التفاوت: الطريق الوسطى
- يقدّم مايكل روبرتس قراءة نقدية لكتاب ليام بيرن «التفاوت في الثروة». بالنسبة إليه، لن تعالج التفاوتات التي تزداد حدّة بسياسات ما بعد التوزيع، بل يتطلب الأمر تحولاً جذرياً في ملكية الثروة والتحكّم فيها.
شاركت في مناسبة إطلاق كتاب في كلية لندن للاقتصاد مُمثلاً عن ليام بيرن، النائب العمّالي المؤيّد لسياسات توني بلير، الذي ألف كتاباً بعنوان «التفاوت في الثروة». كان بيرن أحد أعمدة حكومتي بلير وبراون العمّاليتين في بريطانيا، وهو مشهور بتعليقه الساخر عند تسليم منصبه في وزارة المالية البريطانية إلى المحافظين الفائزين في العام 2010، حين ترك لهم مذكرة تقول: «أخشى أنه لا يوجد مال… هاها». يرأس بيرن، الذي كان سابقاً رائد أعمال في مجال التكنولوجيا، لجنة الأعمال في البرلمان البريطاني حالياً.
يعتقد بيرن أن الهدف الاجتماعي لحزب العمّال البريطاني يكمن في «المساواة» و«العدالة»، وليس في إحداث أي تغيير جذري في البنية الاقتصادي للنظام الرأسمالي، أي الاشتراكية. بهذا المعنى، يمثل بيرن الجناح «المعتدل» داخل الحزب، أو بالأحرى الجناح المؤيّد للرأسمالية، والذي يسيطر حالياً.
في إطار سعيه المزعوم لتحقيق المساواة، يتّحدث بيرن في كتابه عن المستويات الصادمة للتفاوت في الثروة والدخل التي تشهدها بريطانيا اليوم. ويقدّم مجموعة من الحقائق الصغيرة عن التفاوت - بعضها قد يكون مربكاً أو خاطئاً - لكن مهما يكن، لا بد من القيام بشيء، لأن التفاوت يلوّث سياستنا ومجتمعنا. إنه يقوّض اقتصادنا، وقد يزداد 10 أضعاف». يشير بيرن إلى أن الانطباع العام يشبه الأيام الأخيرة للإمبراطورية الرومانية: «كان متوسط ثروة الأرستقراطي الروماني يبلغ حوالي 1.5 مليون مرة من متوسط دخل المواطن الروماني. ولكن في قائمة الأثرياء الأخيرة لصحيفة صنداي تايمز، كانت ثروة الأخوين هندوجا (المولودين في الهند والمقيمين في لندن) تعادل حوالي 1.2 مليون مرة متوسط الدخل في بلدنا».
يقترب «جيل الطفرة السكانية» من الاندثار، وبالتالي ستُحوّل ثروة تقدّر بنحو 5.5 تريليون إلى الجيل المقبل. سوف يَرث البعض ملايين الجنيهات، بينما يَرث آخرون فواتير الرعاية
يبدي بيرن قلقاً من خطط التهرّب الضريبي التي يستفيد منها الأثرياء. «من غير العادل أن يدفع شخص مثل ريشي سوناك (رئيس الوزراء الحالي في بريطانيا)، الذي يكسب مليوني جنيه إسترليني سنوياً (بفضل مكاسب رأس المال من الاستثمارات إلى جانب راتبه)، معدل ضريبة يعادل نصف ما يدفعه معلّم كبير»، لكنه لا يتوقّع أن تُقدم حكومة عمّالية على تغيير هذا الوضع إذا تولت السلطة في نهاية العام.
يعتقد أن التفاوت سيزداد حدّة، يقترب «جيل الطفرة السكانية» من الاندثار، وبالتالي ستُحوّل ثروة تقدّر بنحو 5.5 تريليون إلى الجيل المقبل. سوف يَرث البعض ملايين الجنيهات، بينما يَرث آخرون فواتير الرعاية. وقد يصبح جيل Z، الجيل الأكثر تفاوتاً منذ نصف قرن، وسوف يكون من السذاجة الاعتقاد أن ذلك لن تكون له عواقب سياسية. التفاوت يقع في قلب الشعبوية الجديدة. يشعر بيرن بالقلق الشديد من الشعبوية لأنها تشكّل خطراً على الديمقراطية. قد يؤدّي تصاعد عدم المساواة إلى تفكّك النظام الديمقراطي الحالي».
يهدف بيرن إلى إيجاد «طريق وسطى» لمعالجة الوضع بين الاعتقاد بأنه لا يمكن فعل شيء، والرأي الذي يدعو إلى تغيير جذري في البنية الاقتصادية، والذي لن يحظى بموافقة الناخبين. ما هي السياسات التي تبنّاها بيرن في «الطريق الوسطى» لتحقيق مزيد من المساواة؟
يمتلك 65% من الناس في بريطانيا منازلهم، مع أن 38% منهم لديهم رهون عقارية. يبدو أننا بالفعل نعيش في ديمقراطية مالكة للعقارات، لكن ذلك لم يسهم في الحد من التفاوت الكبير في الثروة
ويقول بيرن: «ما نريده هو ديمقراطية مالكة للثروة» – وهي عبارة تذكّر بـ «الديمقراطية المالكة للعقارات» التي أطلقتها تاتشر، وكانت في الواقع بداية الارتفاع الحادّ في عدم المساواة في بريطانيا في ثمانينيات القرن العشرين. كما تعكس العبارة موقف زعيم حزب العمال الحالي، كير ستارمر، الذي يَعِد بأن يجعل حزب العمّال «حزب التملّك العقاري».
يمتلك 65% من الناس في بريطانيا منازلهم، مع أن 38% منهم لديهم رهون عقارية. يبدو أننا بالفعل نعيش في ديمقراطية مالكة للعقارات، لكن ذلك لم يسهم في الحد من التفاوت الكبير في الثروة. ومع ذلك، يبدو أن الحل لتقليص تفاوت الثروة هو أن يتمكّن الجميع من امتلاك منزل خاص بهم. كما يصف المفكر المحافظ ديفيد ويلتس: «هناك خرافة مفادها أن الشباب ليسوا طامحين. إذا نظرت إلى تطلّعات الناس، سوف تجد أنهم يريدون امتلاك منزلهم الخاص، والحصول على وظيفة لائقة بأجر مناسب، والقدرة على تربية أطفالهم - الشباب ليسوا ماركسيين».
يسعى بيرن إلى أن يحصل الجميع على فرصة لتملك منزلهم الخاص (من المحتمل عن طريق الرهن العقاري) وأن يكون لديهم بعض المدخرات للاستثمار من أجل تقاعدهم. لتحقيق ذلك، يجب على الحكومة أن تقدّم 10,000 جنيه إسترليني لكل شاب للبدء في حياته المهنية؛ كما ينبغي أن تنشئ الحكومة صندوق ثروة سيادي لبناء الأموال (لكنه لم يوضح الغرض منها)؛ ويجب أن يكون هناك نظام ضريبي أكثر عدلاً، مثل فرض ضريبة على دخل الأرباح الرأسمالية بالمعدل نفسه الذي يُفرض على دخل العمل. ويلمح بيرن إلى فكرة فرض ضريبة على ثروات الأكثر ثراءً التي قد تجلب مليارات للاقتصاد ولإعادة التوزيع. لكن ذلك كان كل شيء. بالإضافة إلى ذلك، يجب تنفيذ جميع هذه التدابير «الجذرية» لتقليص تفاوت الثروة ببطء على مدار «ثلاث برلمانات» (أي 15 عاماً حسب تقديري!)، لكي يعتاد الناخبون تدريجياً على هذه السياسات!
لم يقدّم الجمهور المزدحم في القاعة، بالإضافة إلى المتحدّثين الآخرين مع بيرن (أستاذ سوسيولوجيا وشخص من مؤسسة روانتري وهو معهد بحثي لمكافحة الفقر) أي نقد لبرنامج بيرن. لذا سأتولى المهمة.
لماذا يكون الأغنياء أغنياء والفقراء فقراء؟ من المؤكد أن هناك شيئاً متأصلاً في الاقتصادات الرأسمالية يفسّر هذا التفاوت الدائم
ما لم يتطرق إليه بيرن هو لماذا يوجد هذا التفاوت الكبير في الثروة والدّخل في بريطانيا، وفي جميع دول العالم الأخرى؟ لماذا يكون الأغنياء أغنياء والفقراء فقراء؟ من المؤكد أن هناك شيئاً متأصلاً في الاقتصادات الرأسمالية يفسّر هذا التفاوت الدائم. ناقشت في الكثير من المنشورات والأوراق البحثية الأسباب الكامنة وراء التفاوت؛ لكن بيرن لا يفعل ذلك، فالأمر ببساطة موجود ومروّع وعلينا أن نتحرّك قبل أن يتحوّل إلى انتفاضات.
هذه هي مشكلة السياسة. إذا كان التفاوت متأصّلاً في الرأسمالية، فسوف يكون ما نحتاجه هو سياسات قبل إعادة التوزيع. المسألة ليست محاولة إعادة توزيع الثروة الزائدة من الأغنياء على بقية الناس من خلال فرض الضرائب وسد الثغرات في التهرب الضريبي والملاذات الضريبية. قد يساعد ذلك قليلاً، لكن القوى الجذرية المولدة للتفاوت ستبقى كما هي. هناك حاجة إلى سياسات ما قبل التوزيع. نادى بيرن بسياسة واحدة فقط - وظائف أفضل وأجور أفضل لأولئك في أسفل السلم. لم يُوضح كيف كان من الممكن تحقيق ذلك في ظل حالة الاقتصاد البريطاني (وبقية الاقتصاديات الرأسمالية). كما بدا أنه اقترح زيادة الحد الأدنى للضمان الاجتماعي لرفع الناس من الفقر - ومع ذلك، لم يُوضح كيفية تنفيذ ذلك.
لاحظ بيرن الفجوة في الثروة بين لندن والمناطق. ووجد تقرير «حالة الشمال الأخير» من IPPR North زيادة متوسط الثروة لكل فرد في بريطانيا من حوالي 226,300 جنيه إسترليني في العام 2010 إلى 290,800 جنيه إسترليني في العام 2020، ولكن اتسعت التفاوتات الإقليمية في الثروة. على سبيل المثال، كان الفارق في الثروة لكل فرد بين بريطانيا بشكل عام والشمال نحو 71,000 جنيه إسترليني في العام 2020، أي ضعف الفارق في العام 2010 الذي كان حوالي 37,300 جنيه إسترليني (حسب بيانات ONS 2022، بأسعار العام 2023). ويتسع الفارق بين الثروة في الشمال والوسط وبقية بريطانيا. يمتلك أغنى 10% في بريطانيا ما يقرب من نصف الثروة بشكل عام. تتركز نصف الثروة تقريباً في الجنوب حيث يعيش 40% من السكان، مقابل خُمْس الثروة في الشمال حيث يعيش حوالي 30% من السكان، والبقية في لندن والوسط.
السياسات بعد التوزيع سوف تفشل في معالجة التفاوت الأساسي في الدخل والثروة. يتطلب الأمر تحولاً جذرياً في ملكية الثروة والتحكّم فيها، أي الملكية العامة للبنوك والشركات الكبرى، وتوجيه الاستثمار العام نحو الاحتياجات الاجتماعية بدل الربح
السبب واضح. يعيش الأغنياء في لندن والجنوب في الغالب، وأهم وسائل الإنتاج والتمويل موجودة في لندن، بالإضافة إلى أفضل الوظائف التي تدفع أعلى الأجور موجودة. ما هو رد بيرن على ذلك؟ إعطاء مزيد من الأموال لمديري المناطق لينفقوها، مع تحويل الأموال من الحكومة المركزية بعيداً من لندن. لكن هذا لن يحل المشكلة، خصوصاً أن بعض الأحياء الأفقر في بريطانيا موجودة في لندن!
تكمن المسألة بأن السياسات بعد التوزيع سوف تفشل في معالجة التفاوت الأساسي في الدخل والثروة. يتطلب الأمر تحولاً جذرياً في ملكية الثروة والتحكّم فيها، أي الملكية العامة للبنوك والشركات الكبرى، وتوجيه الاستثمار العام نحو الاحتياجات الاجتماعية بدل الربح. لكن تتعارض هذه السياسات مع أفكار بيرن وأمثاله الذين يسعون إلى «الطريقة الوسطى».
ينطبق ذلك أيضاً على السياسات مثل ضريبة الثروة أو الحد الأدنى للضريبة على أرباح الشركات – وهي السياسات التي يدافع عنها اقتصاديون بارزون في مجال التفاوت مثل توماس بيكيتي وإيمانويل سايز وغابرييل زوكمان، العاملون في مختبر اللامساواة العالمي في باريس. قدّم غابرييل زوكمان وزملاؤه بيانات لا تقدّر بثمن عن نطاق التفاوت عالمياً بين البلدان وداخل البلدان. يُعد زوكمان من أبرز المدافعين عن تقليص التفاوت على مستوى العالم.
دعي غابرييل زوكمان من قبل اجتماع وزراء المالية لمجموعة العشرين الذي استضافته البرازيل مطلع العام الماضي لتقديم قضية فرض ضريبة دنيا منسّقة على الأكثر ثراءً. تحدّث زوكمان مع الوزراء وذكر أن «هناك دعماً قوياً لفكرة أننا بحاجة إلى أشكال جديدة من التعاون لفرض الضرائب على الأكثر ثراءً وزيادة التقدّم الضريبي ومكافحة التفاوت. وهذا في حد ذاته تطور تاريخي لأن هذه القضايا تم تجاهلها لفترة طويلة». كُلّف زوكمان من قبل وزراء مجموعة العشرين لإعداد تدابير مفصّلة لفرض ضريبة على الأكثر ثراءً. ولكن ما هي فرص تنفيذ ذلك عبر التعاون العالمي؟ يقول زوكمان: قد يستغرق الأمر سنوات للوصول إلى الأكثر ثراءً. ولكن من مصلحتنا الجماعية أن نتحرّك بسرعة، لأن ما هو على المحك ليس فقط مستقبل التفاوت العالمي، بل أيضاً مستقبل العولمة والديمقراطية.
أنا لا أهاجم الجهود الصادقة التي يبذلها زوكمان وآخرون للعثور على طرق للحدّ من التفاوت. كما أن الهجوم الأخير على تحليلاتهم المتعلّقة بارتفاع التفاوت في الدخل في الولايات المتحدة من قبل بعض الاقتصاديين الحكوميين الأميركيين قد ثبت بطلانه. ولكن، هل سيكون مثل هذا التوزيع العادل كافياً إذا تم تنفيذه؟ وهل ستتأثر هذه السياسات لمصلحة الجهات الفاعلة القوية (الأغنياء) إلى الحدّ الذي يجعلها غير فعالة في تقليل التفاوت؟
يوضح تقرير اللامساواة العالمية (WIR) زيادة اللامساواة في العالم في خلال الأربعين سنة الأخيرة. في العام 2021، «بعد ثلاثين عاماً من العولمة التجارية والمالية، لا تزال التفاوتات العالمية شديدة الوضوح... وهي على مقربة مما كانت عليه في ذروة الإمبريالية الغربية في أوائل القرن العشرين. هناك تطرّف في تركز الثروة الشخصية عالمياً. يمتلك أغنى 10% من البالغين في العالم حوالي 60% إلى 80% من الثروة وفقاً لتقرير اللامساواة العالمية، بينما يمتلك نصف السكان الأفقر أقل من 5% من الثروة. ووفقاً لتقرير UBS للثروة العالمية، يمتلك 1% من جميع البالغين في العالم 44.5% من الثروة الشخصية، بينما يمتلك أكثر من 52% من جميع البالغين في العالم نحو 1.2% من الثروة فقط. يبلغ عدد الـ 1% الأغنى نحو 59 مليون شخص، بينما يبلغ عدد الـ52% الأفقر نحو 2.9 مليار شخص.
إذا كنت تملك عقاراً للسكن وبعد سداد أي ديون مرتبطة بالرهن العقاري لا يزال لديك أكثر من 100 ألف دولار في الأصول الصافية، فأنت من بين أغنى 10% من البالغين في العالم. وذلك لأن معظم البالغين في العالم ليس لديهم ثروة تذكر. وباستثناء الارتفاع الكبير في الصين، فإن الثروة الشخصية والسلطة تظل في الكتلة الغنية في أميركا الشمالية وأوروبا واليابان بالإضافة إلى أستراليا. تماماً كما تهيمن هذه الكتلة على التجارة والناتج المحلي الإجمالي والمالية والتكنولوجيا، فهي تمتلك تقريباً معظم الثروة الشخصية.
منذ العام 1995، حصل أغنى 1% على 38% من إجمالي الثروة العالمية الجديدة في آخر 25 عاماً، بينما حصل أفقر 50% على 2% من الثروة فقط
ارتفعت فجوة التفاوت في القرن الواحد والعشرين بشكل ملحوظ. في الواقع، زادت ثروة أغنى 50 شخصاً على وجه الأرض بنسبة 9% سنوياً بين عامي 1995 و2021، في حين زادت ثروة أغنى 500 شخص بنسبة 7% سنوياً. نما متوسط الثروة بمعدل أقل من نصف هذا المعدل، وبلغ 3.2% في خلال الفترة نفسها. منذ العام 1995، حصل أغنى 1% على 38% من إجمالي الثروة العالمية الجديدة في آخر 25 عاماً، بينما حصل أفقر 50% على 2% من الثروة فقط، أما زيادة ما يُسمى بالطبقة المتوسطة فهي ترجع في الغالب إلى تقليص الصين لمستويات الفقر. زاد نصيب أعلى 0.01% من البالغين من الثروة الشخصية من 7.5% في 1995 إلى 11% الآن. كما زاد عدد المليارديرات من 1% إلى 3.5%.
كان توني أتكينسون الأب المؤسّس للبحث الحديث في عدم المساواة، وقد كان جديراً بالحصول على جائزة نوبل (ريكس بنك) في الاقتصاد قبل وفاته. أشار أتكينسون في خطاب بعنوان إلى أين تتجه اللامساواة؟ إلى أن أكبر الزيادات في عدم المساواة حدثت قبل أن تبدأ العولمة وثورة الأتمتة في التسعينيات.
حدّد أتكينسون أسباب عدم المساواة في نقطتين. الأولى كانت الانخفاض الحاد في ضريبة الدخل المباشر على أصحاب الدخل المرتفع نتيجة للسياسات النيوليبرالية التي اعتمدتها الحكومات منذ الثمانينيات. أما الثانية فهي الزيادة الكبيرة في دخل رأس المال، أي الدخل المتولد من امتلاك رأس المال بدلاً من بيع قوة العمل. تحوّلت حصة الأرباح المتزايدة في إنتاج القطاع الرأسمالي الذي أنتجته معظم اقتصادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية منذ الثمانينيات إلى أرباح وفوائد وإيجارات أعلى لأغنى 1% و5% الذين يملكون وسائل الإنتاج.
في ورقتهم الأخيرة حول عدم المساواة في الدخل في الولايات المتحدة، أشار بيكيتي وسايز وزوكمان إلى أن «ركود دخل أفقر 50% من الأسر لافت للانتباه نظراً للنمو الحاصل في دخل أغنى 1% من الأسر. في العام 1980، كان أفقر 50% يحصلون على حوالي 20% من الدخل الوطني أما في العام 2014، فقد انخفضت حصتهم إلى 12%. بالنسبة إلى أغنى 1%، كانت الصورة معاكسة تماماً، ففي العام 1980، كانوا يحصلون على 12% من الدخل الوطني، وفي العام 2014، باتوا يحصلون على 20%». ويختتمون بالقول: «نظراً للتغيرات الكبيرة في توزيع الدخل الوطني قبل الضرائب منذ العام 1980، هناك حدود واضحة لما يمكن أن تحقّقه السياسات التوزيعية».
كلما زاد عدد العمّال الذين تستغلهم، زادت أرباحك. وكلما زادت أرباحك، زادت قدرتك على استغلال المزيد من العمال. السبب في تزايد التفاوت هو عدم وجود قيود على تراكم رأس المال
في الواقع، اعتبر ماركس أن أي توزيع لوسائل الدخل والثروة ليس إلا نتيجة لملكية وسائل الإنتاج. يقوم نمط الإنتاج الرأسمالي على أن الشروط المادية للإنتاج تكون في أيدي غير العمال في شكل ملكية لرأس المال والأراضي، بينما الجماهير لا تملك إلا الشرط الشخصي للإنتاج، وهو قوة العمل. يكدّس الرأسماليون الأرباح كرأس مال.
كما ذكر إيان رايت: «تتبع الشركات توزيعاً يتبع قانون القوة في الحجم. ويتركّز رأس المال بالطريقة نفسها. تستغل مجموعة كبيرة من رؤوس الأموال الصغيرة مجموعة صغيرة من العمال، بينما تستغل مجموعة صغيرة من رؤوس الأموال الكبيرة مجموعة كبيرة من العمال. تتناسب الأرباح تقريباً مع عدد العمال المستغلين. لذا، دخل الرأسماليين يتبع أيضاً قانون الرفع.
كلما زاد عدد العمّال الذين تستغلهم، زادت أرباحك. وكلما زادت أرباحك، زادت قدرتك على استغلال المزيد من العمال. السبب في تزايد التفاوت هو عدم وجود قيود على تراكم رأس المال. يختتم رايت قائلاً: «البنية الاجتماعية الأساسية للرأسمالية هي السبب الرئيس في التفاوت الاقتصادي. لا يمكننا أن نمتلك الرأسمالية من دون التفاوت: إنها نتيجة لا مفر منها وضرورية لقواعد اللعبة الاقتصادية».
نُشِر هذا المقال على مدوّنة مايكل روبرتس في 4 آذار/مارس 2024، وتُرجِم إلى العربية ونُشِر في موقع «صفر» بموافقة مسبقة من الكاتب.