تقديرات جديدة بناءً على الحسابات القومية الأميركية
1.5 تريليون دولار الإنفاق العسكري الأميركي الفعلي
لعقود من الزمن، أشار نفر من الباحثين المستقلين إلى أن الإنفاق العسكري الأميركي الفعلي يبلغ نحو ضعف المستوى المُعلن رسمياً.1 وفي العام 2022، سجّل الإنفاق العسكري الأميركي الفعلي 1.537 تريليون دولار، أي ما يزيد عن ضعف المستوى المعلن رسمياً وهو 765.8 مليار دولار. والبيانات المتصلة بالإنفاق العسكري الأميركي التي أعلن عنها كلّ من الحكومة الأميركية ومعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، الذي يعدّ مصدراً موثوقاً فيما يختص بالإنفاق العسكري الدولي، بالإضافة إلى حلف شمال الأطلسي، تستند إلى الأرقام التي يقدّمها مكتب الإدارة والموازنة الأميركي.2 ومع ذلك، تعاني هذه البيانات من عيبين رئيسين. أولاً، الأرقام المقدمة من مكتب الإدارة والموازنة فيما يتصل بـ«الإنفاق الدفاعي» أقلّ بكثير من تلك الأرقام الواردة في حسابات الدخل القومي والإنتاج الأميركي، والتي تعد المصدر الأكثر شمولاً ودقة للدخل القومي الأميركي والإنفاق عموماً، والمحدِّد لنهج المدخلات والمخرجات للاقتصاد بأكمله، وأساس كل تحليل يتناول الاقتصاد الأميركي. ثانياً، تُدرَج المجالات الرئيسة للإنفاق العسكري الأميركي باعتبارها أجزاء من النفقات الفيدرالية، ولا تُدرَج تحت فئة «الإنفاق الدفاعي» الخاصة بمكتب الإدارة والموازنة. وعلى الرغم من أن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام وحلف شمال الأطلسي يتبنيّان تعريفٍ أوسع «للإنفاق الدفاعي» مقارنة بحكومة الولايات المتحدة، ويقدّمان تقديرات مرتفعة بالارتكاز على أرقام مكتب الإدارة والميزانية، إلا أنهما في الواقع لا يفعلان ذلك إلا بصورة ثانوية وبطرق تفتقر إلى الشفافية، والحاصل أن أرقامهما تعلو بالكاد عن الأرقام الأميركية المعلن عنها رسمياً.3
إذا صحّ أن الإنفاق العسكري الأميركي الفعلي كان على الدوام قريباً من ضعف المبالغ المعلنة - وهو ما أثبتته الدراسات المستقلة مراراً وتكراراً - فإن منهجية التعامل مع مسألة الإنفاق العسكري الفعلي على أساس ثابت ودقيق إحصائياً وموثوق لم تتطوّر إلا بمرور الوقت. وقد سعت معظم المحاولات ببساطة إلى إضافة عناصر الإنفاق العسكري الفعلي التي تظهر كأجزاءٍ من الإنفاق الفيدرالي ولا تُدرج ضمن أرقام مكتب الإدارة والموازنة الخاصة بـ«الدفاع الوطني». وعلى الرغم من أن هذه الدراسات ساعدت في تمهيد الطريق، إلا أنها غالباً ما كانت تبدو اعتباطية وغير متماسكة، وليس كمنهجية تتسم بالاتساق. وقد أُحرِز تقدّم كبير في هذا الصدد للمرّة الأولى على يد يورغن م. براور في كلية إدارة الأعمال بجامعة ولاية أوغستا في العام 2007. قدّم براور نهجاً يتّخذ من بيانات حسابات الدخل القومي والإنتاج الأميركي المتعلقة بالاستهلاك العسكري الأميركي ونفقات الاستثمار أساساً للإنفاق العسكري الأميركي، ثم أضاف النفقات العسكرية الأخرى التي تخرج عن إطار الدفاع الرسمي مستخدماً حسابات الدخل القومي والإنتاج الأميركي، وقد توصّل عبر ذلك إلى منهجية مفصّلة للنفقات العسكرية الأميركية، لا تتغلّب على القيود المفروضة على بيانات مكتب الإدارة والميزانية المتعلقة بحساب «الإنفاق الدفاعي» فحسب، بل إنها تعتمد نهجاً غاية في الاتساق لإضافة النفقات غير المعلنة بالاستناد إلى بيانات حسابات الدخل القومي والإنتاج الأميركي.4 قامت هنا هولمان وجون بيلامي فوستر وروُبرت دبليو ماتشيسني بتطوير منهجية براور في المقال المنشور في مجلة Monthly Review في العام 2008، والذي قدّم تقديرات مفصّلة للنفقات العسكرية الأميركية الفعلية، وهي تختلف عن تلك البيانات التي اعترف بها مكتب الإدارة والموازنة رسمياً في العام 2007.5
الإنفاق العسكري الأميركي الفعليِّ في العام 2022 كان أكثر من ضعف «الإنفاق الدفاعي» المعلن من مكتب الإدارة والموازنة
على الرغم من أن تقديرات الإنفاق العسكري الواردة هنا تعتمد على دراسة العام 2008 التي أجراها كلّ من هولمان وفوستر وماتشيسني (انطلاقاً من التقدّم المنهجي الذي حقّقه براور في العام 2007) كأساسٍ لها، إلا أن الطريقة والنتائج تختلف إلى حدّ ما عن تلك الدراسة السابقة، حيث تتبنى افتراضات أكثر تحفُّظاً، مع الاستعانة ببعض التعديلات التي أدخلها براور في العام 2019. وهكذا، فإن النسب المئوية المنسوبة إلى الجيش ضمن النفقات الفيدرالية والمنح المقدّمة إلى البلدان الأجنبية هي أقلّ في التقديرات الحالية، وتتفق مع الافتراضات السائدة المقبولة بدرجة كبيرة. كما يُضاف التأمين الصحّي العسكري، الذي يتكوّن من مدفوعات الخدمات الصحية التي يؤدّيها العسكريين العاملين في المرافق غير العسكرية، والذي لم يُضمّن في الدراسة السابقة التي أجراها هولمان وفوستر وماتشيسني. وتجدر الإشارة إلى أن الإنفاق العسكري المتصل بالأسلحة النووية في وزارة الطاقة مدرجٌ في كلٍّ من مكتب الإدارة والموازنة وحسابات الدخل القومي والإنتاج الأميركي، كما هو مبيّن في الدراسة السابقة.
بالإضافة إلى بيانات حسابات الدخل القومي والإنتاج الأميركي الخاصة بإجمالي الإنفاق العسكري وإجمالي نفقات الاستثمار، تشتمل أرقامنا المتعلقة بالإنفاق العسكري الأميركي الفعلي على سبع فئات أخرى: مستحقات المحاربين القدامى، والتأمين على حياة المحاربين القدامى، وتكاليف المحاربين القدامى الأخرى، والتأمين الصحي العسكري، والحصص العسكرية في نفقات الفضاء، والمنح المقدمة لمساعدة الحكومات الأخرى، وصافي الفائدة المنسوبة إلى النفقات العسكرية الفيدرالية الفعلية. يشمل صافي الفائدة هنا صافي الفوائد «الداخلة في الموازنة» فحسب، ويستبعد صافي الفوائد «الخارجة عن الموازنة» المرتبطة بالضمان الاجتماعي ومدفوعات التحويل، فضلاً عن البريد.
تشكل مستحقّات المحاربين القدامى وصافي الفوائد ما يعرف بتكاليف التركة العسكرية والحرب، وبالتالي فهي تشكل جزءاً من الإنفاق العسكري الإجمالي، إلا أنها لا تُدرج في «ميزانية الدفاع» الرسمية. وتعزو شركة Euroconsult أن 42.4% من استهلاك الفضاء الفيدرالي والإنفاق الاستثماري يخصّص للجيش.6 وقد أدرج مجلس العلاقات الخارجية نسبة 33% من مجموع المنح الأميركية المخصصة للمساعدات الخارجية ضمن الأغراض العسكرية.7
في العام 2022، بلغ الإنفاق الدفاعي الأميركي الفعلي 6% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين قُدّر الإنفاق العسكري المعلن عنه بنصف هذه النسبة لا أكثر، أي 3%
تشكل هذه الفئات مجتمعة مكوّنات الإنفاق العسكري الفعلي كما هو موضح في الجدول. وصل الإنفاق العسكري الأميركي الفعلي في العام 2022 إلى 1.537 تريليون دولار، في مقابل 765.8 مليار دولار أعلن عنها مكتب الإدارة والموازنة، و876 مليار دولار بحسب تقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، و821 مليار دولار وفقاً لتقديرات حلف شمال الأطلسي. ويعني هذا أن الإنفاق العسكري الأميركي الفعليِّ في العام 2022 كان أكثر من ضعف «الإنفاق الدفاعي» المعلن من مكتب الإدارة والموازنة.
يوضح الرسم البياني التالي الإنفاق العسكري الأميركي الفعلي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنةً بنفقات الدفاع المعلن عنها وبيانَات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام من العام 2007 (العام الذي بدأ فيه الركود الكبير) حتى العام 2022. وعلى مدار الفترة بأكملها، بلغ متوسط الإنفاق العسكري الفعلي 6.7% من الناتج المحلي الإجمالي (حسابات الدخل القومي والناتج الأميركي). وفي العام 2022، بلغ الإنفاق الدفاعي الأميركي الفعلي 6% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين قُدّر الإنفاق العسكري المعلن عنه بنصف هذه النسبة لا أكثر، أي 3%.
يعرض الرسم البياني التالي الإنفاق العسكري الفعلي كنسبةٍ من إجمالي استهلاك الحكومة الفيدرالية وإجمالي الاستثمار، والذي بلغ متوسّطه 72% في خلال الفترة بأكملها، وفي العام 2022 وصل إلى 70.2%. ومع ذلك، فهو يرتفع مرة أخرى.
وشكّلت «نفقات استهلاك الدفاع الوطني» و«إجمالي الاستثمار الدفاعي الوطني»، على التوالي، نحو 47% و13% من الإنفاق العسكري الفعلي في العام 2022، وفقاً لحسابات الدخل القومي والإنتاج الأميركي. أما نسبة الـ 40% المتبقية من الإنفاق العسكري الأميركي فلم تُدرج في أرقام مكتب الإدارة والموازنة أو في الأرقام الأكبر المتعلقة بالإنفاق «الدفاعي» التي أعلن عنها مكتب التحليل الاقتصادي في حسابات الدخل القومي والإنتاج الأميركي، بيد أنها تظهر في ميزانيات أخرى ضمن حسابات الدخل القومي والإنتاج الأميركي. ويرد التوزيع في الرسم البياني التالي.
كل هذا يدل على قيام الحكومة الأميركية باختزال حجم الإنفاق العسكري الأميركي الفعلي. وقد أدرجت واشنطن نفقات ترتبط بالأنشطة العسكرية ضمن إدارات أخرى غير وزارة الدفاع.
وعلى الرغم أن مؤسّسات، مثل معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام وحلف شمال الأطلسي، تدّعي أنها تفصح بدقة عن الإنفاق العسكري الفعلي لغالبية البلدان، فإن تقديراتها في حالة الولايات المتحدة أقل من الواقع إلى حد كبير. وعلاوة على ذلك، من المهم أن ندرك أن البيانات الأساسية التي نرتكز عليها في حساباتنا (استهلاك الدفاع الوطني وإجمالي الإنفاق الاستثماري، باستخدام جداول مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي التابع لحسابات الدخل القومي والإنتاج الأميركي) هي بالفعل أكبر من التقديرات النهائية التي أعلن عنها معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام وحلف شمال الأطلسي. من الأمور الأساسية لتقديرات الإنفاق العسكري الفعلي الواردة هنا، إذن، حقيقة أن نفقات الأنشطة العسكرية ليست مدرجة بالكامل ضمن النفقات التي أعلن عنها مكتب الإدارة والميزانية. ومن الجدير بالذكر أن تحليلنا يتضمّن كامل التكاليف القديمة، التي تدعم الأنظمة العسكرية بأكملها، مثل مستحقات المحاربين القدامى وصافي مدفوعات الفائدة الهائلة التي تُعزى إلى الجيش والمسؤولة إلى حد كبير عن العجز الحكومي الأميركي. في حين لم يتم تضمينها في الإنفاق العسكري الذي أعلنت عنه الحكومة الأميركية، وقد أغفلها تقدير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إلى حد كبير (أنظر الملحق الإحصائي).
فلا عجب إذن، إذا أخذنا البلدان العشرة التي حققت أعلى معدل إنفاق عسكري في العالم في العام 2022، فإن الولايات المتحدة، استناداً إلى إنفاقها العسكري الفعلي كما هو مبين أدناه، تمثّل أكثر من 70% من الإجمالي.8
أدرجت واشنطن نفقات ترتبط بالأنشطة العسكرية ضمن إدارات أخرى غير وزارة الدفاع
الملحق الإحصائي : الأسلوب المنهجي
من أجل تقدير الإنفاق العسكري الأميركي الفعلي، نستخدم مجموعة من 9 بنود من حسابات الدخل القومي والإنتاج التي يصدرها مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي.
وفيما يلي وصف لمعايير تخصيص كل بند من هذه العناصر:
- نفقات استهلاك الدفاع الوطني. هذه المعلومات مقدّمة من مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي. نخصّص 100% من هذا البند لتقدير الإنفاق العسكري الأميركي.
- إجمالي الإنفاق الاستثماري للدفاع الوطني. هذه المعلومات مقدّمة من مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي. نخصّص 100% من هذا البند لتقدير الإنفاق العسكري الأميركي.
- التكاليف المتعلقة بالمحاربين القدامى. هذه المعلومات مقدمة من مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي، وتتكوّن من ثلاث فئات:
أ)التأمين على حياة المحاربين القدامى.
ب) استحقاقات المحاربين القدامى.
ج) أخرى.
نخصص 100% من البندين 3.أ و3.ب لتقدير الإنفاق العسكري الأميركي. الفئة «أخرى» (3.ج) مشتركة بين مؤسّسات أخرى، لذلك خصّصنا 25% فقط من هذه النفقات للمؤسسة العسكرية.
نخصّص 100% من البندين 3.أ و 3.ب لتقدير الإنفاق العسكري الأميركي. ثمة عدد من المؤسّسات يتقاسم فئة «أخرى» (3-ج)، ولذلك فقد خصّصنا 25% لا غير من هذه النفقات للمؤسّسة العسكرية.
التأمين الطبي العسكري (مدفوعات الخدمات الطبية للمعالين من الأفراد العسكريين العاملين في المرافق غير العسكرية).
استهلاك الفضاء والنفقات الاستثمارية الإجمالية. هذه المعلومات مقدمة من مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي. نخصّص 40% من استهلاك الفضاء وإجمالي استثمار الولايات المتحدة للأغراض الدفاعية، وذلك تبعاً لدراسة Euroconsult، والتي تفيد بأن 42.4% من الإنفاق العالمي على الفضاء في العام 2021 كان مخصصاً للأغراض الدفاعية.
منح في شكل مساعدات خارجية. هذه المعلومات مقدمة من مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي. نخصّص 33% من هذه النفقات للأغراض العسكرية، وفق التحليل الذي أجراه مجلس العلاقات الخارجية.
صافي الفوائد المنسوبة إلى الجيش التي دفعتها الحكومة الفيدرالية. هذه المعلومات مقدمة من مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي. وقد خصصنا هذا البند وفق الصيغة التالية:
نسبة التخصيص = إجمالي نفقات الحكومة الفدرالية المتصلة بالأغراض العسكرية على الاستهلاك وإجمالي الاستثمار/إجمالي نفقات الحكومة الاتحادية على الاستهلاك وإجمالي الاستثمار.
ومن المهم ملاحظة أننا نأخذ في الاعتبار إجمالي نفقات الاستثمار الفيدرالية في كل من البسط والمقام، وليس الإنفاق الاستهلاكي فحسب.
المقارنة مع التقديرات الأخرى
يقارن الجدول التالي طريقتنا مع التقديرات السائدة للإنفاق العسكري الأميركي. وبإمكاننا هنا أن نرى أن النفقات التي أعلن عنها مكتب الإدارة والميزانية (765.8 مليار دولار) أقل بكثير قياساً إلى المصادر الأخرى. يزعم معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام وحلف شمال الأطلسي أنهما يعكسان الإنفاق العسكري الفعلي للدول، بما في ذلك بعض التكاليف القديمة، بيد أن أرقامهما لا تزال أقل من الأرقام التي يكشف عنها الباحثين المستقلين (أنظر الجدول التالي). في الواقع، يمثل تقديرنا للإنفاق العسكري الأميركي الفعلي لعام 2022 ضعف ما أفصح عنه البيت الأبيض، و1.9 ضعف الإنفاق الذي قدره حلف شمال الأطلسي، و1.8 ضعف ما أعلن عنه معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام.
وباستخدام طريقتنا، تضاعف الإنفاق العسكري الأميركي الفعلي المعلن عنه لعام 2022. وبين عامي 2007 و2022، بلغ متوسط الفجوة بين تقديرنا والتقديرات السائدة حوالى 3% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
لقد ابتكر الباحثون المستقلون عدداً من الأساليب لحساب الإنفاق العسكري الأميركي الفعلي. في الجدول التالي نقدم تقديرات لسنوات مختارة أجراها باحثون مختلفون. وكما يمكن أن نرى، فقد توصل هؤلاء إلى تقديرات متماثلة، ولكنها بالطبع أعلى بكثير من التقديرات الرسمية للسنوات المعنية.
نُشِر هذا المقال في Monthly Review في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.