد التغيّر في صافي الأصول الأجنبية لدى مصرف لبنان والمصارف التجارية في خلال فترة مُحدّدة، على أساس شهري، وعلى أساس سنوي تراكمي بالمقارنة مع الصافي المُسجّل في نهاية السنة السابقة. وتعبّر هذه المنهجية بقدر ما عن حقيقة التدفقات من لبنان وإليه، ولو بصورة ناقصة.
إلا أن مصرف لبنان يعمد بصورة متكرّرة إلى إدخال تعديلات في طريقة الحساب، ويحاول غالباً تجميل حسابات ميزان المدفوعات وإظهار نتائج أفضل مما هي عليه، وهذا يؤدّي إلى تشويه النتائج وجعلها من دون فائدة في التحليل والمقارنة. وفقاً لقرار المجلس المركزي لمصرف لبنان، اعتباراً من كانون الثاني/يناير 2024 بدأ احتساب قيمة الذهب النقدي ضمن الأصول الأجنبية لمصرف لبنان. وقد ارتفع سعر كيلو الذهب في الأسواق العالمية في العام الماضي بنسبة تتجاوز 29%، أي أن قيمة الذهب المُجمّد في مصرف لبنان ارتفعت بهذه النسبة أيضاً، ما رفع الفائض في ميزان المدفوعات من دون أن يحدث أي تدفق حقيقي للسيولة عبر المعاملات الخارجية، بل مجرد إعادة تقييم دفتري لقيمة الذهب. ومن دون احتساب الذهب، سيكون الفائض الفعلي أقل بكثير، وربما ينقلب إلى عجز.