
حقبة جديدة لعسكرة ستارلينك
سيكون لإيلون ماسك دور في الادارة الأميركية الجديدة. أعلن الرئيس المنتخب دونالد ترامب مساء الثلاثاء 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 أن المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة SpaceX، المعروفة بإطلاقها مشروع «ستارلينك»، سيقود «إدارة الكفاءة الحكومية» الجديدة إلى جانب رجل الأعمال والسياسي فيفيك راماسوامي.
ماسك الذي اعتاد على استخدام مجموعات الضغط للتوسط لدى السياسيين الأميركيين، بهدف امتصاص مليارات الدولار من الضرائب الأميركية في عقود أعمال لصالحه، أصبح اليوم مسؤولاً عن رسم سياسات يمكن أن تؤدي إلى إلغاء القيود الحكومية التنظيمية وتغييرات في السياسة، من شأنها أن تؤثر بشكل مباشر على عالم شركات ماسك، وخاصة Tesla وSpaceX وX وNeuralink. بالفعل، صرح ماسك عن هدف خفض الإنفاق الحكومي بمقدار 2 تريليون دولار في حديثه مع صحافيين الشهر الماضي.
يقول خبراء أن مشروع ايلون ماسك Starlink للأقمار الصناعية بالذات، قد يكون على وشك الحصول على مليارات الدولارات الإضافية في العقود الفيدرالية والإعانات في ظل رئاسة دونالد ترامب، فالأخير بنى لنفسه سمعة منذ تسلمه ولايته الأولى كالباني والحامي الأول لتكنولوجيا الفضاء الأميركية، نتكلم عن تكنولوجيا الفضاء العسكري بشكل خاص، فقد حوّل ترامب ما يفترض انها استراتيجية أمنية إلى منافسة بين القوى الكبرى، بين أميركا والصين بشكل خاص. وبالتالي، قد يشهد عهد ترامب ترسّخ الوجه العسكري لستارلينك، فالمشروع الذي خضع للتطوير بشراكة بين ماسك والجيش الأميركي، والذي تم تجريبه بشكل «شرعي» في أوكرانيا، واستعماله «غير الشرعي» في روسيا، والذي قيل أن الجيش الإسرائيلي يطمح إلى استخدامه في حربه على لبنان، قد يصبح طليقاً من أي تقييدات قانونية أميركية ومدعوماً بإعانات حكومية.
ستارلينك والجيش الأميركي
انطلق مشروع «ستارلينك» في العام 2015، وهو مشروع «كوكبة إنترنت» أو مجموعة كبيرة جداً من الأقمار الصناعية المتّصلة ببعضها، والتي تدور حول المدار المنخفض للكرة الأرضية. يهدف هذا المشروع إلى تغطية الكوكب بأكلمه بالانترنت وبكلفة أقل وسرعة أكبر مما توفّره وسائل نقل الانترنت الشائعة، يأتي هذا في الوقت الذي ظل فيه أكثر من 30% سكان العالم غير موصولين إلى الإنترنت.
على الرغم من تسويق المشروع بوجهه المدني في المقام الأول، كإشارات ترامب عن استخدامه من قبل المتضررين من الأعاصير كأعصاري هيلين وميلتون، أو بغرض الدعاية أنه متنفس الإيرانيين للتعبير عن آرائهم في ظل قمع الحكومة وحجب الانترنت عن الشعب، أو أنه سبيل المستشفيات في غزة للتواصل مع العالم الخارجي، إلا أن المشروع «ستارلينك» تعرّض لعملية عسكرة تدرّجية بفعل التعاون بين سبايس إكس ووزارة الدفاع الأميركية، وبشكل خاص بعد استخدامه من قبل القوات الأوكرانية في حربها مع روسيا.
مشروع «ستارلينك» تعرّض لعملية عسكرة تدرّجية بفعل التعاون بين سبايس إكس ووزارة الدفاع الأميركية، وبشكل خاص بعد استخدامه من قبل القوات الأوكرانية في حربها مع روسيا
في اب/ أغسطس 2017، عندما قدمت SpaceX طلب تسجيل علامة تجارية إلى مكتب براءات الاختراع الأميركي، قامت بتوسيع نطاق تطبيقات Starlink لتشمل الاتصالات والبث عبر الأقمار الصناعية، والتصوير عبر الأقمار الصناعية، والاستشعار عن بعد، وغيرها من الخدمات. من خلال دمج التقنيات المتطورة الحالية مثل البيانات الضخمة Big data، والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، تستطيع ستارلينك أن تحسّن سلسلة الاستطلاع والتحديد والضرب الشاملة للجيش الأميركي.
في البداية، تم تطوير مشروع ستارلينك، بقيادة الجيش الاميركي ودعمه من خلال تمويل المشاريع، لتوفير خدمات استخباراتية. مع تقدم التعاون، بدأت شركة SpaceX في المشاركة في التدريبات العسكرية الأميركية واختبار الأسلحة، ما أظهر بشكل متزايد اتجاهاً نحو تسليح المشروع.
- في اذار/ مارس 2019، وقعت شركة SpaceX عقداً بقيمة 28 مليون دولار مع القوات الجوية الأميركية لاختبار خدمات الإنترنت المشفرة لأقمار Starlink الصناعية.
- في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه، أجرت القوات الجوية الأميركية اختبارات مبكرة للتحقق من صحة تكنولوجيا المدار المنخفض، والتي تضمنت الاتصال المباشر بين أقمار ستارلينك الصناعية ومصفوفات الهوائي للطائرات المقاتلة التابعة للقوات الجوية الأميركية.
- في ايلول/ سبتمبر 2020، لم تكن ستارلينك متصلة فقط بالأنظمة القتالية خلال تدريب بالذخيرة الحية واسع النطاق أجرته القوات الجوية الأميركية، بل قدمت أيضاً خدمات استخباراتية لطائرات AC-130 وF-35 وF-22.
- في اذار/ مارس 2021، قدمت SpaceX دعماً معلوماتياً لتجربة «سيناريو قتال أرض-جو» في قاعدة إدواردز الجوية.
- في ايار/ مايو 2020، وقع الجيش الأميركي اتفاقية بحث وتطوير تعاوني مع SpaceX لربط أقمار Starlink الصناعية بشبكة اتصالات الجيش وتقييم أداء خدمة الشبكة. وخلص التقييم إلى أن Starlink توفر «قدرات مقاومة للتشويش وعالية الدقة وبديل محتمل لتقنية GPS».
- في تشرين الاول/ أوكتوبر 2020، حصلت شركة SpaceX على عقد بقيمة 29.6 مليون دولار بموجب اتفاقية المرحلة الثانية للإطلاق الفضائي للأمن القومي National Security Space Launch Phase 2 agreement، ما يسمح لقوة الفضاء الأميركية بمراقبة ودراسة البيانات من البعثات الفضائية التجارية والمدنية للشركة.
- في ايار/ مايو 2022، أطلقت القوة الفضائية في قاعدة فاندنبرج الجوية بكاليفورنيا صاروخاً من طراز Falcon-07 يحمل أقمار ستارلينك الصناعية. كانت هذه هي المرة الرابعة التي تشارك فيها هذه القاعدة العسكرية في نشر شبكة Starlink الفضائية.
- في ايلول/ سبتمبر 2023، أطلقت القوة الفضائية المزيد من أقمار ستارلينك الصناعية من كيب كانافيرال بولاية فلوريدا.
خلال فترة ولايته الأولى، بدأ ترامب العديد من الإصلاحات الجوهرية في سياسة الفضاء، بما في ذلك بدء برنامج أرتميس، وإعادة المجلس الوطني للفضاء، فضلاً عن إنشائه قوة الفضاء الأميركية، وقال ترامب ان هذا الخيار هو «أحد أكثر إنجازاتي التي أفتخر بها في ولايتي الأولى»، وهو نقطة محورية في استراتيجية الأمن القومي، تحديدا في الدفاع عن التهديدات الفضائية من الصين وروسيا.
مع بدء دونالد ترامب فترة ولايته الثانية، تتجه كل الأنظار نحو مستقبل قوة الفضاء الأميركية، وبعد 4 أعوام من تزويد الأخيرة بالتكنولوجيا المتقدّمة، بما في ذلك تكنولوجيا ستارلينك، أصبح ترامب أكثر قدرة على مواصلة خططه، بل توفّرت لديه الأرضية لانشاء الحرس الوطني الفضائي الذي يريده، وفق ما صرّح به في آب/ اغسطس الماضي، أثناء حديثه في المؤتمر والمعرض العام الـ 146 لاتحاد الحرس الوطني للولايات المتحدة (NGAUS) في ديترويت.
زيلينسكي شكر ماسك على محطات ستارلينك التي تعتمد عليها أوكرانيا في الكثير من اتصالاتها العسكرية لصدّ الغزو الروسي المستمر للبلاد
ستارلينك في اوكرانيا
في الأربعاء الماضي 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، انضم إيلون ماسك إلى مكالمة بين الرئيس المنتخب دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حسبما قال أشخاص مطلعون على الأمر لواشنطون بوست، بدأت المكالمة بمحادثة بين ترامب وزيلينسكي، اللذين لاحظا كيف أن المكالمة كانت ممكنة بسبب خدمة الإنترنت Starlink الخاصة بـ Musk، والتي شارك فيها زيلينسكي وهو في قطار إلى بودابست، وتنقل «واشنطن بوست» أن زيلينسكي شكر ماسك على محطات ستارلينك التي تعتمد عليها أوكرانيا في الكثير من اتصالاتها العسكرية لصدّ الغزو الروسي المستمر للبلاد.
يجادل الباحثون بأن الحرب في أوكرانيا تمثل علامة فارقة في عسكرة ستارلينك، فهي أول «تطبيق قتالي في العالم الحقيقي». في الصراع الروسي الأوكراني، أصبحت ستارلينك وسيلة تكنولوجية حاسمة للجيش الأوكراني لتحقيق الاتصالات في ساحة المعركة، والاستطلاع الاستخباراتي، وحتى الضربات المستهدفة الدقيقة، وتقوم القوات الأوكرانية بربط الطائرات بدون طيار بالقوات البرية من خلال ستارلينك، مما يعزز بشكل كبير فعالية الضربات ضد أهداف عسكرية روسية.
في العام 2022، تم تقديم Starlink في البداية مجاناً للقوات الأوكرانية بعد الغزو الروسي للبلاد، وتم تمويله لاحقاً من قبل البنتاغون، الذي خصص 14.1 مليون دولار لعقد مدته ستة أشهر. يمكن للإنترنت عبر الأقمار الصناعية الخاص بـ Starlink تغطية كامل أراضي أوكرانيا وتوفير خدمات الوصول إلى الشبكة من خلال المحطات الأرضية في البلدان المجاورة مثل ليتوانيا وبولندا وتركيا، ما يضمن اتصالات مستقرة في زمن الحرب للقوات الأوكرانية.
وفرت هواتف ستارلينك اتصالات آمنة ومستقرة في ساحة المعركة للجنود الاوكرانيين. مثلاً، استخدمت القوات الأوكرانية نظام ستارلينك لإرسال صور ومقاطع فيديو لإشارات الاستغاثة إلى العالم الخارجي عند تطويق القوات الروسية لمصنع أزوفستال للصلب. أيضاً، تم دمج ستارلينك بسلاسة في نظام القيادة العسكري الأوكراني من خلال السلسلة الاستخباراتية التالية: منصات الاستطلاع والمراقبة التابعة لحلف شمال الأطلسي – مراكز القيادة والسيطرة العسكرية الأوكرانية – شبكة ستارلينك – العمل والتنفيذ. من الأمثلة على ذلك الهجوم على الطراد «موسكفا» التابع للبحرية الروسية، حيث تم تحديد الموقع الدقيق لـ«موسكفا» واستهدافه، بدعم من حلف شمال الأطلسي، ومن خلال ستارلينك.
خلال الحرب، شجعت الحكومة الأوكرانية الجمهور على استخدام الهواتف الذكية لنقل أي معلومات استخباراتية قد يجدونها، مثل المواقع العسكرية الروسية، وصور المعدات، ومقاطع الفيديو التدريبية. يزعم الأوكرانيون أنه خلال ما يزيد قليلاً عن شهرين منذ اندلاع النزاع، قدم ما يقرب من 267 ألف مدني أوكراني بيانات عبر منصات متنقلة، بمتوسط 2000 تقرير حول المواقع الروسية كل يوم. تقوم وزارة التحول الرقمي الأوكرانية بتحليل هذه البيانات ومعالجتها، وتحويلها إلى معلومات استخباراتية أكثر دقة لمركز القيادة الخاص بها. قد يكون الرابط الفني المحتمل هو: الهاتف المحمول - شبكة ستارلينك - منصة تحليل الاستخبارات - أقسام الاستخبارات العسكرية التابعة لحلف شمال الأطلسي أو الأوكرانية - شبكة ستارلينك - الخطوط الأمامية في ساحة المعركة.
كما تستخدم وكالات الاستخبارات الأوكرانية الإنترنت عبر أقمار ستارلينك للتأثير على الرأي العام، وتعزيز الروح المعنوية العسكرية، وحشد الدعم من وسائل الإعلام الدولية. على سبيل المثال، اعترض جهاز الأمن الأوكراني محادثات لجنود روس وخرجت بشكل انتقائي على الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، بما في ذلك عبارات مثل «50% من الجنود يعانون من قضمة الصقيع؛ هناك نقص حاد في الإمدادات؛ إن 20% فقط من الأفراد العسكريين الروس يرتدون الزي الشتوي، وهناك عدد قليل من الخيام». وتم استخدام هذه العبارات لكي يظهر للعالم ان القدرات الروسية محدودة وجنودها يعانون من الارهاق في الحرب، وبالتالي تعزيز الثقة في النصر الأوكراني.
طائرة روسية من دون طيار، إيرانية الصنع، تحطمت في أيلول/سبتمبر الماضي، بعد أن قامت بتشغيل اتصال ستارلينك
ستارلينك في يد الروس
في الجهة المقابلة، اعتمدت القوات الروسية في الغالب على أجهزة الراديو لتوصيل ما يرونه ويفعلونه أثناء المعارك، وهي وسيلة بطيئة مقارنة بالإنترنت السريع. لكن، وفقاً لموقع واشنطن بوست، أصبحت القوات الروسية أكثر فتكاً وأكثر مرونة بمساعدة «محطات ستارلينك غير المشروعة»، ما سمح لها باستخدام الإنترنت عبر الأقمار الصناعية لتعزيز التنسيق أثناء الهجمات.
ينقل الموقع عن جنود أوكرانيين أن هناك سوقاً سوداء لـStarlink، توفر المحطات للروس على الجبهة، وكان انتشارها عاملاً مهماً في المكاسب التي حققتها روسيا مؤخراً خلال هجومها. انتقد بعض الجنود ماسك بالاسم، قائلين إن شركته لم تفعل ما يكفي للقضاء على الاستخدام غير المشروع، وألقوا بظلال من الشك على رغبته في حل المشكلة، قائلين إنه يبدو أن لديه آراء إيجابية تجاه روسيا.
المثير في هذا الصدد، أن طائرة روسية من دون طيار، إيرانية الصنع، تحطمت في أيلول/سبتمبر الماضي، بعد أن قامت بتشغيل اتصال ستارلينك.
ستارلينك في يد الجيش الإسرائيلي؟
ذكر تقرير صحافي، في حزيران/يونيو 2024، أن إسرائيل تتطلع إلى استخدام ستارلينك للحفاظ على الاتصال بالإنترنت في حالة نشوب حرب شاملة محتملة مع حزب الله على الحدود الشمالية يمكن ان يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي في إسرائيل. قالت صحيفة كالكاليست المالية اليومية إن وزارتي المالية والاتصالات تسعيان إلى استخدام 5000 قمر صناعي منخفض المدار من ستارلينك لضمان تدفق مستقر للبيانات والمعلومات لسلطات الدولة أثناء حالات الطوارئ.