الإبادة عطشاً
انخفض متوسّط استهلاك المياه في قطاع غزّة، من جميع المصادر ولجميع الاحتياجات (بما في ذلك الشرب والطبخ والنظافة)، إلى 3 ليترات فقط يومياً للشخص الواحد، وفقاً لتقديرات منظّمات الأمم المتحدة. ويلجأ الناس حالياً إلى استهلاك المياه الملوّثة من الآبار الزراعية، ما أدّى إلى زيادة التعرّض للمبيدات الحشرية والمواد الكيميائية الأخرى، ويعرّض السكان الناجين من القصف لخطر الموت وتفشّي الأمراض المعدية.
سلاح الإبادة الفتّاك
يشكّل تعطيش 2.2 مليون شخص مقيمين في قطاع غزّة، أحد الأسلحة الفتاّكة التي تستخدمها دولة الاحتلال في تنفيذ جرائم الإبادة الجماعية والحصار وخطط التطهير العرقي والترحيل.
في سياق إطباق حصارها على القطاع، برّاً وبحراً وجوّاً، لم تكتفِ دولة الاحتلال بقطع خطوط الجرّ الثلاثة التي تمدّ القطاع بجزء مهم من حاجات سكانه إلى المياه، بل عمدت إلى تدمير وتعطيل أي إمكانية للحصول على المياه المأمونة من مصادر محلّية.
في حصيلة غير نهائية، تمّ تدمير ما لا يقل عن 6 آبار مياه، و3 محطّات لضخّ المياه، وخزّان رئيس للمياه، بالإضافة إلى محطّة تحلية تزوِّد أكثر من 1,100,000 شخص بالمياه.
وأدّى نفاد المحروقات إلى إخراج جميع مرافق المياه من العمل، ما ترك جميع السكّان عَطْشَى، عاجزين عن الوصول إلى الحد الأدنى من حاجاتهم إلى المياه للبقاء على قيد الحياة.
حالياً، يُقدّر إنتاج المياه من مصادر المياه الجوفية البلدية بأقل من 5% من مستوى ما قبل بدء الحرب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. وتوقّفت محطات تحلية مياه البحر الثلاث، التي كانت تنتج قبل الحرب 7% من إمدادات المياه في غزّة. وتوقّفت عمليات نقل المياه بالصهاريج في معظم المناطق بسبب شحّ مصادر المياه المُتاحة ونفاذ الوقود وانعدام الأمن وانسداد الطرق بسبب الغارات وتراكم الأنقاض.
المياه المعبّأة غير متوفرة إلى حدّ كبير، كما أن سعرها جعلها غير مُتاحة لمعظم الأسر. وأصبح البائعون من القطاع الخاص، الذين يديرون محطّات صغيرة لتحلية المياه وتنقيتها، والتي تعمل في الغالب بالطاقة الشمسية، هم الموردون الرئيسيون لمياه الشرب
المياه المعبّأة غير متوفرة إلى حدّ كبير، كما أن سعرها جعلها غير مُتاحة لمعظم الأسر. وأصبح البائعون من القطاع الخاص، الذين يديرون محطّات صغيرة لتحلية المياه وتنقيتها، والتي تعمل في الغالب بالطاقة الشمسية، هم الموردون الرئيسيون لمياه الشرب، وقد رفعوا الأسعار بما لا يقلّ عن الضعف، وفق بعض التقارير الإعلامية.
تزعم دولة الاحتلال أنها أعادت جرّ المياه إلى منطقة شرق خان يونس (منطقة بني سهيلا) لبضع ساعات في اليوم، عبر خطّ واحد من الخطوط الثلاثة، إلا أن التقارير الواردة من قطاع غزّة تنفّي هذه المزاعم. وعلى أي حال، فإن الخطّ الذي تزعم دولة الاحتلال إعادة تشغيله لم يكن يضخّ سوى 14,400 متر مكعب من المياه يومياً، أي أقل من 4% من المياه المُستهلكة في قطاع غزّة قبل الحرب، فضلاً عن أن توزيع هذه المياه إلى بقية مدينة خان يونس غير ممكن بسبب تعطيل محطّات الضخّ.
حصار مائي قديم
يعاني سكّان قطاع غزّة من حصار مائي منذ سنوات طويلة، وتسيطر دولة الاحتلال بشكل شبه كلّي على جميع مصادر المياه في الأراضي الفلسطينية، وتمنع الفلسطينيين من استغلال مواردهم الطبيعية، وتجبرهم على شراء المياه من شركة المياه الإسرائيلية «ميكروت». ووفق تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وصلت كمّية المياه المُشتراة للاستخدام المنزلي في الضفّة الغربية وقطاع غزّة إلى نحو 22% من كمّية المياه المُستهلكة في العام 2021.
يعاني سكّان قطاع غزّة من حصار مائي منذ سنوات طويلة، وتسيطر دولة الاحتلال بشكل شبه كلّي على جميع مصادر المياه في الأراضي الفلسطينية، وتمنع الفلسطينيين من استغلال مواردهم الطبيعية
قبل هذه الحرب، وفي ظل سياسات الإغلاق منذ العام 1993، وإطباق الحصار التام على قطاع غزّة منذ العام 2007، اضطرّ سكان غزّة لاستخراج المياه الجوفية من الحوض الساحلي في القطاع، وقدّرت كمّية المياه المستخرجة بنحو 192.5 مليون متر مكعب في خلال العام 2021، وتعتبر هذه الكمّية ضخّاً جائراً بسبب الحاجة إلى المياه وعدم توفّر مصدر مياه آخر، حيث يتجاوز الضخّ القدرة التخزينية للحوض الساحلي من المياه المتجدّدة، والتي تقدّر بنحو 50-60 مليون متر مكعب في السنة، وفق تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء، الأمر الذي أدّى إلى نضوب مخزون المياه ونزول مستوى المياه الجوفية إلى ما دون مستوى 19 متراً تحت مستوى سطح البحر، وأدّى إلى تداخل مياه البحر، وترشيح مياه الصرف الصحي إلى الخزّان، الأمر الذي جعل أكثر من 97% من مياه الحوض الساحلي غير للاستخدام البشري.
حصّة لا تكفي للبقاء على قيد الحياة
وفق معايير منظّمة الصحّة العالمية، يحتاج الفرد إلى 100 لتر مياه نظيفة في اليوم كمتوسط عام، للمحافظة على حياته وصحّته. إلا أن حصّة الفلسطيني من المياه العذبة لم تكن تتجاوز قبل هذه الحرب 21.3 ليتراً في اليوم، بالمقارنة مع نحو 300 ليتر في اليوم للإسرائيلي، وانخفضت حصّة الفلسطيني في ظل الحرب والحصار إلى 3 ليترات فقط في اليوم، وهذه الحصّة تتناقص يوماً بعد يوم وتهدّد السكّان بالموت عطشاً، وهذا ما تسعى إليه دولة الاحتلال في حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها.