عدد كبار السن يتساوى مع عدد الأطفال
شهد العام الماضي ثلاثة معالم ديموغرافية: تجاوز عدد سكان العالم 8 مليارات نسمة؛ وتفوّقت الهند على الصين باعتبارها الدولة الأكبر سكانياً في العالم؛ وشهدت الصين أول انخفاض في عدد السكان منذ عقود، وفقاً لمقال نشره معهد بروكينغز بعنوان «عصر اقتصاد التقدّم في العمر». ومع ذلك، فإن الحدث الذي ربما كان له آثاراً اجتماعية واقتصادية أكثر أهمية مرّ من دون ضجّة كبيرة، وهو تجاوز عدد كبار السن، أي أولئك الذين تبلغ أعمارهم 50 عاماً وما فوق، عدد الأطفال تحت سن 15 عاماً للمرّة الأولى، ويتألف الآن سكان العالم من 2 مليار طفل، و2 مليار من كبار السن، و4 مليارات من الشباب وغيرهم من البالغين.
على الرغم من التغيّرات الكبيرة في الاتجاهات الديموغرافية، فإن عدد سكّان العالم مستمرّ في الارتفاع بزيادة تقدّر بنحو 75 مليون شخص في العام المقبل وحده، وتشير البيانات إلى أن النمو السكاني اليوم أصبح مدفوعاً بانخفاض معدل الوفيات بين البالغين وليس بارتفاع الخصوبة، فمن جهة، بلغ عدد الأطفال في العالم ذروته وسيظل ثابتاً عند مستواه الحالي لبضعة عقود من الزمن، ومن جهة أخرى، أصبح الناس يعيشون حياة أطول، وتمتدّ حياتهم إلى ما بعد سن الخمسين بكثير.
لذا، إذا ألقينا نظرة إلى الرسوم البيانية المتعلقّة بالتغيّر في التوزيع العمري بين الحاضر وتوقّعات عام 2040، أي عندما يكون العالم قد أضاف مليار شخص الى عدد سكانه، فإننا لن نرى أي تغيّر في عدد الأطفال، بل سنرى 800 مليون شخص إضافي في الفئة العمرية 50 سنة وما فوق.
من أي البلاد سيأتي النمو في عدد السكان الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاماً؟
يتركّز التوسّع البالغ 800 مليون شخص في الفئة العمرية 50 سنة وما فوق بشكل كبير في البلدان النامية في آسيا، وتٌلحظ هذه الزيادة بشكل خاص في فئة المستهلكين، أي أولئك الذين ينفقون يومياً أموالاً تفوق قوتها الشرائية قوة 12 دولاراً في العام 2017، فالانتماء إلى هذه الفئة من المستهلكين يعني القدرة على تحمّل ما هو أكثر من الضروريات الأساسية، بما في ذلك السلع والخدمات الإضافية. وفي حين يُتوقّع أن يرتفع إجمالي عدد السكّان بمقدار مليار نسمة بحلول العام 2040، فمن المتوقع أيضاً أن تتوسّع طبقة المستهلكين بمقدار ملياري نسمة، حيث سيعيش 700 مليون من هؤلاء الأشخاص في 10 بلدان منخفضة ومتوسّطة الدخل، معظمها في آسيا. والولايات المتّحدة هي الدولة الوحيدة ذات الدخل المرتفع التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في عدد كبار السن، علماً أن الزيادة في دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة ستكون معادلة تقريباً لتلك الموجودة في الولايات المتّحدة.
من جهة أخرى، يكشف التوزيع على مستوى كل دولة على حدة أنه على الرغم من أن الهند هي الدولة الأكثر سكاناً في العالم مع استمرار تزايد عددهم فيها، فإن الصين ستشهد زيادة أكبر بكثير في عدد سكان الطبقة الاستهلاكية.
علاوة على ذلك، فإن التركيبة السكّانية المتغيّرة في الصين تحدث في مرحلة مبكرة نسبياً من تنميتها الاقتصادية، فبحلول العام 2040، سوف يساوي عدد السكان الأكبر سناً في الصين نظيره في اليابان اليوم تقريباً، إلا أن متوسط إنفاق المستهلك الصيني في العام 2040 لن يتجاوز ثلثي ما ينفقه المستهلك الياباني اليوم، ومن هنا جاءت الملاحظة التي تقول أن الصين هي واحدة من العديد من البلدان التي تتقدّم في السن قبل أن تصبح غنيّة.
يشير مصطلح اقتصاد التقدّم في العمر (longevity economy) إلى المساهمات الاقتصادية للأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 50 عاماً وما فوق، ووفقاً لتقرير توقّعات اقتصاد العمر المتقدّم في العالم الصادر عن رابطة المتقاعدين الأميركية AARP، ساهم السكّان الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاماً بمبلغ 45 تريليون دولار (34%) في الناتج المحلي الإجمالي العالمي في العام 2022، وهذا يعادل حوالى ثلاثة أضعاف الإيرادات المجمّعة للشركات المئة الأعلى ربحاً في العالم في العام 2020. ويتوقع مختبر البيانات العالمي (World Data Lab) أن ينمو إنفاق هذه المجموعة بنحو 5.5% على مدى العقد المقبل، إذ سيمثل كبار السن 42% من إجمالي الإنفاق في جميع أنحاء العالم في 2024، ومع نموهم من حيث العدد والثروة، ستستمر مساهمتهم النسبية في الارتفاع بشكل مطرد.
ضمن هذه المجموعة من كبار السن، سيكون الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً وما فوق هم الأكثر إنفاقاً، وفي البلدان النامية الكبيرة حيث يتركّز النمو، سوف تكون المجموعة الجديدة من كبار السن قد تراكمت لديها مدخرات أعلى من المجموعة التي انتمى إليها أسلافهم، وهذا يعني أن نصيب الفرد من الإنفاق سوف يرتفع أيضاً. وسيؤدي الجمع بين هاتين القوّتين إلى نمو إجمالي إنفاق كبار السن بنسبة 6 إلى 6.5% سنوياً على مدار العقد المقبل، ما يجعل الفئة العمرية التي تزيد عن 65 عاماً هي الفئة العمرية الأسرع نمواً.