Preview التحول الاخضر

تحدّيات الطبقة العاملة في التحوُّل الأخضر

سوف يستلزم التحوُّل عن الوقود الأحفوري الكثير من العمل، لكن هناك قلق حقيقي من أن الأمر سوف يستلزم أيضاً عدداً أقل بكثير من العمّال. 

على سبيل المثال، يدرك جميع العاملين في صناعات الوقود الأحفوري تمام الإدراك أن وظائفهم مُعرَّضة للخطر، إن لم يكن على الفور، ففي وقت ما في المستقبل. وإلى جانب الأتمتة، يُهدِّد تحوُّل الطاقة بتقليص صفوف العاملين في القطاعات التي تعتمد على الوقود الأحفوري، مثل البلاستيك، والصُّلب، والبتروكيماويات. وتخشى النقابات بشكل خاص أن تُستبدَل الوظائف النقابية في هذه القطاعات بوظائف غير نقابية منخفضة الأجور، هذا إذا لم تُنقَل هذه الوظائف كلياً إلى بلدان أخرى ذات أجور أقل.

في العام 2023، انتعش التوظيف في قطاع الوقود الأحفوري من أدنى مستوياته التي بلغها في خلال الجائحة، لكنه لم يعد إلى مستويات ما قبل الجائحة، على الرغم من أن شركات النفط والغاز سجَّلت إيرادات قياسية في العام 2022.

الحرب الطبقية بين العمّال وأصحاب الأعمال لن تتغير مع تحوُّل الطاقة لأن رأس المال سيكون موجوداً دائماً

بطبيعة الحال، تلوح وظائف جديدة في الأفق الإنتاجي الذي يعتمد «الطاقة النظيفة»، حيث الألواح الشمسية، وتوربينات الرياح، والبطاريات، وغير ذلك من أشكال البنية التحتية اللازمة لإعادة تشكيل قطاع الكهرباء. ووفقاً لـ«وكالة الطاقة الدولية»، تجاوز هذا القطاع بالفعل قطاع الوقود الأحفوري في العام 2021. وكان أكثر من نصف نمو الوظائف في قطاع الطاقة في العام 2022 في خمس فئات فقط: الطاقة الكهروضوئية، وطاقة الرياح، والمركبات الكهربائية والبطاريات، والمضخّات الحرارية، واستخراج المعادن الحَرِجة.

لكن وفقاً لدراسة أميركية تبحث في أرقام التوظيف بين عامي 2005 و2021، فإن أقل من 1% من العاملين في الصناعات «القذرة» انتهى بهم الأمر إلى الحصول على وظائف «خضراء». إن احتمال إيجاد وظائف جديدة في مجال «الطاقة النظيفة» يتلألأ من بعيد، ولكن بالنسبة إلى العديد من العمّال يبدو الأمر وكأنه سراب.

وهذا هو الحال بشكل خاص في «الجنوب العالمي». ولا تُوزَّع الوظائف في قطاع الطاقة المستدامة الجديد بالتساوي في جميع أنحاء العالم. وقد برزت بالفعل الصين، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والبرازيل، والهند كمراكز لتشغيل العمالة. لكن ألمانيا وحدها على سبيل المثال لديها فرص عمل في هذا القطاع أكثر بكثير من كل أفريقيا.

تقول إيفرلاين أكيتش، السكرتيرة الإقليمية الفرعية للدول الأفريقية الناطقة بالإنكليزية لدى «منظّمة الخدمات العامّة الدولية»: «إحدى القضايا التي لا تزال تُقلِق عدداً من العمّال، خصوصاً أولئك الذين سوف يرتحلون من قطاع الفحم أو قطاع الوقود الأحفوري إلى قطاعات الطاقة النظيفة، هي: أين الوظائف البديلة؟». وتضيف أكيتش، وهي مقيمة في أوغندا: «إنهم يستمرون في القول بأن الانتقال العادل سيكون قادراً على توفير عدد من الوظائف البديلة، لكن الوظائف لا تزال غير موجودة».

وتتمثّل إحدى المشاكل الرئيسة في أن تحوُّل الطاقة تقوده إلى حدّ كبير الشركات وليس القطاع العام، وتُفضِّل الشركات إبقاء تكاليف العمالة منخفضة. ويشير إيغور دياز من نقابة عمّال الصناعة في كولومبيا إلى أن «الحرب الطبقية بين العمّال وأصحاب الأعمال لن تتغير مع تحوُّل الطاقة لأن رأس المال سيكون موجوداً دائماً».

ويُهدِّد تحوُّل الطاقة أيضاً بتوسيع الفجوة بين «الشمال» و«الجنوب»، حيث يعمل الأخير بمثابة «منطقة تضحية» شاسعة توفِّر المُدخَلَات ــ المستخرجة بطرق ضارَّة بيئياً ــ التي يحتاجها «الشمال» لمنتجات «الطاقة النظيفة» الخاصة به. ويُحاجج إيبيس فرنانديز من «الاتحاد المشترك بين القطاعات للعاملين في الدولة في بيرو» قائلاً: «لا يمكن إرغام بلداننا ببساطة على توفير موارد الشمال. ألا يعتبر كل هذا استعماراً جديداً؟».

ويتّفق مع هذا الرأي فيليبي دياز، من معهد الأبحاث الكولومبي المُسمّى «مركز الابتكار والأبحاث للتطوير العادل لقطاع التعدين والطاقة». ويشير إلى أنه «في أميركا اللاتينية بشكل خاص، فإن كل حكومة تؤكِّد على سيادتها تتعرَّض للتخريب سواء داخلياً أو خارجياً». ويضيف: «الحالات واضحة جداً في أوروغواي والبرازيل. حاولتا عدم الاعتماد على دول أخرى، وعلى وجه التحديد النموذج التوسّعي للولايات المتّحدة، لكن سُحِقتا حرفياً».

إن المخاطر لا يمكن أن تكون أعلى من ذلك. فالاقتصاد العالمي يمرّ بالفعل بتحوُّله الأكثر جوهرية منذ الثورة الصناعية. وإذا جلس العمّال والنقابات العمالية إلى الطاولة للتفاوض حول التحوُّل، فإن هذه العملية ستحظى بفرصة أكبر لأن تكون عادلة. لكن كما أوضح المشاركون الأربعة المذكورون أعلاه في الندوة التي عُقِدَت مؤخراً تحت عنوان «العمّال والاستعمار الأخضر»، التي رعاها «الميثاق البيئي والاجتماعي والثقافي المشترك للجنوب» ومشروع «التحوُّل العادل العالمي» التابع لـ«معهد دراسات السياسات»، فإن التحوُّل الحالي الذي تقوده الشركات سوف يستمر في الإضرار بالعمّال وتوسيع الفجوة بين «الشمال» و«الجنوب».

لحسن الحظ، بدأت تظهر بدائل أخرى.

 المشاركة العمالية

لدى بعض البلدان تقاليد في إشراك العمّال والنقابات العمّالية في التخطيط الاقتصادي. على سبيل المثال، توفِّر عملية اتخاذ القرار بشكل مشترك في ألمانيا للعمّال الحق في إبداء الرأي في سياسات الشركات، وكذلك في سياسة الحكومة، من خلال النقابات العمّالية.

وفي الوقت نفسه، استحدثت حكومة غوستافو بيترو وفرانسيا ماركيز الجديدة في كولومبيا تقليداً يتمثَّل في توسيع دائرة صُنع السياسات. يشير فيليبي دياز إلى أن «هذه حكومة تقدّمية». ويضيف: «للمرة الأولى تريد حكومة إجراء حوار مع الجهات الفاعلة التي هُجِرت وتُجوهِلَت تاريخياً على يد الحكومات السابقة».

لكن الأمر الأكثر شيوعاً هو أن الحكومات والشركات تُبقي العمّال خارج عملية صُنع القرار. يقول إيبيس فرنانديز: «نتحدّث عن تحوُّلات عادلة ومنصفة للطاقة، وهذا شيء لا نشهده في بيرو». ويضيف: «القطاع الاستخراجي قطاع محفوف بالمخاطر للغاية. هناك الكثير من الاستغلال، والشركات الكبيرة متعدّدة الجنسيات تحاول دائماً التَّملُّص من احترام حقوق العمّال».

الاقتصاد العالمي يمرّ بالفعل بتحوُّله الأكثر جوهرية منذ الثورة الصناعية. وإذا جلس العمّال والنقابات العمالية إلى الطاولة للتفاوض حول التحوُّل، فإن هذه العملية ستحظى بفرصة أكبر لأن تكون عادلة

وتشير إيفرلاين أكيتش إلى أنه من المثير للسخرية أن العمّال صاغوا عبارة «التحوُّل العادل» فقط لكي «تختطف الشركات متعددة الجنسيات هذا المصطلح. كما أن المشاركة النَّشطة من جانب العمّال - فيما يتعلّق بتحديد كيفية المضي قدماً في هذه المخطّطات - غائبة. ولا يوجد حالياً مخطّط واضح فيما يتعلق بكيفية تمكُّن أفريقيا، خصوصاً أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، على سبيل المثال، من تحقيق هذا التحوُّل العادل».

ولا يقتصر الأمر على الشركات فحسب - فالحكومات أيضاً لا تُقدِّم إلى العمّال في كثير من الأحيان ما هو أكثر من الكلام. تتابع أكيتش قائلة: «عندما يتعلّق الأمر بالعمّال في جنوب أفريقيا، على سبيل المثال، فإن الكثيرين منهم لا يفهمون ما يعنيه التحوُّل العادل». وتستطرد: «تأتي الحكومة وتقول: في الأعوام الخمسة أو الستة المقبلة، سوف نُغلِق بشكل فعلي بعض شركات قطاع التعدين». لكنها لا تشرح للعمّال سبب قيامها بذلك. ولا تشرح البنود التي وضعتها لاستيعاب العمّال الذين سيفقدون وظائفهم».

ويوضِّح إيغور دياز أن الأمر يتعلّق بالإنصاف والعدالة: «جزء من العدالة في هذه العملية الانتقالية يتعلَّق بانخراط النقابات، والعمّال، وكذلك المجتمعات المحلية الموجودة في المنطقة».

منح الأولوية للقطاع العام

وفقاً للنموذج النيوليبرالي، فإن السوق غير المقيدة تُحفِّز التنمية الاقتصادية، وينبغي للقطاع العام أن يبتعد عن الطريق. ومنذ عقود من الزمن، تحثُّ المؤسّسات المالية الدولية والحكومات القوية بلدان «الجنوب العالمي» على خفض النفقات الحكومية، والحدّ من القيود التنظيمية الحكومية، وخصخصة المؤسّسات الحكومية. وتطبّق العديد من البلدان هذا النموذج على التحوُّل الحالي في الطاقة.

وتشير إيفرلاين أكيتش إلى أن «التحوُّلات في الوقت الحالي تقودها الشركات متعدّدة الجنسيات التي يتمثّل اهتمامها الرئيس في الواقع في تعظيم الأرباح». وتضيف: «هذا التحوُّل، الذي ينبغي أن تقوده الحكومات، تسيطر عليه حالياً الشركات متعدّدة الجنسيات، وهذا هو الاتجاه الذي تدفع نحوه أيضاً الدول المتقدمة و«منظَّمة التعاون الاقتصادي والتنمية». لكن عندما يتعلّق الأمر بمبادئ العدالة، فإن الطاقة في حد ذاتها لا ينبغي أن تكون ميسورة التكلفة فحسب، بل يجب أن تكون مُيسَّرة أيضاً».

التحوُّلات، التي ينبغي أن تقودها الحكومات، تسيطر عليها الشركات متعدّدة الجنسيات التي يتمثّل اهتمامها الرئيس في الواقع في تعظيم الأرباح

والواقع أن استراتيجية التنمية التي تقودها الشركات هي التي جَلَبَت بلداناً مثل بيرو إلى أزمتها الاقتصادية الحالية. يقول إيبيس فرنانديز: «انتهت طفرة التعدين، وتتزايد هشاشة البلاد». ويضيف: «لم تُدِر الدولة مواردها، ولم تُعِد توزيع الثروة، ولم تستولِ على معظم الكعكة. والشركات متعدّدة الجنسيات لم تنكب على الحقوق الأساسية، ولم تستثمر في الصحة والتعليم، ولم تستثمر في الناس والعمّال حتى يحصلوا بالفعل على عمل كريم».

وتوافق إيفرلاين أكيتش على ذلك. وتشير إلى أن «السياسات النيوليبرالية نفسها لا تزال هي التي تقود أجندة التحوُّل العادل، وهو أمر غير مُنصِف بالنسبة إلى العديد من البلدان النامية». وتضيف: «يأخذ برنامج التمويل الأخضر نموذج برامج التكيُّف الهيكلي في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين. وقد أجبرت تلك البرامج نفسها العديد من بلداننا، بما في ذلك أوغندا، على خصخصة قطاع الطاقة وفقد العديد من العمّال وظائفهم. وكانت هناك زيادة في أسعار الطاقة بمقدار ثلاثة أضعاف تقريباً بعد الخصخصة».

وتشير إلى أن 70% من طاقة كينيا تأتي الآن من الطاقة النظيفة، «لكن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يجبران كينيا على خصخصة هذا القطاع». وبُغية التَّأهُّل للحصول على أموال التمويل الأخضر من صندوق النقد الدولي، كما تقول، «يُطلب من الحكومة الكينية في المقام الأول زراعة الأشجار. وهذا ليس بالشيء العادل. فمن أجل تحقيق تحوُّل عالمي عادل، ينبغي أن تكون هناك ساحة لعب متكافئة. وينبغي منح أفريقيا الحيز السياسي لتحديد الكيفية التي تريد بها أن يتم مسار التحوُّل العادل. لدينا مستويات ومراحل مختلفة من التطوّر».

وتتابع قائلة: «لتحقيق تحوُّل عادل، تصرّ «منظمة الخدمات العامَّة الدولية» على أن تكون الحكومات في طليعة توفير أُطُر السياسات وتحديد كيفية توليد الأموال لضمان تحوُّل عادل وجعل الطاقة النظيفة في متناول جميع أفراد المجتمع، بما في ذلك العمال».

وتضيف علاوة على ذلك: «إذا لم يتول القطاع العام قيادة هذا التحوُّل العادل، فسوف تتزايد الفجوة الجندرية، خصوصاً في أفريقيا حيث لا تزال غالبية النساء - ما يقرب من 900 مليون امرأة - مضطَّرات إلى استخدام الكُتَل الحيوية للحطب لأغراض الطهي».

التصدِّي للاستعمار الأخضر

في العام 2022، نتيجة للجائحة والحرب في أوكرانيا، ارتفع عدد الأشخاص الذين لا يحصلون على الكهرباء للمرة الأولى منذ عقود بمقدار 6 ملايين شخص ليصل إلى 760 مليوناً في جميع أنحاء العالم. وحَدَثَت معظم هذه الزيادة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث لا يتمكَّن أربعة من كل خمسة أشخاص من الحصول على الكهرباء.

يأتي كل مزيج الطاقة في أوغندا تقريباً من أشكال الطاقة النظيفة، مثل الطاقة الكهرومائية. «ومع ذلك، على الرغم من أننا نتمتّع بأعلى مزيج من الطاقة عندما يتعلّق الأمر بالطاقة النظيفة، فإن 20% فقط من أسرنا متصلة بشبكة الكهرباء. وأكثر من 600 مليون شخص في جميع أنحاء القارة لا يحصلون على الطاقة النظيفة»، بحسب إيفرلاين أكيتش.

إن الحصول على الكهرباء ليس سوى جانب واحد من التفاوت الهائل بين «الشمال العالمي» و«الجنوب العالمي» عندما يتعلّق الأمر بتحوُّل الطاقة. ويُشكِّل الأخير على نحو متزايد مركز التدافع على الموارد على غرار الاندفاع نحو الثروات في الحقبة الاستعمارية. ويقول إيبيس فرنانديز: «يمكننا أن نضيف قيمة إلى مواردنا الطبيعية، وأن نوقف ما حَكَمَ عليه بنا «الشمال العالمي»، أي أن نكون مُصدِّرين للمواد الخام من دون أي قيمة مضافة لمنتجاتنا».

لتحقيق تحوُّل عادل، تصرّ «منظمة الخدمات العامَّة الدولية» على أن تكون الحكومات في طليعة توفير أُطُر السياسات وتحديد كيفية توليد الأموال لضمان تحوُّل عادل وجعل الطاقة النظيفة في متناول جميع أفراد المجتمع

توافق إيفرلاين أكيتش على أن «الجنوب العالمي»، الغني بالمعادن، يحتاج إلى هذه الموارد، أو عائدات بيعها، من أجل التحوُّل الخاص به في الطاقة. وتضيف: «ثم هناك مسألة حقوق الملكية الفكرية حيث لا يُسمح لمعظم الأفارقة في جنوب الصحراء الكبرى بتكرار بعض هذه التقنيات لإضافة قيمة إلى المواد الطبيعية التي يملكونها».

وهناك قضية أخرى تتلخَّص في العبء غير المتناسب المتمثِّل في التعامل مع العواقب المترتبة على تغير المناخ وهو العبء الذي يتحمَّله «الجنوب العالمي». تواصل أكيتش قائلة: «تُسهِم أفريقيا بأقل من 4% من انبعاثات الكربون العالمية الحالية». وتضيف: «نحن الأقل تلويثاً لهذا الكوكب. ومع ذلك، فإننا ندفع الثمن الأعلى».

إحدى الآليات التي تعمل على فرض الانقسام بين «الشمال» و«الجنوب» هي معاهدات التجارة الحرّة، بما في ذلك البنود التي تسمح للشركات متعدّدة الجنسيات بمقاضاة الحكومات بسبب الممارسات التنظيمية التي تتعارض مع الدخل الصافي للشركات.

يقول فيليبي دياز: «أسوأ شيء هو عندما تترك هذه الشركات وراءها مسؤولية بيئية أو مسؤولية اجتماعية، ويكون علينا أن ندفع لها لأنها تقول إننا نعمل ضد تجارتها».

ويوافقه إيغور دياز على ذلك قائلاً: «رأينا آثار اتفاقيات التجارة الحرة التي تُفضِّل رأس المال الدولي على البلد نفسه. ولذلك من الضروري إجراء مراجعة فعلية لاتفاقيات التجارة الحرّة مع الولايات المتحدة ومع الدول الأخرى التي تسبَّبت في الكثير من المشاكل الاجتماعية في كولومبيا».

 الحالة الكولومبية

فازت التذكرة الرئاسية للسياسي التقدّمي غوستافو بيترو والناشطة في مجال العدالة البيئية فرانسيا ماركيز بالانتخابات الكولومبية في حزيران/يونيو 2022. وفي وقت لاحق من ذلك الصيف، توقّفت الإدارة الجديدة عن منح تراخيص للتنقيب عن الهيدروكربون وألغت مشاريع التكسير الهيدروليكي التجريبية، واعدةً بفطام البلاد عن اعتمادها على الكربون. وفي العام 2022، كان أكثر من نصف صادرات البلاد من النفط والفحم.

وعلى الرغم من أن عقود استغلال الاحتياطيات الحالية سوف تستمر لعقد آخر، فإن تعهُّد الحكومة الجديدة من المحتمل أن يُعرِّض سُبُل عيش العاملين في قطاعات النفط والغاز والفحم للخطر. يقول إيغور دياز: «في خضم الجائحة، حاولت حكومة كولومبيا إغلاق التعدين لمدة 18 شهراً. وحاولت نقابتنا إيقاف ذلك لأن أكثر من ألفي عامل مُنِحوا إخطاراً في آخر لحظة، وفقدوا وظائفهم. وقد ولّد هذا فوضى اجتماعية».

يصف تجربته في تمثيل عمّال مناجم الفحم، ويروي قائلاً: «في شركة التعدين التي كنت أعمل فيها، هناك 10 آلاف عامل، وأكثر من نصفهم يبلغون من العمر 35 عاماً. يعملون هناك منذ 15 عاماً. وأي تعديل سيكون مؤلماً بالنسبة إليهم لأنه في غضون 10 أعوام ربما لن يحصلوا على أي نوع من مدفوعات التقاعد».

أسوأ شيء هو عندما تترك هذه الشركات وراءها مسؤولية بيئية أو مسؤولية اجتماعية، ويكون علينا أن ندفع لها لأنها تقول إننا نعمل ضد تجارتها

وفي الوقت نفسه، يرى أن «هذه فرصة تاريخية ليس لكولومبيا فحسب، بل للعالم أجمع. يجب علينا بالتأكيد أن نشهد تحوُّلاً في الطاقة. وفي بعض المناطق هناك إمكانيات عمل أخرى. يمكن للناس العمل في الزراعة بدلاً من التعدين. علينا أن نتوقف عن استخراج المعادن والتنقيب عن النفط، ولكن بُغية تحقيق ذلك علينا أن ننظر إلى القطاعات الإنتاجية الأخرى في المجتمع، وفي الوقت نفسه تحسين النظم البيئية ووقف التلوث».

لكن كما يوضِّح فيليبي دياز، تهيمن الشركات متعددة الجنسيات أيضاً على قطاع الطاقة المتجددة في كولومبيا. يقول: «قبل أن تتولى حكومة بترو السلطة، كانت مهمة استبدال الوقود الأحفوري تُوكَل في الأساس إلى الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات». ويضيف: «يوجد اليوم 19 مشروعاً مختلفاً واسع النطاق، وينتمي 80% منها إلى شركات متعددة الجنسيات. فالدول الكبيرة ذات الشركات متعددة الجنسيات لا تريد لدولة متأخِّرة مثل كولومبيا أن تتخذ قرارات سيادية بشأن الصناعة ونقل التكنولوجيا».

لكن الحكومة الكولومبية الحالية شرعت في سلوك مسار مختلف. ففي منتصف كانون الأول/ديسمبر، أعلنت حكومة بترو عن إنشاء «إيكومينيراليز»، وهي شركة جديدة مملوكة للدولة لإنتاج وبيع الخام بطريقة تدعم صناعة الطاقة المتجددة في كولومبيا. ويتابع فيليبي دياز قائلاً: «اقتُرِحَ المنطق نفسه أيضاً بالنسبة إلى قطاع النفط والغاز. وتريد الحكومة أن يكون لدى أكبر شركات النفط - «إيكو-بترول»، المملوكة للدولة أيضاً - وحدة أعمال جديدة عندما يتعلق الأمر بالطاقة المتجددة».

ويتابع: «هذا يعني أن القطاع العام سيبدأ في ممارسة الحوكمة وطرح مطالب على أولئك المستفيدين من تحوُّل الطاقة. إن الوزارات التي تقود عملية التحوُّل تدعونا لمساعدتها بالمعلومات والبحث لمعرفة احتياجات العمّال. لم نر هذا النوع من التواصل من قبل. الفكرة هنا هي أن الاستخراج الأخضر للمعادن لن يكون في أيدي شركات التعدين».

ويتمثَّل التحدي الرئيس الذي لا تزال كولومبيا تواجهه في التمرُّد المستمر الذي يقوم به «جيش التحرير الوطني»، الذي هو عبارة عن ميليشيا شيوعية، فضلاً عن بعض الجماعات شبه العسكرية الأصغر حجماً وتجّار المخدّرات. ولا يزال موقف «جيش التحرير الوطني» بشأن تحوُّل الطاقة غير معروف إلى حدٍّ كبير.

يسأل فيليبي دياز: «هل يوافقون على الانتقال إلى مصفوفة الطاقة النظيفة أم يريدون الاستمرار في إنتاج النفط والغاز طالما أن من يفعل ذلك دولة ذات سيادة؟». ويضيف: «حدث تصعيد جديد للعنف مع «جيش التحرير الوطني»، وأصبح من الصَّعب حقاً التفاوض معهم. وعندما ينتهي بهم الأمر إلى الاستيلاء على بعض الموارد، فقد يؤدي ذلك إلى تعقيد مسائل المساواة في تحوُّل الطاقة».

صياغة طريقٍ إلى الأمام

تُقدِّم كولومبيا مثالاً مثيراً للاهتمام لدولة عازِمة على إشراك العمّال وإعطاء الأولوية للقطاع العام في تحوُّل الطاقة. لكن هذه الحكومة التقدمية تمثِّل أيضاً تتويجاً لأعوام عديدة من التنظيم من قِبل قطاعات مختلفة.

تشير إيفرلاين أكيتش إلى أنه «عندما يجتمع الناس معاً - المجتمع المدني والنقابات العمّالية - فهذا هو الموضع الذي تكمن فيه قوتنا بالفعل». وتضيف: «إن الانخراط مع المجتمع المدني والمنظمات النسوية أمر بالغ الأهمية من حيث تعزيز أصوات النساء وأيضاً إظهار آثار السياسات النيوليبرالية على القضايا المتعلقة بإتاحة الطاقة».

وفي بيرو أيضاً، لا تزال مثل هذه التعبئة مستمرة. وتوضِّح أكيتش قائلة: «يجب أن تكون التحالفات واسعة جداً، على سبيل المثال، مع العاملين في شركات التعدين والسكان الأصليين. نحن بلد متنوع للغاية، وتحاول القوى المحافظة استقطاب الرأي في العديد من المناطق. وقد أدركنا منذ فترة طويلة أنه يتعيَّن علينا إقامة تحالف ضد هذه الجهات الفاعلة الهمجية».

 

نُشِر هذا المقال في Counter Punch في 18 كانون الثاني/يناير 2024.