Preview العمالة في إسرائيل

صدمة سوق العمل الإسرائيلية

تتفق توقّعات الصحافة الإسرائيلية وشركات التصنيف والمنظّمات الدولية على أن الخطر على الاقتصاد الإسرائيلي يزداد تبعاً لطول أمد الحرب التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزّة واحتمالات اتساعها إلى جبهات ومناطق أخرى، وتشرع دوائر صنع القرار في السياسة والاقتصاد بتقدير الآثار المحتملة لمختلف الخطط العسكرية المُمكنة والأكلاف المباشرة وغير المباشرة التي سوف تترتّب على اقتصاد دولة الاحتلال، الذي يقدّر بلغة الناتج المحلّي الإجمالي بنحو 521.69 مليار دولار لعام 2023.

بعيداً من هذه التوقّعات، ولا سيما التي ترسم سيناريوهات على المديين المتوسط والبعيد، أحدثت عملية «طوفان الأقصى» ما يمكن تسميته «صدمة سوق العمل» في الاقتصاد الإسرائيلي، وطغت هذه الصدمة على آراء الخبراء وتحليلاتهم على المدى القصير باعتبارها المؤشّر الأبرز على احتمالات الانكماش وانخفاض الإنتاجية والاستهلاك والاستثمار وتوسّع البطالة. وتشير صدمات سوق العمل إلى التغيرات المفاجئة والكبيرة في ديناميكيات العرض والطلب في السوق، والتي تؤدّي إلى اضطرابات واسعة في الاقتصاد وتفرض تحدّيات غير متوقّعة للعمّال وأصحاب العمل.

تشير صدمات سوق العمل إلى التغيرات المفاجئة والكبيرة في ديناميكيات العرض والطلب في السوق، والتي تؤدّي إلى اضطرابات واسعة في الاقتصاد

أعادت «حالة الحرب» التي أعلنتها دولة الاحتلال رسم خريطة توزّع اليد العاملة بشكل فجائي، وأحدثت تجفيفاً للعمالة في قطاعات معيّنة لأسباب مختلفة، وإن كانت الحرب محرّكها الأول: فاستدعاء جيش الاحتياط أخلى قطاع التكنولوجيا من جزء مهم من اليد العاملة الإسرائيلية، ووقف تراخيص العمل للفلسطينيين من الضفّة الغربية وقطاع غزّة جُفّف قطاع البناء من اليد العاملة، في حين عاد الكثير من العمّال الأجانب إلى بلادهم خوفاً من الحرب ما أخلى بدوره قطاع الزراعة من العمالة وفرض على سلطات الاحتلال البحث عن بديل. فضلاً عن أن «حالة الحرب» والذعر الذي تبثّه دفع الكثير من المستوطنين إلى النزوح داخلياً أو مغادرة البلاد، كما دفع الكثير من العمّال والعاملات إلى أخذ الإجازات لرعاية أسرهم.

نفصّل في هذا التقرير التغيرات التي طرأت على ثلاث مكوّنات أساسية للقوى العاملة في الاقتصاد الإسرائيلي: اليد العاملة الإسرائيلية، اليد العاملة الفلسطينية، اليد العاملة الأجنبية، والإجراءات التي أُلزمت دولة الاحتلال باتخاذها.

اليد العاملة الاسرائيلية

يُقدّر معدل مشاركة اليد العاملة بنحو 63 إلى 64% من السكّان. وقد شجّع انخفاض معدّل البطالة في اسرائيل إلى 3.1% في شهر آب/أغسطس الماضي حاكم البنك المركزي على تشديد السياسة النقدية بهدف تخفيض التضخم، إلّا أن استدعاء 360,000 من جيش الاحتياط (من أصل 450,000) أدّى إلى فقدان الاقتصاد الإسرائيلي، فجأة، شريحة كبيرة من العاملين الإسرائيليين فيه، وأخلَّ بنسب توزيع الوظائف على مختلف القطاعات الاقتصادية.

يخبر الكثير من المتخصّصين أن المستدعين من جيش الاحتياط إلى الخدمة العسكرية أتوا من قطاعات اقتصادية مختلفة، وهم مهندسون وأصحاب شركات وأساتذة... إلخ. إلا أن التأثير متفاوت على القطاعات: خسارة قطاع التعليم نحو 2,400 أستاذ لا تُقارن بخسارة قطاع التكنولوجيا (المساهم بخمس الناتج المحلّي الإجمالي الإسرائيلي تقريباً) لنحو 10 إلى 15% من  العاملين فيه، بحسب الرئيس التنفيذي لـ Israel Innovation Authority، وهي جهة مموّلة من الحكومة الإسرائيلية، تشرف على تخطيط وتنفيذ سياسات «الإبتكار» في إسرائيل.

نشرت الأخيرة بالتعاون مع معهد SNPI دراسة أولية عن قطاع التكنولوجيا منذ اندلاع الحرب، وقد شملت نحو 500 شركة تكنولوجيا فائقة وشركات ناشئة، وعبّرت الشركات المستطلعة عن أن التأثير الأكبر على أدائها هو المتعّلق بالموظفين، فأبلغت 70% منها عن تضرّر استمراريتها عملياً بسبب استدعاء جزء كبير من موظّفيها للخدمة الاحتياطية. وهناك تقارير متكرّرة عن تدهور الأداء الوظيفي لموظّفين ليسوا في الخدمة الاحتياطية حتّى، إما بسبب عدم وجود إطار عملي لتولي أمور أطفالهم خارج المدارس أو بسبب اضطراباتهم النفسية.

يصعب العثور على أرقام تبيّن عدد الوظائف التي خسرتها مختلف القطاعات الاقتصادية الإسرائيلية، ولكن يمكن التخمين عبر طرائق الاحتمال الحسابي لتوزّع الوظائف المدنية (التي فقدها الاقتصاد الاسرائيلي) في مختلف القطاعات الاقتصادية أن: 

  • عرب الداخل (يشكلون ما نسبته 21% من سكّان أراضي 48) المعفيون من الخدمة الإلزامية والالتحاق بجيش الاحتياط، يشغلون الوظائف الأدنى في المجتمع الإسرائيلي، ممّا يعني زيادة احتمال كون الوظائف التي خسرها الاقتصاد الإسرائيلي بفعل استدعاء جيش الاحتياط هي تلك التي تمنح أجراً أعلى من المعدل. 

  • حوالي 45% من النساء لا يخدمن في الجيش الإسرائيلي لأسباب دينية (كثير منها مزعومة)، على الرغم من أن العديد منهن يقمن بالخدمة المدنية بدلاً من ذلك.
  • كثيرين ممن تم استدعائهم من جيش الاحتياط هم من العاملين في الخارج.

أن تخسر شركة في التكنولوجيا الفائقة مثلاً كثيراً من موظّفيها مرّة واحدة يعني أن عملية الإنتاج لن تسير بالمسار المتوقّع، أي أن حجم الربح فالسيولة فإيفاء الإلتزامات لن يجري كما رُسم له أن يجري، أي أن ثقة المموّل والمستثمر والدائن بالشركة سوف تتزعزع، وتسديد كلفة إعادة عملية الإنتاج مرّة أخرى، أقله بالمستوى السابق، قد لا يكون مبتغى من السهل تحقيقه، ممّا يؤدّي إلى تقلّص الإنتاج والتفريط بأيدي عاملة جديدة معه. فما بالك بقطاع اقتصادي كامل يحتوي على شركات جُفِّفت من الأيدي العاملة ضربة واحدة، بل قطاعات تعتمد على بعضها البعض وتؤلف الاقتصاد الإسرائيلي. 

تخبرنا الدراسة المذكورة أعلاه أن شركات التكنولوجيا الفائقة تعاني كذلك من أزمات تمويل، أي تلك المتعلّقة بإلغاء أو تأخير اتفاقيات الاستثمار وصعوبة الوصول إلى المستثمرين، وأفاد أكثر من 40% من الشركات المحلّية بإلغاء أو تأخير اتفاقيات استثمار. والرقم أكبر بين الشركات المُعرّضة لخطر الإغلاق الفوري (أي التي لا تتحمّل الاستمرار لثلاثة أشهر)، حيث أبلغ أكثر من 60% عن حدوث أضرار في تمويلها، و10% فقط تمكّنت من عقد اجتماعات مع المستثمرين. نتيجة لهذا، قامت وزارة المالية الإسرائيلية بتوسيع الصندوق المخصّص لدعم قطاع التكنولوجيا الفائقة في البلاد في خلال زمن الحرب من 100 مليون شيكل إلى 400 مليون، وستكون الشركات قادرة على التقدّم بطلب للحصول على منح من الصندوق في تشرين الثاني/نوفمبر، حيث ستقيّم الشركات الناشئة بناءً على مجموعة من المعايير، بما في ذلك التأثير على الموظّفين.

أن تخسر شركة في التكنولوجيا الفائقة مثلاً كثيراً من موظّفيها مرّة واحدة يعني أن عملية الإنتاج لن تسير بالمسار المتوقّع، أي أن حجم الربح فالسيولة فإيفاء الإلتزامات لن يجري كما رُسم له أن يجر

إلى جانب قطاع التكنولوجيا، أصابت الحرب قطاع السياحة بأضرار فورية مباشرة، وهذا القطاع يساهم بنحو 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي. وعلى الرغم من تعافي القطاع السياحي من تبعات جائحة كوفيد (ففي العام  2020، زار إسرائيل 831 ألف سائح، مقارنة بأكثر من 4.5 مليون في العام السابق، أمّا هذا العام فقد دخل 2.5 مليون سائح الى فلسطين المحتلّة حتى عملية «طوفان الأقصى»). حالياً يصل أقل من 20,000 مسافر إلى مطار بن غوريون يوميًا، بالمقارنة مع نحو 80,000 مسافر كمتوسّط يومي في تشرين الأول/أكتوبر 2022. يشغّل القطاع السياحي نحو 3.5% من إجمالي العمالة في اقتصاد دولة الاحتلال، وهؤلاء مهدّدون بخسارة وظائفهم نظراً لتأثيرات الحرب الطويلة المدى على هذا القطاع، الذي يعدّ الأمن شرطاً رئيساً من شروطه.

نعيد وصل الحلقات هنا: إن فرار المستهلك هو فرار المستثمر، وإن انخفاضاً في الإستثمار يعني ضربة أخرى لسوق العمل.

اليد العاملة الفلسطينية

تشير منظمة العمل الدولية إلى أن نحو 200,000 عامل فلسطيني من الضفّة الغربية وغزّة يعملون في قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي والمستوطنات، بزيادة الثلث عما كان عليه الوضع قبل عام.

العمالة في إسرائيل

غزّة

ذكرت صحيفة «تايمز» الإسرائيلية استناداً إلى وحدة تنسيق أعمال الحكومة (الإسرائيلية) في المناطق (المحتلّة) أنه في العام 2020، تم تسجيل حوالي 122,400 حالة عبور (من قطاع غزّة إلى الأراضي المحتلة)؛ وفي العام 2021 ارتفع العدد إلى 163.500، وارتفع العدد حتى أيلول/ سبتمبر 2022 إلى 672 ألفاً، وفقاً للبيانات.

يختلف الرقم الأخير عن الرقم الذي حدّده تقرير صادر عن الأمم المتّحدة، قدّر حالات الخروج المسجّلة (إلى فلسطين المحتلة والضفّة الغربية) في خلال العام 2022 بنحو 424.417، علماً أن 83% من هؤلاء هم عمّال مياومين. ولا يعكس هذا الرقم عدد العمّال الذين يعملون في فلسطين المحتلة، وإنّما عدد حالات العبور لأغراض مختلفة، ومهما يكن الرقم فإنه يدل على حاجة سوق العمل الإسرائيلي إلى اليد العاملة من غزّة.

ومع تتبع تقارير مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأشهر الأخيرة من هذه السنة (قبل عملية «طوفان الأقصى») نرى تأرجحاً ما بين زيادة ونقصان في عدد المغادرين إلى الأراضي المحتلة، علماً أن المعبر الإسرائيلي مع غزّة سجّل أعلى عدد من الأشخاص المغادرين منذ العام 2004 على الأقل في شهر تموز/يوليو الماضي.

تزعم صحيفة زمان الإسرائيلية (في 2022) أن الفلسطينيين الذين يكسبون 20 شيكلاً يومياً في القطاع يمكن أن يتوقّعوا  أن يكسبوا في إسرائيل 200 إلى 400 شيكل. علماً أن متوسّط الراتب الشهري في العام 2022 في إسرائيل هو 11,753 شيكلاً (بمعدّل 450 شيكلاً يومياً) والحدّ الأدنى للأجور في تلك الفترة هو 200 شيكل يومياً تقريباً، وقد صرّحت الصحيفة نفسها بأن «المحظوظين (من متلقّي تصاريح الدخول إلى الأراضي المحتلّة) الذين لديهم أصحاب عمل إسرائيليين دائمين يسافرون مباشرة إلى عملهم؛ ويسافر آخرون إلى عسقلان ورهط حيث يقفون في أماكن دائمة على زوايا الشوارع وينتظرون أصحاب العمل الذين يريدون ملء الثغرات بالعمّال المؤقتين الأرخص والأكثر انضباطًا».

والآن يجد عمّال غزة الذين كانوا يعملون في إسرائيل أنفسهم عالقين في الضفّة الغربية أو مخطوفين لدى أجهزة الاحتلال أو مفقودين.

الضفّة الغربية

بعد عملية «طوفان الأقصى»، مُنع العمّال الفلسطينيون الحاصلون على تصاريح دخول من العمل في المستوطنات والأراضي المحتلّة من دون نهاية متوقّعة للحظر، مع فرض إسرائيل إغلاقاً كاملاً على نقاط التفتيش في الضفّة الغربية. وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني نقلاً عن صحيفة جيروزاليم بوست، عمل حوالى 140 ألف فلسطيني من الضفّة الغربية في إسرائيل في الربعين الأول والثاني من العام 2023. ويعمل معظمهم في الزراعة أو البناء. وبحسب تقرير لمنظّمة العمل الدولية صادر في آذار/مارس 2023، يعمل نحو 40 ألف آخرين من الضفّة الغربية داخل أراضي 48 بشكل غير رسمي، وبشكل عام، كان  خمس القوى العاملة في الضفّة الغربية يعملون في إسرائيل.

قطاع البناء

يعتمد قطاع البناء الإسرائيلي على العمالة الفلسطينية بشكل كبير، إذ يشكّل الفلسطينيون الحائزون على تصاريح العمل أكثر من 22% من عمّال البناء في إسرائيل البالغ عددهم  272,000، وتشير التقديرات إلى أن حوالى 14,000 يعملون في هذا القطاع من دون تصاريح. يولّد العمّال الفلسطينيون نحو 66% من دخل هذا القطاع السنوي، والذي يساهم بنحو 23.68 مليار دولار أميركي في الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي.

يعتمد قطاع البناء الإسرائيلي على العمالة الفلسطينية بشكل كبير، إذ يشكّل الفلسطينيون الحائزون على تصاريح العمل أكثر من 22% من عمّال البناء

وفقًا لوزارة العمل الإسرائيلية، من بين 40 حالة وفاة (في قطاع البناء) في العام 2019، هناك 19 عاملاً من الأرض الفلسطينية المحتلة، و14 مواطناً فلسطينياً في دولة الاحتلال و7 عمّال أجانب.

يمكن القول إن العامل الفلسطيني بالنسبة لدولة الاحتلال يشكّل مفارقة يحاول النظام الإسرائيلي تسكينها بشتى الوسائل، فهو المقاوم الذي يهدّد أمنها واليد العاملة الرخيصة التي يحاول استغلالها. أمّا هي، دولة الأمن التي تستشرس في إماتته ودولة رأس المال التي تبحث عن الكلفة الأدنى لامتصاص فائض القيمة الأكبر، فهي في صورتها الأولى تبتغي إزالته بما هو في صورته الأولى مقاوم للاحتلال، وفي صورتها الثانية تبتغي جذبه بما هو في صورته الثانية عاملاً مُستغلاً.

اليد العاملة الأجنبية

ليست المنطقة المسمّاة «غلاف غزة» دون وظيفة اقتصادية هامّة  بالنسبة إلى الاقتصاد الإسرائيلي، بل هي من أعمدة القطاع الزراعي الإسرائيلي، بحسب رئيس اتحاد المزارعين الإسرائيلي فإن 75% من الخضروات المستهلكة في إسرائيل تأتي من غلاف غزة، إضافة إلى 20% من الفاكهة، و6.5% من الحليب، ويعمل في هذه المنطقة بالإضافة إلى الشمال المحتل الكثير من العمّال الأجانب في الزراعة.

حتى تموز/يوليو، كان هناك نحو 119,000 عاملاً أجنبياً قانونياً في إسرائيل وأكثر من 25,000 يعملون بشكل غير قانوني، وفقاً للسلطات الإسرائيلية، وفي القطاع الزراعي، كان هناك 22,862 عاملاً أجنبياً قانونياً، و7,493 آخرين من دون أوراق صالحة، معظمهم ممن تجاوزوا مدة تأشيرات الدخول. يستورد هذا القطاع معظم عمالته تقريباً من تايلاندا، على الرغم من وجود بضعة آلاف من «المتدرّبين» من آسيا وأفريقيا يعملون في القطاع الزراعي في فلسطين المحتلّة، وهم جزء من برامج العمل والدراسة. وغالباً ما يضطر العمّال الأجانب في إسرائيل إلى دفع «رسوم توظيف» باهظة لتأمين العمل لهم، الأمر الذي ترك الكثير منهم مثقلين بكثير من الديون التي تمنعهم من المغادرة.

تعترف السفارة الإسرائيلية في بانكوك باستخدام حوافز مالية لإغراء العمّال التايلانديين بالبقاء، ويعمل حوالى 30,000 تايلاندياً في إسرائيل، معظمهم عمّال زراعيين. قالت وزارة الخارجية التايلاندية إنها نظّمت رحلات عودة يومية لمواطنيها، وأن ما لا يقل عن 8,160 تايلاندياً سجّلوا رغبتهم في الإجلاء، علماً أن 2,000 تايلاندي أخلوا بالبلاد وفق إذاعة الجيش الإسرائيلي.

أيضاً، يعمل حوالى 30 ألف فلبينياً في فلسطين المحتلّة، ويعمل العديد منهم كمقدمي رعاية يعتنون بالمسنّين والمرضى وذوي الإعاقات الجسدية، وفقًا لوزارة الخارجية الفلبينية. وقد صرّحت وزارة الخارجية الفليبينية بتعليق الرحلات إلى الكيان المحتل منذ بداية الحرب الجارية.

العامل الفلسطيني بالنسبة لدولة الاحتلال يشكّل مفارقة يحاول النظام الإسرائيلي تسكينها بشتى الوسائل، فهو المقاوم الذي يهدّد أمنها واليد العاملة الرخيصة التي يحاول استغلاله

وفقاً لمصادر إعلامية سريلانكية، من الممكن أن ترسل سريلانكا عمّال مهاجرين إلى إسرائيل على الرغم من الحرب المستمرة. وقال وزير العمل والتوظيف في الخارج أنه فُتِح حوالى 1,000 فرصة عمل جديدة في القطاع الزراعي في إسرائيل. وفقاً لمتحدث باسم مكتب التوظيف الخارجي السريلانكي (SLFEB)، هناك حوالى 8,000 سريلانكي في إسرائيل في الوقت الحاضر بحسب «تاميل غارديان». ويعمل حوالى 90% من السريلانكيين في الأراضي المحتلّة كمقدّمي رعاية، و10% كعمّال زراعيين، ويزعم السفير السريلانكي في إسرائيل بحسب «سانداي تايمز» أنه لم يطلب أحد من السفارة المساعدة في الإخلاء.

بحثاً عن بديل

أزمة البديل العمّالي ليست أزمة عرضية بالنسبة لإسرائيل، بل هي ناشئة من كونها دولة إحلال واحتلال. تفرض على أهل الأرض مقاومة احتلالها، وهي تبحث عن سبل ضمان احتلالها، فتلجأ إلى الاستغناء عن أهل الأرض وتستبدلهم تسكيناً لخوفها، في خلال التسعينيات، بدأ العمّال المهاجرون يحلون محل الفلسطينيين العاملين في مواقع البناء والحقول الزراعية، بعد أن أصبح العمّال الفلسطينيون «غير موثوقين» ومستبعدين بسبب عمليات الإغلاق المنتظمة وبفعل الضرورات الأمنية لدولة الاحتلال.

يبدو أن العلاقة المتناقضة ما بين دولة الاحتلال والعامل الفلسطيني (دولة احتلال/دولة رأسمال – يد مقاومة/يد عاملة رخيصة) تثبّت نفسها في أحلك الظروف (ظروف الحرب المُعلنة)، وطبيعة هذه العلاقة المهدّدة لأي استقرار كشرط لسير عملية الإنتاج جعلت من حلّ التسعينيات القاضي باستبدال الفلسطيني بالأجنبي حلاً مأزوماً: فعلى الرغم من المقاومة في الضفّة الغربية دعماً لغزّة، وإغلاق الكيان الصهيوني معابر التفتيش واغتيال المقاومين والتضييق على قرى ومدن الضفّة، تتطلّع وزارة الزراعة الإسرائيلية إلى السماح لنحو 8,000 فلسطيني من الضفّة الغربية بدخول إسرائيل من أجل العمل في الزراعة كتعويض عن خسارة اليد العاملة الأجنبية، ويحدّ اقتراح الوزارة التصاريح بالنساء الفلسطينيات من جميع الأعمار، وكذلك الرجال الذين تبلغ أعمارهم 60 عاماً أو أكثر، وهي مجموعات يُنظر إليها على أنها تشكل تهديداً أمنياً أقل وسط تصاعد التوترات في الضفّة الغربية. وقد قوبلت هذه الخطّة بمعارضة شديدة من وزير الأمن القومي الذي ادعى أن هناك خطراً كامناً في إدخال العمّال الفلسطينيين إلى المدن الإسرائيلية أثناء الحرب.

إذا استثنينا التغيّرات الداخلية لوضع العمالة في قطاع غزة والضفّة الغربية، أي من دون شمول الحركة من الداخل المحتل وإليه، وكذلك تفاقم الشلل في القطاعات الاقتصادية، أو توسّع رقعة الحرب الجارية، فإن هذه الحرب أثّرت بقوّة على وضع وحركة ما يقارب نصف مليون عامل في الاقتصاد الإسرائيلي في الحد الأدنى، وهذا في ذاته ضربة لسوق العمل الإسرائيلية والاقتصاد ككلّ، وهو ينعكس في توقّعات تباطؤ أو انكماش الناتج المحلي الإجمالي، ووفق توقّعات جي بي مورغان سوف يتراجع نمو الناتج المحلي إلى أقل من 2.5% هذا العام و2% في العام المقابل بالمقارنة مع 6.5% في 2022، وينعكس أيضاً في توقّعات ارتفاع العجز المالي والدين الحكومي (يتوقع البنك المركزي أن تنمو نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 62% هذا العام وإلى 65% في 2024 من 60.5% في 2022). لا شك أن المساعدات الخارجية (الأميركية بالذات) ستكون مسكّن آلام الاقتصاد الإسرائيلي على المدى القصير، ولكن على المدى المتوسط فالأضرار أعمق بعد خنق الإنتاجية بتجفيف قوى العمل، وفي هذا المدى لن يعود الاقتصاد الإسرائيلي إلى الحال الذي كان عليه قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر.