Preview lebanon budget 2025

مشروع موازنة 2025: وكأن لا حرب ولا انهيار

يأتي مشروع موازنة العام 2025 الذي أعدّته وزارة المال في لبنان، كما العادة، خالياً من أي إجراءات جدّية أو فعلية لتخفيف عبء الأزمة ومعالجة التداعيات الناجمة عنها. والواقع، تستمرّ السياسات التقشّفية نفسها المعتمدة منذ ما قبل الأزمة وتقوم على عصر النفقات الاجتماعية والاستثمارية كافة، في مقابل زيادة الرسوم والضرائب. 

يوم الجمعة الماضي، أحال وزير المالية، يوسف الخليل، مشروع قانون موازنة العام 2025 إلى مجلس الوزراء، وقد حدّد نفقات الحكومة في خلال السنة المقبلة بنحو 4.779 مليار دولار بارتفاع بنسبة 38% عن قانون موازنة العام 2024، ومع ذلك تبقى أقل بنسبة 69% عن قانون موازنة العام 2019. في المقابل توقّع مشروع موازنة العام 2025 جبابة إيرادات بقيمة 4.582 مليار دولار بارتفاع نسبته 33% عن الإيرادات المتوقّعة في قانون موازنة العام 2024، ولكنها لا تزال أقل بنسبة 63% عن الإيرادات المتوقّعة في موازنة العام 2019. ونتيجة تراجع قيمة الإيرادات عن النفقات، سوف ينتج عجز بقيمة 196 مليون دولار، أي ما يشكّل 4.11% من مجمل النفقات يقترح مشروع القانون سدّها من خلال إصدار سندات خزينة بالليرة اللبنانية. يقترح مشروع القانون سدّ العجز من خلال إصدار سندات خزينة بالليرة اللبنانية.

lebanon 2025 budget figure 1

وفي كلّ الأحوال، لا يعبّر هذا الرقم عن العجز المالي الكلّي والفعلي للموازنة، كونه لا يتضمّن نفقات الخزينة الأخرى وأيضاً لا تتضمّن كلّ الديون المترتبة والمتأخرات لصالح المقاولين والمستشفيات والصندوق الوطني للضمان. في العام الماضي، سجّل قانون الموازنة «أعجوبة» بصدوره بصفر عجز، وفيما تستمرّ تداعيات الأزمة الجارفة، لم تنشر وازرة المالية نتائج الموازنة منذ العام 2021، بحيث لا يمكن التأكّد من أرقام العجز والإيرادات المحصلة والنفقات المصروفة.

في العموم، هناك ثلاث ملاحظات أساسية على المشروع المقدّم.

أولاً؛ الاستمرار في رفع الضرائب والرسوم. فقد رفعت هذا العام بنحو 33%، وبحسب المدير العام السابق للمحاسبة العمومية في وزارة المالية أمين صالح فقد «وصلت تراكمياً منذ العام 2022 إلى 796%». تأتي النسبة الأكبر من الضرائب غير المباشرة، وبشكل أساسي الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية، وهو ما يشكّل عبئاً إضافياً على مداخيل المقيمين. وفي حين يقترح مشروع الموازنة تعديل مجموعة من الرسوم الإدارية، إلا أن النسبة الأكبر من الإيرادات يتوقّع تحصيلها من الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية وضرائب الدخل التي ستشكّل 57% من مجمل الإيرادات المتوقّعة. ويقول صالح أنه «في ظل استمرار الركود الاقتصادي وتراجع الاستهلاك وثبات الاستيراد، فإن ذلك يعني توجّهاً نحو تدهور إضافي في سعر الصرف، أي زيادة حجم الضرائب بالليرة اللبنانية كنتيجة لمزيد من التراجع بسعر الصرف مقابل الدولار». 

ثانياً؛ عادت الدولة إلى الاستدانة، إذ يتوقع أن تصدر سندات خزينة بالعملة المحلية بقيمة تعادل نحو 196 مليون دولار (على سعر الصرف الحالي) لتمويل العجز. وبحسب صالح «نفّذ المصرف المركزي سياسة ضبط الكتلة النقدية في السنوات الماضية، والتي لم تعترض عليها الحكومة، ما سمح بزيادة حساب الدولة لدى مصرف لبنان وتثبيت سعر الصرف، وربما أتى ذلك تمهيداً لتحريره أكثر، وهذا التحليل ما يتماشى مع ما حذّر منه تقرير ستاندر آند بورز مؤخراً عن ارتفاع سعر الصرف إلى أكثر من 170 ألف ليرة». 

ثالثاً؛ لا يقابل الزيادات في الرسوم والضرائب أي إضافة في النفقات الاستثمارية، التي لا تشكّل أكثر من 9.8% من مجمل نفقات الموازنة، مع العلم أن 70% منها نفقات لصيانة الطرق. وبحسب صالح «كما العادة منذ سنوات جرى ترحيل جميع مشاريع البرامج إلى سنوات لاحقة، ولم يرصد أي إنفاق إضافي على التعليم والصحة والاقتصاد التي بقيت حصصهم من مجمل النفقات على حالها أو تراجعت». ولا يقتصر الأمر على النفقات المرصودة للخدمات العامة، أيضاً لم يعبر مشروع الموازنة عن أي توجّه لتعديل النظام الضريبي أو حل للمعضلات الاجتماعية والاقتصادية التي تشل البلاد مثل الهجرة والبطالة والركود... بما يعجله وفقاً لصالح «أقرب إلى تقرير محاسبي منه إلى مشروع يعبّر عن الخطط الاقتصادية والاجتماعية لدولة، فمن أصل 50 مادة، هناك 30 مادة تتناول تعديلات لرسوم إدارية». 

من أين تجبي الدولة إيراداتها؟ 

من المقدّر أن تجبي الدولة إيرادات بقيمة 4.582 مليار دولار، من ضمنها 79.6% إيرادات ضريبية بقيمة 3,647 مليار دولار، و20.4% إيرادات غير ضريبية بقيمة 935 مليون دولار. 

ومن المعروف أن الإيرادات الضريبية هي التي تدخل إلى الخزينة العامّة نتيجة تحصيل الضرائب والرسوم من المقيمين والمقيمات في البلاد. وهي تتأتّى من الضرائب المباشرة التي تفرض على الأرباح والملكية والدخل ومن الضرائب غير المباشرة التي تفرض على الاستهلاك. وتعدّ الضرائب المباشرة أكثر عدالة من الضرائب غير المباشرة كونها تطال من يملك الموارد لتعيد الدولة توزيع العائدات المتأتية منها على المشاريع والخدمات العامّة والأساسية والدعم الذي توفّره للاقتصاد والمجتمع. أما الإيرادات غير الضريبية فهي التي تحصّلها الدولة من مؤسّسات عامّة لها طابع تجاري وتقدّم خدمات عامّة أو من رسوم على معاملات إدارية مثل إدارة حصر التبغ والتنباك وشركات الخلوي. وأيضاً يدفعها المقيمون والمقيمات في البلاد. 

lebanon 2025 budget figure 2

من سيسدّد الضرائب؟ 

66% من الإيرادات سوف يأتي من الضرائب غير المباشرة على الاستهلاك، مع العلم أن 34% من مجمل الإيرادات يتوقّع أن تحصلها الخزينة العامة من الضريبة على القيمة المضافة وحدها. في المقابل، لن تشكّل الضرائب المباشرة على الدخل والأرباح والملكية أكثر من 17% من مجمل الإيرادات، فيما ستشكل الإيرادات غير الضريبية نحو 17%.

سوف يسدّد المستهلكون 82% من مجمل هذه الإيرادات على شكل ضريبة على القيمة المضافة ورسوم على السلع والخدمات والرسوم الجمركية ورسوم الطابع المالي والمعاملات الإدراية على أنواعها وأسعار الخدمات العامة مثل الاتصالات.

أما أصحاب العمل والشركات والمهن الحرّة، فمن خلال تسديدهم ضرائب الأرباح ورؤوس الأموال المنقولة سوف يساهموم بنحو 8.1% من مجمل إيرادات الخزينة. فيما سيساهم المودعون والملاك والورثة من خلال الضريبة على الفوائد والأملاك المبنية ورسوم الانتقال بنحو 7.6% من مجمل الإيرادات. أما العمّال والموظّفون والمتقاعدون فسوف يسدّدون نحو 2.1% من مجمل الإيرادات على شكل ضريبة على الأجور وحسومات تقاعدية.

كيف تنفق الدولة إيراداتها؟ 

وفقاً للتصنيف الاقتصادي، سوف تنفق الدولة إيراداتها وفقاً لـ  بنود، وهي:

الرواتب والأجور وملحقاتها والمنافع الاجتماعية: سوف تنفق الحكومة نحو 2.54 مليار دولار لتسديد الرواتب والأجور والتقديكات الاجتماعية والمساهمات في صناديق التعاضد ومعاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة وبدلات النقل والخدمة والإنتاجية، بارتفاع بنسبة 50% تقريباً عما رصد في موازنة العام 2024، ولكنه لا يزال أقل بنحو 62% عما كان عليه في العام 2019. تشكل الرواتب والأجور والمنافع الاجتماعية نحو 53% من مجمل نفقات الموازنة، علماً أن الزيادة المسجلة مرتبطة نوعاً باستدعاء عناصر جديدة إلى الخدمة العسكرية في هذا العام، كسياسة تمارسها الدولة للضبط الاجتماعي لاسيما في المجتمعات التي تعجز عن الهجرة أو العثور على وظائف في القطاع الخاص. ويضاف إلى ذلك نحو 219 مليون دولار كنفقات طارئة واستثنائية (4.6% من مجمل النفقات) يرجح أن يتم تسديدها على شكل بدلات نقل وإنتاجية ومساعدات في خلال العام.

الفوائد على القروض الداخلية: من المتوقع أن تسدّد الحكومة نحو 352 مليون دولار (7.4% من مجمل النفقات) على الفوائد المترتبة على سندات الخزينة بالعملة المحلية، بارتفاع بنسبة 117% عما دفع في موازنة العام 2024. تعتبر هذه المبالغ مصدر ربح أساسي للمصارف الزومبي التي لا تزال تعمل من خلال الدعم الحكومي ما يشكّل إحدى أدوات التوزيع العكسية، كما من العمولات التي تقتطعها من الحسابات المسجّلة لديها. 

النفقات الاستثمارية: تشكّل هذه النفقات نحو 9.8% من مجمل ما ستنفقه الدولة وتبلغ نحو 468 مليون دولار، علماً أن 70% منها ليست عبارة عن مشاريع جديدة لتحريك الاقتصاد أو بناء بنية تحتية لخدمات عامة تمس الحاجة إليها مثل النقل والكهرباء، بل مجر مشاريع صيانة للطرقات. 

المواد والخدمات الاستهلاكية والتحويلات إلى المؤسسات العامة: إنها الخدمات والمواد التي تحتاجها الإدارات العامة لتشغيل مثل القرطاسية وخدمات الكهرباء والاتصالات وغيرها، أو المساعدات التي تنقل من الموازنة العامة لدعم موازنات تشغيل مؤسسات عامة أخرى. تبلغ قيمتها نحو 907 ملايين دولار وتشكل نحو 19% من مجمل النفقات، وقد ارتفعت بنحو 9% عما رصد في موازنة العام 2024.

lebanon 2025 budget figure 4

أما وفقاً للتصنيف الوظيفي، فيتبيّن أن الجزء الأكبر من النفقات العامّة مخصّص لتغطية نفقات الحماية الاجتماعية التي ارتفعت من 923 مليون دولار إلى 1.3 مليار دولار بالمقارنة بين قانون موازنة العام 2024 ومشروع موازنة العام 2025، وتشكّل نحو 26.4% من مجمل النفقات العامة. هذه النفقات هي عبارة عن أموال تنفق من الخزينة العامّة لصالح دور الرعاية الاجتماعية الخاصّة أو على مشاريع اجتماعية تنفّذ عبر وزارة الشؤون الاجتماعية مثل مشروع مكافحة الفقر وغيرها. وقد انخفضت بنحو ـ62% مما كانت عليه في العام 2019 (3.4 مليار دولار)، على الرغم من ارتفاع الفقر. 

تستحوذ السلطات العامة أي الإدارات والمؤسسات العامة ونفقاتها التشغيلية وأجور العاملين فيها على 24.2% من مجمل النفقات العامة، وقد ارتفعت من 738 مليون دولار في موازنة العام 2024 إلى 1.15 مليار دولار في المشروع الحالي. في المقابل تستحوذ وظيفة الدفاع بما فيها خدمات الشرطة والإنفاق العسكري على 12% من مجمل النفقات وتبلغ 579 مليون دولار، أما التعليم والصحة فتستحوذان على 8.5% و8.9% على التوالي من مجمل نفقات الحكومة أو 408 ملايين و427 مليون دولار على التوالي بالمقارنة مع 1.4 مليار و500 مليون في العام 2019، علماً أن القيم المرصودة للصحة انخفضت عمّا كانت عليه في موازنة العام 2024 أيضاً. 

أما الوظائف الأخرى مثل حماية البيئة والثقافة والأديان والترفيه والإسكان والمرافقة المجتمعية والتنظيم وغيرها فتستحوذ على النسبة المتبقية.

lebanon 2025 budget figure 3