
كيف يمكننا فهم هذا الرقم؟
الإنفاق العسكري العالمي 2.7 تريليون دولار
في العام 2024، سجل الإنفاق العسكري العالمي مستوى تاريخياً جديداً قدره 2,718 مليار دولار أميركي، بحسب بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، مواصلاً بذلك سلسلة من الزيادات السنوية المتتالية على مدار 10 سنوات، وبزيادة ملحوظة بنسبة 37% منذ العام 2015، علماً أن الزيادة السنوية الأخيرة في العام 2024 بلغت 9.4%، وتعتبر الأكبر منذ العام 1988 على الأقل، ما يعكس حجم القلق الذي تثيره النزاعات العالمية، وعلى رأسها استمرار الحرب الروسية الأوكرانية في أوروبا، وحروب إسرائيل في فلسطين والمنطقة العربية، فضلاً عن التوتر بين الصين والولايات المتّحدة الأميركية الذي قد يؤدّي إلى انزلاقات غير محسوبة في أي لحظة.
ماذا تعني هذه الأرقام؟
اليوم، يمثل الإنفاق العسكري العالمي 2.5% من إجمالي الناتج المحلي العالمي. بمعنى آخر، إذا سعّرنا جميع السلع والخدمات التي أنتجها العالم في العام 2024، فإن 2.5% من هذه القيمة الإجمالية قد خُصّصت للإنفاق العسكري. وبتعبير آخر، مقابل كل 1,000 دولار من الدخل الذي حقّقه أي شخص في العالم خلال العام 2024، ذهب 25 دولاراً منها لتمويل الإنفاق العسكري والتسلّح.
عند مقارنته بالاقتصادات الوطنية، يتجاوز هذا الرقم الناتج المحلّي الإجمالي لجميع دول العالم باستثناء 7 دول فقط. فهو يقارب الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا البالغ 3 تريليونات دولار أميركي، ويتخطّى الناتج المحلي الإجمالي لإيطاليا البالغ 2.3 تريليون دولار أميركي. والأكثر إثارة للدهشة أنه يزيد بمقدار 600 مليار دولار أميركي عن الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة، والتي تضمّ اقتصادات كبرى مثل السعودية والإمارات وقطر والكويت وعمان والبحرين.
بالنظر إلى الاقتصادات الأقل ثراءً أو ذات الحجم الصغير، نجد على سبيل المثال، أنه يجب مضاعفة حجم الاقتصاد اللبناني الحالي 130 مرة ليعادل هذا الإنفاق الهائل على السلاح. والأكثر دلالة، أنه حتى لو جمعنا الناتج المحلي الإجمالي لجميع الدول ذات الدخل المنخفض البالغ عددها 21 دولة، فإن هذا المجموع لن يصل إلى ربع الإنفاق العالمي على التسلح في العام 2024.
على الرغم من أن قيمة الإنفاق العسكري العالمي لعام 2024 مُقومة بأسعار الدولار للعام 2023، ما يعني أنها كانت لتكون أعلى لولا اختزال مساهمة التضخّم في ارتفاعه، فإنها تظل تتجاوز القيمة السوقية لشركة أمازون البالغة 1.98 تريليون دولار في نيسان/أبريل 2024، وذلك بنسبة 27%. كما أنها تفوق القيمة السوقية لشركات مثل غوغل وسعودي أرامكو وميتا، كلاً على حدة، وتعادل 3 أضعاف قيمة شركة تسلا، وتقارب 4 أضعاف قيمة شركة وولمارت، و9 أضعاف قيمة شركة كوكاكولا.
فضلاً عن كونها الاقتصاد الأكبر في العالم، فإن الولايات المتحدة صاحبة أكبر احتياطي ذهب في العالم بنحو 8.1 طن في العام 2024، وبحسب فوربز بلغت قيمة احتياطات الذهب الأميركي نحو 760 مليار دولار في شباط/فبراير 2025، أي 28% فقط من الإنفاق العالمي على السلاح، بل أقل من الإنفاق الأميركي على السلاح بنحو 997 مليار دولار في 2024، ما يعني أنه لو سيّلت الولايات المتحدة جميع ذهبها ما كان ليكفي لتمويل إنفاقها العسكري في عام واحد فقط.
كيف كان من الممكن إنفاق هذه الأموال؟
يواجه العالم سلسلة من التحدّيات المعقدة، مثل الفقر المدقع، والجوع المتفشّي، وارتفاع معدلات الأمية، والهجرة بسبب الحروب، والتغيرات المناخية المتسارعة، وغيرها الكثير من القضايا التي تنذر بالتفاقم المفاجئ والسريع. وعلى الرغم من أن جزءاً يسيراً من الإنفاق العسكري العالمي الهائل قادر على معالجة، أو الحد من تأثير معظم هذه المشكلات، فإنها لا تزال تعاني من الإهمال من حكومات الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.
وفقاً للبنك الدولي، يعيش 712 مليون شخص (أي ما يقارب 9% من سكان العالم) في فقر مدقع، وهو الفقر الذي يُعرّف بأنه العيش على أقل من 2.15 دولار أميركي يومياً. لكن، بحسب ورقة أصدرتها جامعة الأمم المتحدة في العام 2024، فإن القضاء على الفقر المدقع في جميع أنحاء العالم بحلول العام 2030 سيكلف نحو 70 مليار دولار سنوياً، أي بمقدار 2.6% من الإنفاق العالمي على السلاح في العام 2024.
في العام 2023، قُدّر عدد الذين يواجهون الجوع في العام بنحو 733 مليون شخص، وهو ما يعادل 1 من كل 11 شخصاً على مستوى العالم و1 من كلّ 5 أشخاص في أفريقيا. في العام 2024، أشارت أوكسفام إلى أن القضاء على الجوع في العالم يتطلّب 31.7 مليار دولار إضافية من المانحين، وهو يعادل 1.2% من الإنفاق العسكري العالمي في 2024، وهو أقل لو تغاضينا عن مساهمة التضخّم.
يكشف تحليل أجرته اليونسكو في العام 2019 أن مبلغ 14 مليار دولار أميركي كان كافياً لتمكين الدول الـ 20 ذات أدنى مستويات الإلمام بالقراءة والكتابة، بالإضافة إلى الدول التسع المعروفة باسم E9، وتمثل أكثر من نصف سكان العالم، من تحقيق مهارات وظيفية في القراءة والكتابة والحساب بحلول العام 2030. وبالنظر إلى أن 565 مليوناً من أصل 750 مليون بالغ أمي في العالم يعيشون في هذه الـ 29 دولة، فإن هذا المبلغ كان يستطيع محو 75% من الأمية على مستوى العالم، علماً أنه يمثل أقل من 1% من الإنفاق العسكري العالمي في العام 2024.
في العام 2025، تناشد الأمم المتحدة المانحين توفير 47 مليار دولار لمساعدة 190 مليون شخص ممن يفرّون من النزاعات ويكافحون الجوع في 72 دولة. ويعادل هذا المبلغ نحو 17% من الإنفاق العسكري العالمي، من دون احتساب التضخّم في العام 2024، فقد بلغت قيمة المناشدة 49.6 مليار دولار، لكنها واجهت فجوة تمويلية قدرها 43%.
ووفقاً لدراسة أجرتها شركة ماكينزي في العام 2024، فإن التحوّل المطلوب في الاقتصاد العالمي لتحقيق صافي انبعاثات صفرية في الجو بحلول العام 2050 يتطلب متوسط إنفاق سنوي على الأصول المادية يبلغ 9.2 تريليون دولار، أي بزيادة قدرها 3.5 تريليون دولار عن الإنفاق الحالي. وعلى الرغم من أننا متأخرون جداً في هذه العملية، فإن 77% من الأموال اللازمة تُنفق على الدفاع بدلاً من إنقاذ الكوكب.