الجوع والعطش والمرض
الأسلحة الإسرائيلية الأمضى لإبادة الفلسطينيين
استبدال حليب الرضّع بالتمر، اللجوء إلى مياه الأمطار والبحر للشرب، صناعة الخبز من أعلاف الحيوانات، وغيرها من «البدائل»، هي ما يلجأ إليه سكّان غزة اليوم بسبب حرب التجويع التي تشنّها دولة الاحتلال لإبادة الشعب الفلسطيني.
تقول التقديرات الصادرة حديثاً عن مجموعة التغذية العالمية التي تقودها منظمة اليونيسف (GNC)، إن أكثر من 90% من الأطفال في غزة ممن تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 23 شهراً يواجهون فقراً غذائياً حاداً، وأن نحو 90% أيضاً من الحوامل والمرضعات يتناولن طعاماً ذي قيمة غذائية أقل من الطبيعي. أما متوسط حصول الأسرة على المياه لجميع الاستخدامات فيبلغ أقل من ليتر واحد لكل شخص يومياً.
وفيما يتم الرهان على إدخال المُساعدات الغذائية لمحاربة التدهور الغذائي ووقف المجاعة وتجنّب سقوط الأجساد الهزيلة على الطرقات، تؤكّد المعطيات الحالية أن سكان غزة أمام خيارين، وهما التدهور السريع للوضع الغذائي أو تدهوره ببطء، كلاهما يقودان إلى المزيد من الموت. وذلك بسبب العوامل التي خلّفتها الحرب وستغذّي انهيار الواقع الغذائي مهما بلغ حجم الحصص الغذائية الموزّعة على السكان.
تدهور واقع التغذية
يوثق تقرير «الهشاشة الغذائية وتحليل الواقع في غزة» تدهور واقع التغذية خلال الـ 120 يوماً الأولى من الحرب الحالية. ويعرض نتائج التحليل الذي تم إجراؤه في غزة في الفترة الممتدة بين كانون الأول/ديسمبر 2023 وكانون الثاني/يناير 2024.
في شمال غزة، يعاني طفل واحد من بين كل 6 أطفال من سوء التغذية الحاد، ويواجه نحو 3% منهم أشدّ أشكال الهزال وتتطلب حالتهم علاجاً فورياً
تظهر نتائج التحليل ارتفاعاً حاداً في دوافع سوء التغذية، أي انعدام الأمن الغذائي، ونقص التنوّع الغذائي، وتدهور ممارسات تغذية الرضع والأطفال الصغار، وعدم الحصول على المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي، وانتشار الأمراض وانهيار النظام الصحّي. وهذا له عواقب وخيمة على الأشخاص الأكثر عرضة لسوء التغذية، بما في ذلك الأطفال الصغار والنساء الحوامل والمرضعات. وصحيح أن نتائج التحليل تُشير إلى أن وضع التغذية للنساء والأطفال في غزة يتدهور في كل مكان، ولكنه يتدهور بشكل خاص في شمال غزة ورفح. مثلاً، في شمال غزة، يعاني طفل واحد من بين كل 6 أطفال من سوء التغذية الحاد، ويواجه نحو 3% منهم أشدّ أشكال الهزال وتتطلب حالتهم علاجاً فورياً.
واللافت هو ما يُشير إليه التحليل لجهة تردّي وضع التغذية لجميع سكان غزة على المدى القصير والطويل في مختلف المحافظات سواء كانت تتلقى مساعدات إنسانية أم لا. ففي المحافظات التي تتلقّى مساعدات إنسانية محدودة أو لا تتلقّى أي مساعدات إنسانية على الإطلاق، والتي تعاني من ارتفاع عبء الأمراض وانعدام الأمن الغذائي، سيتأثّر سكّانها بشكل خاص وستشهد هذه المحافظات تدهوراً سريعاً في الحالة التغذوية للأطفال دون سن الخامسة، والنساء الحوامل والمرضعات. كذلك الأمر في المناطق التي تتوفر فيها إمكانية وصول أكبر للمساعدات الإنسانية، حيث تكون سرعة وحجم التدهور أبطأ، «ما قد يؤدي إلى زيادة بطيئة ومستمرة في انتشار جميع أشكال سوء التغذية».
تغيير الأنظمة الغذائية
يوثق التقرير انخفاض التنوع الغذائي للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و23 شهراً، ووفق التقديرات فإن نحو 90% من هؤلاء يتناولون حصتين غذائيتين أو أقل خلال الـ24 ساعة (56% منهم يتناولون حصة واحدة و34% حصتين).
أفادت 95% من الأُسر بأنها حدّت من عدد الوجبات أو تقليل أحجام الوجبات، وأفادت معظم الأسر بأنها تتناول ما بين وجبة واحدة (64%) أو وجبتين (33%) في اليوم
إلى ذلك، أفادت 95% من الأُسر بأنها قامت بالحد من عدد الوجبات أو تقليل أحجام الوجبات. وأفادت معظم الأسر بأنها تتناول ما بين وجبة واحدة (64%) أو وجبتين (33%) في اليوم، وهي ممارسة لها آثار على الأجيال المقبلة من أطفال النساء الحوامل والمرضعات. ومن المرجح أن تؤثر تداعيات الافتقار إلى التنوّع الغذائي وانخفاض الاستهلاك على السكان الذين يعانون بالفعل من ارتفاع معدل انتشار فقر الدم خصوصاً لدى النساء الحوامل والمرضعات، ما يؤدّي بدوره إلى انخفاض الوزن عند الولادة.
وتُظهر الأرقام في هذا الصدد تركيز طعام الحوامل على الخضار (نحو 35% من طعامهن) والبقول والحبوب فيما تكاد تختفي اللحومات والمشتقات الحليبية من نظامهن الغذائي.
كذلك خضت ممارسات تغذية الرضع الى التغيير، إذ لجأت بعض الأسر إلى تقليل كمية التركيبة المستخدمة في كل زجاجة رضاعة أو تقليل عدد الرضعات المقدمة، فضلاً عن ذكر بعض الأهالي تقديمهم حليبًا آخر (بقري أو مسحوق) للرضع أو تقديم الأطعمة العائلية في وقت مبكر.
التعرّض للأمراض المعدية والنقص في المياه
إن «الصحة الجماعية» في قطاع غزة مهدّدة بالتدهور أكثر فأكثر نتيجة انهيار النظام الصحي ومحدودية الوصول إلى المياه النظيفة والاكتظاظ السكاني وسوء واقع الصرف الصحّي وانخفاض النظام الغذائي. تقول أرقام برنامج الأغذية العالمي إن 93% من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات أُصيبوا بواحد أو أكثر من الأمراض (الحمى والقيء والتهابات الجهاز التنفسي الحاد والالتهابات الجلدية) في خلال الأسبوعين الماضيين، و70% من هؤلاء أًصيبوا بالإسهال، الأمر الذي يخلق واقعاً حرجاً ينبئ بمزيد من تدهور الواقع الغذائي.
93% من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات أُصيبوا بواحد أو أكثر من الأمراض في خلال الأسبوعين الماضيين، ما يخلق واقعاً حرجاً ينبئ بمزيد من تدهور الواقع الغذائي
إلى ذلك، إن 60% من الأطفال دون الخامسة أيضاً أُصيبوا بالتهابات الجهاز التنفسي الحاد. وكانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت في 30 كانون الثاني/يناير تسجيل أكثر من 85 ألف حالة إسهال بين الأطفال دون سن الخامسة، أي زيادة بمقدار 23 ضعفاً عن المعدلات الأساسية لعام 2024، محذّرة من خطر تفشي الأمراض وخاصة مرض الإسهال الشديد.
وأظهرت البيانات تزامن ارتفاع حالات الإسهال المائي والتهابات الجهاز التنفسي مع بدء الأعمال العدائية. تأتي هذه الوقائع في وقت يعاني فيه القطاع الصحي من انهيار شبه كلي، إذ تعمل 31% فقط من المُستشفيات بشكل جزئي و23% من مراكز الرعاية الصحية تعمل جزئياً أيضاً. هذا الوضع الصحي المحفوف بالمخاطر سيكون له تأثير مباشر على الأطفال دون سن الخامسة وكذلك النساء الحوامل والمرضعات، ويترك الكثيرين عرضة لسوء التغذية الحاد في حين أن سوء التغذية يمكن أن يؤدي بدوره إلى تفاقم شدّة الأمراض المعدية وبالتالي ارتفاع معدلات الوفيات بشكل كبير خصوصاً بين الأطفال دون سن الخامسة.
أما فيما خص الوصول الآمن الى المياه النظيفة، فتشير التقديرات إلى أن 81% من الأُسر في غزة تفتقر إلى المياه الآمنة والنظيفة فيما يبلغ متوسط حصول الاسرة على أقل من لتر واحد لكل شخص يومياً. هذا الواقع يُثير قلقاً خاصاً لدى الأطفال الذين يتم إطعامهم حليب الأطفال.